كل
من يحمل السلاح في الموصل يتحمل وزر قتل واضطهاد المسيحيين
كثر
الحديث عن معاناة المسيحيين في العراق لا سيما في الموصل الحدباء. وكلما
إزدادت وتيرة العنف كلما كثرت النظريات والتخمينات عن المصدر او المصادر
التي تقف وراء تفريغ ليس الموصل فحسب بل العراق من واحد من أعرق
مكوناته.
ونحن
المسيحييون العراقييون في المهجر نعيش حالة قلق كبيرة لأن أجسامنا بعيدة
عن الوطن الغالي، العراق، وقلوبنا ونفوسنا وكأنها لا زات هناك. فلا
تستكثروا علينا عتبنا وحزننا ودموعنا على مصير الوطن ومصير ابنائه.
والعراقيون المهاجرون، كالطيور الطائرة التي تحن إلى أعشاشها، بيتهم
العراق ومأ واهم العراق وجوامعهم العراق وكذلك كنائسهم وثقافتهم وتراثهم
وحضارتهم.
لم نكن
نتصور ان تظهر في العراق جماعات وميليشيات تهاجم بيوت العبادة التي يؤمها
المؤمنون – مسلمون ومسيحيون. بيد انه يحق لنا أن نذكّر إخوتنا المسلمين
بالديّن الذي لدينا في أعناقهم وهو الحماية الكاملة للأقليات من مسيحيين
وغيرهم. وإن كانت الذكرى تنفع، فمن حقنا أن نعود قليلا إلى التاريخ.
ألسنا نحن المسيحييون أحفاد العلماء السريان الفطاحلة الذين كانوا من
أقرب المقربين إلى الخلافة الإسلامية ولقوا بين أحضانها من التكريم ما لم
يلقاه حتى بعض المسلمين. ألم يوزن الخلفاء المسلمون الكتب التي ترجمها
والفها أجدادنا السريان ذهبا.
نحن لسنا
في وارد إتيان الدلائل – قرأنية وغيرها – كي نثبت حقنا في العيش الكريم
دون أية مضايقات. إنها أكثر من أن تضمها ثنايا كتاب ثخين. هذا عدا ما
تتطلبه الأخوة الإنسانية وحقوق الإنسان. إننا لم نأت من الفضاء ولم نحل
على البلد مثل الغزاة المحتلين الأجانب. جذورونا كلنا كعراقيين تتغذى من
بلاد ما بين النهرين وتشرب من ذات النبع.
وهكذا يحق
لي أن أقول إن الذي يقتل مسيحيا بدم بارد ويضطهده ليس بمسلم. لماذا؟ الا
يتبع المسلم سنة نبيه؟ الا يتذكر مضطهدو المسيحيين رسولهم محمد؟ الا
يتذكرون كيف كان محمد يذهب إلى سوق عكاظ كي يستمع إلى خطيب العرب، قس بن
ساعدة، أسقف نجران وهو يلقي خطبته من على جمله الأحمر؟ الا يتذكرون كتاب
العهد الذي أعطاه محمد إلى الأسقف أبي الحارث بن علقمة يمنح فيه
المسيحيين من الحقوق ما للمسلمين، وعليهم ما على المسلمين، وعلى المسلمين
ما عليهم. بأي حق يلغى كتاب العهد هذا؟ الم يأمر محمد جيوشه بحماية
الأديرة والرهبان والكنائس؟ فكيف يأتي مسلم ويقتل أسقفا وكهنة وشمامسة
ورهبان في القرن الواحد والعشرين وفي بلاد كانت مركز الخلافة العباسية؟
نحن أقلية
مسالمة وكنا كذلك طوال القرون الماضية وما زلنا. إن بدا للأخرين أننا
ندخل في تحالفات قد يرونها عدائية، فهذه الأمور لا ناقة ولا جمل لنا
فيها. الظروف القاهرة جعلت منا بيادق يلعب بها الأقوياء الذين لا حول ولا
قوة لنا تجاههم.
أنا شخصيا
أدين كل من له وجود مسلح في الموصل لما يتعرض له المسيحييون في هذه
المدينة. ولنكن منصفين فإن الوجود المسلح البارز هو للميليشيات لا سيما
الكردية منها. ألم يوثق تقرير دولي محايد من قبل هيومن رايتس ووتش في
نوفمبر من العام الماضي"مضايقات من القوات الكردستانية
استهدفت الأقليات السياسية والجمعيات المدنية التي تقاوم الجهود الكردية
الرامية لدمج المنطقة في الأراضي الخاضعة للحكم الذاتي إلى الحكومة
الإقليمية".
ويضيف التقرير:
"ومنذ عام 2003 بدأت حكومة كردستان الإقليمية في إعادة تشكيل الحقائق على
الأرض عبر فرضها لتواجد أمني وسياسي موسع في المنطقة. ولكي تُحكم قبضتها،
عرضت الإغراءات المالية على الأقليات وغيرها من المغريات لكي تربح دعمها،
وفي الوقت نفسه استخدمت إجراءات تهديدية كي تخيف الأقليات. وقد تورطت
القوات الكردية في أعمال اعتقال واحتجاز تعسفيين وأعمال تهديد، وفي بعض
الحالات وقائع عنف مباشر استهدفت الأقليات التي تحدت إجراءات بسط الحكومة
الإقليمية لنفوذها على الأراضي المتنازع عليها."
ما هي
الجدوى من تواجد الميليشيات في ثاني أكبر مدينة في العراق لا تستطيع
حماية أقلية مسالمة؟ وما جدوى تواجد أية مظاهر مسلحة رسمية إن لم يكن
بإمكانها حماية هذه الأقلية؟
ولي كلمة
عتاب لبعض المسيحيين من الكتاب والسياسيين وبعض رجال الدين المسيحيين من
الذين سيّسوا قضيتنا لمنافع شخصية أو طائفية أو قومية أومذهبية لا تخدمنا
لا من قريب ولا من بعيد.
بعض
الكتابات والتصريحات غير مشجعة ولا تخدم قضيتنا. لا يجوز كيل الإتهام حسب
الوجهة السياسية لبوصلة الكاتب او الحزب. ولا يجوز الأستقواء بالأخرين،
لا سيما الأجانب، حسب بوصلة المذهب والطائفة. هناك من يدين الحكومة
والمحافظ. وهناك من يدين الميليشيات والمتزمتين من المسلمين، والكل ينسى
اننا امام قضية شعب وقضية مصير. |