اقرأ المزيد...
الدكتور وديع بتي
حنا
wadeebatti@hotmail.com
عندما
يصبح القتل لعبة وبزنس إقرأ على الدنيا السلام
انها
مأساة وصدمة عميقة ان ينتقل قطار العنف في العراق الى محطة جديدة يتمثل في
الخبر المشؤوم الذي اصبحت وسائل الاعلام تتناقله يوميا في العثور على جثث
جديدة لاناس مجهولين لاناقة لهم ولا جمل في السياسة بل كل مصيبتهم ومصيبة
اهلهم انهم اصبحوا وجبة عشاء لليل مدنهم الذي امتد ليأكل نهارها كله. منذ متى
اصبح المسؤولون في مشرحة المدن نجوما للاعلام ؟ ! يا لمصيبة بلد اصبح معاون
مدير مشرحة العاصمة فيه يعلن عن ان مشرحته تستلم يوميا خمسون جثة وان هذه
الجثث تتكدس في المشرحة ويبث الاعلام مشاهد عن ذلك فياتي صديقك الاجنبي
ليسالك عن المغزى والاسباب فتُخفض رأسك وتهزه خفيفا وتأخذ بعضك وتنزوي في
احدى الزوايا. عندما تصبح المهمة اليومية للام والزوجة والاخت تتلخص في رمي
طاسة من الماء خلف ابنها او زوجها او اخيها وهو يهم بمغادرة منزله املا
واعتقادا وسلوى للنفس في ان يرجع سالما, إقرأ على الدنيا السلام . عندما يؤمن
الطفل ان واجبات المرحلة تحتم عليه ان يستغني عن مشاهدة مسلسل كارتوني جديد
او يلهو مع اقرانه بل يتجه للصلاة والدعاء وهو الاقرب الى قلب الله ونظره
مشدود الى الباب بانتظار دقات ابيه التي تعني انه عاد اليه سالما, إقرأ على
الدنيا السلام.
ايام
عديدة مرت وحاولت فيها ان اكتب عن تلوث البيئة في العراق ولم افلح حيث خبر
العثور على الجثث في العراق التي تعيده النشرات في كل رأس ساعة يهزني من
جديد. ترى كيف يمكن ان نطلب من الانسان ان يشارك او ينتبه او يدافع عن البيئة
وهو لايستطيع حماية نفسه. أليس من حق الكثيرين من القراء ان يقولوا في السر
او في العلن وهم يطالعون موضوعا عن تلوث البيئة ( عرب وين وطنبورة وين ) .
لقد كُتب علينا ايها الزميل العزيز الدكتور كاظم المقدادي ان نكون في اجازة
اجبارية بعيدا عن البيئة ومأساتها حتى ولو كانت التقارير تتحدث عن مئة الف
مواطن عراقي يسكنون المناطق التي تحيط بمجمع التويثة والذين يتعرضون الى جرع
اشعاعية كبيرة بسبب تلوث المنطقة يجعلهم عرضة للاصابة بالامراض الاشعاعية
ناهيكم عن التاثيرات الغير المباشرة التي تظهر و ستظهر على الولادات والاجيال
الجديدة, في الوقت الذي رفعت احدى المؤسسات الحكومية السويدية المختصة
بالوقاية والحماية من الاشعاع دعوى قضائية ضد شركة (وستنيج هاوس ) لانتاج
الوقود النووي بسبب عدم توفر الدقة الكاملة في تطابق اوراق الشحن مع عدد
اعمدة الوقود المستهلكة المشحونة فعلا من معمل هذه الشركة في السويد الى
الولايات المتحدة .
مَن
من السياسيين الجدد في العراق بحال البيئة وهم يتطاحنون ويتقاتلون ويستقتلون
للفوز بهذا المنصب او ذاك. أشهر عديدة ولم يفرغ هؤلاء من معاركهم في تقاسم
المناصب, حالهم حال الضرائر اللائي جاء رب الدار ليلقي عليهم بضعة مصوغات
ذهبية فاشتعلت المعارك بينهن بينما ذهب هو يتعلل مع اصدقائه بانتظار ان ينقشع
الموقف. اية مهمات ستتصدى لها حكومة يحتاج منصب الامين العام لمجلس الوزراء
فيها الى مفاوضات لايام تجعله لايُحدث خللا في ميزانها! ان حكومة تولد بهذه
الطريقة ليست إلا أشبه ( بصينية ماء ) يحملها رئيسها ليمشي بها عاريا فوق حبل
مشدود ولنا ان نتصور المسافة التي سيقطعها المسكين قبل وقوعه والصينية
ومافيها على حد سواء .
وفوق
كل هذا وذاك لازال البعض يزايد. الجثث بالاكياس في الشوارع وهو يطلق العنان
في الحديث عن التاريخ المجيد. مصيبتنا في مرضى التاريخ. العالم كله يفتخر
ويتحدث عن الحاضر والمستقبل ,عن اليوم وغدا ونحن لانتلذذ إلا بالحديث عن
الماضي والبارحة, العالم كله يرى في الغد افضل من اليوم والامس ونحن نتشائم
من القادم من الايام والعتيق دائما لدينا افضل من الجديد. التاريخ بالنسبة
للاخرين عبق للذاكرة وحافز للفضول والاثارة, اما لنا فهو ورقة التوت التي
تغطي عورات الحاضر. مرضى التاريخ هم أشبه باؤلئك التجار المفلسين الذين طرحهم
السوق على قارعته فاصبحت وظيفتهم الجلوس على اعتاب المقاهي يلهون بسبحاتهم
ويحكون قصصهم يوم كانوا ابطالا لذلك للسوق ويدفع من يستمتع بسماع قصصهم ثمن
مشاريبهم لنادل المقهى.
انه
زمن قريب ونرى فيه رئيس النظام السابق يطلب من القاضي قبل ان ينطق بالحكم ان
يحقق له رغبة اخيرة في ان يستدعي الكثير من امراء السياسة في العراق الذين
قدموا او ظهروا بعد الاحتلال الى جلسة عامة فيقول صدام للقاضي ( سيدي القاضي
, قل لهم مَن منكم بدون خطيئة فليرمني بحجر ) فيكتشف الجميع , في القفص
وخارجه انهم حبايب ورفاق ويأخذ البعض الاخر بالاحضان, ويقول القاضي ماقاله
السيد المسيح في قصة تلك المراة, ويطلب كل من هؤلاء الطلاب من ادارات مدارسهم
الاجنبية, كل وتبعيته , بان تقوم بتوزيع شهادات النجاح على تنفيذ الادوار اما
الذين دفعوا الثمن في الحروب والانفال والمقابر الجماعية واليورانيوم المنضب
والمفخخات والتفجيرات وحوادث الارهاب والتهجير والاقصاء والانتقام فكل هذا
الطابور الطويل العريض , لدينا الخبرة والكفاءة في ان نختصر مأساته بكلمات
معدودة نحفظها عن ظهر قلب فنقول انه قدر الله المكتوب وانا لله وانا اليه
راجعون
|