الهوية الكلدانية بين الضياع والنهضة
20111014
يلتئم
شمل إخوتنا الكلدان في السويد في منتصف هذا الشهر في مسعى يراد منه
النهوض بنا. والنهضة مصطلح محبب قامت به مختلف شعوب الدنيا. والشعب
الذي يريد أن ينهض معناه أنه في سبات وإن لم يفق قد يفوته القطار ويضيع
أو يندثر او تبتلعه شعوب أخرى نهضت قبله. والنهضة لدى أي شعب يقودها
علماؤه وشعراؤه وفلاسفته وقادته السياسيين المحنكين.
أسس النهضة
والنهضة لدى كل الشعوب تستند إلى ما لديها من تراث كتابي بإستطاعتها
قراءته وإن حدث أن غادرته لفترة من الزمن يحثها العلماء والشعراء
والمثقفون على التشبث به وإحيائه.
بمعنى اخر، أن النهضة تستند إلى هوية الشعب الحقيقية وليس المزيفة وهذه
الهوية وعاؤها اللغة القومية لأن اللغة هي الواسطة الوحيدة التي تحفظ
لأي شعب ثقافته وفنه وتاريخه وتراثه وأدبه وشعره وموسيقاه وطقسه الديني
وتحفظ له سيرة أعلامه وعلمائه وأبطاله.
اللغة هي الوجود بالنسبة لأي شعب يبحث عن هوية ويحاول النهوض. اللغهة
هي أم كل العلوم لدى أي شعب في الدنيا والشعب الذي لا لغة له لا هوية
له. والشعب الذي يبدل أو يغير لغته يبدل ويغير هويته وإن نهض فإن نهضته
تكون محسوبة على اللغة التي إكتسبها وليس لغة هويته الأصلية.
بين سانيديكو واستوكهولم
كنت من أشد المعارضين لمؤتمر النهضة الأول. والمعارضة لا يجب إلغاؤها
أو إقصاؤها. إن فعلنا ذلك معناه إتخذنا الدكتاتورية نبراسا. علينا
محاورة المعارضين لأسلوب النهضة الحالي ومناقشة أفكارهم وأمانيهم دون
اللجوء إلى الشخصنة والمباشرة كما فعل بعض زملائي من الكتاب عند الرد
على ما كتبته.
نحن واللغة
نحن الكلدان إن أردنا النهوض لا يمكن أن تتم نهضتنا إن لم نحي لغتنا
وما تحتويه من الأمور التي ذكرناها أنفا. أي نهضة دون اللغة القومية
نهضة باطلة لن يكتب لها النجاح مهما حاول النهضويون تزويق وتلوين
مؤتمراتهم النهضوية.
ونحن الكلدان نحب لغات الدنيا الشتى عدا لغتنا القومية. مؤسستنا
الكنسية و بأغلبيتها الساحقة والتي يستند إليها النهضويون لا تحارب هذه
اللغة فقط بل كثير من أعضائها ومنهم من هم في سدة الأسقفية يستهجنها
إلى درجة أن أغلب كنائسنا اليوم تنظر بعين الريبة وربما الإشمئزاز إلى
ما خلفته لنا هذا اللغة من تراث طقسي وكنسي وموسيقي ولاهوتي وفلسفي قد
لا يمكله شعب أخر في الدنيا.
وصارت كنائسنا اليوم أشبه بمحافل دولية حيث نستخدم فيها لغات شتى. في
السويد مثلا العربية هي السائدة في أغلب الأحيان وتم إدخال السويدية في
بعض الكنائس إضافة إلى قليل من السريانية، لغتنا القومية.
كيف ننهض
كيف ننهض وكيف تكون لنا هوية إن لم تكن لنا لغة؟ وكيف ننهض وكيف تكون
لنا هوية إن كانت الأسس التي تستند إليها النهضة غير علمية وغير
منطقية؟ كيف ننهض ونحن نتكىء على المؤسسة الكنسية (مؤسسة وليس رسالة
سماء) التي وضعت مذهبيتها قبل كل إرثها الكنسي المدون باللغة القومية
والذي يبلغ عمره حوالي الفي سنة؟
اليوم نحن الكلدان نعرف أكثر بكثير عن تريزيا وريتا وتيريزا وشارل
ودومنيك وفرنسيس وصوفيا ولوسيا وبركيتا أكثر مما نعرف عن قديسينا. من
منا بإستطاعته عدّ إسمين فقط من أسماء قديساتنا؟
مثال عن الهوية والنهضة
الشعب اليهودي له هوية. هويته هي لغته العبرية وما حفظت له من تراث
وثقافة دينية ومدنية والتي هي موجودة في وعاء اللغة التي ينتمي إليها
ويتدفاء بها وفي هذا الوعاء يقرأ اسماء أنبيائه وملوكه وشعرائه وكتابه
ويقرأ عن أيامه وحروبه وإنجازاته في العمران وغيرها.
الشعب اليهودي لا يقفز فوق وعلى تراثه الكتابي وينسب نفسه لشعوب لا
علاقة وجدانية وكتابية ولغوية له معها.
وهذا ديدن كل الشعوب منها العربي والفرنسي والإنكليزي والكردي والفارسي
والتركي وغيرهم حيث أن ذاكرتهم تعود إلى أقدم ما تحمله لهم نصوصهم
الكتابية.
وإن أرادت هذه الشعوب البت في مسألة مصيرية، إستعانت بعلمائها وباحثيها
وكتابها ومثقفيها وشعرائها كي لا تخطىء الهدف.
تشويه التاريخ واللغة
وصل الأمر بنا إلى إطلاق القاب غريبة وعجيبة على لغتنا. فهذا يسميها
كلدانية وأخر يسميها أشورية. وصار هؤلاء يستهزئون بالعلم إلى درجة
الإستهانة بما يقوله العلماء. علم اللغة يقول لا الكلدانية ولا
الأشورية كانت لغة في تاريخهما. الشعبان كانا يتكلمان الأكدية لغة
العراق القديم وأن الأشوريين القدامى كان بإمكانهم التواصل لغويا عن
طريق الأكدية مع الكدانيين القدامي.
الشعبان صار لزاما عليهما إتخاذ الأرامية (والسريانية وريثتها) في
بلاطيهما لتنامي الدور الثقافي والعلمي لهذه اللغة. وعند سقوط الدولة
الكلدانية كانت هي اللغة العالمية السائدة مثلها مثل الإنكليزية اليوم
وكان على كل الشعوب التحدث بها إن أردات التواصل مع بعضها.
كم هي مسكينة لغتنا القويمة لأننا نحن أحفادها من الأشوريين الكلدان
السريان إتخذناها هدفا لمهاتراتنا حول أمور تافهة مثل التسمية.
ماذا نفعل إن كانت كل الدلائل العلمية والتاريخية واللغوية تشير إلى
أننا نحن الكلدان الأشوريين السريان نشترك سوية في هذا الوعاء اللغوي،
الا وهو ما إحتوته هذه اللغة لنا من كنوز. بالطبع ما يقوله العلم لن
يروق لكثير من أبناء شعبنا الذي تمزقه التفرقة والظروف السياسية في أرض
الأجداد.
هل يجوز هذا؟
كنت أقرأ قبل أيام مقالا كاتبه يعد من قبطان النهضة الكلدانية. وعند
بحثه عن هويتنا كان أول إقتباس له ترنيمة طقسية ترد فيها مفردة
الكلدان. لم يتكلم هذا العبقري عن أهمية هذا الطقس وترانيمه وأنغامه
وموسيقاه وما يحتويه من ثقافة وفلسفة ولاهوت بل تشبث بمفردة واحدة ترد
في هذه الترنيمة وهي واحدة من إثنا عشر نغما كتبها ونظمها ورتبها
ولحنها واحد من كبار أعلامنا الا وهو مار ماروثا الميافرقيني.
هذا الفطحل بدلا من أن يدرس ويدرّس تراث وموسيقى مار ماروثا حيث لكل
ترنيمة في الصباح وفي المساء مقام خاص ومغزى تاريخي وديني مختلف راح
يتشبث بكلمة واحدة من مجموع ملايين الكلمات التي يحتويها هذا الطقس
ناسيا أن اجدادنا كانو يشمئزون من الأقوام التي تعبد الأصنام وكانو
يلقبون كل وثني بالتسميات التي نتصارع عليها اليوم.
اي لغة في الدنيا إستطاعت الحفاظ على تراث وموسيقي لأكثر من 1500 سنة
وبهذا الشكل الرائع غير لغتنا القومية؟ وبإمكاننا أن نسأل أيضا أي شعب
أهمل بهذه الدرجة وهذا الشكل تراثا غنيا مثل تراثنا؟
وهكذا، فبدلا من أن يطلب هذا العلامة من المؤسسة الكنسية أن تعود إلى
هذه الجذور التي يحتويها وعاء لغتنا القومية، يحث الكلدان على الإحتفاء
بأكيتو ونبوخذنصر. أقول لهذا الكلداني: يا أخي كيف تحتفي بأكيتو
ونبوخذنصر وأنت لا تقرأ لغتهم ولا تستطيع فك طلسم من طلاسمهم ولا تعرف
معنى أسمائهم وتترك التراث الذي كتبه بلغتنا وتركه لنا أشخاص من بني
قومنا وديننا مثل ماروثا؟
|