أكتب هذا
المقال قبل أن يقدم المبعوث الأممي لسوريا كوفي أنان تقريره لمجلس
الأمن، فكل المؤشرات تقول إن بشار الأسد بات واقعا بين العصا
والجزرة، فحتى مع غموض المطالب التي قدمها أنان للأسد، فإن هناك
شبه إجماع على أن مهمة أنان هي الفرصة الأخيرة للأسد.
بالطبع لم
يتوعد أحد بالحرب علنا، لكن مؤشراتها واضحة، فالأتراك يشيدون بحديث
الأمير سعود الفيصل عن أن تسليح المعارضة السورية فكرة ممتازة، بل
إن أنقرة أعلنت أنها تدرس إقامة منطقة عازلة داخل الأراضي السورية،
وهذا أمر لا يمكن أن يتم بالتراضي بين تركيا والنظام الأسدي، بل
يتطلب عملا عسكريا ضخما، وهو بالطبع عمل مبرر، فمع تدفق اللاجئين
السوريين على تركيا، وتلغيم النظام الأسدي للحدود، فمن حق أنقرة أن
تقوم بعمل ما لحماية حدودها التي انتهكتها القوات الأسدية مرارا،
وتأمين أماكن للاجئين السوريين.
والقصة ليست
تركيا وحدها، فها هي دول الخليج جميعها تغلق سفاراتها إغلاقا تاما،
وتسحب كل العاملين فيها، والأمر نفسه تفعله دول غربية، وهناك
مطالبات بصدور قرار أوروبي جماعي لفعل نفس الأمر، وهذا مؤشر على أن
الأمور تسير إلى تصعيد، وليس تهدئة، فإذا قيل إن جزءا من مهمة أنان
التهدئة والحوار السياسي الذي قد يقود لخروج الأسد على الطريقة
اليمنية، كما يفترض البعض، فإن التحركات الدولية في الوقت نفسه
متشددة، وأشبه بإعلان حرب، مما يجعل الأمر يبدو وكأن الأسد قد بات
بين العصا والجزرة، وهذه بالطبع رسالة للأسد نفسه، ولمن هم حوله،
خصوصا عندما يقول كل من أوباما ورئيس الوزراء البريطاني للأسد إن
يد العدالة ستطاله، فهذا ليس حديث تهدئة بالطبع!
وهذا الأسبوع
شهد تحركات مهمة بالمنطقة، من زيارة رئيس الاستخبارات الأميركية
لتركيا، إلى زيارة قائد الأركان الفرنسية لأنقرة، كما أن المعلومات
تقول إن رئيس الاستخبارات التركية سيقوم بزيارة قريبة للسعودية،
وهذه ليست تحركات عبثية على الإطلاق. والأهم من هذا وذاك، هو
الموقف الروسي، الذي بدأ البعض يروج إلى أنه يتحول ضد الأسد، بل
هناك من يقول إنه تحول فعلا، والمسألة مسألة إخراج فقط. فقد استمعت
لمعلومات من مصادر مطلعة تقول إن مسؤولا روسيا أبلغ مسؤولا بنظام
طاغية دمشق مساء الخميس الماضي، وباتصال هاتفي، أن على الأسد تغيير
إجابته على طلبات أنان، وأنه إن لم تكن إيجابية فإن موسكو لا
تستطيع أن تظهر بمظهر حامي القاتل أكثر مما مضى! وإن صدقت الرواية
- ولا شك لدي براويها، خصوصا أن علينا تذكر انتقاد لافروف للأسد
بالدوما قبل يومين - فإن ذلك سيكون انقلابا في الأزمة السورية،
وربما لذا تجرأ حسن نصر الله بطلب وقف إطلاق النار بسوريا، وبشكل
متزامن من جميع الأطراف، وكأن نصر الله اليوم هو الأسد بعام 2006.
وعليه فكل
المؤشرات تشي بأن الأسد بات بين العصا والجزرة، وأن هناك تحركات من
اتجاهات مختلفة، قد تكون بطيئة، لكنها ليست بمصلحة الأسد، وهذا هو
المطلوب بالطبع.