أدب اللغة الآرامية
تأليف الأب البير أبونا
أستاذ اللغة الآرامية وآدابها
في معهد مار يوحنا الحبيب.
الموصل
الطبعة الأولى – بيروت-1970
مقدّمة
ظهر الآراميون في التاريخ منذ الألف الثالث قبل الميلاد كأقوام رحل ثم أخذت
تتوضح معالهم وتترسخ قدمهم، لا سيما منذ منتصف الألف الثاني، واذا بهم شعوب
شكلوا دويلات صغيرة انتشرت في أعالي سورية وما بين النهرين، ونزحت فئات
منها الى جنوب البلاد البابلية-الكلدانية. وبلغت هذه الدويلات ذروة مجدها
وقوتها السياسية في القرنين الحادي عشر والعاشر قبل الميلاد، حينما دب
الخمول في الامبراطورية الاشورية. إلا ان القرنين التاسع والثامن شهدا
انتقاص قوتهم السياسية، إذ استعاد الاشوريون قوتهم وراحوا يدكون معاقل
الآراميين الواحد تلو الآخر، ويبددون شملهم ويقضون على أحلافهم.
ولكن ما يدعو الى الدهشة هو ان نهاية استقلال الدويلات الآرامية السياسي
كانت بداية انطلاقة جديدة للغتهم. إذ أخذت تنتشر اننتشاراً سريعاً بين
المستعمرين أنفسهم، وتبنتها أقوام كثيرة، وتسربت وتغلغلت حيثما انتشرت
الأقوام الآرامية المغلوبة وصارت تحتل المكانة الأولى بين سائر اللغات في
العلاقات الدولية، وذلك لسهولة أبجديتها. ثم حققت انتصاراً باهراً منذ
الغزو الفارسي، فامتدت من البلاد الفارسية الى ضفاف البحر المتوسط، حتى
أصبحت اللغة الرسمية في المناطق الواقعة بين الفرات والبلدان المصرية،
وتراجعت أمامها اللغات الأخرى كالكنعانية والعبرية، وواصلت زحفها شطر نواحي
آسيا الصغرى وشمالي الجزيرة العربية. إلا أنها عرفت فترة ركود وتراجع في
عهد الاحتلال اليوناني ذي الثقافة الراقية والحضارة العريقة. ولكنها
استعادت مكانتها المرموقة في عهد الاحتلال الروماني، لا سيما منذ انتشار
المسيحية. وظهرت فيها فئتان كبريان: الفئة الغربية وكانت تشمل فروعاً عديدة
هي النبطية والتدمرية والآرامية اليهودية (تلمود أورشليم) والسامرة
والآرامية المسيحية وهي لهجة فلسطين، والفئة الشرقية: وهي تشمل اللغة
السريانية الرهاوية ولغة التلمود البابلي واللهجة الماندية. واذا كانت هذه
اللهجات قد انقرضت منذ القرون المسيحية الأولى، فقد كُتب البقاء للغة
الرهاوية التي اتخذها آباؤنا الأقدمون التعبير عن شعائرهم الدينية، فأضحت
كجزء من كيانهم، حملوها حيثما توجهوا ونشروها أينما حلوا، فشملت بلداناً
واسعة وعمت شعوباً برمتها، ونافست لغات عديدة وفازت بقصب السبق
عليها، حتى احتلت، في أوج مجدها وازدهارها، معظم أجزاء الشرق الأوسط، بل
تعدته الى الشرق الأقصى وبلغت بلاد الهند والصين.
وقد حافظت هذه اللغة على نفوذها زماناً طويلاً، فكانت كدرّة في جيد البشرية
تزهو بها ويتفاخر الناس بالانتساب اليها ويتسابق كتابها في التعبير عما
تمخضت عنه عبقرياتهم من شتى العلوم الدينية والطبية والفلكية وغيرها...،
الى أن جاءت اللغة العربية في القرن السابع وحلت محلها. فدب الخمول إذ ذاك
في اللغة الآرامية وفقدت نفوذها وسحرها رويداً رويداً. وما ان أتى القرن
الرابع عشر الميلادي حتى أَضحت لغة لا شأن لها في الحياة الاجتماعية
والعلمية، وانزوت في عزلة الكتب الدينية والمكتبات الأثرية. ويُعزى ذلك الى
تهاون أبنائها الذين انصرفوا الى كل جديد يخدم مصالحهم الشخصية، وتهافتوا
على كل ما يجيب الى مطاليبهم المادية، ناسين أو متناسين ما لهذه اللغة من
الفضل الكبير عليهم الى اليوم في حفظ ايمانهم وتغذية طقوسهم وتجسيد وحدتهم
والتعبير عن اصالة تاريخهم.
أما المستشرقون فقد عرفوا ما في هذه اللغة من الكنوز والنفائس، فاقبلوا
عليها يستطلعون معالمها ويستجلون خفاياها ويتذوقون روائعها، ثم يعرضونها
على أبنائها أنفسهم، حتى دبت الغيرة في قلوب هؤلاء فأخذوا يبذلون الجهود
الكبيرة في إحياء لغة آبائهم، فظهر منذ أواخر القرن الماضي نفر من العلماء
يشار اليهم بالبنان، أسفرت جهودهم عن نتائج مفيدة لإعلاء شأن هذه اللغة.
وإذ كان لكل لغة تاريخ يشير الى نشأتها وتطورها والى أهم مراحل حياتها، بات
لزاماً علينا أن نطلع على الأشواط التي قطعتها اللغة الآرامية هذه والحقبات
التي اجتازتها للبلوغ الينا، وما حظيت به من النجاح وما مُنيت به من
الاخفاق في سيرها الشاق.
هذا هو الهدف الذي نرمي اليه في هذا الكتاب.
لقد تطلب منا هذا العمل استقراءات دقيقة في بطون المخطوطات القديمة
وحواشيها واستقصاءات عميقة عبر نتاج المستشرقين والمستأرمين، فجاء تاريخاً
موجزاً للأدب الآرامي يشمل نشأته وتطوره وازدهاره ومراحله الشاقة ونهضته.
فلا عجب، والحالة هذه، أن يوجد فيه نقص أو غموض أحياناً، نظراً الى سعة
الموضوع والأهواء البشرية التي شوهت الحقائق خلال الأزمنة حتى بات من الصعب
على المؤرخ، مهما حاول أن يكون نزيهاً، أن يميز بين الحق والباطل. لذا فان
باب الاقتراحات يبقى مفتوحاً لكل من يروم ضم جهوده الى جهود السابقين في
خدمة اللغة الآرامية وآدابها.
ولا بد من كلمة شكر نوجهها الى كل الذين ساعدونا في هذه الدراسة بتشجيعهم
وتوجيهاتهم، وفي مقدمتهم العلامة الأب حنا فييّ الدومنيكي الذي لم يبخل
علينا بوقته ومعلوماته الواسعة في تاريخ الكنيسة الشرقية. ونخص بشكرنا
العميق كل الذين اهتموا في نشر هذا الكتاب، لا سيما القس هورنوس
السكرتير التنفيذي لرابطة الدراسات اللاهوتية في الشرق الأوسط.
والله نسأل أن يعود هذا الكتاب بالنفع على الجميع.
20/ 6/ 1970
ألموصل – العراق
----------------------------------------------------------------------------
الفصل الأول
الآراميُون وَالآراميَة
1ـ الآراميون
ظهر الآراميون في التاريخ منذ
الالف قبل الميلاد كقبائل رحّل ثم شكلوا دويلات عديدة لم تفلح في تكوين
امبراطورية قوية شأن الامبراطورية الاشورية او الفارسية، بل ظلت دويلات
تعيش على هامش الدول الكبرى تتحالف تارة مع بعضها وطوراً مع الامم
المجاورة لصد العدوان عنها. لكن هذه السياسة اخفقت في الابقاء على هذه
الدويلات، اذ انهارت الواحدة تلو الاخرى تحت ضربات الدول الكبرى وزال
تأثيرها السياسي وتلاشى استقلالها النسبي، فامتزجت شعوبها بالأمم المجاورة
واندمجت فيها.
اصلهم
ان اصل الآراميين غامض، شأنهم في
ذلك شأن شعوب أخرى. فليس في حوزتنا وثيقة تطلعنا على الموضع الذي نزحوا منه
ولا مستند يروي لنا نشأتهم."1" فهناك من يقول انهم من
الموجة السامية التي انطلقت من جنوبي العراق باتجاه الفرات الاعلى، وآخرون
يقولون انهم من الجماعات النازحة من الشمال عبر الحدود الغربية من الصحراء
السورية باتجاه البلاد المصرية وبلاد كنعان والبقاع الواقعة على ضفتي نهر
الفرات. ولقد وردت دلائل تشير الى هؤلاء الرحل في مصر منذ السلالة
الاولى(نحو 3100 ق.م) باسم "ستيو". واطلقت الوثائق الاكدية عليهم اسم
"سوتيو" او "سوتو" في نحو سنة 2700 ق.م. واخذت هذه التسميات تدل في الوثائق
الآشورية المتأخرة على "الرحل
" ثم اطلق اللقب على
العموريين والآراميين على حد سواء، طالما لم يكن فرق واضح بين العموريين
الذين سكنوا "ماري" والآراميين القدماء الذين عاشوا في المناطق المجاورة.
وقد وردت ايضاً اشارات الى الآراميين في النصوص العمورية الصادرة من "
ماري" وفي الالواح التي عثر عليها في اوغاريت... ومنذ عهد تل العمارنة (نحو
1400 ق.م) اخذت الوثائق الاكدية تطلق لقب "اخلامو" على هؤلاء الرحل، وقل
استعمال اسم "سوتيو" ثم زال تماماً. اما تغلاتفلاصر الاول الآشوري (1112-
1076ق.م) فقد خلط بين الاخلاميين والآراميين، في قصة انتصاراته على القبائل
الاخلامية التي كانت آنذاك على الاقاليم الغربية من الامبراطورية اشورية.
اما لقب "آرام " فهو اسم جغرافي
اطلق على المرتفعات (ܐܪܥܐ
ܪܡܜܐ
الارض المرتفعة) الواقعة في الشمال الشرقي من سورية. ثم خلعه الاشوريين على
الجماعة التي وجدت في تلك المنطقة، ومن ثم عمت التسمية كل القبائل التي
تنتسب الى أصل واحد. وينتسب الآراميون في الكتاب المقدس الى آرام بن سام بن
نوح "2" او الى اسرة
ناحور "3"
توسعهم
فيما توجه بعض هؤلاء الآراميين
الرحل شطر البلاد المصرية عبر الصحراء السورية، تحرك غيرهم نحو الشرق عبر
الطريق المؤدية الى بابل السفلى. ومن بين هؤلاء كان "القسيّون" الذين يمتون
بصلة القربى الى أبناء ناحور"4" ، وقد نزلوا بابل مثل
الكلدانيين في عهد داود ( نحو1000 ق.م.). ولذا يرى البعض صلة قرابة بين
الآراميين والكلدانيين "5". وهؤلاء النازحون الى الجنوب
سكنوا منطقة الأهوار في أعالي الخليج في بقعة سميت "بلاد البحر". ومن هناك
أخذوا يتغلغلون في البلاد البابلية. وقد أصبحوا، في العصور الآشورية
الأخيرة، حلفاء عيلام ضد جيرانهم البابليين والاشوريين. أما الاراميون
الشرقيون الآخرون، فقد زحفوا نحو شمالي دجلة وسكنوا على ضفاف الزابين.
وهناك جماعات آرامية أغارت على
منطقة الفرات انطلاقاً من "ربيقو". وما أن اجتازت الفرات حتى سارت بمحاذاة
نهري خابور "6" والبليخ صعداً نحو منبعهما. فانتشرت
دويلات منهم على ضفاف الخابور في "بيث بخياني" بجوار "تل حلف" ورأس العين
الحالية. وقد أصبحت هذه المنطقة سنة 808 ق.م. قسماً من الولاية الآشورية
المسماة "غوزانا"
"7".
وتركزت دويلة "شوفريا" في ما وراء تلك المنطقة، بين جبال كشاري والقمم
الشرقية لجبل قرة داغ الحالي. وتكونت دويلة "بيث زماني" في الشمال الشرقي
منها وعلى طول الضفة الشرقية للمداخل العليا لنهر دجلة بالقرب من ديار بكر.
وبين "سوحو" و "كركمش" استوطنت فئات أخرى من الآراميين على طول صفاف الفرات
في عهد الملكين الآشوريين آشور-ايشي الأول (1132- 1115 ق.م.) وتغلاتفلاصر
الأول (1112- 1076 ق.م.) وقد لاقي هذا الأخير صعوبة كبيرة في طردهم
وإبعادهم عن تلك المنطقة. إلا أنهم عادوا اليها ثانية حين دب الضعف في
المملكة الآشورية، واسطاعوا أن يثبتوا أقدامهم فيها. أما مدينة "فترو"
"8" التي سقطت بأيدي
الآشوريين في القران الحادي عشر قبل الميلاد، قبل انكسار شوكة الحثيين في
سورية، فقد عاد الآراميين واسترجعوها في عهد الملك أشور رابي الثاني (1012-
972 ق.م). وتقع هذه المدينة ضمن مقاطعة آرامية هامة هي "بيث أديني"
"9" التي تشغل المنعطف
الغربي للفرات وتمتد على ضفتيه شمالاً حتى مداخل "ارباد". وكانت الطريق
الرئيسة تمر بحرّان عبر هذه المقاطعة باتجاه سوريا، وهي المقاطعة المركزية
لآرام النهرين "10"
التي كانت في الأصل تمتد من نواحي حلب الى نهر الخابور، وتشمل حدودها
الشمالية الرها وتل حلف ونصيبين. وقد صدت "بيث أديني" الآشوريين في تقدمهم
السريع نحو البحر المتوسط وأصبحت رائدة الآراميين في وجه قوة الآشوريين.
وهكذا فقد توصل الآراميون الى
ملء المنطقة المجاورة لحرّان التي كانت مركزاً هاماً للتجارة الآشورية.
وحرّان هي "فدان آرام" (طريق آرام) التي ورد ذكرها في الكتاب المقدس
"11" وكانت موطن ناحور وابراهيم ولوط
وبتوئيل ولابان "12"، ومنا نزح ابراهيم الخليل الى سورية
ثم الى أرض كنعان، ولكنه عاد فاتخذ منها رفقة زوجة لابنه اسحق. واسحق ايضاً
ارسل اليها ابنه يعقوب "الآرامي التائه" ليأخذ له زوجة من عشرته. وهكذا
نشاً الشعب العبري من الزوجتين الآراميتين (ليّا وراحل) اللتين جلبها معه
الى ارض كنعان."13"
الدويلات الآرامية
لقد سبق العموريون الاراميين في
السكنى على ضفاف الفرات الاوسط، فاتجه الاراميون نحو الغرب. ثم دفعت
الامبراطورية الاشورية في زمان قوتها ( 1327- 1076 ق.م) بالقبائل الآرامية
نحو الشمال الغربي حيث استقروا في الاماكن الخالية من الجيوش. وهكذا نشأت
دويلة "ياحان" الآرامية عند الحدود الغربية لبيث أديني، وكانت عاصمتها
ارباد التي كان يحكمها الامير "متي-ايلو". وقد حفظ نص المعاهدة التي عقدها
مع اشور نيراري الخامس (755- 745ق.م) بالصيغتين الاكدية والآرامية. ثم ثار
هذا الامير على تغلاتفلاصر الرابع (7455- 745ق.م) وكانت نتائج تلك الثورة
وخيمة على دويلته"14". وازدهرت دويلة "حطينا" في السهول
الواقعة بالقرب من بحيرة انطاكيا. اما في الشمال الغربي من جبال الامانوس
فنشأت دويلة "يعدي" او سمأل" الآرامية التي منها وردتنا اقدم النصوص
الآرامية، وكانت عاصمتها "زنجرلي" المشرفة على المضايق المؤدية الى
قيليقية. وقد استولت هذه الدويلة ايضاً على الطريق الرئيسية التي ما بين
النهرين بقيليقية. واخيراً توصل الآراميون الى التغلغل في سهول قيليقية
وكوّنوا منها امتداداً لسوريا... وفي جنوبي "حطينا"، بين حلمان (حلب)
ودمشق، نشأت مملكة حماة التي ضمت 19 مقاطعة وشكلت الحدود بين فلسطين وسوريا
"15"، وقد ادى ملكها
"توعي" الجزية للملك داود "16".
ثم سمّى "زكير" ملك حماة قسماً من هذه الملكة باسم لعش" وهي واقعة بين حلب
و حماة ومن اهم مدنها الحصينة " حزرك" "17". وفي شمالي
دمشق تكونت مملكة "صوبة" التي كانت حدودها الشرقية تمتد الى الفرات
"18" حيث اقتطعت من الملك الاشوري اشور رابي
الثاني (1012- 972) مدينتي "فيترو" و "موتكينو". وقد وردت اشارات كثيرة الى
صوبة في الكتاب المقدس "19". وكانت دمشق الواحة الخضراء
مدة طويلة "راس آرام" (شام) "20"
ومحطة القوافل المتوجهة الى البلاد العربية والى العراق والى مصر
عبر مقاطعة الجليل وشطآن البحر المتوسط. فأصبحت من ثم مركزاً اقتصادياً
وثقافياً وسياسياً خطيراً "21".
وقد لعبت الشام الآرامية دوراً هاماً في توازن القوى بين الدويلات المجاورة
وساهمت في انهاك قوى الامبراطورية الاشورية. وظهرت دويلتان اراميتان شرقي
بحر الجليل، وهما "جشور" و "معكة" اللتان دوختا الملك داود، وساندتهما في
ذلك دويلة "طوب" الآرامية الواقعة بالقرب من "الطيبة" على الطريق المؤدي من
بصرى الى درعا. وقد تحالف مع صوبة ومعكة ضد داود الملك أراميو "بيث رحوب"
الواقعة بالقرب من حدود حماة، وكانت "لاييش" كبرى مدنها تقع في أحد الأودية
بالقرب من منابع نهر الأردن "22" . ويقال ان العمونيين
أنفسهم كانوا آراميين يمتون بصلة الى ابراهيم والى آراميي ناحور في حران
بواسطة لوط "23"
نرى من كل ذلك أن الدويلات
الآرامية العديدة كانت ضعيفة بذاتها. وتظهر لنا كتابة زكير ملك حماة، كما
وردت في 2 صموئيل 8: 10، أن هذه الدويلات كانت تحارب بعضها بعضاً وتعير
خدماتها لجيرانها متى اقتضت مصلحتها ذلك (2 أخبار 16: 1 – 4). وكانت قوتها
تكمن في سهولة دخولها في احلاف مؤقتة لمجابهة عدو مشترك. ففي قرقر مثلاً،
قام تحالف يضم 11 دويلة بزعامة دمشق الشام وحاولوا سنة 853 ق.م. صد الملك
الآشوري شلمناصر الثالث واخفاق خططه الرامية الى اخضاع سورية كلها وفلسطين.
انقراض الدويلات
الآرامية
لم تُجد الآراميين أحلافهُم أمام القوة الهائلة التي امتازت بها
الامبراطورية الاشورية في يقظتها. فقد قام فيها ملوك اشداء قضوا على
المقاومة الآرامية بهجماتهم المتكررة والمتلاحقة، وحولوا دويلاتهم الى
مقاطعات تدور في فلك اشور. فسقطت "بيث اديني" في قبضة شلمناصر الثالث سنة
856 ق.م واصبحت جزءاً من الولاية الاشورية المدعوة "قار- شلمان اشاريدو".
واستسلمت ارباد لتغلاتفلاصر الثالث سنة 740 ق.م، وحذت حذوها صوبة ودمشق سنة
733ق.م. واستولى سرجون الثاني على حماة سنة 720 ق.م بعد ان غزا إسرائيل سنة
721 ق.م وسبى عدداً كبيراً من سكانها الى الارضي الآرامية الواقعة بالقرب
من الخابور والى منطقتي غوزانا وحماة. وقد اجلى جماعات آرامية من حماة
واسكنها في السامرة. ويفتخر تغلاتفرصر الثالث (745- 727ق.م) انه نفى اكثر
من 40 الفاً من سكان سوريا الشمالية الى المناطق النائية من الإمبراطورية،
وانه ارسل 12 الف آرامي – اخلامي من منطقة الزاب شرقي دجلة الى سوريا،
واجلى غيرهم من المراكز الآرامية الهامة. وقد ذكر القائد الاشوري، عندما
حاصر أورشليم سنة 701 ق.م انه قضى على حماة وارباد بجيوشه الجرارة. وهكذا
فقد قضى على نفوذ الآراميين السياسي في المنطقة الغربية، وظلت منهم بقية
نشطة منتشرة في المنطقة الوقعة جنوبي بابل، وقد ازدادوا قوة بما وافاهم من
الآراميين الهاربين من الشمال، واستقروا خصوصاً في الواحات الواقعة شرقي
دجلة في حدود بابل وعيلام واصبحوا حلفاء بابل يسببون متاعب كبير
للإمبراطورية الاشورية، حتى افلحوا في القضاء عليها وتدمير عاصمتها نينوى
612 ق.م. ولما تشكلت الملكة الكلدانية (البابلية الحديثة)، امتزج اراميو
بابل وذابوا فيها.
2- الآرامية
الآرامية لفظة تشمل مجموعة لغوية غنية ومعقدة تتفرع الى لهجات سامية نطقت
بها القبائل الآرامية المنتشرة في مختلف انحاء الشرق الاوسط. وقد تعلم
الآراميون من الكنعانيين فن الكتابة الابجدية وحاولوا استعمال اللغة
الكنعانية في كتاباتهم، غير أنهم كشفوا عن ذواتهم باستعمالهم تعابير آرامية
مثل مقطع "بو" و "بيث". وسرعان ما تخلوا عن اللغة الكنعانية وأخذوا في
استعمال لغتهم الخاصة. ان أقدم النصوص التي وصلتنا باللغة الآرامية ترقى
إلى القرنين العاشر والتاسع قبل الميلاد، وفيها يبدو التطور واضحاً من
اللغة الكنعانية إلى اللغة الآرامية.
لقد دأب العلماء على تقسيم اللغة أو اللهجات الآرامية إلى فئتين كبريين:
شرقية وغربية، إلا أنه يبدو لنا من الأفضل تقسيمها إلى أربع فئات:
1-
الآرامية القديمة
2-
الآرامية الرسمية
3-
الآرامية الغربية
4-
الآرامية الشرقية
الآرامية القديمة:
هي لغة الكتابات التي عثر علها في شمالي سورية والتي ترقى الى الفترة التي
ما بين القرنين العاشر والثامن قبل الميلاد، حينما تخلى الاراميون عن اللغة
الكنعانية وشرعوا يستعملون لهجتهم المحلية. ثم اخذت هذه اللهجة في التطور
والاكتمال. ولا يسعنا القول ان هذه اللهجة كانت سائدة لدى جماعات اخرى من
الاراميين، لعدم توفر نصوص تعود الى تلك الحقبة ما خلا تلك التي اكتشفت في
شمالي سورية.
الآرامية الرسمية:
ظهرت لهجة جديدة في الكتابات التي وردتنا من شمالي سورية بعد هذه الحقبة،
وفي الكتابات الواردة في شريعة "بر ركوب" التي دونت اقدم اجزائها بالآرامية
القديمة. وهذه اللهجة الجديد هي التي تداولتها الوثائق الرسمية في مختلف
المناطق الاشورية، ثم تبنتها الامبراطورية الفارسية بدورها كلغة الرسمية في
الدوائر الحكومية. ففي العهد الاشوري (1100- 612 ق.م) تبنت الدولة الآرامية
واصبح المشرفون على الشؤون الادارية يتقنونها اكثر من الاكدية، لا سيما في
المناطق النائية حيث استعملوا للمراسلات نموذجاً من الآرامية المبسطة. كما
ان عادة إرفاق جداول آرامية بالواح المسمارية اخذت تزداد منذ ذلك التاريخ
حتى في قلب الامبراطورية. وكانت هذه الجداول ترجمة آرامية موجزة لما تحتويه
الالواح المسمارية، لاستعمال التجار بنوع اخص. ان الآرامية التجارية صارت
اساساً للآرامية الرسمية، اذ تبناها الشعب في مختلف ارجاء الامبراطورية،
مفضلاً اياها في الاغراض الادبية على لغته الخاصة. كما نلاحظ في الالواح
الاكدية ان بعض الكتبة يسمون بـ "كتبة الآرامية". ونشاهد على تمثال "برر
كوب" في زنجرلى كاتباً واقفاً امامه وبيده ريشة وحبر ولوح مهيأ للكتابة
بهذه الآرامية الرسمية. ومن الجدير بالذكر ان بر ركوب هذا كان عميلاً
مخلصاً للملك الأشوري. كما نرى هذه الآرامية منحوتة في كثير من الاثقال
المعدنية والاختام والآنية، او منقوشة على الخزفيات.
وقد انتشرت الآرامية الرسمية انتشاراً واسعناً في العهد الاشوري، وليس في
الامبراطورية الاشورية فحسب (2 ملوك 18/13- 37) بل في الاقطار الأخرى
ايضاً. فقد عثر على اناء من البرونز بالقرب من اولمبيا اليونانية يحمل
اسماً محفوراً بالحروف الآرامية. من المحتمل ان تكون الابجدية التي اخذها
اليونان عن الساميين في آسيا الصغرى من النموذج الآرامي اكثر مما هي من
النموذج الفينيقي. أما في مصر فإننا نجد كتابات بالآرامية منذ عهد اسر حدون
(680- 669 ق.م)، وقد اشتهرت المخطوطات التي عثر عليها في اسوان او بالأحرى
في الفنتين المصرية (جزيرة الفيلة) "24". واكتشفت في
طرسوس قيليقية كتابات قد تكون اقدم من كتابات مصر، كما شقت اللغة طريقها
الى قلب الجزيرة العربية نفسها.
واستمرت الآرامية تشغل مكانتها المرموقة في العهد البابلي الحديث (626- 538
ق.م) وفي العهد الفارسي (538-330). وقد مرت هذه اللغة بفترة عصيبة في العهد
اليوناني (312-64 ق.م) حيث اخذت اللغة اليونانية تفرض نفوذها على المناطق
الهلنستية، غير انها قاومت هذا النفوذ، وظلت سائدة في "الحضر" مثلاً رغم
مظاهر الحضارة اليونانية الرومانية البادية في اطلالها. وعوضت الآرامية عما
فقدته في العهد اليوناني، اذ بسطت نفوذها في البلاد العربية حيث تداوها
الانباط والتدمريون حتى العهد المسيحي، وفي فلسطين حيث تمسكت بها الجماعات
التي ناهضت الثقافة اليونانية.
الآرامية الغربية:
بينما كانت جماعات آرامية تتغلغل في منطقتي دجلة والفرات، اتجهت غيرها نحو
سورية وفلسطين واستقرت هناك واخذت تتكلم لغتها بالإضافة الى الكنعانية.
وبعد سقوط السامرة (721 ق.م)، انتشرت الآرامية فيها بواسطة الجاليات التي
احلها الاشوريون فيها. ولما عاد المسبيون من بابل الى فلسطين، كانت
الآرامية وليس العبرية هي اللغة التي يفهمها الجميع. فقد كتب خصوم المنفيين
العائدين الى ملك الفرس بالآرامية (عزرا 4/7). واستلموا جوابه بالآرامية
ايضاً. غير انه من المحتمل ان تكون تلك اللغة هي الآرامية الرسمية. أما
عندما قرأ عزرا كتاب الشريعة على العائدين، فان مترجمية "قرأوا في سفر
توراة الله جهرا مبلغين المعنى حتى فهموا القراءة" (نحيما 8:8)، وقد
استعملوا دون شك اللهجة المحلية. وقد يكون سفر دانيال بكامله كتب
بالآرامية ثما نقلت بدايته ونهايته الى العبرانية لتيسير تنسيقه في مجموعة
الكتب المقدسة. اما كتب العهد القديم التي جاءت بالآرامية فهي عزرا 4: 8-
6: 18، 7: 12-22، دانيال 2: 4-7: 36، ارميا 10: 11، وكلمتان من سفر التكوين
31: 47.
وبالرغم من سعة انتشار اليونانية، كانت الآرامية لاتزال لغة الشعب ابان
العهد الجديد، ولم تطردها الا اللغة العربية بعد الفتح الاسلامي. ولكنها لم
تنطفئ تماماً لانها لا تزال محكية في بعض قرى سوريا، ولو بصيغة متغيرة
كثيراً.
إن شهرة الآرامية الرسمية كلغة الثقافة والشؤون الدولية اخّرت استعمالها
للأغراض الادبية، مثلما اخّرت اللاتينية استعمال اللهجات المحلية في
ايطاليا للشؤون الادبية مثلاً. إلا ان فرقاً اخذت تستعمل لهجاتها المحلية
للكتابة بدلاً من الآرامية الرسمية. ويمكننا ان نميز اربع لهجات سادت
الآرامية الغربية.
أ -
الآرامية اليهودية – الفلسطينية:
ظهرت هذه اللهجة بالكلمات الآرامية والتعابير في يونانية العهد الجديد
"25"
وكانت آرامية الجليل هي اللهجة التي نطق بها المسيح ورسله وهي تختلف
اختلافاً واضحاً عن لهجة الجنوب السائدة آنذاك في اورشليم وما حولها (متى
26: 73). وقد كتب التلمود الفلسطيني وأقدم المداريش بهذه اللهجة الجليلية
نفسها. وبهذه اللهجة ايضاً جاء ترجوم "يوناثان" المنحول والترجومات
الاورشليمية ونتف من الترجوم الفلسطيني بنوع خاص. اما طريقة النطق بهذه
اللهجة فليست أكيدة رغم ما تقوله القراءات الرابينية.
ب- الآرامية السامرية:
ان السامريين ترجيحاً للتوراة بلهجتهم الخاصة التي تقرب كثيراً من اللهجة
الجليلية. وقد كتبوا بها ايضاً قطعاً طقسية واناشيد وقصائد. أما الابجدية
الغربية التي كتب بها السامويون آراميتهم فهي تطور محلي للخط الكنعاني
القديم. وقد زالت هذه اللهجة بعد الفتح الاسلامي وحلت العربية محلها.
جـ - آرامية فلسطين المسيحية:
استمر المسيحيون الاولون في فلسطين دون شك يستعملون اللهجة المحلية فيما
بينهم، واصبحت اليونانية اللغة الرسمية للديانة الجديدة وبها كتب العهد
الجديد ما خلا انجيل متى الآرامي الذي فقد نصه الاصلي وبقيت ترجمته
اليونانية. وشعرت في سوريا وفلسطين الجماعات المسيحية التي انتحت جانب
البيزنطيين بحاجة الى نصوص دينية بلهجتهم الخاصة، فقامت بترجمات معظمها من
اليونانية لكلا العهدين ولعدة رتب طقسية، وتدعى هذه اللهجة بالأجماع
"آرامية فلسطين المسيحية" التي كانت مستعملة كذلك لدى مسيحيي مصر الناطقين
بالآرامية.
د- الآرامية الغربية الحديثة:
لا زالت هذه الآرامية مستعملة في ثلاث قرى واقعة في الشمال الشرقي من دمشق
وهي: معلولا وبخعا وجبعدين
"26"،
وقد عانت تغييراً كبيراً وتأثرت الى حد بعيد في نحوها والفاظها باللغات
التي سادت تلك المنطقة، ولكنها تعتبر بقية حية للآرامية الغربية.
الآرامية الشرقية:
كان للآراميين الذين غزوا منطقة دجلة والفرات لهجاتهم المحلية الخاصة
المختلفة عن الآرامية الرسمية. وقد أصبح بعض هذه اللهجات مكتوباً ومستعملاً
للأغراض الادبية ايضاً. وانتشرت هذه اللهجات المحلية حتى في جبال أرمينيا
وكردستان. ويمكننا ان نميز في هذه الآرامية الشرقية اربع فئات ايضاً:
أ - الآرامية اليهودية- البابلية:
وهي ظاهرة في التلمود البابلي وفي وثائق ترفى إلى ما بين القرنين الثاني
والسابع للميلاد. ولم تكن هذة اللهجة موحدة، ويبدو اختلاف صيغها حتى في
التلمود نفسه. أما كيفية التلفظ بها، فشأنها شأن الآرامية اليهودية-
الفلسطينية، وهي تتبع الطريقة المصطلحة لدى السلطات الرابينية التي كانت
تتداولها.
ب -
الماندية:
كتب المانديون في العراق أدبهم الديني بهذه الآرامية الشرقية. فهناك وثائق
لهذه الديانة المستقلة كتبت بلغة تطورت محلياً من الآرامية القديمة، قد
تكون صيغة صافية من الآرامية الشرقية غير المتأثرة بالعبرانية، كاللهجة
اليهودية، أو باليونانية، كما هي الحال مع السريانية. ولكن الوثائق التي
وصلتنا بهذه اللهجة ترقى جميعها إلى حقبة متأخرة، وقد طرأ عليها تغيير لفظي
كبير وتأثرت كثيراً باللغة العربية.
جـ - السريانية:
لا بد ان هذه اللهجة التي اصبحت اللهجة المسيحية للآرامية الشرقية، كانت
مستعملة كلغة ادبية قبل العد المسيحي. الا ان النصوص القليلة الباقية
والعائدة الى القرن الاول الميلادي لا تتيح لنا البت في هذا الامر. اما في
منطقة الرها الآرامية، فقد حلت فيها مدرسة مسيحية محل المركز الوثني وتطورت
الآرامية الشرقية فيها الى لغة ادبية مزدهرة ارتفع شأنها عالياً لا سيما
بعد ان اتخذتها المسيحية لغة الدين والآدب لها. وفي القرن الخامس عندما
ثارت الجدالات العقائدية في الشرق، استفادت اللغة من ذلك فائدة عظمى، اذ
راحت كل فئة تعمل على صقلها واغناء مفرداتها وضبطها لتكون قادرة على
التعبير عن حاجات الناس كلها، اللاهوتية والفلسفية والعلمية والطبية
والفلكية واليومية. وكان للانعزال الذي سببته هذه الجدالات اثره
العميق ايضاً في كلتا الفئتين الشرقية والغربية وفي تطور اللغة فيها، اذ
اخذت الاختلافات اللفظية والكتابية تبرز واضحة منذ نهاية القرن السادس
الميلادي. وهكذا انقسمت اللغة الآرامية من حيث اللفظ والخط الى: آرامية
شرقية وآرامية غربية.
وقد جاهد المسيحيون للذود عن لغتهم ضد التأثير البيزنطي المتصاعد ولكنهم لم
يفلحوا في منع تسرب اللغة اليونانية الى اللغة السريانية، بيد انهم افلحوا
في نشرها في البلاد الفارسية ومنها الى البلدان الشرقية، ثم الى الشرق
الاقصى، الى الصين والهند. وما زالت متداولة في الهند لدى السريان
الملباريين والملنكاريين كلغة طقسية. اما في المنطقة الغربية فقد امتدت الى
آسيا الصغرى وسورية وفلسطين، ودخلت البلاد العربية ومصر. وكان تأثيرها
كبيراً على لغات كثيرة كالعربية والارمنية والايرانية، حتى استعملها
الوثنيون والمانويون انفسهم لأغراض دينية. ثم تقلص نفوذها بعد الفتح
الاسلامي امام اللغة العربية فظلت لغة ادبية حية حتى القرن الربع عشر ولم
تزل لغة طقسية لدى الكنائس السريانية الشرقية والغربية
د- السريانية الحديثة (السوادية):
ما زالت لهجات الآرامية الشرقية (السورث) محكية لدى الجماعات المسيحية
القاطنة في جبال كردستان والقرى المسيحية الواقعة في شمال العراق وعلى
الضفاف الشرقية من بحيرة اورمية وجبال طور عبدين. ولم يتخل عنها اصحابها
الذين نزحوا الى امريكا او اوربا او غيرهما من الاقطار البعيدة. الا انه قد
طرأ عليها (السورث) على غرار الآرامية الغربية الباقية الى الآن، تغيير
كبير في اللفظ وتأثرت بالظروف وباللغات المجاورة كالعربية والتركية
والفارسية والكردية وأخذ المتحدثون بها يستعملونها للأغراض الادبية ايضاً
منذ القرن السابع عشر، تحت تأثير المرسلين الغربيين، فينشرون بها صحفهم
ومجلاتهم وكتبهم، فسادت في هذا المضمار اللهجة الاورمية.
خلاصة القول، ان الخط الذي اقتبسه الاراميون الاولون من جيرانهم الكنعانيين
اصبح مصدراً لمعظم الكتابات الحالية. فانتشرت احدى صيغه في آسيا الصغرى
ومنها انتقلت الى بلاد اليونان حيث اعطت الابجدية اليونانية التي اصبحت
بدورها مصدر اللاتينية الغوطية والابجدية القورلية المستعملة في اوربا
والكتابات القبطية في مصر. وهناك صيغة اخرى انبثقت منا البهلوية في ايران
الوسطى ومن خلالها الافستية والسغدية والابجدية المانوية التي منها اتت
الكتابات الويغورية والمغولية والمانشؤية والكالموكية واليورياتية. واعطت
صيغة اخرى منها الكتابات الخروشتية والبرهمانية ومن خلاها الكتابات
التيبتية وكتابات مستعملة في الهند والجنوب الشرقي من آسيا واندونيسيا.
واحدى صيغها الاخرى كانت مصدراً للكتابة الأرمنية التي منها جاءت
الكتابات الجيورجية والقفقاسية. وعن احدى صيغها نتجت ايضاً الكتابة العبرية
المربعة والخطين التدمري والنبطي، ومن هذا الاخير جاء الخط العربي"27"
بأشكاله العديدة في الفارسية والتركية والاوردية والمالوية. وقد تفرعت
الكتابة الماندية الغربية ايضاً من احدى صيغ الكتابة الآرامية
"28".
(انظر الجدول).
الفصل الثاني
أدبُ اللغة الآرامية
(29)
الرها مهد الادب الآرامي:
لا بد لنا من ان نقول عن الرها التي كانت مهد اللغة والادب الآراميين، ثم
نتطرق الى نشأة الادب الآرامي ومختلف الاطوار التي اجتازها.
شيد سلوقوس نيقاطور مدينة الرها سنة 304 ق.م. وفي سنة 132ق.م. انتهزت قبيلة
آرامية او نبطية (؟) فرصة ضعف الحكم السلوقي فاسست مملكة مستقلة في مقاطعة
اسروينا الواقعة في الشمال الغربي من اقليم ما بين النهرين. واتخذ رؤساء
هذه القبيلة لأنفسهم لقب الملوك واتخذوا مدينة الرها عاصمة لهم
(30).
"اما اديسا" فكان لقب عاصمة مقدونية اليونانية، وقد اطلق السلوقيون هذا
اللقب على الرها، كما يظن نظراً الى موقعها ومناخها المماثلين لمناخ اديسا
الاصلية وموقعها وسميت احياناً "كاليرهوي" وتأويله الينبوع الحسن، لكثرة
المياه والينابيع التي فيها. فاختصر الآراميون هذا اللقب وقالوا "اورهاي"
واخذه عنهم العرب وقالوا " الرها"
(31).
وكانت المياه فعلاً غزيرة في هذه المدينة. فهناك نهر ديصان ومعناه
بالآرامية "الرقص" يمر في المدينة. ونحو من عشرين ساقية او جدولاً تتجمع
وتصب في هذا النهر الذي يدعوه الاتراك الان "قره قوبون"، فيعظم شأنه ويمر
بالمدينة من شمالها الغربي الى جنوبها الشرقي، حيث يلتقي بنهر "كولاب" الذي
يمر بحرّان فينصبان كلاهما في نهر البليخ احد روافد الفرات. وفي وسط الرها
بركتان مشهورتان، احداهما تسمي بركة ابراهيم او "عين الخليل" والاخرى "عين
زليخة"، وتخرج منها ساقيتان متوازيتان تؤديان الى نهر ديصان.
كان نهر ديصان الهادئ، الصغير في الصيف يصبح صاخباً و عارم الامواج في
الشتاء، فيهدد سلامة المدينة. وقد طغى عليها مرات عديدة واحدث فيها اضراراً
بالغة. لذا اضطر يوستنيانس الثاني (565- 578) الى تغيير مجرى هذا النهر لكي
يمر بجانب المدينة في سفح الجبل الواقع غربيها. وكان في هذا الجبل مغاور
عديدة لدفن الموتى ولسكنى النساك. و قد قضى القديس افرام مدة في احد هذه
الكهوف منصرفاً الى الصوم والصلاة والامانة. اما السهل الواقع شرقي المدينة
وجنوبيها فكان خصباً تتخله القرى الكثيرة.
كانت الرها مدينة مسورّة محصنة لا يمكن الولوج اليها الا بستة ابواب. لم
يكن للمسيحيين فيها حتى سنة 201م – و هي سنة الفيضان الكبير الشهير الذي
فيه دمر نهر ديصان مباني كثير من جملتها كنيسة للمسيحيين- الا كنيسة واحدة
اصابها الفيضان مرتين في السنتين 201 و303، ثم جددت سنة 313 في عهد "قونا"
مطران المدينة ثم في عهد خلفه "سعد" سنة 324. وقيل انها حصلت على ذخائر
القديس توما الرسول سنة 394. وبعد ان دمرها فيضان سنة 525 من جديد، عاد
يوستنيانس الثاني فأقامها وجعل منها تحفة رائعة. غير ان الزلازل عادت
ودمرتها سنة 679 و 718.
و قد تسرب التأثير الفرثي الى العادات الرهاوية منذ الازمنة الاولى، فنسي
الرهاويون اصلهم الآرامي او النبطي، وكانوا كثيراً ما يطلقون على مدينتهم
اسم "مدينة الفرثيين او ابنة الفرثيين". كما امتزجوا بالأقوام الارمنية
المتاخمة لهم في الشمال. وقيل ان ملوكهم الاولين كانوا من اصل ارمني ( ؟).
تاريخ الرها السياسي:
لم تنعم هذه المدينة باستقلالها مدة طويلة. لان جيرانها فرصوا سيطرتهم
عليها. فقبل انتصارات لوقولوس وبومبيوس كانت الرها خاضعة تارة لحكم
الفرثيين وطوراً متحالفة معهم. وكانت يميل اليهم في حروبهم المستمرة ضد
الامبراطورية الرومانية. لكن النصر كان حليف روما في النهاية، فدخلت
الكتائب الرومانية الرها سنة 116 واعملت فيها السيف والدمار. وخلع
الامبراطور ترايانس ملكها (98 – 117م). واعاد اليها الامبراطور ادربانس
(117 -138) عرشها وجعله خاضعاً لسلطة الامبراطورية الرومانية. فحافظت عليه
وعلى نوع من الاستقلال الذاتي مدة قرن تقريباً، الى ان الغى الامبراطور
كراكلا الملوكية من الرها سنة 216 واحل فيها جالية رومانية. وهكذا اضحت هذه
المقاطعة مدة اربعة قرون جزءاً من الامبراطورية الكبرى. ثم استولى عليها
كسرى الثاني ابرويز سنة 608، واستعادها هرقل سنة 625 ولم تبق في حوزنه اكثر
من 12 سنة. واخيراً فتحها المسلمون مع بلاد ما بين النهرين سنة 637 ولم
يتخلوا عنها الا مدة قصيرة (1097 – 1146)، حينما جعلها الصليبيون عاصمة
لملكتهم في الشرق.
نشأة الادب الآرامي-
نشأة الادب الآرامي وازدهر في ما بين النهرين تحت تأثير المسيحية ومن هنا
طابعه المسيحي ونسبته إلى علماء و أدباء مسيحيين لا غير. وقد اشتهر علماء
الآراميين الذين عكفوا على درس الفلسفة اليونانية، كأساتذة مدرسة الرها في
القرن الخامس، أو على العلوم الطبيعية أو الطبية أمثال سرجيوس الراسعَيني
في القرن السادس والاطباء المسيحين الذين اشتهروا في بغداد على عهد الخلفاء
العباسيين. كان كل هؤلاء لاهوتيين، وكانت كلمة الفلسفة تحوي جميع العلوم،
وفي مقدمتها علم معرفة الله والوقوف على الحياة الروحية ومعتقدات الديانة
المسيحية. والساميون يميلون طبعاً التدين.
قلنا إن الأدب الآرامي مرتبط بالديانة المسيحية، وبما إن هذه الديانة بدأت
تتغلغل في ما بين النهرين انطلاقاً من الرها
(32)
كان من الطبيعي ان تزدهر هذه المدينة وتفوق على غيرها بالآداب
والعلوم، وقد نشأت من جراء ذلك روبط قوية بيها وبين أورشليم منطلق
المسيحية.
ولما ظهر الاسلام جاءت معه لغته العربية فزاحمت اللغة الآرامية، وحلت حيثما
حل، فاعتصمت الآرامية بالأرياف والجبل. وكانت الحقبة السابقة للفتح
الاسلامي (637) العصر الذهبي للأدب الآرامي. وما أن دخلت اللغة العربية
المناطق الآرامية حتى بدأت اللغة المذكورة بالتقلص. وبالرغم من انها قاومت
مدة طويلة في الرها، فقد فقدت كثيراً من نفوذها في المناطق الأخرى. ولم
يتردد "نولدكه" من الكتابة: "كانت اللغة الآرامية في حوالى سنة 800م تعد
لغة مائتة، رغم ان الطبقة المثقفة ظلت تتكلم بها مدة طويلة بعد هذا
التاريخ". ثم انحدر الأدب الآرامي إلى أحط درجة في القرنين العاشر والحادي
عشر، بينما بدأت الآداب العربية تزدهر تحت رعاية الخلفاء العباسيين في
بعداد. وربما كان هذا الازدهار حافزاً لنهضة اللغة الآرامية ايضاً،
فصحت في القرنين الثاني عشر والثالث عشر على يد عدد من الكتاب المشهورين
كابن الصليبي وميخائيل الكبير وابن العبري وعبد يشوع الصوباوي وغيرهم من
الذين لم يكتفوا بالتأليف بل اخذوا ينقلون الى الآرامية مؤلفات الفلاسفة
العرب من امثال ابن سينا وفخر الدين الرازي وغيرهما.
عاد الشرقيون والمستشرقون الى دراسة الادب الآرامي دراسة منظمة منذ القرن
الثامن عشر، حين بدأ يوسف سمعان السمعاني (1768) يكشف اهمية هذا الادب بما
نشره في كتابه النفيس "المكتبة الشرقية" واستقاه من مخطوطات حازها من دير
السريان بوادي النطرون في مصر.
الادب الآرامي الوثني
ان المؤلفات الأولى وصلتنا باللغة الآرامية هي من الجودة اللغوية بحيث
نلاحظ فيها تطوراً كبيراً لم تصل اليه خلال سنين طويلة، ان لم نقل قرونا.
وقد عثر على بعض بقايا من اللغة الآرامية في دورها الانتقالي، وهي آثار
وثنية أفلتت من يد الدمار الذي أتى على كل ما لم يكن مسيحياً. وبقي لنا من
هذه الآثار كتابات قليلة متفرقة، منها كتابات المدافن وبعض كتابات مطولة
اشتملت عليها دار المحفوظات الملكية في الرها، وخطاب مارا بن سرابيون الى
ابنه سرابيون وقصة احيقار وغيرها بالإضافة الى الكتابات الآرامية الكثيرة
التي اكتشفت في هذه السنين الأخيرة في مدينة الحضر الأثرية حيث كانت هذه
اللغة مزدهرة وسائدة.
1 – كتابات المدافن: لقد عثر على هذه الكتابات في اقليم الرها، وهي تعود
الى اعهد السابق لدخول المسيحية اليها وابان دخولها. وغير انها لا تشتمل
عادة إلا على نصوص نذرية قصيرة لا تضيف كثيراً الى تاريخ الأدب الآرامي.
2 – كتابات ملوك الرها: تأثرت الرها عاصمة القسم الشمالي من ما بين النهرين
بالحضارة والعادات الآرامية لأن سلالة آرامية حكمتها سنة 132 ق.م. الى سنة
216م. ودونت أعمالها بهذه اللغة. ومن جملة هذه الأعمال المحفوظة في الخزانة
الملكية في الرها تسجيل كارثة فيضان نهر ديصان الذي اجتاح مدينة الرها في
شهر تشرين الثاني سنة 201م في عهد أبجر التاسع ملكها، وتصدع من جرائه كثير
من المباني في المدينة، ومن بينها "كنيسة للمسيحيين". وقد سُجلت هذه
الكارثة سنة 206م ونقُلت فيما بعد الى سجلات اساقفة مدينة الرها التي أنشئت
حوالى 313م.
3 – خطاب مارا بن سرابيون:
ܡܐܪܐ ܒܪ ܣܪܐܦܝܘܢ
أثرت الثقافة اليونانية على الآرامية في سوريا الغربية، لا سيما الطبقة
المثقفة فيها، فاستعمل الآراميون من جراء ذلك في كتاباتهم المصطلحات
اليونانية. ان هذا التأثير يبدو واضحاً في الخطاب الذي أرسله مارا بن
سرابيون من سجنه الى ابنه سرابيون. ويظهر من هذه الرسالة ان مارا كان من
مدينة شميشاط وانه كان وثنياً من أصحاب الفلسفة الرواقية ومن اتباع زينون،
وقد زج به الرومان في السجن بتهمة اشتراكه في حركة مناوئة لحكمهم. ويرى
العالم الانكليزي كيورتون "Cureton"
ان مارا كتب هذه الرسالة بالآرامية في فترة تتراوح ما بين نهاية القرن
الأول ونهاية القرن الثاني الميلادي. وقد قدر لهذه الرسالة البقاء، لأن
فيها اشارة الى المسيح الذي يسميه الكاتب "الملك الحكيم" ويذكره الى جانب
سقراط وفيثاغورس ويقول في سياق حديثه: "... ماذا جنى اليهود من قتل مليكهم
الحكيم؟ لقد ضاع ملكهم منذ ذلك الزمان نفسه، وحل الخراب بهم وطردوا من
مملكتهم وشتتوا في كل مكان.. لم يمت الملك الحكيم من أجل الشرائع الجديدة
التي وضعها..."
من اقواله المأثورة:
حياة الناس زائلة من العالم، أما مجدهم وفضائلهم فباقية الى الأبد.
همّ الناس تكبير بطونهم، وهي الرذيلة التي بها يتم الفساد
اني أضحك على الزمن الذي يرد اليّ سوءاً لم يستعره مني من قبل.
ولد الناس لكي يتقبلوا صروف الزمن، وكل الأرض عند الحكماء سواء، لأن
للصالحين في كل مدينة كثيراً من الآباء والأمهات
(33).
قصة احيقار؛
ܐܚܝܩܪ
انها قصة جميلة كتبت باللغة الآرامية قبل القرن الخامس قبل الميلاد البلاد
الآشوري. وقد جاءت اشارة الى هذه القصة في ما كتبه اقليميس الاسكندري
وسترابون، واستخدمت في الترجمة اليونانية لسفر طوبيا كما استعملها ديمقريطس
(34)
وميناندر(35).
أما عن أصلها الآرامي فيقول رينان (Renan):
"لا يمكننا أن نشك في أن السواد الأعظم من الشعب الآشوري كان يتكلم اللغة
الآرامية بنوع اعتيادي.. فالآرامية كانت مستعملة من قبل الموظفين الكبار في
البلاد الآشورية الذين أرسلهم سنحاريب للتفاوض مع حزقيا الملك
(36)
... ولما اعقب الحكم الفارسي الحكم الآري، حافظت اللغة الآرامية على
مكانتها الرفيعة وأهميتها الكبرى..."
(37).
اننا نرى نماذج من هذه اللغة- وقد تأثرت قليلاً باللغة العبرية- في بعض
فقرات من سفر عزرا المعاصر لاحيقار (38).
وربما نقل هذا النص الآرامي الى لغة آرامية متطورة في مطلع التاريخ
الميلادي، أي بعد مرور 600 سنة أو 700 سنة على تأليف الكتاب، حينما كانت
الآرامية في مرحلتها الانتقالية. والاعتقاد السائد الان هو ان هذه الآرامية
هي أصل جميع الترجمات التي ظهرت للقصة بعد ذلك. فالنص العربي مثلاً قد ترجم
رأساً من النص الآرامي وكذلك النص السلافي القديم أتى من الآرامية بواسطة
اليونانية.
أما المخطوطات الآرامية المعروفة فهي متأخرة وتتضمن اختلافات عديدة. فقد
جاء النص الآرامي في مخطوطات كثيرة، بعضها في خزانة كمبردج ( عدد 2020)
وغيرها في برلين (ساخو 336 و 134) وقد كتبت في تلكيف سنة 1883 أو 1884،
وهنا صحيفة في المتحف البريطاني (رقم 7200) وفقرة أخرى في برلين (ساخو 162)
ومخطوطة مخرومة في بدايتها ونهايتها في المتحف البريطاني (2313) وأخرى في
دير السيدة بالقرب من القوش (رقم 100)، وهناك أيضاً ثلاث مخطوطات لقصة
احيقار محفوظة في أورميا. وقد قام العلم فرنسيس نو (
F.Nau)
بدراسة وافية لهذه القصة (39).
مضمون الكتاب
يؤلف الكتاب مجموعتين من الامثال الحكمية تتخللها قصة ملخصها ان احيقار كان
وزيراً أو كاتباً أو مستشارا لسنحاريب ملك آشور ونينوى (704 – 671ق.م) ثم
لابنه اسرحدون ( 680 – 668ق.م). وقد حباه الله حكمة مدهشة واكتسب ثروة
طائلة في البلاط الاشوري. ولكنه ظل بلا وريث رغم تعدد زوجاته، وقد بلغ
عددهن الستين، حسبما جاء في الكتاب (الفصل الاول، العدد الثاني). ويرى
البعض في قصاصاً لنبذه إله اسرائيل وارتداده الى الوثنية، ويرى الآخرون انه
كان وثنياً، ثم رجع إلى عبادة الإله الحق، كما يظهر ذلك من التعابير التي
وردت في القصة. وإذ ذاك
تبنى "نادان" ابن اخته، وهو بعهد رضيع، ليقيمه وريثاً وخلفاً له في وظيفته
لدى البلاط الاشوري. وأخذ يربيه تربيه حسنة ويبذل له النصح الثير الذي نجده
في الحلقة الاولى من نصائح الحكمية (من الفصل الثاني الى الفصل الثالث).
غير ان نادان لم يصغ الى نصائح خاله، بل ساءت سيرته، فاسترد احيقار الميراث
منه ومنحه لأخيه الأصغر "نبوزردان" (4 -5). فحقد عليه نادان وأراد الايقاع
به بمكيدة دبرها له، إذ كتب له رسائل باسم خاله موجهة الى الفرعون وإلى ملك
الفرس قصد التواطؤ معهما لقلب نظام الحكم في الامبراطورية الاشورية، ورتب
الأمور لكي تقع هذه الرسائل بيد الملك الاشوري (5 -9). وإذ ذاك حكم اسرحدون
بالموت على احيقار بتهمة الخيانة الكبرى (9 -41). غير ان احيقار نجا من
الموت، لأن الجلاد كان صديقاً له فلم يرد أن يضرب عنقه بل أوصاه بان يختبئ
في الحديقة بيته (12 -15).
وبعد زمان طلب ملك مصر الى الملك الاشوري أن يرسل له رجلاً حكيماً يستطيع
ان يجيب على اسئلته ويبني له بلاطاً في الجو. فاسقط في يد الملك الاشوري
واسف على احيقار وحكمته الخارقة. فظهر احيقار على المسرح ثانية وذهب إلى
مصر ليجب على أسئلة فرعون (16 -25). وإذ عرف سؤال فرعون، أعد نسرين وغلامين
وشريطين من القطن طول كل منهما الفا ذراع. وأخذ يدرب النسرين والغلامين،
فيربط النسرين بالشريطين ويمرن الغلامين على الركوب على ظهرهما ثما يطلقهما
فيطيران في الجو، وهناك يصيح الغلامان: "قدموا لنا الحجر والملاط". وجاء
اليوم المعين وطلب اليه فرعون ان يبني له بيتاً بين السماء والارض، فطلب
اليه احيقار ان يعد الحجر والملاط لهذا الغرض، ثم اطلق النسرين وعليهما
الغلامان، ولما استقرا بين السماء والارض، صرخ الغلامان: "ارسلوا الحجارة،
ارسلوا الملاط، فنحن على استعداد للعمل". وأخذ احيقار واتباعه يصرخون في
الفعلة وجند الملك لكي يقدموا للبناءين ما يريدان. وإذ رأى الملك استحالة
نقل شيء اليهما، اعترف لاحيقار بالنصر... وفي اليوم التالي قال فرعون
لاحيقار: "ان حصان سيدك إذا صهل في نينوى سمعته خيلنا هنا فطرحت". فلما سمع
احيقار ذلك احضر سنوراً وأخذ يجلده جلداً شديداً، فأخبروا الملك بذلك،
فاستدعاه وقال له: لم تجلد هذا الحيوان المسكين؟. فقال له احيقار: "ان سيدي
الملك كان قد أهدى لي ديكاً يعرف ساعات النهار والليل، وقد تركته في نينوى،
فقام عليه هذا النسور في هذه اللية وقطع رأسه، ولذلك فاني أجلده". فقال له
فرعون: "ان بين مصر ونينوى ثمانية وستين فرسحاً، فكيف يستطيع السنور الذهاب
الى نينوى والعودة منها في ليلة واحدة؟". فقال له احيقار. "إذا كانت بين
مصر ونينوى هذه المسافة فكيف تسمع خيلك صوت حصان سيدي؟".
واستمرت هذه الألغاز، فتارة يطلب منه الملك ان يفتل له حبلاً من رمل البحر،
وطوراً ان يخيط له حجر رحى قد انكسرت، ويجيب احيقار عن اسئلته أجوبة مفحمة،
حتى نال اعجاب فرعون وهداياه الكثيرة (26 -31).
ولدى عودته إلى البلاد الاشورية مثقلاً بالهدايا والاكرام، طلب إلى الملك
أسرحدون ان يسلم اليه نادان (32)، فربط احيقار يديه بسلاسل من حديد وألقاه
في مكان مظلم من بيته وجعل غذاءه الخبز والماء، وكان يجلده جلداً مبرحاً
قائلاً له: "قيل بالأمثال ان من لا يسمع من اذنيه اسمعوه من قفاه". وهنا
يبدأ الجزء الثاني من الحكم ( الفصل 23 وهو طويل جداً ويتكون من 142 حكمة).
وخوفاً من القصاص الصارم الذي توقعه من خاله، انتفخ نادان ثم انفجر ومات
(34). وتأتي الخاتمة في الفصل الخامس والثلاثين، وقد زادها على الكتاب أحد
المؤلفين المتأخرين قد يكون مسيحياً نظراً الى التعابير التي وردت فيها مثل
"الخطيئة الميتة" و "ملكوت السماء" و "السعادة الابدية". وفي هذه الخاتمة
يذكر ان احيقار كان وثنياً في البداية ثم آمن بالاله الواحد في نهاية
حياته.
من حكم احيقار
يابنيّ، عصفور حقير في يدك خير من الف في الهواء.
يابنيّ، نقل الحجارة مع رجل حكيم خير من شرب الخمر مع رجل لئيم.
يابنيّ، اذا أكل الغني الحية قالوا أكلها تطبباً وإذا أكلها الفقير قالوا
أكلها جوعاً.
يابنيّ، لا تحل بين ابنك وضرب السياط لأن الضرب للصبي كالزبل للبستان.
يابنيّ، إذا أرسلت الحكيم في حاجة فلا توصه كثيراً لأنه يقضي حاجتك كما
تريد، ولا ترسل الأحمق بل امض انت واقض حاجتك.
يابنيّ، إذا سمعت كلمة فدعها تموت في قلبك ولا تكشفها لغيرك لئلا تصبح جمرة
تحرق لسانك وتترك الألم في جسدك وتكسبك الخزي والعار عند الله والناس.
يابنيّ، انت صرت لي مثل قملة الحنطة لا تصلح لشيئ وانما تفسد الحنطة
وتنخرها.
يابنيّ، انت صرت لي مثل كلب ارغمه البرد على اللجوء الى محل الخبازين
وحينما دبت الحرارة في جسمه شرع ينبح عليهم ويعضهم وبدأوا هم بضربه. واذ لم
يكف عن النبح اضطروا إلى قتله خوفاً من عضاته.
أما عن شخصية أحيقار فيقال انه ابن عنائيل أخي طوبيا الذي ورد ذكره في
الكتاب المقدس ( فرنسيس نو، قصة احيقار ص 50 – 51)
خواص الأدب الآرامي
قلنا سابقاً ان الآدب الآرامي أدب مسيحي النشأة كنسي المصدر، لأن ما وصل
الينا منه هو نتاج عقول علماء وأدباء مسيحيين. وحين اعتنق جدودنا الذين
المسيحي، أحرقوا الكتب وابادوا الاثار التي لم يكن لها علاقة مع الدين
المسيحي، خشية أن توقع معالمها الوثنية أحفادهم في شركها. اما ما تناولته
أقلام الأدباء الآراميين منذ العصور المسيحية الأولى، فهو ترجمة الكتب
المقدسة وضبطها وتفسيرها. وثم صرفوا همهم الى علوم اللغة من صرف ونحو وبيان
وخطابة وشعر، وتطرقوا الى العلوم المنطق والفلسفة والعلوم الطبيعية
والرياضية والفلكية والمساحة والطب، وتبحروا في اللاهوت والفقه الكنسي
والمدني وعلم الاخلاق، وتبسطوا في التاريخ الديني والمدني والموسيقى
الكنسية، وتطرقوا أيضاً الى الجغرافية وفن القصص. فاذا كانت ثقافة اليونان
حكمية وثقافة الغرب بيانية، فثقافة الآراميين دينية.
وخواص الآدب الآرامي كتابية وطقسية وجدلية ولاهوتية وتاريخية ونقلية. فان
ما عني به الآراميون من ترجمة الاسفار الالهية وشروحها الضافية، وما الحق
بها من الكتب الموضوعة، ينطق بفضلهم في خدمة اسفار الوحي ونشرها. هذا عدا
كتب الفروض والأدعية التي أنتجها يراعهم. وكان لهم الحوار المذهبي الذي طال
أمده بين الفرق المسيحية خير حافز للتعمق في أسرار الدين المسيحي، فانتجوا
في تلك الحقبة مصنفات لاهوتية وجدلية برزت فيها مقدرتهم وتجلى أدبهم. وكان
للأدب الآرامي فائدة عظمى من الوجهة التاريخية لأنه يزخر بالمستندات عن
آسيا في عهد الرومان والفرس والعرب والمغول والاتراك. ومنذ بدء القرن
الخامس أحس الآراميون بحاجة الى معرفة اللغة اليونانية لتفهم ما جاء في هذه
اللغة من كتابات الاباء ومصنفات الفلاسفة، ولا سيما أرسطو العظيم. لذا عمدت
مدرسة الرها
(40)
الى تدريس اللغة اليونانية وترجمت الى الآرامية مؤلفات عديدة
كتفاسير تيودوروس المصيصي وقورلس الاسكندري وكتابات سويريوس الانطاكي ومنطق
أرسطو وغيرها.. أما كتب الفلاسفة اليونانية فقد نقلت بعد ذلك من الآرامية
الى العربية، ثم عادت فتغلغلت في العصور الوسطى في أوربا وتداولنها أيدي
العلماء.
الشعر الآرامي:
يقال للشعر عند الآراميين "محرا"
(ܡܚܪܐ)
وللشاعر "ماحورا" أو "ماشوحا" أو "فويطا"
(ܡܚܘܪܐ ،
ܡܫܘܚܐ
،
ܦܘܐܛܐ)
وللبيت "بيتا"
(ܒܝܬܐ)
وللبحر "مشوحتا" أو "نيشا" أو قرايتا".(ܡܫܘܚܬܐ
،
ܢܝܫܐ
،
ܩܪܝܬܐ)
خلق الشعر الآرامي ليصور التعاليم الدينية في عقل الشعب ولكى يخلع على فروض
العبادة حلة الابهة بلحنه. وحينما كتب الفوز للقديس أفرام بشعره، سلك أهل
العصور التالية على غراره. ويقول البعض ان للشعر الآرامي صلة متينة بالشعر
العبري. مما لا شك فيه ان هناك تشابهاً بين الشعرين، لا سيما فيما يخص
تقسيم الشعر الى مقاطع مؤلفة من بيتين. و قد يكون الآراميون حذوا حذو بعض
المزامير ومراثي ارميا في الترتيب الأبجدي في أشعارهم. غير ان البحور
والاوزان تختلف.
اقسام الشعر الآرامي:
يقسم الشعر الآرامي الى قسمين رئيسين هما:
1 – القصيدة
ܡܐܡܪܐ
وهو خطاب شعري بأسلوب قصصي حماسي يتألف من اشعار ذات وزن واحد. ويغلب على
القصائد ثلاثة بحور أو أوزان.
أ – الوزن السباعي أو الافرامي لكون القديس أفرام هو الذي استنبطه:
ܐܝܬ ܠܢ ܣܒܪܐ ܘܬܘܟܠܢܐ،
ܒܝܫܘܥ ܡܫܝܚܐ ܡܚܝܢܐ7+7
= 14.
ب – الوزن الخماسي أو بحر بالاي نسبة الى ناظمه الشاعر بالاي
ܡܪܝ ܒܠܝ. ܡܢ ܪܘܡܐ ܟܝܢܗ ܘܡܢ ܥܘܡܩܐ ܠܒ̣ܘܫܗ
5+5=10.
ج – الوزن الاثنا عشري أو النرساوي أو السروجي نسبة الى مار يعقوب
ܡܪܝ ܝܥܩܘܒ
اسقف بطنان سروج:
ܐܒܐ ܕܩܘܫܬܐ ܗܐ ܒܪܟ ܕܒܚܐ ܕܡܪܥܐ ܠܟ
4 +4+4=12.
وقد استعمل نرساي تارة الوزن السباعي وغالباً الوزن الاثني عشري،
لذا سمّي هذا الأخير باسمه
ܩܪܝܬܐ ܢܪܣܝܬܐ ܡܫܛܘܫܛܢܝܬܐ
الطويلة.
ونظم الشعراء الآراميون على بحور أخرى متفاوتة الأوزان كالسادس عشر
(41).
ولكن هذه البحور لم يكتب لها الإنتشار الواسع. وكانت أكثر القصائد تنظيم أو
تنشد في الكنيسة اثناء القيام بفرض العبادة. ومنها ما كُتب لتعليم الشعب
واعطائه ثقافة دينية سهلة المأخذ ولحثّه على السيرة الفاضلة. وكانت القصائد
غالباً مسهبة فهناك شعر عن يوسف الصديق يقع في اثنتي عشرة قصيدة طويلة.
وهناك قصيدتان ليعقوب السروجي الواحدة في آلام المسيح والاخرى في الخاتمة.
كل منها تشمل على اكثر من ثلاثة آلاف بيت. ونظم اسحق الانطاكي قصيدة اشتملت
على 2136 بيتاً في ببغاء كانت ترتل " التريساجيون" أي التقاديس
الثلاثة.
2-
الاغنية
ܥܘܢܝܬܐ
كانت الاغنية أو الانشودة مجهولة عند السريان. والاشعار التي يطلق عليها
هذا اللقب كانت تدعى قديماً "ارشادات"(ܡܪ̈ܬܝܢܘܬܐ)،
وهي تراتيل تمثل النوع الغنائي، ويختلف فيها البحر من اربعة مقاطع إلى
عشرة. و عدّ بعضهم خمسة وسبعين ضرباً من الالحان في الاناشيد الصحيحة أو
المنحولة للقديس أفرام، ولبعض منها ردة تكرر وينوه في اولها بلحنها
بالكلمات الاولى من نشيد معروف.
ومن الاناشيد تلك التي تسمى السوغيث (ܣܘܓܝ̣ܬܐ)
وهي انشودة بشكل محاورة تنظم غالباً حسب الترتيب الابجدي، او على حروف اسم
من أسماء العلم، كالحوار بين العذراء مريم والملاك جبرائيل في البشارة،
وبينها وبين المجوس بعد الميلاد
(42).
فيكون مجموع الحوار اربعة واربعون بيتاً وغالباً ما تسبقه مقدمة قصيرة،
ويكون الكل عادة بالبحر السباعي...
وفي القرن التاسع، بينما كانت اللغة العربية تمارس ضغطاً شديداً على اللغة
الآرامية،
بداً الآراميون يدخلون القافية على أشعارهم اسوة بالشعر العربي الذي أصبح
كثيرون منهم يجيدونه. فأخذوا ينظمون القصيدة على قافية واحدة أو يلتزمونها
في كل بيتين أو اربعة ابيات، ثم استعملوا الاسجاع في نثرهم.
واذا كان الشعراء الاولون لم يستعملوا القافية قطعاً بل التزم بعضهم حرفا
من حروف الهجاء في اول بيت من منظوماتهم، كمار افرام في مداريشه ويعقوب
السروجي في ميامره وبعض الكتبة في نقلهم الأوزان اليونانية، فهناك
شعراء كثيرون نبغوا في القرون الوسطى التزموا القافية في بيتين او في اربعة
أبيات أو في القصيدة كلها، أشهرهم ابن العبري وعبد يشوع الصوباوي وكيوركيس
وردا وايشوعياب بر مقدم واسرائيل الالقوشي وآدم العقراوي وكيوركيس الالقوشي
وخاميس القرداحي، وغيرهم من المتأخرين. واستعمل الكتبة الآراميون
السجع خصوصاً في خطبهم وفي مقدمات كتبهم كابن العري والصوباوي... و أول من
صنف قواعد الشعر الآرامي واستعمل القافية هو القس انطون الراهب التكريتي
المعروف بانطون البليغ او الفصيح في عهد البطريرك ديونوسيوس التلمحري (
845). و قد قال عن نفسه: "لم يسبقنا أحد في وضع قواعد لصناعة الشعر". وقال
ايضاً انه لما حاول برديصان المانوي ان يغري المؤمنين بأشعاره الموبقة، نهض
مار افرام الملفان وانشأ الاغاني التقويّة وافحمه. وعندئذ رأت الكنيسة
المقدسة ان تستعمل الاغاني في طقوسها لكي تتغلب على الملحدين. فبينما صنف
اليونان القواعد للنحو والفصاحة والشعر، تعلم الآراميون كل ذلك من دون
قواعد وضوابط، إذ كان الشعر عندهم غريزياً كما كان عند العرب والعجم.
ولكي يبرهن الآراميون ان لغتهم لا تنقص جمالاً عن اللغة العربية، أخذوا
يبحثون منذ القرن الثالث عشر في اشعارهم عن مفردات نادرة، يحاولون بذلك
تقليد بدائع العربية اللفظية. ولكن محاولتهم هذه باءت بالفشل وجاء شعرهم
معقداً وانحدر إلى الركاكة والاسفاف. وخير ممثل لهذه الفترة هو عبد يشوع
الصوباوي في الكتاب الذي ألفه سنة 1290 وأسماه "فردوس عدن". (ܦܪܕܝܣܐ
ܕܥܕܢ)
لا شك ان الشعراء الآراميين أجادوا في المحسنات المعنوية، فأنشأوا شيئاً
كثيرا في البديع المعنوي. أما المحسنات اللفظية، فقد شط فيها الشعراء، ولا
سيما النساطرة، كخاميس القرداحي وكيوركيس الالقوشي وغيرهما، حتى ان القارئ
يشمئز من الطريقة التي سلكوها، إذ أنهم اخترعوا صيغاً غريبة واشتقوا اسماء
جديدة واستحدثوا افعالاً لا أثر لها في مصنفات الفصحاء الأقدمين.
ومن هذه المحسنات اللفظية : التلاعب في الالفاظ
ܕܨܠܝ ܨܠܘܬܐ ܩܕܝܫܬܐ ܝܘܬܪ̈ܢܐ ܠܡ ܩܕܝܫܬܐ
أو ما يقرأ طرداً وعكساً:
ܐܬܪܒܝ ܣܒܐ ܒܣܝܒܪܬܐ
ܐܚܝܫܡܫ ܡܫܝܚܐ
ترجمات الكتاب المقدس
لقد تطرقنا الى أدب اللغة الآرامية في نشأته وتطوره، ورأينا انه في الدور
الانتقالي خُلد في بعض كتابات القبور أو رسائل نصحية كتبت في صدر التاريخ
المسيحي أو في عهد يسبقه بقليل. و هذه كلها سوابق للغة الآرامية
الحديثة التي حفظتها لنا بعض نسخ من الكتاب المقدس. فأقدم أثر للأدب
الآرامي المسيحي هو بلا شك ترجمة العهد القديم التي ترتقي الى عهد انتشار
المسيحية في ما بين النهرين، أي الى حوالى منتصف القرن الثاني الميلادي.
ومن المحتمل أن تكون هذه الترجمة قد أجريت في الرها نفسها. ويظهر ان
برديصان كان مطلعاً عليها في نهاية القرن الثاني الميلادي. وقد قام بهذه
الترجمة مؤلفون عديدون، وأجريت على النص العبراني ومن الأرجح انها من عمل
يهود متنصرين. وزعم البعض ان الأسفار الأولى من هذه للترجمة نقلت من
العبرية إلى الآرامية في عهد سليمان بن داود الملك وحيرام صاحب صور، وذهب
البعض الآخر ان ناقلها هو آسا الكاهن اليهودي، وقال الآخرون انها نقلت في
اورشليم بأمر أبجر الملك الرهاوي ومار ادي الرسول. وهذه كلها آراء مردودة.
وبالاضافة إلى ما جاء من نصوص هذه الترجمة القديمة في كتابات الآباء فهناك
مخطوطتان آراميتان تحفظان لنا شيئا من هذه الترجمة وهما المخطوطة
السريانية السينائية التي ترقى الى القرن الرابع (43)،
والمخطوطة السريانية الكيورتنية التي ترقى إلى القرن الخامس
(44). ويظن العلماء ان
ططيانس استفاد من هذه الترجمة الأولى لوضع انجيله الموحد المسمى "دياطسرون"
الذي كتبه أولا باليونانية في نحو سنة 170م، ثم نقل إلى الآرامية، وقد يكون
ططيانس نفسه الذي قام بهذه الترجمة. غير انه لم يعثر في النص الاول
للدياطسرون إلا على ورقة من الرق اكتشفت سنة 1930 في دورا اوريوس" على نهر
الفرات وتشمل الورقة على 14 سطراً من الانجيل المختلط باللغة اليونانية
يرجع الباحثون تاريخها إلى نحو سنة 220م. وقد بقيت شذرات منه في كتابات
الآباء، ولا سيما في شروح القديس افرام (45).
من هم ططيانس؟
ولد في ما بين النهرين سنة 120 في احضان أسرة نبيلة تدين بالوثنية
(46).
فتوسم والده فيه الذكاء الوقاد وحب التبحر في الامور الفلسفية
والدينية. وحل بعد أن أتم دراسته الآرامية في موطنه الى بلاد اليونان ثم
إلى روما حيث التقى بالقديس يوستينس (S.Justin.)
الشهير ودرس عليه (47).
وقد اعتنق المسيحية تحت تأثير هذا القديس في نحو سنة 150م. وبعد موت
استاذه، خلفه في التعليم في روما، وتخرج عليه تلامذة شهيرون، منهم إقليمي
الاسكندري.
وضع ططيانس انجيله المختلط بينما كان في روما بين 150 و 170 باللغة
اليونانية وسماه " الدياطسرون" أي انجيل واحد مكون من اربعة. وفي السنين
الاخيرة قام الأب مرمرجي الدومنيكي ونقله الى العربية. نادى ططيانس ببعض
الآراء الخارجة على تعاليم الكنيسة أثارت اضطراباً في روما، واضطر على
أثرها ان يغادرها الشرق في نحو سنة 172 (48) مات في نحو سنة 180. وسرعان ما انتشر الدياطسرون في الترجمة الآرامية
التي أجريت له في الشرق وتداولته الكنائس وسرحه الآباء. ولكن نظراً الى
آراء ططيانس الصارمة وللإهمال الذي أجراه في الدياطسرون لبعض النصوص
المقدسة، أبدى رجال الدين المسيحي تحفظاً شديداً إزاءه منذ القرون الاولى.
واليكم أمثلة على صرامة ططيانس المفرطة: فهو يقول مثلا عن حنة النبية "بعد
ان عاشت سبع سنين بالبتولية مع زوجها" لأنه يستنكر فكرة الزواج ويرى فيه
شراً واثماً. وكذلك يقول عن الخمر: "لم يشرب يسوع خمراً ممزوجاً بمرارة بل
خلاً ممزوجاً بمرارة"، ويحذف من قصة قانا الجليل هذه العبارة: "وبعد أن
سكروا" (49). لذلك فقد جدّ
تيودوروس السيري ورابولا اسقف الرها في اتلاف الدياطسرون. وأصدر هذا الأخير
أمره إلى الكنائس بوجوب استعمال كتاب يشتمل على الانجيل الاربعة المتفرقة،
وأن تكون القراءة في الصلاة من هذا الانجيل فقط. ومن المعتقد ان رابولا
اسقف الرها نفسه قام بترجمة الاناجيل عن اليونانية ترجمة بسيطة منفحة او ان
"هيبا"
ܝܗܝܒܐ
رئيس مدرسته قام بها تحت اشرافه (50).
الترجمة البسيطة
ܦܫܝܛܬܐ
لم يطلق اسم "البسيطة" على هذه الترجمة إلا في المخطوطات التي تعود إلى
القرن التاسع او العاشر. وقد قدمت عروض عديدة لشرح هذه التسمية. يقولون ان
هذا اللقب اعطي لها اسوة بالترجمات اليونانية البسيطة التي اجريت، بعدئذ
والتي تقل النص فقط دون ايما شرح أو مقابلة مع ترجمات أخرى، بخلاف "هكسبلة"
أوريجانس (51) أي الترجمة
المسدسة التي اعطى فيها أوريجان الى جانب النص العبراني ترجمات مختلفة
متوازية لليونانية (52).
ان الترجمة البسيطة للعهد الجديد متأخرة عن بسيطة العهد القديم، ويعتقد
انها أجريت خلال القرن الرابع أو الخامس (53).
وكانت تضم أولاً الانجيل الأربعة بنوع خاص، ثم شملت اعمال الرسل وثلاث
رسائل كاثوليكية 1( بطرس و 1 يوحنا ورسالة يعقوب) ورسائل القديس بولس.
جاء في ملحق المعجم الكتابي ان بسيطة العهد الجديد هي النسخة الرسمية
للكنيسة السريانية منذ القرن الخامس، وتحتوي على كل اسفار العهد الجديد،
عدا اربع رسائل كاثوليكية (2 بطرس، 2 و 3 يوحنا، يهوذا والرؤيا)
(54) ويظهر ان هذه البسيطة تتفق مع القانون
المتبع في كنيسة انطاكيا في القرن الخامس وهي لا تحتوي لا على قصة المرأة
الزانية (يوحنا 7 : 53 – 8: 11) ولا على تأسيس سر الافخارستيا (لوقا 22:
17)- غير اننا لا نقدر ان نؤكد شيئاً عن ناقلها. وقد نسبها "بر كيت" الى
رابولا اسقف الرها، واغلبية العلماء يميلون إلى هذا الرأي.
غير أن نص بسيطة العهد الجديد لم يدرس عن كثب. وإذا اعتمدنا رأي "بلاك" كان
بوسعنا ان نقول "ان الترجمة البسيطة ليست ترجمة جديدة اجريت على نص يوناني
صادر عن انطاكيا، بل مراجعة النصوص القديمة اسقطت فيها القراءات الغربية
جزئياً. أما الرسائل الكاثوليكية الكبرى الثلاث ( 1 بطرس 1 يوحنا، يعقوب)
التي كانت تنقص في النقل القديم، فترجمت رأساً عن اليونانية عند نشوء
البسيطة".
الترجمات الأخرى-
ان للعهد الجديد ترجمات اخرى عديدة عدا الترجمة البسيطة، منها الترجمة
الفيلوكسينية التي تمت على يد الخوري بوليقريوس بعناية فيلوكسينس مطران
منبج سنة 508م، والترجمة الحرقلية عن اليونانية، وهي ترجمة حرفية حاول فيها
توما الحرقلي مطران منبج سنة 616 ان يعطي كل معاني النص اليوناني. قام بها
حينما طرد من كرسيه الاسقفي في انّاتون قرب الاسكندرية.
الترجمة الفيلوكسينية والترجمة الحرقلية-
نقراً في نهاية بعض نسخ الأناجيل او اعمال الرسل او الرسائل الكاثوليكية او
رسائل القديس بولس التعليق التالي: "هذا هو كتاب الأناجيل المقدسة او سفر
الأعمال او الذي ترجم اولاً من اليونانية الى السريانية بدقة وهمة كبيرة في
مدينة منبج سنة 819 للإسكندر المقدوني (508م) في عهد السيد الورع فيلوكسينس
المعروف مطران المدينة المشار عليها. و بعدئذ قابلته انا توما المسكين مع
ثلاث نسخ يونانية اختيرت بدقة، وذلك في "انّاتون"، الميل التاسع (بعيدة) عن
مدينة الاسكندرية الشهيرة في دير الأنطونيين المقدس.. ثم كتب وقوبل في هذا
المكان سنة 927 للإسكندر (616م). والله وحده يعرف الجهد والاهتمام اللذين
بذلتهما في سبيل هذا الكتاب وامثاله اي اسفار العهد الجديد الأخرى"
(55).
يبدو ان عمل توما الحرقلي لم يكن الا استنساخاً للترجمة الفيلوكسينية مع
مقابلتها للنصوص اليونانية واضافة بعض علامات او حواش عليها. هذا رأي علماء
كثيرين بينهم الأب لاغرانج الدومنيكي الشهير.
وهناك من ينسب إلى الجاثليق مار آبا (552م) ترجمة العهدين القديم والجديد
من اليونانية إلى الآرامية. ولكن تاريخ سعرد وجدول عبد يشوع الصوباوي لا
يشير إلى هذه الترجمة. ويكتفي صليبا بالقول:" ان مار آبا فسر العتيقة
والحديثة" (56).
وهناك، عدا الترجمة البسيطة للعهد القديم، الترجمة السبعينية التي قام بها
بولس مطران تل موزلت سنة 616 – 617 بأمر البطريرك اثناسيوس الاول الجمال عن
هكسبلة اورجيانس. هناك ايضاً نقول أخرى بالآرامية عن اليونانية، منها
الترجمة السريانية الفلسطينية ومنها ايضاً يعقوب الرهاوي الذي استفاد من
النقل القديم ومن الترجمة التي حققها بولس مطران تل موزلت. ولم يكتمل النقل
البسيط لجميع أسفار العهدين القديم والجديد الا في القرن الثامن.
مصير النقل البسيط-
كتب الاب فوستي (P.Vosté)
مقالة عن "البسيطة" سنة 1946، جاء فيها توضيح عن الطبعات الجديدة التي
اجريت لهذه الترجمة. فهناك طبعتان
بروتستانتيتان، اشرف على الاولى صموئيل "لي" (1843- 1860)، وعلى الثالثة
قامت بها الارسالية الميتودية الامريطية في اورميا (1846 -1862) . غير ان
الطبعتين ق
د اهملتا الكتب القانونية المتأخره من العهد الجديد. هذا عدا عن طبعات
الكتاب المقدس، ومن ضمنها البسيطة التي انجزت في القرن السادس على مطابع
باريس بهمة "سونيتا"
الماروني وعلى مطابع لندن (غير كاملتين). وقد حاول اللعازريون طبع البسيطة
في ايران، الا انهم لم يفلحوا. وعلى اثر هذه الحوادث، جاءت محاولة الآباء
الدومنيكيين في
الموصل. ففي سنة 1860 اسس القاصد الرسولي هنري امنتون مطبعة في الموصل ثم
قام الشماس روفائيل المازجي الكلداني ايضاً بتزويد البطريركية الكلدانية
بمطبعة صغيرة
(1865). وفي سنة 1872 شرع هؤلاء بطبع الكتاب المقدس حسب الترجمة البسيطة،
وكان القس يوسف داود قد اهتم بتنقيحه واعداده. وبعد ثلاثة اشهر لاحت بوادر
الخلاف
بين الكاهن المذكور الذي اصبح مطراناً على دمشق باسم اقليميس يوسف داود
وبين القاصد الرسولي بخصوص هذه الطبعة، ورفع الخلاف الى روما. فأجريت فحوص
عديدة
على النص المقترح اشترك فيها اشهر العلماء وابدوا آراءهم في الموضوع.
اخيراً قر رأي المجمع المقدس على ان يقوم هو بطبع الكتاب المقدس بأسلوب
نقدي، وارسل كتاباً ال
ى الرسالة الدومنيكية يعلمها بالأمر. ولم يكن في الكتاب أمر صريح يمنع
الدومنيكيين من القيام بطبع الكتب المقدسة. اما الطبعة النقدية فلم تر
النور الى اليوم. واما الدومنيكيين
فشمروا عن ساعد الجد وبدأ وانجاز مهمتهم. وما ان اتت سنة 1888، حتى كان
العهد القديم قد خرج من المطبع انيقاً. فاخذ الاب كرماشتيك الدومنيكي نسخة
منه وقدمها ، في
طريقة الى فرنسا، الى البابا لاون الثالث عشر، فسر بها البابا جداً وقدم
للرسالة كأساً جميلة برهاناً على رضاه. وما عتم ان تبعته طبعة ممتازة للعهد
الجديد (1892)، وقد
حذفوا منها عدداً واحداً وهو (1 يوحنا 7 :5) ظهر للنقّاد وكأنه قد اضيف
الى المخطوطات وليس من اصل الترجمة البسيطة. اما الذين ساهموا في اعداد هذه
الطبعة فهم المطران
اقليميس يوسف داود والمطران جرجيس عبد يشوع خياط- وقد اصبح بطريركا على
الكلدان- والبطريرك افرام رحماني. وقد اعيد طبع هذه "البسيطة" فوتوغرافيا
في بيروت (المطبعة
الكاثوليكية 1951).
اخيراً كتب بويفيلد
(V.Puyvelde)
(57)
ان جمعيات العهد القديم في كوبنهاغن (1950) وفي ستراسبورغ (1956) قررت ان
تنظم لجنة تعد اليها مهمة تحضير طبعة للترجمة
البسيطة بأشراف ماك هاردي (Mc.
Hardy).
وكذلك جاء في مقدمة الكتاب المقدس لروبيرت وفويت
(Robert
Feullet)
(58).
ان اعمال برنس وديتريتش وجون بلاك
(W.E.Barnes,
G.Diettrich, J.Black)
قد اعدت طبعة نقدية للترجمة البسيطة، تساهم فيها لجنة دولية من العلماء.
وقد نشر "معهد البسيطة لجامعة ليدن" طبعة نقدية لثلاثة من كتب العهد الجديد
برئاسة دي بوير وبارس اجريت استنادا الى اكبر عدد ممكن من المخطوطات من شتى
انحاء
العالم (1966). وهذه الكتب هي: نشيد الاناشيد نشره امرتون، طوبيا نشره
لبرام، غزرا الرابع نشره المطران روفائيل بيداويد
(59).
الضوابط اللغوية الآرامية
سمى السريان الغربيون "تقليداً" (ܡܫܠܡܢܘܬܐ)
مجموع ما بذله الاساتذة من الجهود في سبيل القراءة الصحيحة لترجمات الكتاب
المقدس. اما الشرقيون فأطلقوا على هذه الضوابط اسم "كتب اساتذة القراءة.(ܟܬܒܐ
ܕܡܩܪܝܢܐ)
.
وكانت الترجمة البسيطة اول ما يضعه الاساتذة بين ايدي طلبتهم، فيبدأون
بقراءة المزامير، ثم يتدرجون منها الى العهد الجديد فإلى العهد القديم
ودراسة مؤلفات آباء الكنيسة الآرامية واليونانية. و كان لزاما على الاساتذة
ان يلقنوا طلبتهم القراءة الصحيحة ويعلموهم الأشكال (الحركات) والنبرة.
فأخذوا يرقمون الحركات ويضعون بعض النقاط فوق الكلمات. وبدأت هذه الطريقة
في مدرسة الرها منذ بدء القرن الخامس، انتقلت منها بعد مدة قصيرة الى مدرسة
نصيبين بواسطة نرساي. وفي القرن السادس غيَّر يوسف الاهوازي - وهو خلف
نرساي في مدرسة نصيبين- الاسلوب المتبع في مدرسة الرها، فاخترع تسع حركات
مستعينا في قراءته بترحمات تيودروس المصيصي. وانتشرت الطريقة الشرقية
للضوابط في القرن السابع حتى بين السريان الغربيين العائشين في المنطقة
الشرقية بواسطة الاستاذ سبروي مؤسس مدرسة بيث شاهاق الشهيرة (بعشيقة
الحالية) وبواسطة ولديه راميشوع وجبرائيل اللذين ترهبا في دير مار متى.
وفي سنة 705، اعاد يعقوب الرهاوي، حينما كان مقيما في دير تلعدا، النظر في
ضبط متون التوراة. وهو الذي قسم الاسفار الألهية فصولاً قدم على كل منها
مضمون ما يشمل عليه، وعلق على المتن هوامش تتضمن دروس الترجمات الآرامية
واليونانية ولفظ الكلمات الصحيح.
وقد وصلت إلينا طائفة من هذه الأسفار في نسخ قديمة كتبت سنة 719 وسنة 720،
وقد استقى قسماً من ملاحظاته من سويروس الانطاكي. وسرعان ما تبعه في هذه
الطريقة رهط من الرهبان المنصبين على دراسة الكتب المقدسة في دير قرقفتا
الواقع في قرية المجدل على نهر الخابور القريبة عن بلدة ريشعَينا (راس
العين الحالية) والحسكة. وعرف اشتغالهم اللغوي بـ "التقليد القرقفي" (ܡܫܠܡܢܘܬܐ
ܩܪܩܦܝܬܐ).
كما اشتهر آنذاك عالمان في صناعة الضوابط اللغوية، هما طوبانا(ܛܘܒܢܐ)
وسابا(ܣܐܒܐ).
وكان كل منهما يضع الحرف الاول من اسمه على كل ملحوظة وعلى كل ضبط يجريه.
اما التقليد الشرقي فهو محفوظ في مخطوط هام في خزانة المتحف البريطاني، وقد
كتب في دير مار كوريئيل بالقرب من مدينة حرّان (899 م). وقد استعمل ابن
العبري التقليدين في كتابه "مخزن الاسرار" وكتابه الآخر "الأضواء".
الصرف والنحو- ظل الآراميون زماناً
طويلاً دون كتاب في الصرف والنحو، وكانوا مع ذلك يجيدون لغتهم تكلماً
وكتابة بحكم الغريزة والعادة. ويُعد "احو دامه" بين اقدم النحويين
المونوفيزيين، وقد نصبه يعقوب البرادعي مطرانا على تكريت (955)، والف كتابه
على غرار اصول النحو اليوناني حسب شهادة ابن زعبي. اما الذي الف اول كتاب
للنحو الآرامي الحديث فأوضح نهجه وابان للناس سبيله فهو يعقوب الرهاوي.
واخذ عنه ابن العبري في نحوه المسمى "الاضواء"(ܨܡܚܐ)
نبذا هامة تدل على سعة الاصل الذي لم يبق منه الا شذرات في خزانة المتحف
البريطاني. ففي قطعة منها ينوّه يعقوب بشوائب الخط الآرامي لعنايته بالحروف
الصحيحة دون حروف العلة. فاستنبط يعقوب سبع حركات. بيد ان السريان الغربيون
اعتمدوا بعد موت يعقوب الحركات الخمس المعروفة واشاروا اليها بعلامات
استقوها من الكتابة اليونانية. اما الشرقيون فتبنوا هذه الحركات السبع
واشاروا اليها بنقاط فردية او مزدوجة وضعوها فوق الحروف او تحتها حسب اللفظ
الذي ينشدونه.
وهناك تقليد يقول ان الماروني تاوفيلس الرهاوي (785م) هو اول من استعمل
الحركات اليونانية في ترجمته لالياذة هوميروس. غير ان استنباط هذه الحركات
يجب ان ينسب الى رهبان دير قرقفتا المجدليين الذين اشتغلوا كثيراً في ضبط
اللغة واعادوا الحركات الآرامية الى خمس، بينما لم تظهر الحركات الشرقية
السبع إلا بعد القرن الثامن على الارجح.
ويذكر عبد يشوع الصوباوي ان يوحنا الاثاربي العمودي الذي كان يراسل يعقوب
الرهاوي الف هو ايضا كتابا في النحو، وقد اورد يوحنا بن زغبي شيئا منه. كما
وضع حنين (872 م) كتيَّبا في النحو عنوانه "كتاب الحركات" (ܟܬܒܐ
ܕܐܬܘܬܐ (ܙܘܥܐ))
ورد ذكره في ابن العبري وايليا الطيرهاني بطريرك النساطرة (1049 م.) ولكن
هذا الكتاب لم يصلنا، بل وصلنا غيره من وضع ايليا النصيبيني في مخطوطات
باقية في روما وفلورنسا ولندن وبرلين. وتشهد هذه المخطوطات العديدة على سعة
انتشار هذا الكتاب في سوريا، ويظهر انه كان كتابا تتداوله ايدي الطلبة
الذين كانوا يجدون فيه موجزا لما جاء قبله من القواعد في كتب يعقوب الرهاوي
وغيره. وكذلك صنف داود بن بولس رئيس الدير نحوا لم يبق منه سوى نتف. ونلاحظ
ان انطون التكريتي لا ينوّه بهؤلاء النحاة. اما يوحنا بن زغبي الذي عاش في
نهاية القرن الثاني عشر فقد وضع كتابا موجزا للنحو بالبحر السباعي لتسهيل
حفظه على الطلاب.
اما كتب "الاضواء" (ܨܡܚܐ)
فقد اظهر فيه ابن العبري طول باعه في الادب واللغة، فضمّ ما جاء في كتاب
يعقوب الرهاوي، متبعا فيه النهج العربي ونجح أكثر من سلفه ايليا الطيرهاني
الذي حاول هو ايضا نهج الخطة عينها ولم يفلح. ففي "الاضواء" نجد خواص اللغة
الآرامية مشروحة حسب الطريقتين الشرقية والغربية، مع ما جاء قبله من
الملاحظات اللغوية. ونظم ايضا كتاب آخر سماه "كتاب النحو"(ܟܬܒܐ
ܓܪܡܡܛܝܩܝ)
يليه شرح الكلمات الغامضة. وكان قد بدأ بتأليف كتاب ثالث اسماه "كتاب (ܟܬܒܐ
ܕܒܠܨܘܝܨܝܬܐ)
الشرارة" ولكن المنية وافته قبل أن ينجزه.
--------------------------------------------------------------------------------------------------
1-. هناك كتابات مسمارية ترقى الى القرن الرابع عشر قبل
الميلاد تنقل لنا ان جماهير من بطون "سوتي" الآرامية استقرت في نواحي دمشق
وان قبائل اخلامية من العنصر الآرامي استوطنت جنوبي الفرات بالقرب من
الخليج العربي (طالع ولفنسون، تاريخ اللغات السامية، مصر 1929، ص 115).
2- تكوين 10: 22- 23
3- تكوين20: 20-21
4- تكوين 22:22
5-
Dhorme> Revue Biblique 1928 P. 484.
6ـ 2 ملوك 17: 6
7- هي غوزان التي نفي اليها بعض اليهود ( 2 ملوك 17: 6،
18: 11، اشعيا 37: 12).
8- هي فيتور وطن بلعام في آرام النهرين وتقع على ضفة
الفرات الغربية على بعد عدة فراسخ جنوبي كركميش (تكوين 22 :5 ، تثنية 23:
4)
9- طالع عاموس 1: 5- بيث عدن ، 2 ملوك 19: 12 اشعيا 37:
12، حزقيا 27: 23
10- تكوين 24: 10، تثنية 23: 5، قضاة 3: 8، 1 أخبار 19: 6
11- تكوين 25: 20، 28: 2, 5-7، 31: 18
12- تكوين 22: 20- 24، 24: 4 : 7: 10، 2: 20، 28: 2، 12:
4-5
13- تكوين 24-1، 26: 5، 28: 2-5
14- 2 ملوك 18: 34
15-عدد 34: 8، 1 ملوك 8: 65، 2 ملوك 14: 25، حزقيال 47:
15، عاموس
6
:14
16- صموئيل 8 :، 1 اخبار 18: 9-10
17- هي حدراك الواردة في زكريا 9 :1
18- 2، صموئيل 8 :3
19-1
، صموئيل 14: 47، 2 صمو 8 :5-8، 10: 15-18،23 :36
20 اشعيا 7: 8
21- حزقيال 27: 18 9 -1، 1 ملوك 16: 10
22-2 صمو 10: 8، عدد 13: 22، قضاة 18: 28-29
23- تكوين 11: 26-27، 19: 30-38
24 هي عشر مخطوطات بيعت في اسوان سنة 1904. وقد اشترت
المكتبة البودلية واحدة منها. اما التسع الاخرى فأهديت الى متحف القاهرة.
ولكن الاب لاغرانج يظن، استناداً الى رواية الذين باعوها، ان الكتابات آتية
من الفنتين التي كانت مركزاً هاماً للمعاملات التجارية (
(RB.1907, P:258, n:2:
25-
قد بقيت هذه العبارات بصيغتها الآرامية في العهد الجديد ( متى 27: 46، مرقس
3: 17، 5: 41، 7: 34، 15: 34، اعمال الرسل 9: 36، 1: 19. كور 16: 22، روم
8: 15، غلاطية 4:6 اللمعة الشهية للمطران اقليميس يوسف داود، الموصل 1896،
ص 196-197
26- المجلة البطريركية للسريان الارثوذكس السنة الاولى، ص
115- 119
S.Reich, Etudes sur les villages Araméen de
1, Anti Liban, Institut Francais Damas, 7, 1936 P. 5.
27-
يرى الاب ستاركي (J.
Starky
(
ان الكتابة العربية مشتقة من الكتابة الآرامية، لان كلتيهما تكتبان فوق
السطر بينما تكتب النبطية معلقة تحت السطر(
Dictionnaire Biblique, Paris Col. 886- 1017, Revue des Etudes islamiques,
n.34, 1966,p.154. supplément
du
28-
.
The Interpreters Dictionary of the Bible, I, New York 1962 pp.190
29-
لقد اطلق لقب السريان على الاقوام الناطقة باللغة
الآرامية التي اعتنقت الديانة المسيحية، وظل لقب "الآراميين" يطلق على
الفئات غير المتنصرة منها. ويجمع العلماء
على ان لقب "السريان" جاء نسبة الى سوريا. ولما كانت اللغة الآرامية تشمل
اقواماً عديدة يعيش بعضها خارج سورية ولا يمت الى هذه البقعة بصلة، فقد
رأينا من الافضل ان
نطلق على هذا الكتاب اسم "ادب اللغة الآرامية"، متجاوزين بذلك الحدود
الجغرافية والعرقية والمذهبية.
30–
سماها الاتراك "أورفا" في القرن الخامس عشر وهي تقع الان ضمن الحدود
التركية.
31–
تاريخ مختصر الدول لابن العبري، طبعة صالحاني، بيروت 1890
ص 7، حاشية
32
– وهناك من يقول ان الديانة المسيحية دخلت ما بين النهرين
من حدياب، مستنداً الى ما جاء في تاريخ "مشيحا زخا" المنحول الذي سيأتي
الكلام عنه.
33–
تاريخ الادب السرياني لمراد كامل ومحمد البكري، القاهرة
1949، ص 29 -33
34
– ولد ديمقريطس سنة 460 او سنة 496 ق.م.
35–
ولد ميناندر في نحو سنة 3421 وتوفي سنة 290 ق.م
36
– راجع 2 ملوك 18: 26 ، اشعيا 36: 11.
37–
Ernest Renan.Hist.Cénérale
des Langues Sémétiques.1863.P.215-216
38
– راجع عزرا 4: 8 ,6 :28 و 7: 12- 26.
39
F. Nau, Histoire d, Ahikar I, assyrian et sa sagesse, Paris 1909.-
40-
انشئت
مدرسة الرها سنة 363 برئاسة افرام الملفان واغلقت سنة 489.
41
– القرداحي، كتاب الكنز الثمين، روما 1875 ص 2- 6.
42
– المروج النزهية 1 ص 210- 227.
43
- اكتشفتها السيدة لفيش سنة 1892 في ممحوة
Palimpscst
دير القديسة كاترينا في جبل سيناء.
44
– نسبة الى وليم كيورتون (W
. Cureton)
المستشرق الانكليزي الذي نشرها سنة 1858.
45
– طالع هذا الشرح في الترجمة الفرنسية للأب لويس للوار (L.
Leloir)
باريس 1966.
46-
وقيل
في حدياب (فانبويفلد)، دياطسرون ططيانس، ملحق المعجم الكتابي
SDB
باريس 1960، جزء 6 عمود 850- 870.
47
– ولد يوستينس في بلاد فلسطين في نحو سنة 100 م ثم ذهب
الى حيث أسس مدرسته الشهيرة، واستشهد سنة 165.
48
–
يقول ابن العبري ان ططيانس "كان يقول بوجود عوالم كثيرة كعالنا هذا، وان
التزويج كله زنى وشر وان بعد الموت اكلاً وشرباً ونكاحاً" (تاريخ مختصر
الدول، طبعة صالحاني، بيروت 1890 ص 1249).
49
– ملحق المعجم الكتاني، جزء 6، عمود 869.
50
– طالع ما كتبه الدكتور اسد رستم عن ططيانس في سلسلة آباء
الكنيسة ، جزء 1 ص 74 – 77.
51
– ولد اوريجانس في الاسكندرية سنة 185 وتوفي سنة 254 وهو
من أشهر اساتذتها.
52
– ان الترجمة البسيطة للعهد القديم هي عمل نقله كثيرون
ويعتقد ان الاسفار الخمسة الاولى نقلت في القرن الثاني او الثالث، ثم نقلت
الاجزاء الاخرى. وفي القرون اللاحقة تمّ مقابلة هذه الترجمة بالترجمة
السبعينية. وأقدم مخطوطة للترجمة البسيطة للتوراة ترقى الى سنة 442م.
53
– معجم الكتاب المقدس بالانكليزية، نيويورك سنة 1960.
الجزء 4 ص 754- 755 وطالع ايضاً اوتو ايسفلد، المقدمة في العهد القديم
بالالمانية، طبعة 3 توبنغن 1964 ص 948 – 951.
54
– طالع ملحق المعجم الكتابي، الجزء 6 عمود 824
D.B.S.
55
–
كولوفون: مخطوطة المكتبة الوطنية في باريس، رقم 55.
56–
صليبا: كتاب المجدل ص 41. وتجدر الملاحظة الى ان كتاب "المجدل" الذي نشره
الاب جيسموندي في روما سنة 1896 منسوياً الى عمرو بن متى الطيرهاني ليس في
الحقيقة الا لصليبا ابن يوحنان، كما تدل على ذلك الفروق التي اوردها في
الصحيفة 128. لذلك رأينا ان نسمي الكتاب اسم صليبا خلافاً للعادة الجارية
الى الآن.
57-
ملحق المعجم الكتابي، جزء 6 لسنة 1959 عمود 855.
58–Introduction
a 1, Ecriture Sainte
59-
مجلة بيبليكا
Biblica
الصادرة في روما، مجلد 48 لسنة 1967 ص 335، والمجلة الكتابية
R.B.
الصادرة في باريس، سنة 1967 ص 451.
|