من
الواضح الآن أن المجتمع الدولي قد امتص أثر الصدمة التي
أحدثتها المناورة الروسية تجاه سوريا، وقرر، المجتمع
الدولي، التحرك للرد على تلك المناورة دبلوماسيا بشكل
فعال، مما يعني أننا أمام موجة جديدة من التفاصيل، وهذا
طبيعي!
المبادرة الروسية التي استجاب لها الأسد «سريعا» بالأقوال
لا الأفعال، والتي تقضي بنزع جميع أسلحته الكيماوية، رأى
البعض فيها فرصة لحفظ ماء الوجه بالنسبة للرئيس أوباما،
وسلّما يمكّنه من النزول من فوق الشجرة، حيث باستطاعته
التراجع عن الضربة العسكرية، وتفادي طلب التصويت في
الكونغرس، إلا أن ما يبدو الآن هو أن الغرب، وعلى رأسه
فرنسا، وبدعم حقيقي وصلب، من الخليجيين الذين عدّوا
المبادرة الروسية لا تضمن وقف النزيف السوري، قرروا، أي
الغرب، الرد على المناورة الروسية من خلال تحرك عبر مجلس
الأمن من شأنه إحراج الروس، واصطياد الأسد، الذي اعترف
لأول مرة بامتلاكه الأسلحة الكيماوية.
الآن نحن أمام معركة دبلوماسية شديدة التعقيد هدفها وضع
الأسد بالقفص، وإبطال المخطط الروسي - الأسدي الهادف
لإغراق المجتمع الدولي بالتفاصيل، ولذا كان المقترح
الفرنسي مهما، وذكيا، حيث يقضي باللجوء لمجلس الأمن لضمان
التزام الأسد بنزع أسلحته في مدة لا تتجاوز الـ15 يوما تحت
الفصل السابع الذي يخوِّل المجتمع الدولي استخدام القوة.
ومثلما قلنا بالأمس إن الروس قد فعلوها وورطوا المجتمع
الدولي، وأوباما، بخدعة ذكية، إلا أنه من الممكن القول
اليوم إنه من الممكن أن يتحول هذا الذكاء الروسي لخطأ
قاتل، ومن باب أن «غلطة الشاطر بعشرة»، خصوصا إذا تعامل
الغرب بجدية مع المناورة الروسية، وهذا ما يبدو الآن.
المطمئن اليوم هو الرفض الخليجي للمبادرة الروسية، وهذا هو
معنى التصريح الخليجي بعيدا عن الدبلوماسية، كما أن المريح
بالنسبة لأوباما أن المناورة الروسية منحته مزيدا من الوقت
لترتيب أوراقه الداخلية. وهذا ليس كل شيء، بل إن المناورة
الروسية من شأنها أن تحرر رئيس الوزراء البريطاني أيضا،
خصوصا بعد اعتراف الأسد بامتلاكه للكيماوي، وقد تأتي
تقارير الأمم المتحدة في أي وقت الآن لتعزز معلومات
استخدامه الكيماوي، مع المماطلة الروسية الواضحة حول عملية
نزع أسلحة الأسد، وتهديد الروس بتعطيل مجلس الأمن مجددا،
مع اشتراط موسكو على الغرب إلغاء الضربة العسكرية لتفعيل
مبادرتها تجاه الأسد.
كل
ما سبق يعني أننا أمام موجة جديدة من التفاصيل، وهي ليست
سيئة، إلا في حال تم تجاهل الحل السياسي الشامل في سوريا،
وليس فقط نزع الأسلحة الكيماوية، فكما قلنا بالأمس إن
الاكتفاء بنزع الأسلحة يعني وكأنه تطبيع دولي جديد مع
الأسد، وهذا خطأ قاتل، فالقصة أكبر من الكيماوي. وعليه نحن
الآن في مرحلة شديدة التفاصيل، والمثل يقول إن الشيطان في
التفاصيل، ولذا فلا بد من الحضور العربي الواعي، والفعال،
لكي لا يستغل الأسد الأخطاء الغربية مجددا، وبدعم من
الروس، خصوصا أنها منطقتنا، وقضيتنا، والمستهدف هو أمننا
واستقرارنا.