تاريخ
طور عابدين
حدود الجبل ،
وسكانه القدماء ، واسـمه
مقدمة المؤلف
ان منطقة طور عبدين المباركة مليئة بالأحداث الغابرة ، لذلك وجدناها
حرية بالكتابة ، لأنها منذ الف وخمسمائة سنة عابقة بأخبارنا التاريخية اكثر
من سائر المناطق في كنيستنا السريانية
ولما لم نجد احدا يهتم بتسجيل تلك الاحداث حتى من ابنائه ، عنّ لنا تسجيل
ذلك في هذا الكتاب آخذين على عاتقنا من هذه الثغرة التي تركها الكتاب
الأولون مفتوحة ، وقد آثرنا تأليف هذا الكتاب بلغتنا السريانية المحبوبة
لدى ابناء هذه المنطقة ، حامدين الله تعالى الذي منحنا القوة للقيام بهذا
العمل الجليل.
الفصـل الاول
اننا اعتمدنا بتأليفنا هذا الكتاب على المصادر التالية :
تاريخ الربان يشوع من دير زوقنين ، وتاريخ الراهب القرتميني المختصر
، والذي كنا قد وجدناه في
باسبرينا
ونشرناه في باريس .
وتاريخ لمؤلف آخـر يمتد الى سنة 846 للميلاد ، وتاريخ مار ميخائيل الكبير
بطريرك انطاكية الشهير .
وتاريخ الرهاوي المجهول .
وتواريخ العلامة ابن العبري الكنسية والمدنية ، وملحقها الذي كتبه
القس ادي السبريني باختصار حتى سنة 1499م وأُضيف الى مجلدات ابن العبري
التاريخية .
سفر الحياة الخاص بدير قرتمين والممتد حتى سنة 1492م والذي يحوي
أسماء كثيرين من أساقفة -
الجبل ، وقسوسه وزهاده المشهورين مع تاريخ وفياتهم وبعض المعلومات عنهم ،
وهو محفوظ اليوم في خزانتنا .
وسفر الحياة الخاص بدير الصليب المعروف بدير ، بيث ايل ، الممتد حتى سنة
1582م والذي وجدناه في قرية زاز ، وقد فُقد اليوم ، ولكننا نقلنا قسماً
هاماً منه سنة 1909م
قصص مار شموئيل ، ومار شمعون ، ومار اوجين ، ومار دانيال اسقف جلش ،
ومار ملكي ، ومار -
اشعيا ، ومار يوحنـا الكفاني ، ومار موسى ، ومار فيلكسينوس ، ومار آحو ،
ومار كبرئيل ، ومار شمعون الزيتوني ، ومار يعقوب الحبيس .
وأننا أقررنا الأخبار الصحيحة من هذه القصص وأهملنا ما وجدنا خيالياً غير
تاريخي كلندار الربان صليبا ابن خيرون الحاحي-
الميامر التي ألفها بعض كتاب هذه المنطقة والتي تتحدث عن الأحداث
والمظالم والحروب المكانية - الكتابات الضريحية والحجرية التي وجدت في
الكنائس والاديرة وغيرها في سائر أنحاء الجبل
-
من الكتب المختلفة التي وجدنـاها في مختلف الأقطار ، وخاصة في طور عبدين
نفسه ، والتي قرأناها
-
جميعا ، ويزيد عددها على الثلاثماية مجلد ، وخاصة التعاليق التاريخية
المفيدة التي سطّرها الخطّاط في مختلف العصور كتاب شرفنامة ، تأليف الأمير
شرف الدين البدليسي الكردي والذي تُرجم الى العربية ونُشر سنة 1951
أخبار الملوك الأكراد ، والأيوبيين، والحصنيين ، وجانب من التاريخ
الملحق بكتاب ( تجارب الامم ) تأليف الوزير ابو شجاع محمد ظهر الدين
الرودراوري ، وابن الاثير ، وابن خلكان ، وابو الفداء ، والقلقشندي ، وابن
خلدون والسيوطي سنة 1505 . ونظيم العقيان وتاريخ ماردين تأليف عبد السلام
المارديني ، وقاموس الاعلام التركي كتابنا اللؤلؤ المنثور المطبوع سنة
1943 - أحاديث الشيوخ الصحيحة الثابتة في زماننا-
كتابنا التاريخ الكنسي الذي قطعنا أربعين عاما في جمعه وتأليفه - التاريخ
الممتد الى سنة 846 م
- أخبار مستقاة من تاريخ ميخائيل الكبير-
أخبار مقتطفة من تاريخ الرهاوي المجهول
أخبار من تاريخ ابن العبري أحاديث القس إده السبريني الأخبار
المفيدة التي جمعناها نحن من مخطوطات طور عبدين
حدود الجبل وسكانه القدماء واسمه
الفصـل الثـاني
طور عبدين ، منطقة ( جبلية ) تقع في ما بين النهرين في الشمال الشـرقي
لمدينة ماردين ، متوسط الارتفاع ، كثير القرى والدساكر ، والجانب المطل على
المنطقة المعروفة قديما بـ باعربايا أو المنطقة العربية يعرف باسم
جبل ازلا وقد سمّاه اليونان باسم ماسيوس وفيه ناحيتان
اولاً
ان الجغرافيين العرب أمثال ابي القاسم ابن خرداذبة سنة 848 م يقولون :
ان منطقة بيث ريشا وبيث محلم ( المحلمية ) هي كورة في ديار ربيعة وابو
القاسم ابن حوقل البغدادي الذي كان موجوداً سنة 970 م يقول :
ان طور عبدين هو أكبر من جميع الرساتيق المحيطة بمدينة دارا . وياقوت
الرومي المتوفى سنة 1222م يقول :
انه المنطقة المحاذية لمدينة نصيبين ، وفيه الجبل المطل عليها ،
والمتصل بجبل جودي ، وهو عماد الكورة كلها
ثانياً
وجبل طور عبدين يتوسط بين مدن ، جزيرة ابن عمر ، وماردين ونصيبين ، وآمد (
ديار بكر ) وسعرت .
ان سكان هذا الجبل الأصليين هم من الآراميين ، لأن القوم كانـوا
يسكنون جميع جبل ماسيوس والمعروف اليوم بجبل قره جه طاغ وقد حاربهم
شلمناصر الأول ملك اثور ( بين 1276 1256 ق.م ) واحتلّ مدنهم وهدّم حصونهم
وكانوا قبائل وافخاذاً كثيرة ضاربة بين أهار دجلة والبليخ والفرات .
ويذكر في أخبار الملوك الآشوريين الواردة في الكتابات المسمارية
المكتشفة في أنقاض مدنهم ، ان ملك اشور المدعو هود ناواري ( نيراري )
الثاني ، والذي ملك سـنة 911 ومات سنة 889 ق.م ابن الملك اشوردان ( 922
910 ق.م) حارب آراميي طور عبدين مرات كثيرة .
ان هذه المنطقة جميلة جدا ، وهواؤها نقي صحي ، الا ان ماءها قليل ما
خلا القسم القريب من دجلة والذي بنيت فيه مدينة دارا وقرية كفرجوسى ، أما
الباقي فانه يعتمد على مياه الأمطار التي يحفظها السكان في جبوب ضيقة .
اما كيفية تسميته بطور عبدين ، فقد ورد في قصة الكفاني ما يأتي :
عندما جاء الفرس ، وطردوا اليونانيين من دارا ونصيبين وأطرافهما ,
واستولوا على شرقي الفرات وتبدّد المسيحيون الساكنون في منطقة طور عبدين (
طور ابدين ) والتحقوا بالرومان الذين اسكنوهم في ناحية تعرف باسم ( دار
الروم ), وبعدها هبط ملوك اليونان هذه المنطقة لينتقموا من الفرس وآثور
ونينوى وبانوهدرا ( منطقة زاخو ) وباجرمي (منطقة اربيل) وبيت سلوخ ( منطقة
كركوك ) وغيرها , وسبوا خلقاً كثيراً من المجوس والوثنيين وأسكنوهم في هذه
المنطقة اعتباراً من جبل ازلا الى ارزون ، ومن قرية فنك الى حصن الصور
وماردين . وعندما سكنوا هذه المنطقة , سمّي هذا الجبل بجبل العبيد ، لانهم
جيء بهم للعبودية والرق , فاتخذ الجبل اسمه من اسم ( العبودية ) وهكذا سمي
بـ ( جبل ابدين ) او ( جبل عبدين ) (طور عبدين ) من أيام الملك يوسطنيان
.
الفصـل الثالث
ان سكان طور عبدين القدماء ، كبقية الأمم الشرقية ، كانوا وثنيين
يعبدون الأصنام ، وقد أُقيم دير مار شموئيل في قرتمين على أنقاض هيكل قديم
للاصنام ، وتؤيد ذلك قصص النسّاك مار اوجين ومار يوحنا الكفاني ، ومار موسى
ومار ملكي وغيرها ، والجالية الكبرى التي سباها الرومان من بلاد الفرس
وأسكنوها هذه المنطقة كانت وثنية , وورد في قصة مار ملكي ان المجوس حينما
دخلوا قرية اركح وجدوا فيها غلاما . . .
ان المؤرخين الشرقيين ذكروا , ان البلاد الشرقية أمثال آمد وارزون
وبازبدي ، انما بشّرها القديس ادي الرسول وتلميذه اجي وذكر في قصة مار
يعقوب الحبيس، انه وجد الى جانب قرية شيلوح معبد للمجوس باسم ( ايرقليس )
الإله الفارسي , ويذكر المؤرخ مشيحا زخا في تاريخه , مزرا اسقف بازبدي سنة
120م ، الأمر الذي يدل ، على ان منطقة بازبدي وما يجاورها نالت البشارة
الانجيلية في منصرم القرن الاول او مطلع القرن الثاني .
وعليه نقول ، لما كانت منطقة بيت زبدي مجاورة لطور عبدين فلا بدّ ان
يكون الإيمان بالمسيح قد أشرق على الجبل نفسه في الوقت ذاته ، غير ان
الاخبار الراهنة بهذا الشأن تؤيد ان المسيحية انتشرت انتشاراً كاملاً في كل
هذه المنطقة اعتباراً من القرن الرابع الى السادس .
ان أخبار حياة القديس يعقوب اسقف نصيبين تحدثنا ، ان هذا القديس منذ
مطلع حياته الاسقفية بشّر الوثنيين المحيطين بمدينة نصيبين بالإيمان
المسيحي ، وهدى كثيرين منهم الى الإيمان ، وكذلك تحدثنا أخبار حياة مار
اوجين رئيس المتوحدين الشهير في أواسط هذا القرن حتى نهايته ، وقد تلمذ
كثيرين الى نور الانجيل .
وذكرت في قصة الناسك اشعيا الحلبي ، انه في أواخر حياته عمّد ستماية
وثلاثين مهتدياً في نهار واحد من قرية أنحل. بعد أن آمن واعتمد على يديه
أبناء قرية الوردية بجوار نصيبين البالغ عددهم ثلاثة آلاف وستماية مهتد .
النساك الذين نبغوا في الجبل
الفصـل الـرابع
في نهاية القرن الثالث ، بزغ شعاع عظيم في الحياة النسكية ، وهو القديس
يعقوب , الذي بعد ان زهد في الدنيا ، زمناً غير قليل واشتهرت فضائله ,
انتخب اسقفا لنصيبين ، وأجترح المعجزات مثل الرسل القديسين ، وأسّس مدرسة
في المدينة ، وتخرج عليه القديس افرام السرياني العظيم ، فأغنى به الكنيسة
المقدسة عروس النور ، وانتقل بقداسة الى جـوار ربه سنة 338 م .
وفي منتصف القرن الرابع هبط الجبل القديس اوجين القبطي من دير مار فاخوميوس
, وعاش فيه حياة النسك والزهادة، وصاحبه كثيرون من الفضلاء وأخذوا عنه ،
وبعد بضع سنوات نشروا سوية بشارة الخلاص بين الآراميين والمجوس والوثنيين
القاطنين في هذا الجبل وباعربايا (ديار العرب) حتى جزيرة ابن عمرو، وهَدوا
خلقاً كثيراً وشيّدوا الكنائس .
اما تلاميذ مار اوجين فهم: مار ملكي القلوزمي ابن اخته ، ومار اشعيا الحلبي
، وعيده 15 من تشرين الاول ، ومار يارث الاسكندري ، ولكل منهم دير في
الجبل.
ان مار اوجين توفي في شيخوخة صالحة ، ووضع جثمانه الطاهر في الدير الذي
أقام وهو المعروف الى اليوم باسمه, ويجب ان نعلم ان القديس اوجين توفي في
نهاية القرن الرابع ولم يتعرّف شخصياً الى القديس يعقوب النصيبيني ، ولا
صحة لما يروى عنهما , اما القديسون الذين اعتنقوا طريقة الزهد بعده
واشتهروا في الجبل فهم :
- مار شموئيل المشتي ، الذي توفي في 15 أيار وتلميذه مار شمعون القرتميني ،
وقد شيدا دير قرتمين سنة 398 م
مار هابيل العمودي الذي اشتهر في نهاية القرن الخامس
مار آحو المتوحد الذي عرف في القرن السادس ، وهو الذي جلب قطعة من
الصليب الحي الى الجبل .وشيد ديرين, أحدهما دير دفنت
مار كربيل القسطيني الذي سار في طريق الزهد حثيثاً ، ورئيس دير قرتمين ،
ورسم اسقفا للدير
-
والابرشية كلها ، وزين الدير بالمفاخر الروحية وثقّف الرهبان بطريقة النسك
، وأحيا ميتاً ، وذهب الى ربه سنة 667م . ويحتفل بعيده يوم 23 كانون الاول
، وترك رداءه النسكي ذكرى في الدير وعاش في هذا الديـر ثمانماية ناسك فاضل
في أواخر القرن الخامس والى أواسط السادس . ووصفوا بما يأتي :
انهم اجتمعوا من أديار كثيرة ، ومن كل جهة ومدينة اولئك الذين اضطرموا
بحرارة الايمان وتقلدوا جميعهم اسلحة الروح شيخوخة بهية مزينة بالأعمال
العظيمة ، اولئك الذين وقفوا أمام الله بنسكهم السامي منذ عهد شبابهم
الرائع ، وتابعوا أعمال الزهد الشاقّة بقلوب تنبض بالايمان الحي ، والصوم
والصلاة والتهجد ليلاً ونهاراً بدون انقطاع . انه لعجب عجاب ان تسمع رعود
اصواتهم الهادرة ، وان تنصت الى هديلهم العذب الشجي وترتيلهم المقدس ،
وخاصة في الليالي الحالكة حيث كانوا يتهجدون في مغاور هذا الدير ، واحياناً
يهبطون الى الوادي العميق الواسع ، وآناً يبتعدون عنه .
وكان التناوب بين الاخوة اثنين اثنين في كل وقت معين او واحد ، او اربعة ،
او عشرة ، او اكثر ، او معلم وتلميذه ، وهكذا كانت ظلمات الليل تسمع نأمات
قلوبهم المسكوبة امام الله بكل ورع وخنوع . وكانوا يحيون الصلاة القانونية
باوقاتها السبعة المعروفة ، وكأني بهم انطبق عليهم كلام المرتل حيث يقول :
اني الهج بناموس الرب النهار كله وكان الكلام الباطل لا محل له عندهم .
وعوض الكلام الفارغ كانوا يلهجون بالشكر والدعاء طبقاً لقول الرسول بولس ،
وكان كلهم له وجهة واحدة في الصلاة الى الله ، وكان بعضهم يقتدي بالبعض
الآخر بالفضائل والزهادة وكان لهم نظام واحد ووجهة واحدة ، وهدوء شامل
وتأمل عميق واحد . وكانوا كأنهم الملائكة في عبادتهم . ولم تكن تجد في
الساعات الاولى من الليل احداً منهم على فراشه ، لانهم جميعهم كان ديدنهم
الصلاة والعبادة ، وكل منهم يقتدي برفيقه ، وكان الجميع خشعاً متهجدين . .
. ولما هبط الشرق افرام الآمدي المضطهد ( البطريرك ) ولم يرضخوا لما ارادهم
عليه من الخذلان ، فيشايعوه ، أثار ضدهم الاضطهاد المرير ، وبدّدهم في
الآفاق ايدي سبا ، فذهب بعضهم الى جبال كردستان والبعض الى الجبال الخالية
النائية ، والبعض الآخر هبط الى البراري والقفار حتى وصلوا الى جبل سنجار .
ثم عادوا الى هذا الدير بعد عشرين سنة، وعادوا يبنون المناسك الجديدة وكان
عددهم حينئذ زهاء سبعماية وثمانية وتسعين ناسكاً.
والقديس مار شمعون الزيتوني , وهو من قرية حبسناس وتتلمذ في دير قرتمين
واعتنق الزهد . واشتهر بالفضائل حتى أرتفع سراج فضائله فوق منارة أبرشية
حرّان برئاسة الكهنوت واستمر يشع نوراً وفضيلة مدة اربع وثلاثين سنة .
وانتقل الى ربه قديساً سنة 734 م . ويحتفل بعيده في 3 حزيران .
واشتهر قديسون كثيرون آخرون في هذا الجبل أشباه :
- سويرا الكفرشي .
- واباي الحاحي رئيس دير قرتمين ، ويحتفل بعيده في 8 من تشرين الثاني .
- ومار دانيال العوزي اسـقف قرتمين الاول ، ويحتفل بعيده في اليوم 9 من
كانون الاول .
- وقيروس الصبي الذي اصبح رئيسـا لدير قرتمين ويحتفل بذكره في 4 من كانون
- وشمعون الفافيني رئيس دير قرتمين ، ويحتفل بذكره في 11 من كانون الثاني
- ومار هيرقلا الحبيس الذي تنسك في دير كفرشمع ويحتفل بذكره في الرابع
والعشرين من كانون الثاني .
- وايليا الاسقف من عين ورد ، ويحتفل بذكره في 25 من شباط .
- وصافنيا رئيس دير قرتمين ، وذكره في 29 من نيسان .
- ومار موسى المتوحد وذكره في 5 من أيار .
- ومار اوتيل المجدلي وذكره في 3 حزيران .
- ومارون العينوردي وذكره في العشرين من حزيران .
- ومار يعقوب اسـقف دير فسيلتا من قرية عومقا في جبل ازلا ، وذكره في 31 من
تموز .
- ومار توتال العمودي الذي احيى ميتا ، وذكره في 12 من آب .
- ومار شابا الصلحي وتلاميذه الذين استشهدوا, وعيدهم في 18 من آب .
·
ومار يعقوب المصري الصلحي سنة 732 يونانية ( 421 م) وذكره في 8 ايلول .
·
- وقيروس رئيس الدير .
- ويوحنا القرتميني وذكره في 10 تشرين الثاني .
الفصـل الخـامس
كان في طـور عبدين ثلاثة حصون هي : حصن الهيثم ، وحصن كيفا ( الحصن الحجري
) والقلعة الجديدة.
وحدثنا الربان ايوب الحبسناسي في القصة التي كتبها للقديس شمعون الزيتوني
قال:
في سنة 602 يونانية ( 351 م ) أمر قوسطوس بن قسطنطين الكبير ، ديمتريوس
القائد بعد زمان ان يبني في مدينة آمد حصناً وهو الذي سمي به حصن ديمتريوس
، وهو المعروف بقلعة هيثم ، لكي يمنع الفرس من غزو المناطق العربية
الشمالية والبلاد الرومانية ، وبعد مدة طويلة زحف الفرس ، فدكّوا جميع حصون
طور عبدين ، وبقي حصن ديمتريوس هذا وحده ، اما بقية الحصون فبقيت خربة
وخالية .
وفي سنة 995 يونانية ( 684 م ) أُقيم حصن جديد ، بناه رئيسا المنطقة
ابراهيم ولعازر ، بعناية مار شمعون ( الزيتوني ) الذي طلب اليهما ، فجمعوا
اربعمئة نقّار وحجّار ونحّات وكلهم من ابناء تلك المنطقة ، فشيدوا الحصن
لكي يلجأ اليه سكان المنطقة في وقت الضيقات والحروب الناشبة بين الرومان
والفرس .
وفي سنة 1062 يونانية ( 751م ) دكّ هذا الحصن رومي حاكم طور عبدين ، وهدم
معاقله وأحرق أبوابه بالنار ، لأنه وجد ان الحروب مستمرة وقاسية على
المنطقة بسبب هذا الحصن الحصين
وفي سنة 1283 يونانية ( 972 م ) بني هذا الحصن للمرة الثالثة بيد هيثم.
ان حصن هيثم هذا أقيم في الجنوب الشرقي لطور عبدين ، ومن قراه المشهورة هي
باسبرينا ، وسميت المنطقة في وقت بنائه باسم منطقة هيثم . وكان غنياً
بالغلال . ذكر الامير شرف البدليسي في كتابه ( الشرفنامة ) ان معظم الغلال
التي كانت ترد للامراء البختيين ، أي في القرن السادس عشر ، من منطقة هيثم
هذه .
ويتحدث القس ادي السبريني في القرن الخامس عشر ، انه كان في قلعة هيثم والٍ
، وكان الاكراد
والتركمان وأبناء الحصن يقتتلون في سبيله ، وفي سنة 1462م ، أخذ كور خليل
قلعة هيثم من أحمد ابن نطفة .
وحدث المؤرخ القرتميني قال : في سنة 801 يونانية ( 590 م ) زحف الفرس
وأحرقوا دير قرتمين ، وفي سنة 916 يونانية ( 605 م ) دكّ حصن طور عبدين
وخلاصة القول ، ليس لدينا مصادر تاريخية هامة في هذه المنطقة غير التي سجلت
بالسريانية وبيد أبنائها ، وخاصة القس ادي السبريني.
ومما نعرفه عنها هو:
في سنة 1709 يونانية ( 1398 م ) في نهاية ايلول نشبت حرب على القرية
الصغيرة المسماة ( الدير الصغير ) في منطقة باعـربايا ( ديار العرب ) قتل
فيها بدر الدين والي قلعة هيثم ، فانه مات في حصن كيفا متأثراً من جرح بليغ
فيه ، واندحر الرئيس ملكي السبريني ومن معه .
وفي سنة 1743 يونانية ( 1432 م ) استولى الاكراد على قلعة هيثم ، وفي سنة
1744 ( 1433 م ) نهب السلطان حمزة بن عرتمان التركي ( الاصح التركماني )
منطقة هيثم ، وساق في السبي جميع سكان باسبرينا وأسكنهم في منطقة ماردين
حتى تصالح الولاة فافتدوا بني باسبرينا بمبلغ باهض واسترجعوهم من حكم حمزة
، وذهب وزير الحصن وأتى بالفلاحين الى القرية .
وفي سنة 1759 يونانية ( 1448 م ) اسر علي صاحب القلعة الجديدة من قبل
الأمير احمد صاحب قلعة هيثم وهو ابن نطفة .
وفي سنة 1762 يونانية ( 1451 م ) نزل الى قلعة هيثم الملك الحسن ، والملك
مبارك ، والملك سليم أبناء الملك كامل ، واستقبلهم أميرها حاجي عون ،
وحاكوا مؤامرة وهاجموا قلعة الحصن ، وقتلوا أخاهم ناصر ، وملك أخوه محمد .
وفي سنة 1773 يونانية ( 1462 م ) استولى الامير التركي الأعور ابن خليل
مولى حسن بك الطويل على قلعة هيثم ، وطرد منها الامير احمد بن نطفة الضرير
، وجمع اليه عصابات كثيرة من الاكراد اليزيدية والجارودية والمحلمية ،
وامرهم ان يعيثوا في الارض سلباً ونهباً وتقتيلاً ، وان يقتلوا الامير أحمد
الأعور المتحصّن يومئذ في القلعة . اما خليل المشار اليه فقد كان مستوليا
على مدينة شروان ، وكان في صبيحة كل يوم يهاجم صاحب قلعة هيثم ، ويسبي
ويقتل من الاكراد أتباع الضرير . وكان المتحصنون في قلعة هيثم ايضاً يخرجون
ويعيثون في المسيحيين نهباً وقتلاً . وارسل ابن نطفة لصوصاً على باسبرينا
فقتلوا فيها ثلاثة رجال وسبوا كثيرين ، وأسّروهم في القلعة وباعوا كل واحد
منهم بمبلغ باهض من المال . اما صاحب هيثم فانه ثار على الحصنيين والتركمان
، واستولى على مقادير كثيرة من الحنطة والشعير والعسل والزبيب والاغطية
المحفوظة في القلعة ، واستحلف التركمان بالا يسيئوا اليه ، وأعطوه قلعة
هيثم بعد ان كبّد المنطقة ضيقات كثيرة .
اما بقية الحصون بما فيهم حصن هيثم ايضاً ، فتروى عنها الاحاديث التالية :
حدثنا كاتب قصة مار يعقوب الحبيس في دير صلح قال :
ان آمد احبها الملك قسطوس بن قسطنطين الكبير ، لأنه هو الذي رمّمها وجمّلها
وفضّلها على جميع مدن مملكته ، وأخضع لها سائر المدن من رأس العين الى
نصيبين . ومن ميافرقاط وأرزون والى حدود كردستان . وبما ان هذه المناطق
كانت مجاورة لبلاد الفرس ، وكان اللصوص الفارسيون يغيرون عليها فيسلبون
وينهبون ويقتلون ، اما طور عبدين فكان منطقة متوسطة بين هذه المناطق ،
فابتنى فيه الملك حصنين عظيمين وحصينين ليكونا ملجأ لسكان هذه المناطق ابان
المحن وخاصة عند غارات العصابات الفارسية . وأقام احدهما على الحدود
العربية الى جانب الجبل ( وهذا هو حصن هيثم ) وشيد الثاني على نهر دجلة
وسمّاه حصن كيفا او الحصن الحجري ، وجعله قلعة لحماية المنطقة كلها .
واشتهر هذا الحصن الحجري بعد زمن طويل بالملوك الأقوياء الأيوبيين ، كما
سيأتي في حينه .
وحدثنا مار ميخائيل الكبير في تاريخه ص 390 وفي احداث سنة 604 قال : ان
الفرس هاجموا دارا وطور عبدين ، وحاصروا حصن كيفا مدة سنتين ، ولم يؤذوا
احداً غير الرومانيين فكانوا يقتلونهم حيثما وجدوهم ، وحينئذ استسلم
الحصن للفرس .
وهناك قلعة اخرى في باسبرينا ذكرها القس ادي في سنة 1451م وتدعى قلعة
المحلمية ، وكانت قلعة صغيرة ، كما كانت هناك قلاع صغيرة اخرى في بعض القرى
، كالقلعة التي كانت في قرية ( بيت اسحق ) والقلعة المسماة ، القلعة
الجديدة . وقال ايضاً ، ان صاحب هذه القلعة علي غرزان الفيشي أسّره الامير
احمد بن نطفة صاحب قلعة هيثم سنة 1448 م .
وفي سنة 1771 يونانية ( 1460 م ) استولى الأتراك آل حسن باك او حسن الطويل
، على القلعة الجديدة ، وطردوا منها المحلمية . ان القس ادى ذكر هذه
القلعة في سنة 1395 م قال : عندما زحفت جيوش تيمورخان الى بيت ريشا وطور
عبدين ، التجأ بعض السكان الى حصن كيفا ( الحصن الحجري ) والتجأ غيرهم الى
حصن هيثم والقلعة الجديدة .
وذكر شرفخان في كتابه ، ان السلطان التركي ، اعاد لبدر بك الثاني بن شاه
علي بك ولاية الجزيرة ما خلا جبل طور عبدين ، وكانت هذه المنطقة تشمل طور
عبدين ومنطقة هيثم ، اعني قلعة هيثم ، وعندما توفى أخوه ناصر بك استعاد تحت
سلطانه جبل هيثم كما كان سابقاً ص 156-160 وملك بدر هذا من سنة 1514 م وحتى
1568 أو اكثر ( 1570م ؟ ) وعاش خمساً وتسعين سنة . وخلفه ابنه محمد الاول
وقتل سنة 1578 م .
وعندما مات ناصر ، رغب ابنه خان عبدال ان يخلفه في الامارة ، علي جبل هيثم
، ولما ذهب الى السلطان سليم لم ينجح وقتل .
وقال ايضاً في ص 149 ان منطقة هيثم ، ومعظم سكانها مسيحيون هي منطقة غنية ،
ومعظم الغلال الواردة لأمراء الجزيرة كانت ترد منها ، والقبيلة الكردية
التي سكنتها كانت قبيلة جلكي .
بقلم: مار اغناطيوس افرام الاول
برصوم
حمص 11 02 1924
|