عاشت الأمة الآرامية بجميع طوائفها حرة أبية
 

اقرأ المزيد...

الدكتور أسعد صوما أسعد
باحث متخصص في تاريخ السريان ولغتهم وحضارتهم

ستوكهولم / السويد


شهر على خطف المطرانين


(ملاحظة: نعيد نشر الموضوع معدلاً كي نلفت النظر الى خطف المطرانين)

ها قد مضت ثلاثة اشهر بالتمام ولا زال المطران مار غريغوريوس يوحنا ابراهام في اسره، ومعه صديق الخدمة والرعاية والزنزانة، المطران بولس يازجي. لقد مرت هذه الاشهر الثلاثة بسرعة وببطىء شديدين: بسرعة بسبب تتابع الاحداث السريعة والمتغيرات الكبيرة التي ضربت وتضرب المنطقة باستمرار، وببطىء لان كل يوم في السجن والاسر طويل جدا بليله وظلامه ومعاناته وكأنه سنة كاملة. ومطراننا الاسير يستنكف ظلام ليل سجنه الطويل ويردد مع الشاعر امرؤ القيس شكواه عن طول الليل وثقله بقوله:


ولَـيْـلٍ كَـمَـوْجِ الـبَـحْـرِ أَرْخَـى سُـدُوْلَــهُ عَــلَـيَّ بِـأَنْـوَاعِ الـهُــمُــوْمِ لِــيَــبْــتَــلِـي
فَــقُــلْــتُ لَـهُ لَـمَّـا تَـمَــطَّــى بِـصُــلْــبِـهِ وأَرْدَفَ أَعْــجَــازاً وَنَـــاءَ بِــكَــلْـــكَــلِ
ألاَ أَيُّـهَـا الـلَّـيْـلُ الـطَّـوِيْــلُ ألاَ انْـجَـلِــي بِـصُـبْـحٍ، وَمَــا الإصْـبَـاحُ مـنِـكَ بِأَمْثَلِ
فَــيَــا لَــكَ مَــنْ لَــيْــلٍ كَــأنَّ نُــجُــومَــهُ بــكــل مُــغــار الـفــتـل شُــدّت بـيـذبل
كَـأَنَّ الـثُـرَيّــا عُـلِّـقَــت فـي مَـصـامِــهـا بِــأَمْــرَاسِ كَــتَّـانٍ إِلَــى صُــمِّ جَــنْــدَل ِ

 

نعم، وفي زحمة كوابيس هذا الليل الثقيل، نتذكر ايضا خطف الكاهنين الحلبيين اسحق محفوظ وميشال كيال، حيث مضى على خطفهما حوالي ستة اشهر، ولا يوجد اي خبر لا عن المطرانين ولا عن الكاهنين. كل ما هناك اخبار متضاربة غير مؤكدة.
لقد سمع عن قصة خطف المطرانين الجليلين كل من القاصي والداني نظراً لمكانتهما ولدورهما الرائد في الحياة الكنسية والثقافية والاجتماعية والتعايشية والوطنية في سوريا. ويعتبر خطف المطرانين حلقة في سلسلة طويلة من عمليات الخطف التي طالت مؤخراً بعض الاشخاص من كل القوميات والطوائف وشرائح المجتمع السوري التعددي اثنياً ودينياً وطائفياً.
لكن الغريب في عملية خطف المطرانين المذكورين انها لا تشابه حالات الخطف الاخرى التي حدثت وتحدث منذ سنوات في العراق ومصر، وحديثاً في سوريا. وقد علمتنا احداث الشغب والعنف والخطف والقتل في الشرق الاوسط، بان الخاطف اينما كان موقعه، فهو ينتمي الى واحدة من ثلاث مجموعات: اما سياسية، او اسلامية متطرفة، او عصابة اجرامية. والدارج في عمليات الخطف ان الخاطف يقوم بالاعلان عن نفسه بعد الخطف بفترة قصيرة ليفصح عن هدفه من عملية الخطف وثم يحدد مطالبه ومواقفه.
لكن الاكثر غرابة في الموضوع ان مَن خطفَ المطرانين المذكورين لم يعلن عن نفسه حتى الان، ولم يكشف عن هدفه وغايته من الخطف، ولم يحدد مطالبه مقابل اطلاق سراحهما. وهذا بالفعل أمر غير طبيعي يفسح المجال امام العديد من التساؤلات التي لا جواب لها.
فاذا كان الخاطف من اهل السياسة فانه والحالة هذه يستعمل ضحيته المخطوفة للضغط على الحكومة او على جهة سياسية ما للحصول على مكاسب سياسية، او ربما مقايضة المخطوف بأسير او سجين من حزبه او حركته؛ وان كان الخاطف من حركة اسلامية متطرفة فانه يعادي اصحاب الديانات والطوائف الاخرى وربما يمارس القتل بحقهم، فيخطف منهم ويفتخر بقتل المخطوفين مكبراً، وربما ينشر عملية القتل في الانترنت لترعيب الاخرين؛ وان كان الخاطف مجرماً هدفه الابتزاز فانه يتصل لاحقا باهل المخطوف ويطلب فدية مالية مقابل فك اسر المخطوف.
لكن في حالة خطف المطرانين فانه حتى زمن كتابة هذه السطور لم يعلن الخاطف عن نفسه ويحدد اهدافه ومطالبه. فالخاطف هنا ربما ينتمي الى مجموعة جديدة غير المجموعات الثلاث المذكورة اعلاه، وربما له اهداف غير الاهداف المذكورة اعلاه؟ من يدري؟
لقد تدخل في قضية الخطف الكثير من رجال السياسة والدين والفكر من اعلى المستويات شرقا وغرباً، ووجه النداء تلو النداء الى الخاطفين لفك اسر المطرانين لانهما رسل محبة وسلام، لكن لم يصدر اي جواب ولا اية اشارة من الخاطفين لغاية هذه الساعة. وقد قامت معظم القيادات المسيحية في العالم بالصلاة لاجل الافراج عنهما وعودتهما سالمين، وبينهم بابا الفاتيكان، لكن دون جدوى، يبدو ان الرب لم يستجب لصلاتهم ودعواتهم.
وكان بطريرك السريان الارثوذكس "زكا الاول" في كلمته بمناسبة عيد الفصح قد صرح بعض الكلام الهام جدا في تعليقه على حادثة الخطف، حيث دعا "مسيحيي الشرق وخاصة في سوريا الى التشبث بتراب الوطن"، قائلاً: "انه ميراثنا الشرعي من أجدادنا وابائنا الذي ليس لاحد غيرنا أي حق فيه"، واضاف قائلاً: "هذا وطننا ونحن فيه قبل مجيء المسيح وبعد مجيئه، وجذورنا فيه عميقة لا يمكن اقتلاعها، وسنظل راسخين فيه الى نهاية العالم". انظر الرابط رقم ( 1):
ومن بين الاشخاص المسلمين المهمين في العالم ممن وجهوا نداء الى الخاطفين للافراج عن المطرانين، السيد "احسان اوغلو" الامين العام لمنظمة التعاون الاسلامي في العالم، ففي بادرة جميلة منه اصدر بيانا بتاريخ 27 نيسان دعا فيه إلى ضرورة الإفراج الفوري عن المطرانين دون أية شروط، قائلا: "أن هذا التصرّف يتنافى مع مبادئ الدين الإسلامي والمكانة التي يوليها الإسلام لرجال الدين المسيحي". انظر الرابط رقم (2):

وكذلك وجه الامير الاردني "الحسن بن طلال" رئيس منتدى الفكر العربي نداء قال فيه: "ان اختطاف صديقَي العزيزين مطران السريان الارثوذكس يوحنا ابراهيم ومطران الروم الارثوذكس بولس اليازجي، لدليل اخر على انحدار خطير نحو تدمير للذات في انحاء البلاد والمجتمعات التي طالما عاش فيها اتباع الديانات الابراهيمية معاً". ودعا الامير الى اخلاء سبيل المطرانين، وختم قائلاً: "اطلب منكم اليوم الانضمام الينا للعمل من اجل اطلاق سراح المطرانين، وللحوار كوسيلة لحل الاختلاف ووقف العنف بين الاخوة." انظر الرابط رقم (3):

لكن كل هذه النداءات والدعوات لاجل اطلاق سراح المطرانين من هؤلاء الاشخاص المهمين أكانوا مسلمين او مسيحيين، لم تنفع بل ذهبت ادراج الرياح.

ان المطران يوحنا ابراهام علم من اعلام الدين المسيحي في الشرق الاوسط الذين يعملون مع المفكرين المسلمين من اجل التعايش بين الاديان ولخلق ارضية مشتركة للسلم الاهلي لكل المواطنين. وقد اشترك في الكثير من المؤتمرات حول الحوار الاسلامي المسيحي والعيش المشترك وقدم فيها محاضرات ومداخلات. ومنها اشتراكاته ومساهماته في المؤتمرات التي نظمها الامير الحسن بن طلال المهتم بالثقافة والفكر والعيش المشترك بين المسيحيين والمسلمين، واشترك معه في عدة ندوات عالمية هامة حول الحوار الاسلامي المسيحي. اقرا عنها في الرابط رقم (4): ومنها مؤتمر مؤتمر صيانة العيش المشترك في العالم العربي: انظر الرابط رقم (5)
واللقاء الحواري مع الامير حسن انظر الرابط رقم (6)، والرابط رقم (7)، وكذلك مؤتمر أهميّة استمراريّة الوجود المسيحي في الشرق، الرابط (8).
لكن للاسف ان حضوره ومشاركاته مع القيادات العربية والاسلامية في هذه المؤتمرات الودية لم تنفعه لأن يد الغدر طالته دون وازع اخلاقي، ودون اي تقدير لدوره في ارساء التعايش بين الطوائف في المنطقة. واختطف مع صديقه المطران يازجي دون اي اعتبار كما يختطف اي شخص عسكري او سياسي مشارك في النزاع الدائر.
المطران يوحنا ابراهام والمطران بولس يازجي وكنيستهم الانطاكية:
المطران يوحنا ابراهام كاهن في كنيسة السريان الارثوذكس والمطران بولس يازجي كاهن في كنيسة الروم الارثوذكس. وان هاتين الكنيستين: كنيسة السريان الارثوذكس وكنسية الروم الارثوذكس، انفصلتا عن بعضهما البعض عام 451 ميلادي. وكانت الغالبية الساحقة لشعب الكنيستين المذكورتين في الشرق قبل انفصالهما وبعده تتكون من الاراميين ولغتهم الارامية. لكن على اثر انعقاد المجمع الكنسي في خلقيدونية عام 451 م والاختلاف على تحديد طبيعة المسيح، ادى الى انقسام كنسي كبير بين المؤيدين للقول بان للسيد المسيح "طبيعتين متحدتين" وبين المؤيدين للقول بان للسيد المسيح "طبيعة واحدة متحدة من طبيعتين". وقد تأسس من القائلين بالطبيعتين كنيسة الروم الارثوذكس ومن القائلين بالطبيعة الواحدة كنيسة السريان الارثوذكس. وكان معظم قياصرة الروم يساندون الكنيسة القائلة بالطبيعتين ويضطهدون احياناً الكنيسة القائلة بالطبيعة الواحدة. ان كنيسة الروم المذكورة اهملت استعمال لغتها السريانية تدريجيا، لتستبدلها اخيراً بالعربية التي وفدت مع المسلمين الذين احتلوا سوريا والعراق في القرن السابع الميلادي. بينما حافظت الكنيسة السريانية على اللغة السريانية في طقوسها وهويتها واصالتها لغاية اليوم.
لذا فالمطران ابراهام والمطران يازجي هما في الاساس كهنة في كنيسة واحدة انطاكية، انقسمت الى اثنتين قبل حوالي 1500 سنة، ثم ومع مرور الزمن انقسمت كل واحدة بدورها الى فروع اخرى كاثوليكية وبروتستانية.

المطران المخطوف:
والمطران يوحنا ابراهام رجل عالم وعامل، وهو مطران منذ حوالي 35 سنة. ولد في القامشلي ودرس في مدارسها السريانية المراحل الابتدائية والاعدادية، ثم انتسب الى كلية مار افرام اللاهوتية في زحلة، ثم انخرط منذ صباه في سلك الرهبنة، وفي عام 1973 درس في المعهد الشرقي في جامعة روما وحاز على ليسانس في الدراسات الشرقية، وبكالوريوس في الحق الكنسي الشرقي عام 1976، ثم انتسب بعدها الى جامعة لوفان الشهيرة لنيل الدكتورا (وهو اول اكليركي سرياني ارثوذكسي يدرس في معهد كاثوليكي في روما، لذلك كان يقول عنه الاصدقاء مازحين بانه سفير الكنيسة السريانية الارثوذكسية لدى الفاتيكان، وممثل الفاتيكان في الكنيسة السريانية الارثوذكسية، لكن إن دل هذا على شيء فيدل على علاقته المسكونية الممتازة). وقد خدم اثناء رهبنته في سوريا والعراق ولبنان واوروبا، لذلك اكتسب خبرة كبيرة وتجربة جيدة في العمل الكنسي، وتعرف على السريان من ابناء الابرشيات التي خدم فيها كراهب كاهن.
وقد اكتشف بطريرك كنيسته حينها، البطريرك العلامة المرحوم يعقوب الثالث (توفي عام 1980)، امكانياته الجيدة فتوسم به خيراً؛ فاستدعاه ورشحه لابرشية حلب. وبعد موافقة الابرشية قام البطريرك برسامته مطراناً في مدينة حلب وتوابعها في بداية آذار من عام 1979 وعمره حوالي الثلاثين سنة، خلفاً لمطران حلب المستقيل المرحوم "القديس" جرجس القس بهنام (توفي عام 1992). وكان يوم رسامة المطران يوحنا بهجه عارمة لكل السريان الارثوذكس لان الجميع كانوا يعرفونه ويعرفون دماثة اخلاقه وسمعته العاطرة. وتقديرا لابرشية حلب ومكانتها توجه البطريرك يعقوب بنفسه الى حلب ورسمه هناك. وبين المطارنة السريان الذين شاركوا في مراسيم رسامته ولا زالوا على قيد الحياة المطرانان مارغريغوريوس صليبا شمعون (مطران الموصل سابقا) ومار سويريوس حاوا (مطران بغداد والبصرة) وكلاهما من وفي العراق (امد الله في عمرهما). وكان المطران المرتسم قد القى ايضا كلمة بالايطالية، اللغة التي درس فيها في روما، موجهة الى السفير الفاتيكاني والمطارنة والاشخاص الموفدين القادمين من روما ومن حاضرة الفاتيكان.
ومع مرور الزمن، وخاصة في الفترة الاخيرة، اصبح المطران يوحنا ابراهام اهم كاهن في كنيسة السريان الارثوذكس، وربما أهم مطران مسيحي في سوريا، وكذلك من اهم رجال الدين بين كل الطوائف والاديان في سوريا. ومن مزاياه الحميدة علاقته الجيدة مع معظم رجال الدين المسيحي في الشرق الاوسط، ومع الكثيرين من رجال الدين الاسلامي وقياداتهم، وصداقته مع معظم العلماء المتخصصين باللغة والثقافة السريانية في العالم، ومعرفته لمعظم ابناء طائفة السريان الارثوذكس في كل مكان. كل هذا اعطاه خبرة جيدة في العمل الكنسي والمؤسساتي والمسكوني.
ان محبته للتراث السرياني حملته على الاشتغال بهذا التراث الغني، فعمل على تأسيس دار نشر وطباعة عشرات الكتب حول هذا الموضوع، وشارك في الكثير من المؤتمرات والندوات حول هذا التراث، ومثل كنيسته في مؤتمرات عالمية مختلفة.
لقد نجح المطران يوحنا في حياته الكنسية والثقافية والاجتماعية بشكل جيد، فاصبحت حلب من أبرز وأهم الابرشيات السريانية الارثوذكسية في العالم مشحورة بحسن تتنظيمها وادارتها وامكاناتها ومكانتها.
وفي حمأة الحرب القذرة في سوريا، نجد المطران يوحنا على علاقة طيبة مع الحكومة السورية ومع كل اطراف النزاع وهو يتنقل بين مناطقهم مؤدياً خدمات انسانية للفقراء والمحتاجين والمرضى والمحتجزين عندما يتطلب منه العمل الانساني ذلك؛ انه يسخّر شبكة علاقاته الطيبة لخدمة كل المحتاجين من مسلمين ومسيحيين وغيرهم، وكم من مرة تنقل بين جبهات القتال بحثاً عن مخطوف ما لاقناع الخاطفين باطلاق سراحه، أو لنقل قتيل من الخطوط القتالية لتسليمه لاهله لدفنه.
نعم، ان اطراف النزاع في سوريا يعرفون المطران يوحنا ويقدرون دوره الانساني الذي اشتهر به من بين كل الكهنة المسيحيين في سوريا. كما ان نجاحه عدة مرات في البحث عن مخطوفين ومحتجزين ومتضررين، ضاعف في رصيد محبة الناس له وتقديرهم لاعماله الانسانية الهامة. لكن ان يحصل ما حصل له، لم يكن يخطر في بال انسان على الاطلاق.

وحتى كنيسة السريان الارثوذكس في حلب وبعض مؤسساتها الكنسية تعرضت للقصف عدة مرات، كان اخرها بضعة ايام فقط بعد خطف رئيس الابرشية واسره. فقد سقطت ليلة الثلاثاء 7/ 5/ 2013 قذيفة هاون على سطح دار مطرانية السريان الارثوذكس الجديدة بالسليمانية في حلب، وقد أدت إلى حدوث أضرار مادية في الطابق السادس منها، كما سقطت قذائف أخرى بمحيطها. وهذه هي المرة الثانية التي تسقط فيها قذائف في أيام مختلفة منها أمام باب كاتدرائية مار أفرام يوم الثلاثاء 23/ 4/ 2013، وأدت أيضاً إلى حدوث أضرار مادية في الباب الخارجي، وتكسير في زجاج النوافذ في الطوابق. وكأن هذه الهجمات رسالة موجهة من خاطفي المطران يوحنا ابراهام لا نعلم مغزاها، انطر رابط (9) ورابط (10).
وفي اذار 2012 حصل انفجار ارهابي هائل في احد الاحياء المسيحية في حلب بقرب مطرانية السريان الارثوذكس، وكان المطران يوحنا في نفس اللحظة مستقلا سيارته في الطريق بجوار مكان الانفجار، لكن العناية الربانية احاطت به ونجا من التفجير دون اذى، انظر رابط (11).

كنتُ اعتقدُ شخصياً، إن كان هناك شخصية واحدة في سوريا لن يصيبها اي مكروه من الطرفين: أكان من الحكومة او من مقاتلي المعارضة، فهو المطران يوحنا ابراهام. لكن تناقاضات الحياة والزمن السيء كثيرة ولا تطاق، حيث يقع فاعل السلام ومحامي الانسانية المنكوبة ضحية لعمله الانساني الكبير فيصبح رهينة بيد من اراد لهم الخير والسلام، فيربطون يديه بالسلاسل عوضاً عن تقليده سلسلة ذهبية على صدره، ويرموه اسيراً في غرفة تعيسة مظلمة بدلاً من تقديره وتكريمه. وهذا يذكرني بمقولة الفيلسوف السرياني مارا بن سرافيون (من المئة الثانية بعد الميلاد) عندما اخذه الرومان اسيراً وسجنوه، فسأله احد الاصدقاء عندما رآه ضاحكاً في سجنه فقال له: "قل لي بحياتك يا مارا، ما الذي يضحكك؟ فاجابه الفيلسوف: اني اضحك من الدهر الذي يرد علي شراً لم اباديه به".
انني منذ سماعي خبر اختطاف المطران يوحنا ولغاية اليوم، احاول الدخول الى الموقع الالكتروني لكنيسة السريان الارثوذكس في حلب عدة مرات يومياً، متمنياً ومتأملاً في كل مرة ان اقرأ خبراً مفرحاً باطلاق سراح صديقنا وحبيبنا المطران يوحنا ابراهام. لقد طال غيابه في أسره، لكنني سأظل يومياً اتابع اخباره الى ان اقرأ خبر اطلاق سراحه لتتم الفرحة بعودته وعودة المطران بولس الى كنائسهم سالمين.

الكنيسة وموقفها السلبي:
ان للسريان الارثوذكس ثقل لا باس به في اوروبا في جميع المجالات ومنها السياسية، فمثلا يوجد في السويد ستة اشخاص سريان ارثوذكس هم اعضاء في البرلمان السويدي يمثلون مختلف الاحزاب السويدية، بالاضافة الى عشرات السياسيين السريان الذين هم في مجالس المحافظات والبلديات، لكن للاسف الشديد لم يستغل هذا الثقل كما ينبغي في قضية المطران يوحنا ابراهام. كما يوجد ثمانية مطارنة للسريان الارثوذكس في اوروبا يرأسون ابرشيات سريانية في مختلف الدول الاوروبية، ولم نجد هولاء المطارنة يعملون ما ينبغي عمله لاجل المطران المخطوف بالرغم من كونهم معنيين مباشرة للدفاع عن اخيهم الكاهن. ان تقصيرهم بالعمل المطلوب في قضية المطران يوحنا كانهم يشمتون به وبخطفه، فاذا كان هذا صحيحاً فتعساً لهم. كان ينبغي ان تتوقف كل المراسيم والطقوس في الكنائس السريانية بعد خطفه، وان تتخصص جميع الصلوات يوميا لاجل المطران المخطوف، وان تكون المواعظ في كل الكنائس حول هذه المناسبة الى ان يطلق سراح المطرانين المخطوفين.
كما كان يجب على التلفزيونات السريانية في اوروبا ان تخصص كل برامجها خدمة لهذه القضية المأساوية، وان لا تغيب صورة المطرانين من شاشاتها ليلاً نهاراً. لان ما حصل ليس حالة افرادية بل له قيمة معنوية ورمزية عالية، لانه يمس الوجود المسيحي برمته في سوريا ويزعزع مستقبل المسيحيين فيها، خاصة عند خطف رموز مسيحية بثقل المطران يوحنا وصديقه المطران بولس. فتباً لجميع المؤسسات الكنسية والمدنية المقصرة على لا مبالاتها.
ان المطران يوحنا والمطران بولس يازجي هما في الاساس راهبان وهبا زهرة حياتهما لعبادة الله ومحبته، وكرسا وجودهما لخدمة الرب والانسان كائناً من كان. ان الراهب قطع نفسه عن مباهج الحياة وملذات العالم، وليس لديه عائلة وابناء، لكن كل البشرية هي عائلته وكل الناس ابناء له بالروح، فهو يصلي لخير البشرية جمعاء لتنعم بالسلام والامان.
ايها الكاهن المحترم انت دائماً في عقولنا وقلوبنا، ولا نستطيع ان ننساك وننسى ما اصابك، "طوبى لك لأنك من صانعي السلام، وطوبى لك اذا عيروك وقالوا لك اية كلمة سوء لاجل ما تمثله".


اسعد صوما اسعد
ستوكهولم


الروابط:
http://www.aljoumhouria.com/news/index/70609رابط (1)

 
رابط (2) http://arabic.rt.com/news/614155/ :


رابط (3) http://jordanzad.com/index.php?page=article&id=120258


رابط (4) http://new.alepposuryoye.com/topic/3225


رابط (5) http://www.youtube.com/watch?v=8ZmrJlkFeBE


رابط (6) http://new.alepposuryoye.com/topic/3209


رابط (7) http://new.alepposuryoye.com/topic/3209


رابط (8) http://new.alepposuryoye.com/topic/3216


رابط (9) http://new.alepposuryoye.com/topic/3784


رابط (10) http://new.alepposuryoye.com/topic/3279


رابط (11) http://new.alepposuryoye.com/topic/3089

 

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها