عاشت الأمة الآرامية بجميع طوائفها حرة أبية
 

لنتمسك بلغتنا الآرامية ونهتم بها

كابي كلّو

 

التنظيم الآرامي الديمقراطي

اللغة عنصر هام في تركيبة قوميات الشعوب، لأنها مخزن كنوزها الأدبية والفكرية والعلمية، وهي الأداة التي حفظت من خلالها عناصر حضارتها ومدنيتها ومشاعرها القومية. يوجد اليوم في العالم حوالي ستة آلاف لغة. بعضها واسعة ودقيقة التعبير، كالإنكليزية والألمانية والفرنسية وبعضها صغيرة وضعيفة وقد تكون محكية غير مدونة مثل لغات أسيا الوسطى ولغات الهنود الحمر. كما إن بعض اللغات كانت في التاريخ القديم لغات عظيمة واسعة الانتشار كالآرامية مثلاً. وبعض اللغات الأخرى ماتت وزالت من الاستعمال بفعل الاحتلال وتحول أصحابها إلى لغات المحتلين.

الآراميون أمة ليس لهل مقومات الدول حالياً، ولكنهم يعتزون بان لغتهم الآرامية كانت في القديم لغة الدبلوماسية والتجارة في العالم المتمدن من شرق البحر المتوسط حتى مشارف الهند شمالاً ومتداداً لنهر النيل جنوباً إذ تفتخر الآرامية بين شقيقاتها اللغات السامية بأنها اللغة الوحيدة التي لازالت حية مستمرة دون أنقطاع منذ أكثر من ثلاثة آلاف سنة. وأنها أنفردت عن سواها من اللغات القديمة بسهولتها وبساطة أبجديتها ومقدرتها على استعمالها في مدوناتهم الرسمية. ولعمرها الطويل، ومجاراتها للغات الأخرى، وسعة الرقعة الجغرافية لاستخدامها، تطورت وتفرعت لهجاتها، بعضها أنقرض والاخر لازال حياً يصارع من أجل البقاء بين أمواج الاضطهادات العاتية.

عند ولادة سيدنا المسيح كان اغلب سكان بلاد الشام من الآراميين وكان الجميع يتحدثون بالغة الآرامية ألام كما تحدث بها السيد المسيح وتلاميذه لأنها لغتهم الأم، وبها انتشرت البشارة وبها دونت بعض الكتب المقدسة، وبذلك كانت لغة المسيحيين الأوائل والكنيسة الأولى في أورشليم. وقد تبنت الكنيسة المشرقية لغة دولة الرها الآرامية، التي عرفت بعد ذلك بالسريانية، فأضحت لغتها الوطنية والمقدسة. وبهذا الفرع السرياني الآرامي وضع معظم الآباء مؤلفاتهم فدوّن بها أدب عظيم ومتنوع يضم جانبه الكنسي العديد من الطقوس والمراسيم الدينية والتراتيل العذبة. أصبحت أداة الأتصال مع الله ولغة مخاطبة المسيحسسن الشرقيين ومناجاتهم لربهم. مما حمل الكثير من المؤرخين المسيحيين القدماء، وحتى العرب المسلمين، على اعتبارها لغة أهل الجنة.

ومنذ الاحتلال العربي المسلم لمنطقتنا في القرن السابع الميلادي، بدأ وضع لغتنا وحضارتنا وقوميتنا يتغير تدريجياً وذلك بسبب جملة من حملات الاضطهاد واتباع سياسة الترغيب والترهيب. فكانت المحنة بأجبار الآراميون على تعلم لغة المحتلين وإخفاء هويتهم الآرامية الدينية والثقافية والاجتماعية لتجنب غضب الحكام الذين شجعوا على تعريب ثقافتهم ولسانهم وحتى أسماء أولادهم. في البدء أستعملوا الأسماء الآرامية بصيغتها العربية كما وردت في القرآن، فاخذوا يسمون أولادهم إبراهيم بدلاً من ابرهام، ويوسف Yusuf بدلاً من Yawsef، وعيسى بدلاً من يشوع... الخ. أما في المرحلة الثانية فسموا أولادهم بأسماء عربية مثل سمير، جميل وسعيد... الخ. وفي المرحلة الثالثة فرضت عليهم أسماء تركية مثل أطاش، دمير، يلمز، جيجك وأجار... الخ. والتيجة كانت ابتعاد معظم الآراميين عن لغتهم القومية بعد عليهم العربية ومن ثم التركية والكردية، وأغترابهم القسري عنها أدى الى نسيانها من قبل الأغلبية. لكن كنائس الشعب الآرامي بطوائفها "من موارنة، سريان، كلدان، روم وآشوريين" ظلت تقاوم لغة المحتلين واستمرت باستخدام الآرامية في طقوسها جاهدة في المحافظة عليها. لكن لغة الحكام أخذت تتغلغل مع الزمن إلى الكنائس وخاصة في المائة سنة الأخيرة وذلك بعد تقسيم منطقة الشرق الاوسط وتأسيس دول حديثة بدأت حملات التعريب والتتريك بحق شعبنا الآرامي تزداد، فاضطرت الكنيسة أمام هذا الضغط إلى إدخال لغة الحكام فيها واستعمالها كما أن بعض الكنائس عرّبت طقوسها تماماً منذ زمن لتخفيف الضغوط عليها. اليوم أن الكنائس التي صمدت أمام تيارات التعريب والتتريك تتراجع في مواقفها، فبدلاً من أن تحاجج للتمسك وتدافع عن لغتها كما يقضي عليه شرع حقوق الإنسان، نراها تتنازل عن لغتها خوفاُ من السلطات. ونرى رجال الدين الذين كانوا في القرون الخوالي القلعة الحصينة في الحفاظ على لغتنا، لغة المسيح ولغة أجدادهم، يحاولون مغازلة الحكام ويعربون طقوسهم دون مبرر البته. وحتى في بلاد الانتشارDiuspora  نرى بعض رجال الدين المسيحي يستعملون العربية الفصحى في كنائسهم وكأنها هي التي كانت لغة السيد المسيح والإنجيل والكنيسة. وكم من عالم ومستشرق أصيبوا بالخذلان أثناء زيارتهم لسماع القداس بلغة السيد المسيح والإنجيل ولغة المسيحية المشرقية فسمعوا بدلاً عنها لغة القرآن ولغة الإسلام أي العربية الفصحى فاشمأزت نفوسهم من الصدمة المريرة وخرجوا بانطباع سلبي جداً عن كهنتنا الذين يفضلون لغة محمد والقرآن على لغة المسيح والإنجيل، بعملهم هذا وهم يذبحون لغة المسيح بحجة أن الكثير من المصلبن لايفهمونها.

أن التنظيم الآرامي ينظر إلى هذه الظاهرة الخطيرة بعين القلق وهو متأسف جداً لما يحصل وخاصة من تصرف بعض الكهنة الذين لايهمهم تراثنا وتاريخنا وحضارتنا ولغتنا، فبحجة إفهام المؤمنين يهجرون لغة المسيح المقدسة، إذا كان هؤلاء الكهنة يحبون المسيح فعليهم التمسك بلغته في كل الطقوس الكنسية وتفضيلها على كل لغات العالم.

أن التنظيم الآرامي الديمقراطي يهيب بجميع الآباء الكهنة من قساوسة ومطارنة وبطاركة أن يلعوا استعمال اللغة العربية الفصحى من طقوسنا الكنسية ويمنعوا استعمالها في الكنائس، أولاً لأنها لغة الإسلام "المقدسة" في جميع أنحاء العالم وكذلك كانت لغة محمد نبي العرب والمسلمين ولغة الخلفاء على مر الزمان ولازالت ولا زالت لغة الدين الإسلامي وأئمتة يستعملونها في جوامع العالم.

ثانياً لأنها ليست لغة الآراميين بل هي دخيلة عليهم وفرضتها السلطات الحاكمة على شعوبنا التي أماتت لغتنا الآرامية، فأصبحت اللهجات العربية المحكية هي اللغة البيتية. وهكذا خسر جانب عظيم من الآراميين لغتهم القومية. وبين هؤلاء الكثير من قساوسة ومطارنة وبطاركة. وإذ أضطرهم الأمر فليستعملوا اللغات المحكية وليس العربية الفصحى التي هي لغة الإسلام المقدسة.

أننا نهيب بجميع رجال الدين الآراميين المسيحيين أن يحاولوا جهدهم استعمال الآرامية فقط لأنها اللغة التي دونت فيها الطقوس الدينية، ولأنها عنوان فخر هذه الكنائس ورمز وجودها.وبسبب الآرامية يحترم المستشرقون هذه الكنائس والاديرة، لأنهم يعتبرون الطقوس والصلوات الآرامية منبعاً لاينضب ينهلون منه لدراساتهم وأبحاثهم العلمية في مختلف جامعات الغرب.

فليتشبه الآراميون المسيحيون باليهود الذين تراهم منتشرين في معظم دول العالم ومع ذلك لايصلون إلا بالعبرية بالرغم أن المصلين لايفهمونها. أما في العظات والمواعظ فلا مانع من أستعمال رجال ديننا اللغات المحكية للشعب المصلي أو لغات البلدان التي يعيشون فيها.

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها