اقرأ المزيد...
الدكتور وديع بتي
حنا
wadeebatti@hotmail.com
ابناء الاحتلال - هل اقتربت ساعة حزم الامتعة؟
ربما لست العراقي
الوحيد الذي يشعر بنوع من الضيق كلما سمع او شاهد اوقرأ شيئا ما يتطرق في بعض
جوانبه الى الكويت وايران وخاصة الى الاسرة الحاكمة في الكويت والى النظام
الايراني, فقد اصبح هذا شعورا عفويا قد ياخذ عند البسطاء شكل كره وبغض
عميقين, ومع ان الطبقة الواعية والمثقفة تحاول جهد الامكان كبح جماح هذا
الشعور والسيطرة عليه لكن الحقيقة يجب ان تقال في اننا لانستطيع اخفائه كليا.
فلدى العراقيون مئة سبب وسبب يجعلهم يُحَمِلون النظامين في الكويت وايران
قسما من المسؤولية , كل واستحقاقه , فيما حدث و يحدث لبلدهم . هذا ليس تبرئة
كما لاينفي الاعتراف في ان النظام السابق يتحمل ايضا حصته مما جرى ولكن لان
الصراع السياسي ليس صراعا جنائيا يمكن فيه ببساطة تحديد المجني والمجني عليه
بصورة قاطعة , بل ان هذا الصراع يجعل عملية التحديد هذه بالغة الصعوبة حيث
تتشابك الاوراق ويظهر للكثيرين ان كل طرف من الاطراف هو المجني وهو المجني
عليه في ان واحد وبدرجة نسبية , ولذلك فمن حق الكثيرين ان يلقوا بالمسؤولية
في نتائج ذلك الصراع وعواقبه على جميع الاطراف المشتركة فيه.
عندما ابوح
بشعوري تجاه الكويت استنادا الى ما سبق فانني في الوقت نفسه اعتقد جازما في
ان كثيرين مثلي ايضا لايستطيون ان يخفوا شعور الاحترام والتقدير العميق الذي
يسجلونه لشعب الكويت عندما رفض وباغلبيته بما فيهم معارضي النظام التعاون مع
القوات العراقية التي دخلت الكويت , فكان ذلك بسمارا جوهريا في نعش ذلك
المشروع ,ظهر ذلك واضحا في تلك التركيبة الهزيلة التي قدمها النظام العراقي
السابق على انها حكومة الكويت الوطنية . وبهذا سجلَ المعارض الكويتي درسا في
الوطنية استحق عليه التقدير من الجميع حتى من اؤلئك الذين يختلفون معه
ويَروْن فيه لاسباب كثيرة عنوانا بارزا ( لبلاويهم ). الحال نفسه ينطبق مع
الحالة الايرانية حيث ابدع النظام الايراني في تعليم المعارضة العراقية التي
رعاها ولازال يرعاها كل صنوف ( النضال ) باستثناء الوطنية. لقد انبهرت حقا
بسماع شيخ شيعي لبناني جليل في برنامج على احدى القنوات الفضائية وهو يعترف
في انه تعلم الوطنية من الايرانيين حيث امضى هناك عدة سنوات شاهدهم فيها انهم
ايرانيون قبل اي شئ اخر , وهكذا انتعش الشعور الوطني اللبناني لديه بعد عودته
الى لبنان كرد فعل ايجابي لمعايشته الحالة الايرانية.
اما في العراق
فقد ارتكبت بعض الاطراف والشخصيات الوطنية من المعارضة العراقية السابقة خطأ
تاريخيا قاتلا عندما وافقت على ان تكون طرفا في مشروع احتلال العراق تحريضا
وتخطيطا وتنفيذا فاصبحت حصان طروادة لتنفيذ اجندة واهداف اطراف اخرى محلية
واقليمية ودولية , وتركت شعبها حائرا دائخا في تحديد يوم يحتفل فيه بعيده
الوطني !. انه لعجيب حقا ان تستطيع الادارة الامريكية تجنيد رجال يمتد تاريخ
بلدهم الى ألاف السنين وينحدرون من عوائل فاضلة في الحسب والنسب واصحاب
شهادات مرموقة وكان بعضهم شخصيا او كان ابائهم واجدادهم ذو ادوارسياسية
معروفة , في الوقت الذي عصر النظام السابق الكويت ذات التاريخ المتواضع عصرا
فلم يفلح في الحصول منها إلاعلى ضابط مغمور غير معروف اسمه علاء, ليتسلم منصب
رئيس الوزراء!. ان العد التنازلي في الاستهلاك السياسي لاية شخصية سياسية
يبدأ بالانحدار الحاد في اللحظة التي قررت فيها الجهة المجندة تقديم تلك
الشخصية بشكل سافر الى الجمهور, حيث لايُخفى ان حال هذه الشخصية هو كحال قطعة
الجندي في رقعة الشطرنج بما يُعرف عنها من دور محدود وصلاحيات هزيلة وتقدير
متواضع من قبل القطع الكبيرة كالملك والوزير تصل في اغلب الاحيان الى
اللامبالاة في تقديمها عمدا كخسائر عرضية من اجل تنفيذ خطة معينة. وتعلم
الشخصية المُجَنَدة او جندي الشطرنج هذه الحقيقة بشكل كامل ولذلك نراها تتصرف
محاولة الاستفادة من عامل الزمن للحصول على اكبر قدر ممكن من الربح جريا على
شعار ( إقتنص اليوم قبل أن تُرْفَس غدا ) , ومايحدث في العراق من نهب وسلب
وسيطرة على الثروات الوطنية والمال العام من قبل اطراف وشخصيات سياسية
لايندرج إلا في هذا الاطار حيث تمثل احداث البصرة مثلا صارخا لذلك. ان
الاطراف السياسية الكبيرة في اللعبة السياسية العراقية تشكر يقينا في
حواراتها الداخلية الضيقة الارهاب والمقاومة كونهما يسدلان الستار عن
الصراعات الحقيقية الدائرة بين تلك الاطراف للاستحواذ على اكبر جزء من الكعكة
حيث ان الارهاب والمقاومة يؤجل فعلا اعلان بداية الصراع الدموي بين هذه
الاطراف على مناطق النفوذ وها نحن نعيش في البصرة حلقة من هذا الصراع لم
تتمكن كل المجاملات وتبويس اللحى من إخفائها. ان الاطراف السياسية العراقية
قد توقفت منذ زمن بعيد عن الحديث عن ( كوبونات النفط ) التي تحدثت عن ان
النظام السابق قد قدمها رشوة لبعض الشخصيات والمؤسسات العربية والدولية وربما
تكون هذه الاطراف التي اثارت ملف الكوبونات بتلك الشدة سابقا هي اول من يدعو
الان الى دفن هذا الملف وطمره عميقا بعد ان ازكمت انوف الجميع رائحة الفساد
في النهب والهدر باموال العراق التي حدثت بعد الاحتلال.
لقد اعترف الرئيس
الامريكي ورئيس الوزراء البريطاني علنا باخطاء كثيرة وقعت قبل وبعد احتلال
العراق, نعتقد جازمين ان هذا الاعتراف بالاخطاء لم يأت رغبة من قبل بوش وبلير
في ان يظيفوا الى فضائلهما فضائل جديدة ايمانا بالمثل العربي القائل ( ان
الاعتراف بالخطأ فضيلة ) , لان الفضيلة وسلوك هذين الرجلين خطان متوازيان
لايمكن ان يلتقيا , بل ان تلك الاعترافات تمثل اعلانا رسميا على اتفاقهما على
تنفيذ سياسة جديدة او اجراء تحويرات جوهرية في سياسة قديمة. وهكذا واستنادا
الى معطيات الواقع العراقي الراهن فان التحليلات تذهب الى احد خيارين ,
اولهما هو الانسحاب المفاجئ للقوات الامريكية والبريطانية من العراق, قد يبدو
الحديث في هذا الخيار للوهلة الاولى ساذجا وبعيدا ولكن اللعبة السياسية هي
جهاز رادار ينبغي له ان يدورفي كل الاتجاهات وها نحن نرى الادارة الامريكية
تقرر بين ليلة وضحاها الحوار المباشر مع ايران بعد رفضها بتزمت هذا الحوار في
السابق , ولذلك يجب ان يوضع في الحسبان خيار قرار الانسحاب مهما بدت حظوظه
ظئيلة في الوقت الراهن. فاذا شاء الله وحدث الانسحاب تكون مهمة ابناء
الاحتلال قد شارفت على نهايتها لان العمر المتبقي لحكومة المنطقة الخضراء لن
يكون بالتاكيد اطول من عمر حكومة ( بابراك كارمل ) بعد الانسحاب السوفيتي من
افغانستان. اما الخيار الثاني فهو محاولة الادارة الامريكية لتفعيل الحوار مع
اطراف في المقاومة واخرى مناهضة او متضررة من منجريات العملية السياسية بعد
الاحتلال وهذا يعني حتما استهلاك قائمة باسماء مهمة ينبغي ان يُلقى على ظهرها
وزر الاخطاء التي اعترف بوش وبلير بوقوعها.
ترى هل وضع بوش
وبلير في لقائهما الخطوط العريضة لمحتويات تلك القائمة ؟ هل سنعيش حلقة اخرى
من المسلسل ويدور الزمن دورة جديدة ويصبح ابناء الاحتلال ايتامه؟
القادم من الايام
ياتي ببريد الاخبار.
|