الدكتور بهنام أبو
الصوف وبعض الأصوات النشاز
كان لخبر وفاة عالم الأثار الكبير الدكتور بهنام ابوالصوف صدى كبير في
الإعلام العربي والأجنبي ومن ضمنه إعلام شعبنا الناطق بالعربية.
وكوني من أصدقاء المرحوم حيث كنت على إتصال وثيق به منذ عام 1983 وحتى
مغادرتي العراق في عام 2000 وكونه صاحب فضل كبير علي وعلى ما حصلت عليه
من مكانة متواضعة في عالم الإعلام والمعرفة لاسيما الأثرية والتاريخية
منها فقد تتبعت تقريبا كل ما كُتب عنه من رثاء في الإعلام.
ويحزنني لا بل يؤرقني ان أرى ان المرحوم لم يتم نعيه بكلمات سلبية إلا
من قبل أفراد من أبناء شعبنا وإنطلاقا من إصطفاف وفرز مذهبي وتسموي
يؤشر على مدى تخلفنا عن اللحاق بركب المدنية والحضارة.
وقبل أن أدلو بدلوي في هذه المسألة بودي أن أسترعي إنتباه القراء
الكرام ان الدكتور بهنام يعود له الفضل في الكشف عن حضارة عراقية قديمة
جديدة لم يأتي على ذكرها أحد قبله ويعود تاريخها إلى مطلع العصر الحجري
الحديث (الألف السادي قبل الميلاد).
وهذه الحضارة مرتبطة بإسمه وستبقى مدى الدهر وهي حضارة سامراء او تل
الصوان في سامراء. وهو الأثاري العراقي الوحيد الذي أتى هذا الإنجاز
على يديه. ويدرّس اليوم إكتشاف الدكتور بهنام وما كتبه في أمهات جامعات
العالم وقد كُتبت عشرات اطاريح الدكتوراة والأبحاث والكتب عنه وسيظل
العالم منبهرا بهذا الإنجاز طوال الدهر.
والدكتور بهنام واحد من ثلاثة عمالقة أثار أنجبهم العراق. الأخران هم
طه باقر وفؤاد سفر. هذا الثالوث وضع لبنات علم أثار عراقي وفي نهاية
السبعينات من القرن الماضي صار له من المكانة العلمية حيث كان
بإستطاعته مجاراة العلماء الألمان المشهور عنهم حنكتهم ودقتهم ومهنيتهم
وصدقيتهم وعلميتهم في التنقيب ليس في العراق فقط بل في كل الشرق
الأدنى.
أعود إلى هذه الأصوات التي سميتها نشازا وعذرا عن إستخدام هذه العبارة
إلا أن هذه الأصوات لا ترى الدنيا إلا من منظارها المذهبي والتسموي
الضيق الذي بموجبه يجب أن يكون كل شيء إما كلدانيا او أشوريا ليس من
الناحية الحضارية لهؤلاء الأقوام بل من الناحية التسموية التي وإن دلت
على شيء فإنها تدل على ضعف الحجة وعدم الحكمة. كيف نحن شعب له هوية ولا
زلنا لا نعرف ما هو إسمنا الصحيح ونتقاتل عليه ونحكم على الدنيا من
خلال خلافاتنا التسموية وليس من خلال العلم والمعرفة؟
وإن كان الدكتور بهنام، كما إدعى البعض، كتب ما كتب وكانت له ميول
سياسية معينة، فليس مكان نقدها في صفحة مخصصة للرثاء والنعي. الا تفرض
علينا معتقداتنا المسيحية المشرقية ان رثاء الميت واجب كنسي رغم
إختلافنا عنه لا سيما خلال فترة الثالث والسابع حيث نتلو الصلوات على
راحته؟
كان ولا يزال في إمكان المختلفين عنه كتابة مقال علمي وأكاديمي – إن
إستطاعوا إلى ذلك سبيلا – لنقد وتحليل مواقفه ونشره ولكن إقحام
أمورسلبية في صفحة مخصصة للرثاء امر يثير الدهشة والريبة.
صارت مسألة "العروبي والبعثي" عند بعض ابناء شعبنا شماعة يعلقون عليها
كل شخص لا يغني على ليلاهم ولا يمشي على خطاهم كون كل شيء في العراق او
خارجه إما اشوري او كلداني. لو تعامل العالم المتمدن مع الفترة
الشيوعية في الإتحاد السوفيتي السابق والفترة النازية في المانيا بهذا
الشكل لتخلف الفكر الإنساني وعاد القهقري إلى الوراء قرونا كثيرة.
وإن قلتَ لهم إن مواقفكم وتعصبكم وتشبثكم بأرائكم رغم فقدان الدليل
العلمي والأكاديمي يرقى في كثير من تفاصيله إلى بعض منطلقات الفترة
البعثية في العراق حيث كان كل شيء بعثي وعروبي لشنوا عليك حملة إعلامية
شعواء وشككوا حتى في معتقدك الديني.
وإن أقتبست من عالم قدير يقول شيئا لا يطابق عصبيتهم لإتهموه فورا
"بالعروبية والإسلاموية والبعثية."
يكفينا فخرا كشعب اننا انجبنا علماء بقامة الدكتور بهنام ابو الصوف.
وعلى المختصين والعلماء والأكاديميين من أبناء شعبنا توعيتنا كي لا يتم
إختطافنا من قبل من لا إختصاص له – الذين ادخلونا في صراع مذهبي تسموي
أنهك قوانا وشرذمنا على حساب تراثنا وأدبنا وفلكلورنا ومسويقانا ولغتنا
. |