بكركي و "حزب الله"
... مدّ وجزر
04
Jan 2012
اتسمت العلاقة بين بكركي و"حزب الله"، منذ
نشأته بالتحفظ لاسباب واعتبارات عدة،
لكنها ومنذ انتخاب البطريرك مار بشارة
بطرس الراعي رست على نوع من التواصل
والحميمية التي عززتها مواقف بطريرك
الموارنة في باريس وبعلبك والجنوب،
وتصريحاته عن الشؤون السورية ومصير
الاقليات. لكن هذه الايجابية بين الطرفين،
والتي يصفها البعض بـ "تفاهم الاقليات" لا
تلغي حجم الملفات الساخنة على جدول
الاعمال بين الجانبين، بدءاً من مسألة
السلاح خارج الدولة ونزع سلاح "حزب الله"،
الى قضية بيع الاراضي والهجمة العقارية
على المناطق المسيحية والتي دخلت فيها
الكنيسة المارونية طرفاً، وصولاً الى ملف
التعيينات الادارية. ويقول "عراب" العلاقة
بين بكركي والحزب المطران سمير مظلوم إن
"لا علاقة مميزة مع اي طرف ولا تحالف
أقليات بل رغبة من البطريرك الراعي في
الانفتاح على جميع اللبنانيين عبر الحوار
والتفاهم".
وينفي مظلوم ان تكون العلاقة بين الكنيسة
والحزب نتاج انتخاب مار بشارة بطرس الراعي
بطريركاً، ويؤكد ان العلاقة بدأت منذ 1992
عندما تشكلت لجنة من الجانبين بناء على
طلب الحزب، ولم يكن مظلوم مطراناً حينها.
وتطورت الامور تدريجاً بين مد وجزر الى ان
كانت حرب تموز 2006 وما اعقبها، حيث انكفأ
الحزب الى ترتيب اوضاعه وتراجع عدد
اللقاءات تدريجاً. وساهم التفاهم مع
العماد ميشال عون ربما في تبريد حماسة
الحزب لمزيد من اللقاءات مع بكركي بعدما
شعر انه يقيم علاقة تحالفية مع طرف مسيحي
فاعل. واستمرت الامور على هذا المنوال الى
حين انتخاب الراعي وزيارته الجنوب والبقاع
حيث ابدى حزب الله الرغبة في اعادة توطيد
العلاقة وهذا ما كان". والكلام للمطران
مظلوم.
وما دامت الامور كذلك فلماذا لا يحاور
البطريرك الاسلاميين السنة او السلفيين و
"الاخوان المسلمين"؟ ويرد مظلوم بالتمييز
بين الطائفة السنية والقوى السياسية
المتطرفة داخلها، ويشير الى ان العلاقة مع
مفتي الجمهورية ورئيس الحكومة والقوى
السياسية المعتدلة "لا تشوبها شائبة"، لكن
المشكلة بالنسبة اليه ان الاسلاميين و
"الاخوان المسلمين" لم يبادروا في اتجاه
بكركي ولم يتواصلوا في شكل رسمي. اما
الكلام الذي نسب الى البطريرك عن الخشية
من وصول نظام اصولي متشدد الى الحكم في
سوريا فيعتبر انه قائم على المعطيات
الميدانية المتوافرة والخشية على مصير
المسيحيين والاقليات في سوريا نتيجة
الابهام في الموقف السياسي لهذه القوى".
وعن نظرية "تحالف الاقليات" يقول مظلوم ان
هذه النظرية ليست جديدة بل قديمة في
التاريخ، وعرضت على البطريركين بولس بطرس
المعوشي وانطونيوس بطرس خريش بغرض قيام
تحالف يهودي – درزي – علوي – مسيحي ضد
الاكثرية السنية، "لكن موقفنا في بكركي
كان ان هذه المعادلة ليست حلاً ورفضت
بشدة". ويضيف: "عرض النظام السوري علينا
التعاون تحت عناوين عدة وكان موقفنا
الدائم الرفض الكامل لهذا المشروع
انطلاقاً من تمسكنا بفكرة "لبنان اولاً
والوحدة الوطنية والعيش المشترك ولبنان
الرسالة". ويشرح مظلوم ان قراءة البطريرك
لهذه المعادلة انها تدمر الاقليات وتؤدي
الى حروب لا نهاية لها.
وبالوصول الى خطاب البطريرك ودعوته الى
تطوير النظام رغم حراجة الوضع السياسي
الداخلي والاقليمي، يعتبر مظلوم ان الراعي
ينطلق في مقاربته من وضع الدولة "المكربج"
حيث تتعطل الادارات والمؤسسات العامة،
وبالمختصر "الامور مش راكبة"، ولهذه
الاسباب لا بد من الجلوس الى طاولة حوار
لمناقشة هذه الامور بأخلاص وارادة مشتركة.
اما اللامركزية فقد تكون حلاً او أي شكل
آخر شرط عدم فرض الامور بالقوة بل بالحوار
والتفاهم الحضاري. ويرد على الخشية من
مطالبة الطائفة الشيعية بالمثالثة بأن
"الامور محسوبة ولا داعي لهيمنة اي طائفة
على الاخريات". وبرأيه انه لا يجوز تحت
ستار الخشية من المثالثة او غيرها ترك
الدولة تنهار وتدمر واللبنانيين يتفرجون
ويبحثون عن ذرائع".
ويمضي مظلوم في تفسير الدعوة الى التغيير،
بأن الهم الاساس لدى الكنيسة المارونية هو
منع انهيار الدولة والتصدي لهذا الوضع
يكون بدعوة الجميع الى المشاركة وعودة
المسيحيين الى ممارسة دورهم كما يجب.
والواقع أن ضعف المسيحيين بعد الحرب اوصل
الدولة الى الانهيار لانهم اصحاب فكرة
الدولة اللبنانية المدنية، في حين فشل
الاخرون في ترتيب هذه الدولة وانجاحها
وحولوها مزارع مذهبية وطائفية بدليل ما
نراه اليوم من ازمات ومشكلات، واستبعاد
المسيحيين عن مسار بناء الدولة لم يؤد سوى
الى خسائر فادحة لهذه الدولة اللبنانية".
ويضيف: "ما ندعو اليه هو استعادة للدور
التأسيسي للكيان والذي اضطلعت به الكنيسة
المارونية ونشدد على أهمية الحوار واحترام
التنوع والديموقراطية ووضع سياسة
الاستئثار والهيمنة جانباً لاننا لا نملك
وطناً آخر غير لبنان وغيرتنا عليه تدفعنا
الى هذا الموقف".