الكنائس وحدها لم تُبع. ينقل احد الناشطين في مواجهة عمليات بيع الاراضي عن مرجع روحي مسيحي كبير مرارته من مسؤولين ووزراء ونواب مسيحيين وقوله إنه "لو كان نصف هؤلاء مسيحيين حقيقيين لما ارتضوا ان تحصل هذه الامور وبادروا الى التصدي لها بكل الوسائل القانونية والادبية ومنع الفرز السكاني وتغيير وجه لبنان(...)". كلام هذا المرجع الكبير لا يختلف ابداً عن موقف الذي اعلنه متروبوليت عكار للروم الارثوذكس باسيليوس منصور قبل مدة مختصره "ان لا شرف لمن يبيع ارضه". سنة جديدة مرت على عملية تغيير وجه لبنان من وطن تعددي متنوع تعيش فيه مختلف الطوائف في سلام ووئام، الى وطن احادي اللون والتوجه نتيجة لعمليات شراء الاراضي المستمرة في نهج يشبه الحركة الصهيونية في شراء الاراضي من الفلسطينيين بالترغيب وشراء الضمائر والنفوس والعملة الخضراء. وقد اضاف اليها القانونيون العاملون على هذا الملف عمليات وضع اليد على اراضي المسيحيين كما جرى في بلدة القاع في البقاع الشمالي حيث وضعت على الآلاف الدونمات بدون وجه حق او مبرر قانوني، ومنع الاهالي من الاستثمار فيها او حتى استعمال مصادر المياه. او كما يجري في جزين حيث وضعت اليد على 1,300,000 متر مربع في منطقة جبل الريحان بذرائع عدة بدون ان يكلف نواب جزين انفسهم عناء التحرك، وكما يجري في بلدة حوارة الضنية التي يُمنع اهلها المسيحيون من العودة اليها واستعادة 25 مليون متر مربع من الاراضي نتيجة تواطؤ بين نظام الوصاية السورية والمتعاملين معه قبل العام 2005، وكذلك تواطؤ حالياً بين قادة مسيحيين في قوى 14 اذار ونواب في تلك الناحية وخشية خسارة اصوات انتخابية. إذاً، لم تهدأ الهجمة على تغيير وجه لبنان خلال 2011 واصبحت تختصر في عناوين اهمها ان الفقراء لا يبيعون ارضهم بل الاثرياء، وخير نموذج عنهم تاجر مجوهرات كبير باع غالبية اراضي الدلهمية الى مجموعة شيعية وغيّر وجه منطقة اقليم الخروب، ثم تلاه اثرياء من عائلة مرموقة في الدبية قبل مدة قصيرة جداً عندما باعوا 200 الف متر مربع الى مجموعة شيعية. اما العنوان الثاني في ظاهرة بيع الاراضي فهو ما يقوم به قسم من المغتربين خصوصاً في اوروبا والاميركيتين والذين يعاني قسم لا بأس به العوز والفقر فيعودون الى مسقط رأسهم في لبنان لبيع ما يملكون من العقارات. عاصية على البيع في مقابل هذه الصورة المتشائمة، مناطق عدة يرفض أصحابها المسيحيون بيع الاراضي ويتضامن معهم جيرانهم في الحياة الواحدة واصبح ممكناً الكلام على مناطق عاصية على هجمة التغيير الديموغرافي، منها منطقة دير الاحمر التي لا تزال صامدة ويتحرك اهاليها المسيحيون لشراء الاراضي المعروضة، وكذلك زحلة والبقاع حيث خفت عمليات البيع كثيراً، وايضاً مناطق في عكار حيث نجحت الكنائس والقوى الاهلية في لجم عمليات البيع وخفض نسبتها والابرز في عكار اخيراً كان تسجيل بيع بضعة منازل الى غير المسيحيين في بلدة رحبة. في البترون ايضاً تسجل نسبة بيوع متدنية وكذلك في اقصى الجنوب في عين ابل ورميش والقليعة ومحيطها. اما في جزين وبرغم وضع اليد على الاراضي في جبل الريحان فيسجل انخفاض في نسبة عمليات البيع خصوصاً بعد توقف المفاوضات على بيع 5,750,000 متر مربع بين آل اندراوس ومجموعة من المتمولين الشيعة في صفقة كان حجمها 50 مليون دولار اميركي على رغم مبادرة "الهيئة الايرانية" الى شق طرق فيها. والمفارقة في جزين على ما تشير المعلومات المتراكمة، بروز عروض عدة للبيع من عدد من مالكي العقارات السنة الى الطوائف الاخرى. علامات استفهام هذا في الايجابيات اما في السلبيات فالعناوين كثيرة ومعها علامات استفهام كبيرة، تبدأ من املاك الكنيسة المارونية المصادرة في اعالي جبيل في لاسا، والتي انتهت الامور فيها الى اجتماعات عدة لدى القاضي العقاري. لكن المفارقة ان الجميع ينتظرون قرار وزير الداخلية مروان شربل للبدء باعمال المساحة والتحديد والتي يفترض ان تتم بحماية قوى الامن والشكاوى اصبحت علنية في اوساط الكنيسة عن مغزى هذا التأخير واسبابه. أما منطقة الحدت فهي محاصرة بين عمليتين "استراتيجيتين" لشراء الاراضي ستؤديان في حال انجازهما الى تحول ديموغرافي نهائي في منطقة بعبدا: الاولى في منطقة الوروار لم تنته المفاوضات في شأنها حتى اليوم على رغم تدخل رئيس "تكتل التغيير والاصلاح" النائب ميشال عون شخصياً وتكليفه النائب آلان عون السعي الى حل المسألة التي توليها الكنيسة المارونية والرابطة المارونية وكل المسيحيين عناية خاصة، نظراً الى دقة الملف وحساسيته المذهبية والطائفية والديموغرافية. والعملية الثانية، هي تلة مار مطانيوس عند مدخل الحدت الشمالي والتي لم تحسم حتى اليوم طبيعة ما يجري فيها وعليها من مفاوضات وكلام و "مؤامرات"، وربما يحتاج الامر الى تدخل العماد عون شخصياً لتقويم الامور ومنع التغيير الاجتماعي في ساحل بعبدا. في المتن انتهت الضجة الاعلامية التي اثيرت حول عملية بيع العقارات الضخمة من ج. ابو جودة الى "المؤسسة الاسلامية للتربية" التابعة لـ "حزب الله"، الى لا شيء سوى بدء مشروع الاعمار في تلك العقارات ورغبة ج. ابو جودة في الترشح للانتخابات النيابية. ويقال في ساحل المتن انه لن يمر وقت طويل قبل ان تصبح المنطقة الممتدة من النبعة الى سد البوشرية والزعيترة ورويسات الجديدة ذات لون طائفي غير مسيحي. كسروان والكورة وزغرتا انتهت تدنى معدل بيع الاراضي في كسروان وليس لانخفاض الطلب، او لصحوة وطنية مفاجئة لدى بعضهم بل لأنه لم يتبقَ هناك اي شيء للبيع، وفي احصاءات الرابطة المارونية ان نسبة كبيرة من اراضي كفرذبيان وميروبا وحراجل والمناطق المحيطة بها اصبحت ملكاً للمتمولين الخليجيين واللبنانيين غير المسيحيين، في حين تضع قوى حزبية مسلحة يدها على جرود كسروان. اما في ساحل الكورة فسجل بيع 1٫800٫000 متر مربع لغير المسيحيين، ولولا بلدات أنفة وشكا ومحيطها والكنائس والاديرة القائمة هناك لما بقي للحضور المسيحي اثر هناك. وفي قرى الزهراني وبلداته وساحل جزين لم يبقَ شيء للبيع سوى الكنائس والاديرة وأملاك بعض من يرفضون البيع حباً بأرضهم. ويقول عضو الرابطة المارونية طلال الدويهي، ان ما يجري مزيج من عمليات تبييض الاموال وغسلها وتراخي الدولة وصمتها وتواطئها بدل أن تتدخل من خلال سن قوانين "الشفعة" وتكليف الاجهزة الامنية مراقبة البيوعات الكبرى والتصدي لخطرها على العيش المشترك ولبنان في ذاته. السؤال ماذا سيتبقى في جردة 2012؟