تأليف الأب البير أبونا
أستاذ اللغة الآرامية وآدابها
في معهد مار يوحنا الحبيب.
الموصل
الطبعة الأولى – بيروت-1970
الضوابط اللغوية
الآرامية
سمى السريان الغربيون "تقليداً" (ܡܫܠܡܢܘܬܐ)
مجموع ما بذله الاساتذة من الجهود في سبيل القراءة
الصحيحة لترجمات الكتاب المقدس. اما الشرقيون فأطلقوا
على هذه الضوابط اسم "كتب اساتذة القراءة.(ܟܬܒܐ
ܕܡܩܪܝܢܐ)
.
وكانت الترجمة البسيطة اول ما يضعه الاساتذة بين ايدي
طلبتهم، فيبدأون بقراءة المزامير، ثم يتدرجون منها الى
العهد الجديد فإلى العهد القديم ودراسة مؤلفات آباء
الكنيسة الآرامية واليونانية. و كان لزاما على
الاساتذة ان يلقنوا طلبتهم القراءة الصحيحة ويعلموهم
الأشكال (الحركات) والنبرة. فأخذوا يرقمون الحركات
ويضعون بعض النقاط فوق الكلمات. وبدأت هذه الطريقة في
مدرسة الرها منذ بدء القرن الخامس، انتقلت منها بعد
مدة قصيرة الى مدرسة نصيبين بواسطة نرساي. وفي القرن
السادس غيَّر يوسف الاهوازي - وهو خلف نرساي في مدرسة
نصيبين- الاسلوب المتبع في مدرسة الرها، فاخترع تسع
حركات مستعينا في قراءته بترحمات تيودروس المصيصي.
وانتشرت الطريقة الشرقية للضوابط في القرن السابع حتى
بين السريان الغربيين العائشين في المنطقة الشرقية
بواسطة الاستاذ سبروي مؤسس مدرسة بيث شاهاق الشهيرة
(بعشيقة الحالية) وبواسطة ولديه راميشوع وجبرائيل
اللذين ترهبا في دير مار متى.
وفي سنة 705، اعاد يعقوب الرهاوي، حينما كان مقيما في
دير تلعدا، النظر في ضبط متون التوراة. وهو الذي قسم
الاسفار الألهية فصولاً قدم على كل منها مضمون ما يشمل
عليه، وعلق على المتن هوامش تتضمن دروس الترجمات
الآرامية واليونانية ولفظ الكلمات الصحيح.
وقد وصلت إلينا طائفة من هذه الأسفار في نسخ قديمة
كتبت سنة 719 وسنة 720، وقد استقى قسماً من ملاحظاته
من سويروس الانطاكي. وسرعان ما تبعه في هذه الطريقة
رهط من الرهبان المنصبين على دراسة الكتب المقدسة في
دير قرقفتا الواقع في قرية المجدل على نهر الخابور
القريبة عن بلدة ريشعَينا (راس العين الحالية)
والحسكة. وعرف اشتغالهم اللغوي بـ "التقليد القرقفي" (ܡܫܠܡܢܘܬܐ
ܩܪܩܦܝܬܐ).
كما اشتهر آنذاك عالمان في صناعة الضوابط اللغوية،
هما طوبانا(ܛܘܒܢܐ)
وسابا(ܣܐܒܐ).
وكان كل منهما يضع الحرف الاول من اسمه على كل ملحوظة
وعلى كل ضبط يجريه.
اما التقليد الشرقي فهو محفوظ في مخطوط هام في خزانة
المتحف البريطاني، وقد كتب في دير مار كوريئيل بالقرب
من مدينة حرّان (899 م). وقد استعمل ابن العبري
التقليدين في كتابه "مخزن الاسرار" وكتابه الآخر
"الأضواء".
اما التقليد الشرقي فهو محفوظ في مخطوط هام في خزانة
المتحف البريطاني، وقد كتب في دير مار كوريئيل بالقرب
من مدينة حرّان (899 م). وقد استعمل ابن العبري
التقليدين في كتابه "مخزن الاسرار" وكتابه الآخر
"الأضواء".
الصرف والنحو- ظل الآراميون زماناً طويلاً دون كتاب في
الصرف والنحو، وكانوا مع ذلك يجيدون لغتهم تكلماً
وكتابة بحكم الغريزة والعادة. ويُعد "احو دامه" بين
اقدم النحويين المونوفيزيين، وقد نصبه يعقوب البرادعي
مطرانا على تكريت (955)، والف كتابه على غرار اصول
النحو اليوناني حسب شهادة ابن زعبي. اما الذي الف اول
كتاب للنحو الآرامي الحديث فأوضح نهجه وابان للناس
سبيله فهو يعقوب الرهاوي. واخذ عنه ابن العبري في نحوه
المسمى "الاضواء" (ܨܡܚܐ)
نبذا هامة تدل على سعة الاصل الذي لم يبق منه الا
شذرات في خزانة المتحف البريطاني. ففي قطعة منها ينوّه
يعقوب بشوائب الخط الآرامي لعنايته بالحروف الصحيحة
دون حروف العلة. فاستنبط يعقوب سبع حركات. بيد ان
السريان الغربيون اعتمدوا بعد موت يعقوب الحركات الخمس
المعروفة واشاروا اليها بعلامات استقوها من الكتابة
اليونانية. اما الشرقيون فتبنوا هذه الحركات السبع
واشاروا اليها بنقاط فردية او مزدوجة وضعوها فوق
الحروف او تحتها حسب اللفظ الذي ينشدونه.
وهناك تقليد يقول ان الماروني تاوفيلس الرهاوي (785م)
هو اول من استعمل الحركات اليونانية في ترجمته لالياذة
هوميروس. غير ان استنباط هذه الحركات يجب ان ينسب الى
رهبان دير قرقفتا المجدليين الذين اشتغلوا كثيراً في
ضبط اللغة واعادوا الحركات الآرامية الى خمس، بينما لم
تظهر الحركات الشرقية السبع إلا بعد القرن الثامن على
الارجح.
ويذكر عبد يشوع الصوباوي ان يوحنا الاثاربي العمودي
الذي كان يراسل يعقوب الرهاوي الف هو ايضا كتابا في
النحو، وقد اورد يوحنا بن زغبي شيئا منه. كما وضع حنين
(872 م) كتيَّبا في النحو عنوانه "كتاب الحركات" (ܟܬܒܐ
ܕܐܬܘܬܐ
(ܙܘܥܐ))
ورد ذكره في ابن العبري وايليا الطيرهاني بطريرك
النساطرة (1049 م.) ولكن هذا الكتاب لم يصلنا،
بل وصلنا غيره من وضع ايليا النصيبيني في مخطوطات
باقية في روما وفلورنسا ولندن وبرلين. وتشهد هذه
المخطوطات العديدة على سعة انتشار هذا الكتاب في سوريا،
ويظهر انه كان كتابا تتداوله ايدي الطلبة الذين كانوا
يجدون فيه موجزا لما جاء قبله من القواعد في كتب يعقوب
الرهاوي وغيره. وكذلك صنف داود بن بولس رئيس الدير
نحوا لم يبق منه سوى نتف. ونلاحظ ان انطون التكريتي لا
ينوّه بهؤلاء النحاة. اما يوحنا بن زغبي الذي عاش في
نهاية القرن الثاني عشر فقد وضع كتابا موجزا للنحو
بالبحر السباعي لتسهيل حفظه على الطلاب.
اما كتب "الاضواء" (ܨܡܚܐ)
فقد اظهر فيه ابن العبري طول باعه في الادب واللغة،
فضمّ ما جاء في كتاب يعقوب الرهاوي،
متبعا فيه النهج العربي ونجح أكثر من سلفه ايليا
الطيرهاني الذي حاول هو ايضا نهج الخطة عينها ولم
يفلح. ففي "الاضواء" نجد خواص اللغة الآرامية مشروحة
حسب الطريقتين الشرقية والغربية،
مع ما جاء قبله من الملاحظات اللغوية. ونظم ايضا كتاب
آخر سماه "كتاب النحو"(ܟܬܒܐ
ܓܪܡܡܛܝܩܝ)
يليه شرح الكلمات الغامضة. وكان قد بدأ بتأليف كتاب
ثالث اسماه "كتاب (ܟܬܒܐ
ܕܒܠܨܘܝܨܝܬܐ)
الشرارة" ولكن المنية وافته قبل أن ينجزه.
الخاتمة
فشكرًا وألف شكر لآبائنا الآراميين على الهبة النفيسة
التي قدموها لنا والتي يدعوننا ليس للاحتفاظ بها فحسب،
بل لإنمائها وتطويرها لتساير متطلبات العصور الحديثة.
الجزء الاخير من الكتاب
|