الآرامیون في التاریخ
الجزء الاول
المقدّمة
لقد كُتبَ الكثير عن الآراميين وعن الدور الذي قاموا به في الشرق الأوسط
على مختلف الصعد: السياسية والاجتماعية والحضارية...، وعن مدى انتشارهم في
مختلف البلدان، ولاسيما في أماكن عديدة من الإمبراطورية الآشورية، ثم في
البلاد البابلية. وأقاموا دويلات عديدة في بلدان كثيرة، ولكنهم لم يفلحوا
في تكوين إمبراطورية أو دولة قوية. وأهم تجمع لهؤلاء الأقوام تمركز في
سوريا، حيث اّتخذوا الشام (دمشق) عاصمة لهم، ومنها كانوا ينطلقون إلى
محاربة الدول المجاورة، ولاسيما دولَتي إسرائيل ويهوذا العبريّتين.
ولعلّ أوفى ما كُتب عن الآراميين، في هذه السنوات الأخيرة، هو الكتاب
النفيس الذي وضعه الأستاذ ديون1.
وإني أستلهم
"(P: E: DION) "
هذا الكتاب المهم في ما كتبته هنا عن الآراميين.
غير أني، إذ أسّلط الأضواء من جديد على هؤلاء الأقوام، أو د ان أطرح سؤالاً
قد يكون خطيرا في الظروف الراهنة:
ألا يكون هؤلاء الناس من أجدادنا الذين خلفوا لنا لغتهم الآرامية، هذه
اللغة التي طغت على اللغة الآشورية نفسها، وتبّناها الآشوريون أنفسهم في
وثائقهم كلغة ثانية بجانب لغتهم، كما تبّناها الفرس وغيرهم من الأقوام
الذين قاموا بأدوار رئيسية في
هذه المنطقة؟ وربما خّلف لنا الآراميون الكثير من صفاتهم وعاداتهم
وتقاليدهم أيضا، ألا تكون هذه العناصر من مكونات القومية الحقيقية؟.
أجل، لقد شكّل الآراميون في سوريا، في عصرهم الحديدي الممتد من القرن
الرابع عشر حتى القرن العاشر قبل الميلاد، أهم عنصر عرقي ولغوي.
وانتشروا
أيضا في طول بلاد بين النهرين وعرضها. وإذْ انهارت جميع الممالك التي
أسسوها أمام قوة الإمبراطورية الآشورية في نهاية القرن الثامن قبل الميلاد،
فإن اللغة الآرامية أصبحت لغة الدولة الرئيسية في الشرقيين الأوسط والأدنى.
وإذا لم يكن إسهام هذه الأمة في تقدم الحضارة إسهاما كبيرا، فإن الحيز
اللغوي والتجاري الذي شغلته قد أسهم كثيرا في انتقال الأفكار والثروات في
البلدان التي كانت، بعد قرون طويلة، ستشهد نشأة المسيحية ثم الإسلام.
ومن
ثمة، يتحّتم علينا الإحاطة بالحدث الآرامي، إذا أردنا أن نفهم المصير
المضطرب والدور السياسي للشرق الأدنى والأوسط في قلب التاريخ الشامل. وربما
تفتح هذه الدراسة أمامنا آفاقاً جديدة لمعرفة الهوية أو القومية التي نسعى
في سبيل اكتشافها والانتماء إليها والالتزام بها.
كان الأستاذ "دوبونت – سومر" قد نشر كتابا عن الآراميين
2.
ولم تتناول البحوث التي أجراها بعض المؤلفين اللاحقين سوى تاريخ الآراميين
السياسي.
إلا أن جامعة تورنتو الكندية، بإدارة "گرايسون
A.K. Grayson
قامت بمشروع كبير يهدف إلى دراسة الكتابات الملكية في ما
بين النهرين، والجهود الجبارة التي بذلها بعض الباحثين على نصوص تغلاثفلاصر
الثالث ( ٧٤٥ - ٧٢٧ ق. م.)
3
أتاحت لنا الإطلاع على حياة
الشعوب الآرامية منذ عهد تغلاثفلاصر الأول حتى عهد تغلاثفلاصر الثالث.،
وهناك اكتشافات سّلطت أضواء جديدة على الآراميين.
ففي سنة ١٩٨٨نُشرت كتابة
تتعلق بحزائيل ملك دمشق على قطعة برونزية اكتُشفت في جزيرة سامس، وهي تُظهر
جليا قوة مملكة دمشق في الثلث الأخير من القرن التاسع قبل الميلاد.
ووردت
تقارير أخرى عن الآراميين في الاكتشافات التي جرت في المنطقة الجنوبية
الغربية من العالم الآرامي، أي على الشواطئ الشرقية من بحيرة طبرية.
وفي
سنة ١٩٩١ ، نُشرت كتابات بابلية تعود إلى الربع الثاني من القرن الثامن
ق.م. اكتُشفت في عانة على الفرات الأوسط في العراق.
وهذه الأنصاب والألواح
أطلعتنا على أمور مهِمة تخص علاقات آراميي السهب بالشعوب الحضرية القديمة.
إن التنقيبات التي أجراها الپروفسور أ. بيران
(A. BIRAN)
في
تل دان الإسرائيلية خلال سنتي
١٩٩٣ و ١٩٩٤ أسفرت عن اكتشاف نتف من كتابة
آرامية تلقي ضوءاً جديدا على الانتصارات التي أحرزها الملك"حزائيل" في شمال
فلسطين.
وهناك "ألواح بروكسل"، وهي وثائق تجارية تعود إلى القرن السابع قبل
الميلاد، قد تُلقي، عند نشرها كاملة، بعض الأضواء على منطقة حران والنشاط
الاقتصادي لدى سكانها الذين كان معظمهم من الآراميين.
وقد نشر هذا الكتاب
في سلسلة مقالات في مجلة بين النهرين، على وتيرة مقالة في كل عدد من هذه
المجلة، ابتداء من سنة
٢٠٠٤ ولتسهيل قراءة هذه المقالات أجمعها في كتاب
واحد للقراء الكرام الذين يرغبون في الإطلاع على تاريخ هؤلاء الأقوام الذين
ربما تربطنا بهم صلات هي من المتانة والعمق أكثر مما نعتقده.
أرجو أن يكون الكتاب وسيلة لكثيرين لتوسيع معلوماتهم عن أناس قاموا بدور لا
يستهان به في هذه المنطقة. ولنفهم الآرامية ما تزال لغتهم خير شاهد لمدى
تاريخ الثقافي لاسيما في بلاد الرافدين.
(يتبع الجزء الثاني)
-1ديون،
الآراميون في العصر الحديدي، التاريخ السياسي والبنى الاجتماعية، پاريس١٩٩٧
٤٧٢ صفحة من القطع الكبير، مع لوحات عديدة ملحقة بالكتاب، بالإضافة إلى
خارطتين تؤشران إلى مواضع سكنى الدويلات الآرامية.
- 2في
پاريس سنة ١٩٤٩. وقد قام مؤلف كاتب هذا المقال بترجمته إلى العربية، ونُشرت
هذه الترجمة في١٥٤ ). ثم نشرت هذه الترجمة العربية في كتاب - مجلة سومر
العراقية (المجلد ١٩ لسنة ١٩٦٣ ، ص ٩٦ . باسم "الآراميون" في بغداد ٢٠٠٤
-3
كتابات
تغلاثفلاصر الثالث ملك آشور، أورشليم ١٩٩٤
: (H: TADMOR)
٣
أنظر ه. تدمر
|