سبق أن كتبت
في أغسطس (آب) الماضي هنا «فكروا في إيران ما بعد الأسد»، وأعود
اليوم لأكتب عن إيران ما بعد الأسد مرة أخرى، لأن الأوضاع على
الأرض في سوريا باتت تتحرك بسرعة مذهلة، ونظرا لتأكيدات سمعتها من
ثلاثة مصادر عربية وأوروبية عن تخطيط إيران لما بعد الأسد.
وقبل البدء
لا بد من تأمل تصريح، أو تحذير، حسن نصر الله الأخير الذي يقول فيه
إن الوضع في سوريا يزداد تعقيدا، لكن من يظن أن المعارضة المسلحة
يمكنها حسم الموقف على الأرض «مخطئ جدا جدا جدا». وكلام نصر الله
يعد مهما؛ لأنه يعكس الموقف الإيراني بالطبع، ونصر الله هنا لا
يتحدث عن انتصار الأسد، وإنما عن صعوبة انتصار الثوار، والفارق
كبير، فحزب الله كان يعتقد لوقت قريب أن الأسد منتصر، بل إن بعض
قيادات الحزب كان يردون على من ينصحونهم من خطورة حرق أوراقهم مع
الأسد بالنظر للساعة في معصم اليد والقول: «غدا مثل هذا الوقت تكون
خلصت»!
وما سمعته
من المصادر الثلاث، واثنان منهم سبق أن التقيا الأسد ويعرفانه
جيدا، أن الاستراتيجية الإيرانية التي يخدمها حزب الله في سوريا
تقوم على ثلاثة عناصر رئيسية؛ الأولى الدفاع عن الأسد بشكل مستميت،
بالمال والرجال والسلاح، ولذا، وبحسب المصادر، فإن قاسم سليماني
شبه مقيم في دمشق، لكن هذه الاستراتيجية فشلت، وطهران الآن على
قناعة بذلك. أما الثانية، فهي السعي لتكوين دويلة علوية وتكون
ملتصقة بالحدود مع حزب الله، وتم العمل على ذلك، وتم تطهير مدن
وقرى سنية لذلك الهدف، لكن هذه الخطة فشلت أيضا. الثالثة، وهذا ما
يتم العمل عليه الآن، هي أنه في حال سقوط الأسد، فإن إيران
وحلفاءها سيسعون لضمان عدم قيام نظام، أو دولة، في سوريا، وبأي
ثمن، وذلك من خلال زرع الفوضى، والعنف، وعدم الاستقرار، ومهما كلف
الأمر، وهذا ما يشترك به حزب الله بالطبع مع إيران، هذا ناهيك عن
معلومات المصادر المستقاة من مصادر مخابراتية بأن الأسد ينوي
القيام بأعمال جنونية في حال شعر بأنها اللحظة الأخيرة له في
الحكم.
ولذا، فإن
حديث نصر الله عن أن «الوضع في سوريا يزداد تعقيدا، لكن من يظن أن
الثوار يمكنهم حسم الموقف على الأرض (مخطئ جدا جدا جدا)»، يعتبر
مهما، ويجب أن يؤخذ على محمل الجد، لأنه يعني أن إيران ونصر الله
اقتنعا بنهاية الأسد، والآن يخططان لإحراق سوريا. وقد قيل هذا
الأمر علنا من قبل حلفاء الأسد بأنه لا سوريا بعد الأسد، فإيران
وحزب الله يعيان أن البديل للأسد، وخصوصا لو جاء بانتصار عسكري لن
يكون سهلا معهم، وسيسعون لزعزعة سوريا انطلاقا من العراق، ولبنان،
فإيران وحزب الله يعيان جيدا أن سقوط الأسد يعد أكبر هزيمة
استراتيجية لهما.
ولذا، وكما
سبق أن كتبنا هنا، يجب أن لا يكتفى بتخمين الوقت الذي قد يسقط فيه
الأسد، بل يجب الدفع بسيناريو السقوط، مع وجود استراتيجية واضحة
للحظات ما بعد الأسد، وليس الأيام التي تليها، وذلك لتفويت الفرصة
على إيران وحزب الله، وحماية سوريا ككل.