الكلدان الآشوريون السريان شعب واحد  يسمى بالشعب الآرامي

 
الدكتور وديع بتي حنا

اقرأ المزيد...

 

 

الدكتور وديع بتي حنا

wadeebatti@hotmail.com


سياسة الإقصاء – زمن ضائع ونتائج مريرة

تناقلت وسائل الاعلام قبل ايام خبرا مفاده ان الحكومة الافغانية تحاول فتح نافذة للحوار والمصالحة مع الاطراف المعارضة لها وتحديدا حركة طالبان . ربما وصلت الحكومة الافغانية الى حقيقة مفادها ان ليس بمقدور اي من الاطراف المتصارعة حتى لو كان ( طفلا مدللا ) للولايات المتحدة الامريكية ان يختزل ويقصي كليا الاطراف الاخرى. ما يؤسف له ان الحكومة الافغانية احتاجت الى اربع اعوام تقريبا لتصل في النهاية الى هذه الحقيقة وكانت تلك الاعوام ولاتزال مليئة بدم الكثير من الابرياء الذين سقطوا ولازالوا يسقطون في هذا الصراع الدامي ناهيك عن التدمير الهائل الذي لحق ويلحق بالبلد وبنيته التحتية . من المعروف ان الكثير من القياسات تشير الى ان العراق وافغانستان كانوا ولازالوا في ( الهوى سوى ) فهل سينتظر السياسيون العراقيون الجدد حالهم حال نظرائهم الافغان كماً متساويا من الزمن ليصلوا الى نفس الحقائق أم انهم ( أشطر وافطن ) من اؤلئك! و سيختزلون الزمن ويُجنٍبون العباد والبلاد تضحيات اضافية؟

لقد اعطت الانظمة الشمولية درسا كبيرا عندما اثبتت عجزها عن تحقيق اي نجاح يُذكر في سياسة الإقصاء فبالرغم من ان الحكم الدكتاتوري الشمولي وهيمنة الحزب الواحد يمثلان بيئة نموذجية لتحقيق نتائج كبيرة في هذا المجال إلا ان الشواهد في مختلف ارجاء المعمورة اظهرت وتظهر عكس ذلك حيث الرأي الاخر المعارض يبدو كشجرة تمتد جذورها في الارض وتنمو وتكبر لتوازي شجرة الدكتاتورية المقيتة كلما تقادمت في الزمن . ان قدرة الرأي الاخر والمعارضة على استغلال الفرص البسيطة لصرع النظام الدكتاتوري الشمولي يؤكد وبوضوح  ان  الوسائل القمعية هي مغذي مزدوج يذهب الى طريقين في ان واحد احدهما لاستمرارية النظام والثاني لتحطيمه من خلال تغذية المعارضة فيه. لا اعتقد ان القارئ الكريم بحاجة الى تشخيص للامثلة بمسمياتها , ان ما حدث في الاتحاد السوفيتي السابق و! بعض من دوله السابقة ودول المعسكر الاشتراكي والعراق وافغانستان وغيرها يؤكد ذلك كما ان ما يحدث الان وما سيحدث في المستقبل في سوريا ومصر وليبيا وتونس والسعودية وايران وبلاروسيا وكوريا الشمالية وغيرها سيكون امثلة جديدة طازجة في زمانها في هذا المجال.

اذا كانت الانظمة الشمولية بكل ارهابها وقمعها قد فشلت فشلا ذريعا في تحقيق النتائج المرجوة من سياسة الاقصاء فكيف يستطيع النظام الديموقراطي ودعاته النجاح في ذلك ؟ . ان الديموقراطية والإقصاء ضديدان لايلتقيان كالماء والنار, ربما يقول قائل ان الماء والنار يلتقيان في السحاب ولكن  هذا اللقاء يُحسب سرا من اسرار قدرة الخالق سبحانه . على هذا الاساس تعتبر مراهنة النظام الديموقراطي  وقادته على سياسة الإقصاء والاجتثاث مراهنة خاسرة لن تؤدي في النتيجة إلا الى هدر في التضحيات والزمن كما انها ستؤدي الى خلط كبير في الاوراق تنعش فيه اطراف الجريمة المنظمة التي تتستر برفضها ومقاومتها لسياسة الإقصاء في القيام بعملياتها الاجرامية

ان الذين يدعون الى سياسة الإقصاء والاجتثاث في العراق هم فريقين لاثالث لهما . الاول من الذين ذاقوا وعوائلهم اقسى انواع العذاب بمستويات تفوق التصور على يد النظام السابق وترك ذلك بصمة كبيرة في نفوسهم . لايملك المرء إلا ان ُيظهر اقصى درجات التعاطف وهو يسمع قصص معاناتهم الرهيبة ويطالب من منطلق انساني بمعاقبة من كان تحديدا سببا ومشاركا بها ولكن ذلك لايعني التعميم باي حال من الاحوال, ثم ان السياسي المخلص لوطنه يأبى التفكير في الانتقام الشخصي وان يبقى اسيرا للماضي في الوقت الذي تقع على عاتقه مهمة فتح افاق لمستقبل مشرق . هنا تجدر الاشارة الى السياسة المتزنة التي اختطتها لنفسها القيادات الكردية العراقية في هذا المجال ابتداء بالدعوات التي اطلقها السيد مسعود البارزاني في مؤتمر لندن من اجل نبذ سياسة الانتقام وإرساء قيم المصالحة والتسامح وانتهاء بالتصريحات الاخيرة للسيد جلال الطالباني في ضرورة انقاذ العراق من ! دوامة العنف هذه عبر حوار متمدن مع كل الاطراف السياسية . ان اعضاء الجمعية الوطنية العراقية الذين يصفقون بحماس للخطابات التي تحتوي عبارات الدعوة الى الإقصاء والاجتثاث لايختلفون باي حال من الاحوال عن زملائهم اعضاء المجلس الوطني في عهد النظام السابق الذين كانوا يهزجون ويهتفون عندما كانوا يسمعون عبارات التهدديد والوعيد والقصاص بالموت لاعداء الثورة ومسيرتها.

اما الفريق الثاني فهم النخبة التي لم تتأذى بدرجة كبيرة من النظام السابق ولكن نظرتها الانانية الضيقة تقودها الى التحشيد في ثقافة الاقصاء لان ذلك في تقديرها يكفل لها الاحتفاظ بالفرصة التي حازت عليها اثر سقوط النظام. ان هذه النخبة تستخدم منهج الاقصاء سلاحا ذو حدين حيث تُتدغدغ به اولا , مشاعر شريحة واسعة من ابناء الشعب التي عانت وقاست من النظام الدكتاتوري , اما الحد الثاني في هذا السلاح فهو ان هذه النخبة المحدودة في قدراتها ترى في منهج الاقصاء وسيلة نموذجية للتخلص من المنافسين الذين يمثلون خطرا على الفرص  الشخصية والسياسية لتلك النخبة

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها