هل نجح السيد تيري بطرس في تفنيد نظرية د. سوسة عن أصولنا "اليهودية"؟
كتب السيد تيري بطرس ردا مطولا على ما نقله السيد أخيقر يوخنا عن
العلامة الدكتور أحمد سوسة وكذلك الرد والتوضيح الذي قدمته لما
هومتداول (رابط 1) بين أصحاب الإختصاص والعلم حول العوامل التي تحدد
هوية قوم ما والتي جلها تستند على اللغة التي هي بحق ذاكرة الأمم.
وللأمانة فإن مقال السيد تيري (رابط 2) لم يكن ردا مباشرا على ما كتبته
بل كان هجوما على نظرية الدكتور سوسة التي تستند على اللغة والأسماء
لتحديد هوية وأصل قوم ما. والنظرية هذه واحدة من الأعمدة العلمية
الرئسة في تحديد أصل وهوية وثقافة الأقوام، وهي ليست من بنات أفكار لا
الدكتور سوسة ولا غرانت وقد برهن عليها وتحقق من صدقيتها وأهميتها
الكثير من العلماء والباحثين وتتمثل اليوم بعلم تحليل الخطاب (ديسكورس
أناليسيز) الذي ويدرس في شتى الجامعات العالمية ومن ضمنها جامعتنا
ومفاده أننا كبشر وهوية حصيلة اللغة واي واسطة تواصل أخرى نستخدمها
وتأتي المفردات والأسماء في مقدمة الدلالات التاريخية.
نناقش نظرية لغوية وليس تسمية
وأنا ارد على ما أتى به السيد تيري أود التأكيد اننا هنا لسنا في خضم
ما يدور من مهاترات ومعارك دونكيشوتية حول التسميات. هذا شأن لا أمنحه
أنا شخصيا أية أهمية. ما يهمني هو أننا شعب واحد لنا لغة وثقافة وتاريخ
وطقوس مشتركة ويهمني ان نحافظ على لغتنا لأنها وجودنا. وأنا سعيد لأنني
أرى ان ما كتبته عن اهمية اللغة للهوية القومية بدأ ياخذ حيزا مهما في
منتدايات شعبنا وصار تأثيره واضحا لدى بعض كتابنا ومؤسساتنا. يجب أن
نثقف أنفسنا وشعبنا على أحقيتنا في لغتنا السريانية وعلينا أن نطالب
بهذا الحق لا بل نناضل من أجله في كل أماكن تواجدنا في الوطن والشتات
ومن خلال مؤسساتنا من أحزاب ونواد وتجمعات وكنائس.
وما يستند عليه الدكتور سوسة هو اللغة لتحديد الهوية بعد أن قرأت كتابه
بنهم وفي هذا أشكر السيد تيري الذي وضع رابط تنزيل الكتاب في مقاله.
والكتاب يتحدث عن معتنقي المذهب النسطوري من أبناء كنيسة المشرق من بقي
منهم على هذا المذهب ومن تحول عنه وهم بالتحديد الكلدان والأشوريين من
أبناء شعبنا.
النظرية يتبناها علم اللغة ولم يجري تفنيدها
وعلى قدر علمي لم يجري تفنيد النظرية اللغوية التي يستند عليها الدكتور
سوسة لحد اليوم ولا زال العلماء والباحثون في الجامعات والمعاهد
العلمية الرصينة في العالم يأخذون بها. يتم تفنيدها دون وجه حق ولأسباب
لا علاقة لها بالعلم والمعرفة والإختصاص فقط من كتاب شعبنا وعلى صفحات
المنتديات. وهؤلاء الكتاب ينطلقون غالبا من مواقف متعصبة وإنفعالية صوب
إي نظرية تفند الأطر والقوالب الفكرية والمذهبية "والتسموية" التي
حبسنا أنفسنا فيها.
أنا لا أروج للنظرية التي يستند عليها الدكتور سوسة بشأن هوية شعبنا في
قديم الزمان، ولكن أقول وأجزم أنني، ورغم أن إحدى الشهادات العليا التي
أحملها هي في علم اللغة ولي مساهمة متواضعة في هذا المجال في الدوريات
والمجلات العلمية، لا أستطيع تفنيدها.
اليهودبة كدين واليهودية كهوية لغوية وقومية
ولأكن واضحا وصريحا أمام قرائي أقول أن السيد تيري بدلا من تفنيد
النظرية فإنه يأتي بالدليل تلو الأخر لتثبيت أحقيتها وأولويتها في
تحديد هوية وأصل الأقوام. نحن كتاب المنتديات من أبناء شعبنا نعاني من
مشكلة عويصة جدا. إننا نتكلم كثيرا في غير إختصاصنا وعندما نفعل نأتي
بالعجائب.
لا أعلم من نصدق عن مكانة الدكتور سوسة كمؤرخ كبير حيث إستند في
كتاباته على إختصاصه في تاريخ الهندسة المدنية (لا سيما الري) في بلاد
مابين النهرين، هل نصدق الموسوعات العلمية التي يكتبها خيرة العلماء
والباحثين مثل موسوعة المؤرخين العراقيين او موسوعات اخرى يرد إسم هذا
العلامة فيها أم نصدق أنفسنا نحن كتاب المنتديات ونحن لم نكتب بحثا
علميا واحدا او حتى مقالة علمية رصينة واحدة جرى نشرها في دورية علمية
معتمدة؟
كتاب الدكتور سوسة الذي نحن بصدده يفند ما أتي به السيد تيري من تجن
على هذا الكاتب المبدع الذي يعد اليوم واحد من أكبر المؤرخين
العراقيين. هذا الكتاب جرى سحبه من الأسواق وتعرض كاتبه للمضايقات لأنه
يؤكد فيه على اليهودية كهوية وقومية وليس اليهودية كدين. ويبدو لي أن
السيد تيري لا يميز في هذا المقال بين اليهودية كدين واليهودية كهوبة
لغوية وقومية. وشتان بين الأثنين. في إسرائيل هناك يهود علمانيون لا
يؤمنون بالتوراة ولكنهم يهود قوميون أحيوا لغتهم القومية (العبرية)
وجعلوها لغة الحديث والعلم والصحافة والصلاة وغيرها. هناك يهود (من
ناحية الدين) ولكن ثقافتهم وهويتهم عربية بينهم شعراء وكتاب وهذا
ينطبق على اليهود الروس مثلا وغيرهم. وهكذا هناك عرب مسيحيون ولكن
لغتهم وثقافتهم عربية مثل ما كان حال الغساسنة والمناذرة وما آل إليه
حال المارونيين في لبنان. المارونيون كانوا سريانيي الثقافة واللغة
مثلنا. عندما بدلوا لغتهم بدلوا هويتهم وقوميتهم ولم يبدلوا دينهم.
مبادىء أساسية
وهناك نقطة أخرى أود أن يتسع صدر السيد تيري لها. رده لا يفتقد الحجة
العلمية فقط بل يفتقد أسس المقال الصحيح أيضا. حبكة المقال ضعيفة
وينتقل من موضوع إلى أخر دون رابط واضح لا سيما عندما يقحم الحركة
الديمقراطية الأشورية في الموضوع وأنا لم أذكر في مقالي أي تسمية من
تسميات شعبنا أو أي حزب أو تجمع. فجل ما كتبه السيد تيري هو الدفاع عن
الحركة ووجهة نظرها بينما نحن في صدد الحديث عن نظرية علمية.
ثم يقول السيد تيري إن تبني التسمية لم يكن بسب بما كتبه ويكرام، وهذا
مشكوك فيه. إن لم يكن ويكرام فمن هو الذي ذكرنا بها بعد حوالي ثلاث
ألفيات وهي لم ترد في تراثنا اللغوي المكتوب لا هي ولا غيرها. هل كان
أجدادنا لا يهتمون بأصلهم إلى درجة أنهم نسيوا او تجاهلوا أنهم أحفاد
هذا وذاك ومسحوا كل أثر لهولاء الأقوام حتى من وجدانهم؟ هذا لم يفعله
أي شعب أخر في الدنيا. لم يحدث أن مسح شعب ذاكرته التاريخية من الوجود
بهذا الشكل؟
إختلافات جوهرية
هناك فرق شاسع بين التسمية الكردية او العربية او الإنكليزية او
اليونانية وبين التسميات التي نتصارع عليها. التسميات الأخرى تعود
جذورها إلى المراحل الكلاسيكية من تاريخها الكتابي. اليوناني مرتبط
وجدانيا وبتواصل لغوي دون إنقطاع بتراثه وذاكرته من خلال لغته وهكذا
العربي والكردي والإنكليزي. نحن وحسب النظرية التي يستند عليها الدكتور
سوسة في ورطة كبيرة لأن الأقوام التي ندعي الإنتساب إليها لم تتحدث
لغتنا ونحن لا علاقة وجدانية وثقافية وحضارية وتاريخية لنا معها. أعلم
ان هذا الأمر سيكون له وقع الصاعقة على الكثير من أبناء شعبنا ولكن لا
يمكننا تجاوز الحقائق العلمية بالإستناد على ما نكتبه في المنتديات
وجداريات او جرائد نوادينا وأحزابنا او ما نصدح به في إجتماعاتنا.
علاقتنا مع الثور المجنح وأسد بابل والألواح المسمارية بما تحتويه من
ثقافة وأدب وفنون ولغة تختلف كثيرا عن علاقة اليوناني بفنونه من نحت
وأدب وشعر وموسيقى وغيرها لأن كل هذه لا زالت جزء من وجدان وثقافة
ولغة الشعب اليوناني دون إنقطاع منذ نشوئها والمثقف اليوناني يقرأها
ويفهمها ويستوعبها اما نحن فنقف امام فنون ولغات وأداب هذه الأقوام
السحيقة "مثل الأطرش بالزفة" ولا نستطيع فك طلسم حرف واحد منها.
نظرية الأسماء
وما يؤكد نظرية الدكتور سوسة ويفند ما أتي به السيد تيري هي نظرية
الأسماء وهذه النظرية جزء مهم وأساسي من نظرية اللغة. حسب هذه النظرية
أغلب أسمائنا التي ترد في ذاكرتنا اللغوية المكتوبة (أي في المخطوطات
التي في حوزتنا) عبرانية (توراتية) ويندر أن تلحظ فيها اسماء أشورية
او كلدانية. ولكن هذا لم يحدث لكل الأقوام التي دخلت المسيحية منهم
الفرس والعرب والمغول والهنود وكل الأمم الأخرى التي تتلمذت على يدي
أدي وماري.
فهل نضع نظرية الأسماء المعتمدة علميا جانبا ونضع ما أتى به
الدكتور حسن عيسى مؤرخ واستاذ التاريخ الاول في جامعة الكوفة وأبحاثه
المعتمدة عن التواجد المسيحي في العراق وأبحاث الدكتور محمد باقر
البهادلي وما أتى في كتب العلامة، شيخ علماء كنيستنا المشرقية، ألبير
ابونا، وغيرهم من الباحثين والعلماء عن الأسماء وأهميتها في تحديد
الهوية على الرف ونهلل ونصفق لما نتصوره في مخيلتنا ما كان يجب أن تكون
عليه الأمور ونكتب وكأننا نحن أصحاب الإختصاص؟ وهل نتهمهم بالإنحياز
إلى معتقداتهم الدينية والعروبية وغيرها من التهم الجاهزة والباطلة؟
الأسماء وهوية الأمة
ويقع السيد تيري في خطاء كبير عند القول أن تغير الأسماء حدث لدى الأمم
الأخرى عند دخولها المسيحية ولا أعلم على أي نظرية علمية يستند عند
إطلاقه هذا التعميم. نحن فقط أسماء بطاركتنا وأساقفتنا وعلمائنا
وكتابنا وشعرائنا أغلبها عبرانية (توراتية). وعندما يقول السيد تيري أن
أسماء البابوات عبرانية فإنه يجافي الحقيقة. هل درست ذلك بصورة علمية؟
أنظر إلى أسماء البابوات (رابط3 ) وسترى أن أغلبها ليست توراتية بل
نابعة من الذاكرة اللغوية للشعوب التي أنجبت هولاء البابوات. وهذا
ينطبق كما قلت على كل الأمم التي دخلت المسيحية. أنظر إلى اسماء
رؤساء الكنائس من المذاهب والطوائف الأخرى فترى أنها حفظت الأسماء التي
كانت متداولة في لغتها وثقافتها قبل دخولها المسيحية كما حفظت الشعوب
الأخرى مثل الأكراد والفرس والأتراك أغلبية أسمائهم النابعة من هويتهم
عند إعتناقهم للإسلام. وأنظر ايضا إلى أسماء القديسين والاديرة
والكنائس وسترى أن أغلب الأسماء لدى كل الشعوب القديمة التي دخلت
المسيحية نابعة من ذاكرتها اللغوية والتاريخية والثقافية.
ولا أعلم من أين أستقى السيد تيري معلوماته من ان أغلب الأسماء
الإنكليزية توراتية. هذا ليس صحيحا. في الحقيقة العكس صحيج. أغلب
الأسماء والألقاب (والألقاب أهم من الإسم الأول) في الإنكليزية "كلتية"
أي تأتي من صلب الأنكليزية كهوية وثقافة. وهاك بعض الأمثلة عن الأسماء
الدارجة في الإنكليزية والتي لا علاقة لها بالتوارة:
Blair, Bush, Bale, Bruce, Carl, Colin, Craig, Perry, Ross, Marvin,
Otis, Alice, Alda, Zera, Tara, Polly, Maia, Mona, Myra, Rita, Riby …
ولا حاجة للإتيان بالمزيد. ارجو من القراء الكرام مراجعة قوائم الأسماء
بالإنكليزية على الرابط (4) كي يؤكدوا بأنفسهم ان أغلب الأسماء
الإنكليزية ليست توراتية بل نابعة من صلب الثقافة والحضارة والهوية
الإنكليزية.
وامامي الأن أسماء عشرين طالبا سويديا في صف أدرسه بينها ثلاثة أسماء
توراتية فقط والبقية تستند على ذاكرة ولغة الشعب السويدي ومنها:
Kaj, Uts, Ingrid, Stig, Atle, Persson, Sjögren, Inger, Burman,
Bohlin, Borg, Carlsson, Hultsberg, Evert, Södergre, Fält, Tea
ومرة أخرى لا حاجة للمزيد بل أحيل القراء إلى الرابط (5) أدناه.
من نصدق إذا: هل نصدق النظريات العلمية التي جرى البرهنة عليها من خلال
الواقع والتجريب او ننجر وراء ما نجتره من معلومات غير موثقة لا بل
خاطئة على صفحات منتدياتنا وجدارياتنا وجرائدنا (إن وجدت) ؟
رابط 1
http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,563667.0.html
رابط 2
http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,563946.0.html
رابط 3
http://www.newadvent.org/cathen/12272b.htm
رابط 4
http://www.world-english.org/boys_names_list.htm
http://www.world-english.org/girls_names.htm
رابط 5
http://www.babynames.org.uk/swedish-baby-names.htm
http://www.thinkbabynames.com/popular/0/sweden |