عاشت الأمة الآرامية بجميع طوائفها حرة أبية
 

اقرأ المزيد...

الدكتور أسعد صوما أسعد
باحث متخصص في تاريخ السريان ولغتهم وحضارتهم

ستوكهولم / السويد


هل وردت كلمة "سريان" في الكتاب المقدس؟

 هل وردت تسمية "سريان" في الكتاب المقدس؟ موضوع جذب اهتمام بعض القراء مؤخراً.

تمهيد:

ان ورود اسم ܣܘܪܝܝܐ "سوريايا" (سريان) أو اي اسم آخر في الكتاب المقدس او عدم ذكره، لا ينقص أو يزيد من قيمته ولا يؤكد او ينفي وجوده.

 لأن الكتاب المقدس ليس كتاباً عن تاريخ الشعوب القديمة رغم أن الكثير من تلك الشعوب مذكورة فيه مباشرة او في سياق المواضيع الأخرى.

لكن ذكر أي شعب في الكتاب المقدس يدل على أن تسمية ذلك الشعب إما كانت مستعملة اثناء تدوين النص الذي وردت فيه، أو أنها كانت معروفة من خلال مصادر أخري كانت في حوزة الكتّاب الذين دونوا النص المذكور.

 كما ان ذكر أي اسم  في الكتاب المقدس يدل على أن عمر ذلك الاسم يعود على الأقل إلى زمن تدوين الكتاب المقدس.

وقبل ان نبحث عن كلمة "سريان" في الكتاب المقدس سنقدم لمحة موجزة عن نص الكتاب المقدس وبعض ترجماته القديمة، ومنها السريانية، لانها على علاقة مبشرة بموضوعنا.

  أولاً: تسمية "سريان" في العهد القديم:

لقد كُتِب العهد القديم اولاً باللغة العبرية (التي هي لهجة كنعانية)، باستثناء بعض الفصول من أسفار عزرا ودانيال فأنها كتبت بالارامية (تسمى آرامية الكتاب المقدس). ان العهد القديم بلغته الأصلية، أي العبرية، لا يحتوي لا على كلمة "سريان" ܣܘܪܝܝܐ "سوريايا" ولا على  عبارة "لغة سريانية" ܠܫܢܐ ܣܘܪܝܝܐ "لشانا سوريايا" وهذا امر معروف.

 1.     النص العبري للكتاب المقدس.

لقد وصل العهد القديم الى مختلف الشعوب القديمة بواسطة ترجمته من لغته العبرية الأصلية.

 أما اقدم ترجمة للعهد القديم قبل المسيح كانت من العبرية إلى اللغة اليونانية، لكن في القرون المسيحية الأولى ظهرت عدة ترجمات إلى الآرامية والسريانية واللاتينية وغيرها.

 كما ظهرت ترجمات يونانية آخري غير الترجمة اليونانية القديمة.

أن النص العبري الحالي للعهد القديم ثبت نصه بصيغته الحالية وبلغته العبرية، دون استعمال حركات لتشكيل الكلمات، في القرن الاول الميلادي. وكان هناك حينها عدة قراءات مختلفة وصيغ لغوية متباينة في مختلف المخطوطات العبرية قبل تثبيت النص الحالي.

وقد اهتم به علماء اليهود في مختلف مدارسهم في فلسطين وبابل بدقة متناهية خلال التاريخ، فحافظوا عليه، وقاموا بعملية تشكيله مقلدين الطريقة السريانية في تشكيل الكلمات لتثبيت القراءة الصحيحة، فاستقر وضعه اللغوي النهائي في اللفظ والقراءة، كما هي عليه الآن، في القرن الحادي عشر الميلادي.

ان النص العبري الحالي وصلنا من مخطوطات ليست قديمة، بل أن اقدم المخطوطات التي تضم النص العبري كاملاً هي "مخطوطة القاهرة" وتعود إلى عام 895م، وتليها في القدم مخطوطة حلب وتعود إلى القرن العاشر الميلادي، وتليها "مخطوطة لينينغراد" من بداية القرن الحادي عشر.

 وهناك أيضاً "المخطوطة السامرية" من القرن الحادي عشر، والتي اكتشفت في دمشق.

والسامريون طائفة يهودية قديمة تعترف فقط بأسفار موسى الخمسة من العهد القديم.

ويختلف نص مخطوطتهم بحوالي 6000 موضع مع النص العبري اليهودي المعروف (والاختلافات بسيطة للغاية اغلبها في طريقة كتابة الكلمات وغيرها، لكنها لا تغيّر معنى النص).

 2.     ترجمات آرامية يهودية (الترجوم):

كان اليهود في زمن السيد المسيح والقرون الأولى التي سبقته وتلته قد فقدوا لغتهم العبرية في الكلام اليومي المحكي، إذ لم يعد يفهمون لغتهم العبرية التي اندثرت من الاستعمال اليومي منذ عدة قرون، لأنهم اصبحوا يتكلمون الآرامية في بيوتهم. فكان الكاهن في الكنيست مضطراً أثناء الصلاة ألى أن يترجم الكلام من العبرية ألى الآرامية المحكية بشكل عفوي وشفهي، وكانت هذه الطريقة شاقة ومتعبة للكهنة. وهذه الترجمة تسمى "الترجوم" (وهي كلمة آرامية تعني الترجمة).

وبعد ردحة طويلة من الزمن في ممارسة هذه الترجمة الآرامية الشفهية، كتب بعض علماء اليهود هذه الترجمة الآرامية الشفهية فأصبحت سفرا مكتوباً في متناول اليهود في الكنيست والبيت.

لكن هذه الترجمة ليست ترجمة بما تعنيه كلمة ترجمة من معنى، بل هي بشكل ادق شرح حرفي للنص العبري كما كان اليهود يفهمونه في زمن ترجمة/تأليف الترجومات.

 لذلك ليس لها هناك قيمة كبيرة من وجهة نظر النقد اللغوي للنص الكتابي للكتاب المقدس.

وهناك مجموعنتان للترجومات تضم كل واحدة منهما اسفاراً مختلفة من الكتاب المقدس:

 وهي الترجومات الفلسطينية والترجومات البابلية.

 3.     الترجمة اليونانية السبعينية:

ان اول ترجمة للعهد القديم نعرفها هي الترجمة التي تسمى بالترجمة "السبعينية" (من العبرية إلى اليونانية).

 وتسمى "سبعينية" لأنه حسبما ينص عليه التقليد اليهودي والكنسي أن "اثنين وسبعين" عالماً يهودياً خبراء باللغات العبرية والآرامية واليونانية قاموا بترجمتها، لذلك تسمى اصطلاحاً "سبعينية" بالنسبة لعدد المترجمين الذين شاركوا في أنشاء هذه الترجمة.

وقد اختير هؤلاء التراجمة من الاسباط اليهودية بالتساوي، أي ستة علماء من كل سبط يهودي. ويقول مؤرخنا العلامة ابن العبري (توفي عام 1286) بان هذه الترجمة انجزت بناء على أمر الملك المثقف "بطليموس فيلادلفوس"؛ حيث وضعوا كل اثنين من التراجمة في بيت في جزيرة "فوروا" لينجزا ترجمتهما، وهكذا انجز التراجمة ستة وثلاثين نسخة/ترجمة. 

وعندما قوبلت النسخ كلها مع بعضها فَوُجِدت مطابقة لم تتخالف لفظاً ولا معنىً، فاعتمد على صحة النقل (انظر "تاريخ مختصر الدول" لأبن العبري، طبعة صالحاني، بيروت 1983، صفحة 99).

وإن صحت هذه القصة أم لا، فان الترجمة السبعينية، وخاصة لسفر التكوين، هي أول واقدم ترجمة للنص العبري.

 أن هذه الترجمة "السبعينة" (من العبرية الى اليونانية) انجزت في مدينة الاسكندرية في مصر في منتصف القرن الثالث قبل الميلاد.

ان الاسم "السرياني" يرد هنا في هذه الترجمة اليونانية "السبعينية". وقد استعمله التراجمة هنا بدلاً من الاسم "الآرامي" الموجود في النص العبري.

4.    الترجمة السريانية البسيطة ܦܫܝܛܬܐ:

لقد انجزت هذه الترجمة السريانية "البسيطة" للعهد القديم مباشرة من الكتاب المقدس العبري وذلك في القرن الأول الميلادي ولغاية القرن الثالث، واطلق عليها علماء السريان في القرون اللاحقة اسم الترجمة/النسخة "البسيطة" ܦܫܝܛܬܐ ليميزوها من غيرها من الترجمات السريانية للكتاب المقدس.

بعد انجاز هذه الترجمة اخذ جميع السريان في كل مكان، من كنائس وكهنة وجميع المؤمنين، يستعملون هذه الترجمة السريانية " البسيطة" ܦܫܝܛܬܐ للكتاب المقدس في حياتهم المسيحية والكنسية اليومية، واستمروا يستعملوها لغاية اليوم مهملين الترجمات السريانية الأخرى للعهد القديم.

أما من عمل هذه الترجمة وأين فهناك عدة آراء بهذا الخصوص. لكنني استطيع التأكيد بان عدة أشخاص لهم خلفيات دينية وثقافية مختلفة اشتركوا في ترجمتها، فمنهم من كانوا مسيحيين، ومنهم مسيحيين من خلفية يهودية، ومنهم من كانوا من اليهود.

 ونصرح بهذا لان اللغة السريانية في هذه الترجمة "البسيطة" تتميز بشيء من الخصوصيات من سفر إلى آخر.

 ورغم كونها لغة سريانية واحدة في جميع اسفارها، إلا ان بعض الاسفار تتميز في الأسلوب والتنوع في اللغة تميزها عن غيرها من اسفار هذه الترجمة مما يدل على ان عدة تراجمة مختلفين ساهموا في ترجمتها. كما ان بعض اسفارها متأثرة بالترجمات الآرامية اليهودية المعروفة باسم "ترجوم".

أما مكان الترجمة فهناك آراء مختلفة بهذا الخصوص تتراوح بين مملكة حدياب الآرامية في شمال العراق، وذلك بناءً على طلب العائلة المالكة التي كانت تعتنق اليهودية، وبين مملكة الرها الآرامية (اورفا في تركيا).

إلا اننا نرجح الرها في هذا الموضوع كون الاهتمام اللغوي والثقافي بين أبناء هذه الدولة قديم، وان الرها كانت موطن هذه الفرع من اللغة الآرامية التي ترجم اليها الكتاب المقدس وعرفت لاحقاً باسم اللغة "السريانية"، وانها اصبحت مركزاً هاماً جداً لمجمل الثقافة السريانية، ولأن الرها ومدن الجوار كانت أيضا تحتضن جاليات يهودية مما يوضح لنا تاثير الترجومات اليهودية على بعض اسفار هذه الترجمة السريانية "البسيطة".

وحتى بعد انقسام السريان إلى مشارقة (نساطرة) ومغاربة (يعاقبة) استمر الفريقان السريانيان باستعمال هذه الترجمة السريانية "البسيطة" في كل الأمور الدينية والكنسية وكانت كتابهم المقدس الوحيد.

إلا ان علماء السريان القدماء المتبحرين في الكتاب المقدس لم يرتاحوا جدا إلى هذه الترجمة البسيطة، لذلك عملوا ترجمات سريانية أخري بعد ان احسوا بالفارق الذي بين النص اليوناني "السبعيني" وبين النص السرياني "البسيط" الذي في متناول يدهم. فأنجزت لاحقاً ترجمات سريانية اخرى قريبة من النص اليوناني.

منها الترجمة الفيلوكسينية التي اشرف عليها وانجزها العلامة فيلوكيسنوس المنبجي (توفي عام 523)، والترجمة السريانية "السبعينية" المعروفة ب "سيروهكسابلا".

أن الاسم السرياني لا يرد في هذه النسخة السريانية "البسيطة" من الكتاب المقدس.

 5.     الترجمة السريانية السبعينية.

ان علماء السريان من اللغويين واللاهوتيين في العصور الذهبية، لم يكونوا مرتاحين جداً من نص الترجمة السريانية "البسيطية"، لذلك انجزوا في القرون اللاحقة ترجمات سريانية أخري للعهد القديم ناقلين اياها من النص اليوناني "السبعيني" المذكور اعلاه.

وقد اطلق على هذه الترجمة السريانية الجديدة اسم ܫܒܥܝܢܝܬܐ "شبعينيتو/شبعينيتا" (السبعينية) لأنها ترجمت من النص "اليوناني السبعيني" الذي ترجم بدوره من العبرية في القرن الثالث قبل الميلاد. 

وكان العلامة السرياني بولس التلي قد انجز هذه الترجمة السريانية السبعينية من اليونانية في الاسكندرية حوالي عام 615، وذلك اثناء غزو الفرس المنطقة وهروب بولس التلي من ابرشيته تل موزلت (اليوم في جنوب شرق تركيا) الى مصر.

وسرعان ما انتشرت هذه الترجمة بين العلماء السريان (وخاصة المغاربة) واستعملوها في دراساتهم عن الكتاب المقدس وفضلوها في امور كثيرة على الترجمة السريانية القديمة، اي الترجمة "البسيطة".

كان بولس التلي (مطران تل موزلت بين ماردين والرها) قد انجز ترجمته السريانية المذكورة من النص اليوناني المتوفر في موسوعة العلامة "أوريجينس" لنصوص الكتاب المقدس.

حيث انجز هذا العالم الكبير أوريجينس حوالي عام 250 ميلادي في مدينة الاسكندرية بخط يده كتابة خمسين مجلداً ضخماً تضم مختلف الترجمات من العهد القديم، مقسمة الى ستة عواميد متوازية:

يحتوي العمود الأول النص العبري، والعمود الثاني النص العبري مكتوباً بالحرف اليوناني، اما بقية العواميد فيحتوي كل عمود على ترجمة يونانية مختلفة للعهد القديم.

 فالعمود الثالث يحتوي على ترجمة اقولاس، والرابع ترجمة سوماخوس، والخامس الترجمة السبعينية، والسادس ترجمة ثيوديطون.

 وقد وفر أوريجنس بعمله الكبير هذا اكبر خدمة لعلماء الكتاب المقدس حينها للدراسات اللغوية المقارنة.

وقد ترجم علامتنا بولس التلي الترجمة السبعينة الموجودة في "العمود الخامس" من مجموعة اوريجينس المذكورة.

ومن خلال ترجمة هذه النسخة السبعينة اليونانية الى السريانية في مدينة الاسكندرية، تصبح مدينة الاسكندرية أهم منطقة في التاريخ قدمت خدمة للعهد القديم:

ففيها ترجمت الترجمة السبعينة من العبرية إلى اليونانية في القرن الثالث قبل الميلاد، وفيها انجز العلامة اوريجينس تجميع مختلف الترجمات في مجلده العملاق حوالي عام 250 ميلادي، وفيها انجز عالمنا بولس التلي ترجمة النسخة السبعينة اليونانية الى السريانية في بداية القرن السابع الميلادي, وفيها ايضاً انجز عالم سرياني أخر، توما الحرقلي، ترجمة جديدة للعهد الجديد إلى السريانية، في نفس الوقت أي حوالي 615م.

ان اسم السريان ܣܘܪܝܝܐ "سوريايا" يرد في هذه الترجمة "السريانية السبعينية". وقد اتت كلمة "سوريايا" فيها كترجمة للاسم "الارامي" الموجود في النص العبري.

 إذ لما كان نص العهد القديم السرياني السبعيني مترجم عن النص اليوناني السبعيني وفيه كلمة "سرياني"، لذلك كان من الطبيعي ان يحتفط بها الترجمان السرياني ويدخلها في النص السرياني ايضاً ويكتبها بصيغة ܣܘܪܝܝܐ "سوريايا" (سرياني).

6.     الترجمة اللاتينية "فولغاتا":

مثلما تُرجمت الترجمة "اليونانية السبعينية" الى السريانية في الترجمة "البسيطة" "فشيطتو/بشيطتا"، كذلك تُرجمت النسخة اليونانية "السبعينية" إلى اللغة اللاتينية ايضاً في النسخة المعروفة "الترجمة اللاتينية القديمة" واستعملت فيها تسمية "سريان".

لقد كانت الثقافة المسيحية في الكنائس في المناطق اللاتينية الرومانية تُمارس باللغة اليونانية وتستعمل الكتاب المقدس باليونانية. لكننا نجد ظهور ترجمة لاتينية لأول مرة في شمال بلاد "الغال" وكذلك في شمال افريقيا التي كانت احد اجزاء العالم الروماني. فمثلا ان القديس ترتليانوس الذي نشط في قرطاجة حوالي عام 160 ميلادي كان يعرف هذه الترجمة اللاتينية وربما يستعملها، يعتقد اصحاب الاختصاص أن النص اللاتيني الذي كان متداولا في شمال افريقيا، كان يختلف الى حد ما عن النص اللاتيني المتداول في اوروبا حينها.

لكن هذه "الترجمة اللاتينية القديمة" ازيحت من الاستعمال لصالح ترجمة لاتينية اخرى وهي "الترجمة  اللاتينية الرسمية" والتي تسمى "فولغاتا" والتي انجزها القديس "هيرونيموس" (ولد في دالماتيا حوالي عام 340م وتوفي في فلسطين حوالي 420م) بناء على طلب شخصي من البابا "دماسوس" الاول عام 382 ميلادي.

كان هيرونيموس من "دالماتيا" وقام برحلات عدة منها للشرق، واستقر في فلسطين وتعلم العبرية، وبدأ عام 386 عمله بالترجمة في احد الاديرة في بيث لحم.

قام بترجمة المزامير اولاً من "النسخة اليونانية السبعينية" ولا زالت نسخة المزامير هذه تستعمل في الليتورجية في كنيسة القديس بطرس في روما.

 وثم قام بترجمة المزامير ثانية لكن من النص اليوناني السبعيني المتوفر في العمود الخامس في موسوعة "اوريجينس" المسماة "هكسابلا" (السباعية) وهي مستعملة في كل الكنائس الكاثوليكية، ثم تابع هيرونيموس وترجم كل العهد القديم من العمود الخامس للنسخة السبعينية في موسوعة "اوريجنس".

لكم معظم كتب هذه الترجمة فقدت. وبعد تمكنه من اللغة العبرية قام هيرونيمس بترجمة كل العهد القديم من العبرية لكن من نسخة عبرية لا نعرفها على وجه التحديد، الا انه استنادا الى الترجمة يشبه ذألك النص العبري إلى حد كبير النص الموجود الأن.

 كما اننا نعلم انه اعتمد ايضاً على النص "اللاتيني القديم" وعلى الترجمة "اليونانية السبعينية" والترجمات اليونانية الأخرى المتوفرة في "سباعية" اوريجينس.

وقد خضعت ترجمة هيرونيموس هذه الى عملية تنقيحح وتعديل لغوي في القرنين الثامن والتاسع.

كما ان اعتبر "السينودس الترنديتي" لاساقفة الكنسية الكاثوليكية لعام 1546 في مدينة "ترينت" في ايطاليا، أقر ان هذه الترجمة اللاتينية هي الوحيدة الشرعية في كل الكنيسة الرومانية الكاثوليكية.

 وفي نهاية عام 1589 طُبعت هذه الترجمة بمساعي البابا سيكستوس الخامس (فسميت الطبعة على اسمه)، وتبعه البابا اقليمس الثامن فطبعها مجددا عام 1593 وتسميت طبعته ايضاً باسمه.

في هذه النسخة اللاتينية يرد اسم "سرياني و"لغة سريانية" بدلا من "آرامي" ولغة "آرامية"، لكون هذه الترجمة اللاتينية التي ترجمت من العبرية، قد اعتمدت على النسخة "اليونانية السبعينية" ايضاً، لكن استعمالها للاسم "السرياني" اتى في الدرجة الاولى تمشياً مع العادة الدارجة في الثقافتين اليونانية واللاتينية بان يطلقوا على "الآراميين" اسم "السريان"، وعلى اللغة "الآرامية" اسم "اللغة "السريانية"

 7.     العلماء السريان القدماء يفضلون الترجمة السبعينية للكتاب المقدس:

ولقد نظر علماء الكتاب المقدس القدماء، نظرة تقدير للترجمة اليونانية "السبعينية" واعتبروها افضل من النص العبري الذي كان معاصراً لهم، لأن النص العبري القديم الذي تُرجمت منه النسخة "السبعينية" في القرن الثلث قبل الميلاد ضاع ويختلف لغويا إلى حد ما عن النص العبري الحالي الذي وصلنا منذ القرن الأول الميلادي.

 لذلك يرى علماء العهد القديم ان النص اليوناني السبعيني يمثل نصاً أقدم للكتاب المقدس من النص العبري الحالي الذي وصلنا.

 وفضّل علماؤنا السريان القدماء، وبينهم علامتنا الكبير ابن العبري، النص "السبعيني" اليوناني وترجمته السريانية على النص العبري وترجمته السريانية "البسيطة". يقول ابن العبري: "وهذا النقل السبعيني هو المعتبر عند علمائنا" (تاريخ مختصر الدول، صفحة 100).

ويقول ايضا في كتابه قواعد اللغة السرياني ܟܬܒܐ ܕܨ̈ܡܚܐ بقوله: ܕܡܦܩܬܐ ܦܫܝܛܬܐ ܕܒܐܝܕ̈ܝ ܣܘܪ̈ܝܝܐ ܫܚܝܡܐ: ܘܫܒܥܝܢܝܬܐ ܕܒܐܝܕ̈ܝ ܝܘ̈ܢܝܐ ܘܫܪܟܐ ܕ̈ܥܡܡܐ ܒܚܝܪܐ أي "ان الترجمة البسيطة الموجودة بين يدي السريان بسيطة، أما الترجمة السبعينية المتداولة لدى اليونانيين وبقية الشعوب مضبوطة" (انظر كتابه ܟܬܒܐ ܕܨ̈ܡܚܐ طبعة المستشرق السويدي آكسل موباري عام 1922، صفحة 238) وفي شرحه لسفر القضاة عدد 18، رقم 1، من للكتاب المقدس يقول ابن العبري ܗܢܐ ܦܬܓܡܐ ܠܐ ܬܪܝܨ ܒܣܘܪܝܝܐ "هذه الجملة ليست صحيحة في النص السرياني" (انظر كتابه الموسوعي ܐܘܨܪ ܐܪ̇ܙܐ "مخزن الاسرار" في شرحه لسفر القضاة عدد 18:1)؛ ويقول ايضاً ܡܢ ܗܪܟܐ ܝܕܝܥܐ ܠܐ ܚܬܝܬܘܬ ܡܦܩܬܐ ܣܘܪܝܝܬܐ "من هنا يتضح عدم دقة الترجمة السريانية "البسيطة" (نفس الكتاب في شرحه لسفر القضاة 18:30)؛ وقوله ايضا ܒܡܦܩܬܐ ܦܫܝܛܬܐ ܛܥܘ̈ܢܐ ܒܕܘܟ ܕܘܟ ܡܫܬܟܚܝܢ أي "هناك زلات "لغوية" ترد في بعض الأماكن من الترجمة البسيطة" (انظر كتابه القواعدي ܨ̈ܡܚܐ "صمحى"، صفحة 3).

إذأً، كان العلماء السريان القدماء يفضلون الترجمة السبعينية على الترجمة البسيطة. لكن رغم علو كعب الترجمة "السبعينية" وبساطة الترجمة "البسيطة"، فان الترجمة "البسيطة" تحولت إلى رمز ثقافي وديني سرياني يدل على السريان بمختلف فرقهم وكنائسهم.

 8.     كلمة "سريان" في النسخة السبعينية للكتاب المقدس:

لقد اوضحنا اعلاه اهمية الترجمة "السبعينية" اليونانية التي انجزت في مدينة الاسكندرية في مصر في القرون الأولى قبل الميلاد، وكيف ان العلماء السريان القدماء فضّلوا هذه الترجمة السبعينية اليونانية وترجمتها السريانية على الترجمة "البسيطة" التي هي من اوائل ترجمات الكتاب المقدس في الفترة المسيحية.

ان كلمة "سريان" و عبارة "لغة سريانية" لا ترد في الكتاب المقدس العبري ولا في ترجمته السريانية المعروفة باسم "بسيطة"، لكننا نرى هذه التسمية "سريان" واردة في اقدم ترجمة للكتاب المقدس أي في الترجمة اليونانية المعروفة باسم "السبعينية" التي ترجمت، كلها أو بعضها، في القرن الثالث قبل الميلاد.

لكن كيف ترد هنا كلمة "سريان" في الترجمة اليونانية "السبعينية" وهي غير موجودة في النص العبري الأصلي للكتاب المقدس؟ فمن اين اتت هذه التسمية ودخلت في الترجمة المذكورة؟

ان كلمة "سريان" موجودة في عدة اماكن من التوراة "السبعينية"، وقد وردت في معظم الاماكن التي يستعمل فيها النص العبري اسم "آرامي". ففي اغلب الاماكن التي وردت فيها كلمة "آرامي" في نص التوراة العبرية، ترجمها التراجمة إلى "سرياني" في التوراة اليونانية "السبعينية" المذكورة. ونفس الشيء فعلوا مع "عبارة لغة آرامية" حيث ترجموها إلى عبارة "لغة سريانية".

والسؤال هنا هل ترجم التراجمة فقط كلمة "آرامي" إلى "سرياني" أم ترجموا كلمة "آشوري" ايضاً الى "سرياني"؟ الجواب هو: فقط كلمة "آرامي" تُرجمت إلى "سرياني"، أما لفظة "آشوري" و "كلداني" وغيرها من الأسماء فلم تترجم إلى "سرياني".

إذاً، لا يوجد في النص العبري ذكر لكلمة "سريان"، لكن عندما ترجموا النص العبري إلى اليونانية وردت في الترجمة لفظة "سرياني" بدلا من "آرامي".

وهنا ربما تخطر ببال القارء الكريم عدة اسئلة، لكن السؤال الذي يطرح نفسه قبل غيره هو هل هذا "عمل أمين" قام بها التراجمة عندما ترجموا لفظة "آرامي" الى "سرياني"؟ ولماذا فعلوا هكذا أي ترجموا اسم "آرامي" إلى "سرياني"؟

بل من أين جلبوا تسمية "سرياني" وادخلوها في النص؟

ألا يوجد في اللغة اليونانية كلمة لتسمية "آرامي" ليكتبوها في الترجمة اليونانية، فاستبدلوها بلفظة "سرياني"؟.

كل هذه الاسئلة محقة بأن يطرحها القارىء الكريم.

 لكن الجواب على هذه الاسئلة بسيط للغاية.

 وهو كالتالي:

كانت قد درجت عادة شهيرة لدى اليونانيين بان يطلقوا على الآراميين تسمية "سريان" وعلى "اللغة الآرامية" تسمية "اللغة السريانية"، وكلما وجدوا كلمة "آرامي" دوّنوها بصيغة "سرياني".

 وبهذا الخصوص صرح المؤرخ اليوناني القديم سترابون (ولد حوالي عام 63 قبل الميلاد وتوفي حوالي 24 ميلادي) بقوله "ان الذين يطلق اليونانيون عليهم تسمية سريان فانهم يسمون انفسهم بالآراميين" (انظر كتابه:   

  (Geography, book I, 34).

وكذلك فعل المؤرخ اليهودي فلافيوس يوسيفوس الذي عاش مباشرة بعد المسيح (ولد حوالى عام 37 ميلادي ومات حوالى سنة 100 للميلاد) بقوله:

 "يطلق اليونانيون على الآراميين اسم السريان" (انظر كتابه:

 ( Antiquities of the Jews, Book I, Chapter 6)

 لقد بدأ اليونانيون يطلقون على المنطقة التي تضم سوريا والعراق ولبنان وفلسيطين اسم "سوريا"، وعلى شعبها اسم "سريان" وعلى لغتها اسم "سريانية". لكنهم ضموا في هذا الاسم الجديد الفينيقيين أيضا.

 لكن منذ القرن الثالث قبل الميلاد اطلقوا لفظة "سريان" فقط على الآراميين" حصراً. وتحول الموضوع لديهم  الى عادة بديهية. فكل كاتب يوناني كتب عن الآراميين حينها، لم يستعمل اسم "آراميين" بل سماهم "سريان" ولغتهم "سريانية". لكن الاراميين استمروا يسمون انفسهم "آراميين" رغم تسمية اليونان لهم بالسريان.

 وفي هذا المجال يقول المؤرخ والفيلسوف اليوناني بوسيدونيوس (حوالي 135 ق. م. – 51 قبل الميلاد) "ان السريان يطلقون على انفسهم اسم الآراميين" (انظر:

 Posidonius, (Cambridge Classical Texts and Commentaries 1988), vol. 2, pp. 955-956.

لذلك عندما قام التراجمة بترجمة الكتاب المقدس من العبرية إلى اليونانية، حافظوا في ترجمتهم على التقاليد والعادة الدارجة لديهم في اطلاق اسم "سريان" على الآراميين.

وهكذا لا نجد تسمية "سريان" في العهد القديم العبري، لكننا نجدها في ترجمته اليونانية المعروفة بالسبعينة، لانها انجزت في الفترة التي كان فيها اليونانيون يسمون الآراميين بالسريان، فترجموا لفظة "آرامي" الى "سرياني" حسب ما تقتضيه العادة الدارجة في اليونانية.

وقد جرى تبديل الاسم "الآرامي" إلى "سرياني" ليس فقط في هذه الترجمة اليونانية التي تسمى "السبعينية"، بل استبدل ايضاً في الترجمات اليونانية الاخرى التي انجزت في القرون التي تبعتها. وخاصة ترجمة "اقولاس" اليونانية (انجزت حوالي عام 130 ميلادي)، وترجمة "سوماخوس" اليونانية (انجزت حوالي عام 170 ميلادي)، وترجمة "ثيودطيون" اليونانية (انجزت في نهاية القرن الثاني الميلادي).

ففي جميع الترجمات اليونانية ترد كلمة "سرياني" ولفظة لغة "سريانية" كبديل لتسمية "آرامي" ولغة "آرامية" حفاظاً على التقليد اليوناني المتبع.

إذاً، الترجمات اليونانية القديمة للعهد القديم والتي انجزت من العبرية، بدءأً من الترجمة "السبعينية" ونزولاً إلى القرون الاولى بعد المسيح، تحتوي على اسم "سريان" ولغة "سريانية" كبديل للاسم "الآرامي" الاقدم عهداً.

 والترجمات الأخرى التي تمت من "السبعينية" إلى اللاتينية والسريانية وغيرها حافظت بدورها أيضا على تسمية سريان فيها.

 9.    هل يحتوي الكتاب المقدس "السرياني" على كلمة سريان؟

أن العهد القديم ترجم إلى السريانية من النص العبري مباشرة، ويُطلق على هذه الترجمة اسم ܦܫܝܛܬܐ "بشيطتا" (البسيطة)، ربما لتركهم البلاغة في نقلها (على حد قول ابن العبري في تاريخ مختصر الدول، صفحة 100).

 وقد تحولت هذه الترجمة السريانية "البسيطة" إلى الكتاب المقدس الرسمي "القومي" لدى جميع الفرق/الكنائس السريانية لغاية اليوم لان الجميع يستعملوها.

وهذا يدل على ان هذه الترجمة السريانية ܦܫܝܛܬܐ "بشيطتا" (البسيطة) انجزت قبل انقسام السريان إلى كنائس لذلك قبولوها، وان جميعهم يتفق على استعمالها لأنها ليست ترجمة خاص بكنيسة سريانية دون أخري.

ففي هذه الترجمة السريانية "البسيطة" لا يرد فيها لا اسم "سريان" ولا عبارة "لغة سريانية"، وذلك انسجاماً مع النص العبري الذي بدوره لا يحتوي على هذه الألفاظ.

كما أن الترجمة السريانية الحديثة إلى اللغة المحكية (السورث) والتي طبعتها بعثة بابل التبشيرية Mission of Babylon عام 1893 في أمريكا، والتي كانت قد ترجمت من هذا النص السرياني "البسيط"، لا تحتوي هي بدورها على كلمة "سريان" ܣܘܪܝܝܐ.

وكذلك في ترجمة "البسيطة" إلى الإنكليزية التي انجزها الدكتور جورج لمسا (1892-1975) (وهو سرياني من الكنيسة الشرقية) لا يرد فيها اسم "سرياني"، لانه ترجمها ايضاً من النسخة السريانية "البسيطة".

لكن في الترجمة السريانية "السبعينية" فترد فيها تسمية "سريان".

ثانياً: تسمية "سريان" في العهد الجديد:

أما في العهد الجديد من الكتاب المقدس فالوضع مختلف.

 أن كلمة "سرياني" ترد في انجيل لوقا (4:27) على لسان السيد المسيح عندما يذكر حدثاً مهماً من العهد القديم (من سفر الملوك الثاني 5) عن "نعمان الآرامي" الذي كان قائداً للجيوش السريانية التابعة للملك الآرامي برحدد في دمشق  (ربما من القرن الثامن او التاسع ) قبل الميلاد.

 أن "نعمان" المذكور كان آرامياً وقائداً للجيش الآرامي، وكان قد اصابه مرض جلدي (البرص)، فعندما استشهد به السيد المسيح لم يطلق عليه لقب "نعمان الآرامي" بل سماه "نعمان السرياني" ܣܘܪܝܝܐ (سوريايا).

أي أن الاسم "الآرامي" من العهد القديم تحول إلى "سرياني" في العهد الجديد.

نحن نشك ان كان السيد المسيح بنفسه قد سماه "نعمان السرياني" لان السيد السيح كان يتكلم الآرامية، وفي الآرامية لم يحصل تبديل الاسم "الآرامي" إلى "سرياني"، لكن كاتب الإنجيل لوقا الإنجيلي سماه باليونانية "نعمان السرياني" وليس "الآرامي"، لأن اطلاق تسمية "سرياني" على الآرامي كانت عادة دارجة في اللغة اليونانية وليس في الآرامية.

 والمعروف عن السيد المسيح انه تكلم الآرامية وليس اليونانية لذلك لم يستعمل المسيح التقليد اليوناني بل الآرامي اليهودي.

 وهكذا بسبب لغة الإنجيل اليونانية تسرب التقليد اليوناني إلى الإنجيل، وتحوّل لقب "نعمان الآرامي" من العهد القديم إلى "نعمان السرياني" في العهد الجديد.

 أما النص السرياني من الترجمة السريانية "البسيطة" للعهد القديم المنقول عن العبري فيقول عن نعمان المذكور "نعمان الآرامي" ܢܥܡܢ ܐܪܡܝܐ "نعمان آرامايا" وليس "السرياني"، تماماً كما ورد الاسم في التوراة العبرية أي "نعمان الأرامي".

لكن في الترجمة السريانية "السبعينة" للعهد الجديد المنقولة عن اليونانية، يسمى نعمان ܢܥܡܢ ܣܘܪܝܝܐ "نعمان سوريايا" (اي نعمان السرياني).

الخاتمة:

وهكذا لا نجد تسمية "سريان" في العهد القديم العبري، لكننا نجدها في ترجمته اليونانية المعروفة بالسبعينة، لانها انجزت في الفترة التي كان فيها اليونانيون يسمون الآراميين بالسريان، فترجموا لفظة "آرامي" الى "سرياني" حسب ما تقتضيه العادة الدارجة في اليونانية.

ومن الترجمة السبعينية اليونانية تسرب الاسم "السرياني" الى الكتاب المقدس اللاتيني والسرياني اثناء ترجمة هذه النسخة السبعينة الى السريانية.

أما في العهد الجديد ولأنه كتب باليونانية فترد به كلمة "سريان" في قصة "نعمان الآرامي" المذكورة في العهد القديم.

ولما قام تراجمة الكتاب المقدس بترجمة اسم "آرامي" إلى "سرياني" فهذا يقودنا ال القول أن الاسمين "آرامي" و "سرياني" كانا يدلان على بعضهما بشكل مترادف، لذلك حل الاسم السرياني بدل الآرامي كاسم مرادف له.

كما أن جميع الكتّاب السريان من مشارقة ومغاربة استعملوا في كتاباتهم في المرحلة المسيحية الاسمين "الآرامي" و "السرياني" بشكل مترادف ايضاً.

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها