نحن أمام مرحلة
دبلوماسية عبثية جديدة بين المجتمع الدولي ونظام بشار الأسد الذي
يحاول فيها اللعب على الوقت كعادته الدائمة، وهو ما فعله كذلك طوال
عام كامل من عمر الثورة السورية، وآخر هذه اللعبات هي لعبة اللاورق
بين الأسد والمبعوث الأممي كوفي أنان.
فبعد أن كان
الجميع ينتظر الرد الأسدي على ما قدمه لهم السيد أنان، خرج المتحدث
باسم الخارجية الأسدية ليقول إن «كوفي أنان قدم لا ورقة. مقترحات
غير رسمية لتبادل الرؤى حولها، ونحن رددنا بلا ورقة، وكان الرد
أجواؤه إيجابية وتوضيحية، وحملت توضيحات لكيفية تنفيذ هذه البنود
بهذه اللاورقة». لغة فذلكة تؤكد أن النظام الأسدي لا يتحدث عن
خطوات، قدمت له من قبل السيد أنان، بل إنه يتحدث عن «مقترحات غير
رسمية لتبادل الرؤى»، وأنها قدمت للنظام الأسدي غير مكتوبة، وأن
نظام الطاغية قام بالرد عليها أيضا بغير كتابة، أي أن ما يحدث،
وبلغة بسيطة، كلام في الهواء، غير ملزم، ولا قمية له!
ومن هنا يتضح
أن النظام الأسدي لا يأخذ مهمة أنان على محمل الجد، ولا يقيم وزنا
للمجتمع الدولي. فما دام النظام الأسدي لا يرى تحرك الأساطيل،
وتدفق السلاح للمعارضة، فإنه لن يصدق شيئا، مثله مثل من قبله، سواء
صدام، أو القذافي. فإذا لم يسمع الأسد أزيز الطائرات فإنه لن
يرتدع. فكل ما يسمعه، ويراه، النظام الأسدي إلى الآن هو تهويشات،
لا أكثر ولا أقل، سواء من أعدائه أو أصدقائه، فالأسد لا يقلق مثلا
من تقريع وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، له خلال جلسة أسئلة
وأجوبة بمجلس الدوما حيث قال لافروف عن الأسد: «جميع نصائحنا، ويا
للأسف، لم تترجم بأفعال، ولم تتحول إلى واقع عملي في الوقت
المناسب، لا بل بالعكس»، مضيفا أن نظام الأسد «اعتمد إصلاحات جيدة
من شأنها تجديد النظام والانفتاح على التعددية، ولكن ذلك تأخر
كثيرا». وأكد لافروف أن اقتراح بدء حوار وطني في سوريا يأتي أيضا
«متأخرا»، ومحذرا أن هذا «الجمود» يمكن أن «يبتلع الجميع في
النهاية»!
كل ذلك لا يقلق
الأسد، حتى وإن سمع بالأمس أن موسكو، ولأول مرة، تسمح لقوات
أميركية باستخدام أراضيها للقيام بعمليات تستهدف أفغانستان، ولو
كان هناك من يفكر بالنظام الأسدي لتساءل: إذا كانت روسيا قلقة من
التغلغل الأميركي في المنطقة، فمن باب أولى أن لا تسمح لها
باستخدام أراضيها.. لكن هذا التطور أيضا لن يقلق الأسد، رغم أنه
مؤشر مهم!
وعليه؛ فإن
أكثر ما يقنع الأسد بالخطر، كما يقنع الدوائر الضيقة منه بذلك، هو
عندما يرى المنطقة العازلة، وتدفق السلاح، وتحرك الأساطيل، ومن
خلال تحالف الراغبين، وليس مجلس الأمن، فهذه هي اللغة التي
يستوعبها الأسد، لا الرسائل الشفهية، أو عبر الورق، فهذا النظام
سقطت عنه ورقة التوت منذ زمن!