الكلدان الآشوريون السريان شعب واحد  يسمى بالشعب الآرامي

 

اقرأ المزيد...

 

 

الدكتور وديع بتي حنا

wadeebatti@hotmail.com


يا لبؤس ما بَنيْتُم – يا لهَوْل ما حَطَمْتُم

 

عقود مضت وتمضي وامال العراقيون المساكين تنحصر في امنية واحدة , أن يجلس على كرسي حكمهم من نذر نفسه لخدمتهم قلبا وقالبا, لوجه الله. تاريخ طويل وسنين مريرة وهم يشاهدون الكرسي اللعين يتربع عليه ويلتصق به طُلاب مجد شخصي , مغامرون طائشون , هياكل جسدية جلست عليه مُرغمة لاتحلَ ولاتربط, فلاسفة بارعون في بيع احلام الهواء ومع هؤلاء جميعا وبينهم جيوش من قنَاصي الفرص , من الذين يعتمدون شعار ( الدنيا لمن غلب ) فلسفة لحياتهم حيث الدولة والممتلكات العامة بالنسبة لهم جسد لشقراء سنحت الفرصة في الاستفراد بها والتمكن منها في قرصة او قبلة او فعل قبيح, وعدم استغلال هذه الفرصة  يُعتبر نوعا فريدا من الغباء.

 

يقف رئيس النظام العراقي السابق في قفص الاتهام اثناء محاكمته فيتباهى بصوت جهور( فخورا ) بالبناء الشامخ الذي حققه ويوجه كلامه للقاضي مشيرا بهذا البناء الى المكان الذي تجري فيه هذه المحاكمة وكأن بناء الاوطان يتجسد فقط في بعض القوالب الكونكريتية الشاهقة المزركشة والمنقوشة التي يقيمها الحاكم من منطلق الهواية في بعض الاحيان . ان البناء الحقيقي لايتمثل فقط في بناء القصور الضخمة والجسور ذات الطابقين والابراج العالية واضافة ترع او أنهر جديدة بل يكمن قبل كل هذا وذاك ومعه في بناء شخصية وطنية يتمتع من خلالها المواطن البسيط بكل مقومات العيش الرغيد ويشعر بزهو الانتماء الى وطنه من خلال  (تقديس) سلطته له والذي يقود بالتالي الى احترام الاخرين له وتقديرهم لدوردولته ومكانتها وهيبتها بين دول العالم. أيُ بناء شامخ هذا والملايين من ابناء البلد اصبحت مُجبرة بسبب تلك السياسات الى ترك الوطن والهجرة منه والعيش على نظام المساعدات الاجتماعية في مختلف دول العالم. أي بناء شامخ يتحدث عنه هذا والمواطن في وطنه كان يئنُ ويتلوع وهو دائخ في عدوه لتوفير لقمة العيش لعائلته حتى اصبحنا نفتخر ونحن نغني ( نلوكُ الصخر خبزا ) . هذا طبعا لمن قرر ان يُغلق عينيه وفمه واذنيه في وجه كل رأي او نشاط سياسي ولم يكن هدفا للاضطهاد والملاحقة والتغييب. قرأت البارحة مقالا لاحد الاخوة بمناسبة يوم المراة العالمي وهو يخاطب روح والدته وشقيقته اللتان دفعتا ثمن صيحته الرافضة للاستبداد. ترى كم مثله ينطبق عليهم نفس الوصف . لايعرف الاستبداد مادة للبناء عدا جماجم الجمهور. ثم عن اي بناء شامخ يتحدث عنه صاحبه وهو نفسه ومن كان معه اسرى لدى قوات الاحتلال واية قصور يمكن لها ان تمسح المهانة التي لحقت ببلد الحضارات والتاريخ العريق وقد بات مُحتلا في القرن الواحد والعشرين وعدد الدول التي ترزح تحت الاحتلال لايتجاوز عدد اصابع اليد.

 

وانتقلنا مع الاحتلال من مرحلة الاعتقاد بان البناء هو قصور الحاكم الى مرحلة البناء بالاحلام حيث يعاني المسؤول من حالة شبيهة بمرض انفصام الشخصية فيسهب في صليات كلامية عن الحالة الواحدة والوصف الجمالي لما ليس موجودا على ارض الواقع. كلما اسمع الدكتور الجعفري الذي ينجح احيانا ( ربما لحاجة نفسية ) في ان يأخذ المتلقي الى احدى محطات احلام الهواء فيعتقد ان الوضع العراقي لايعاني إلا من بعض المطبات البسيطة ولكن الصحوة على الواقع المرير وشهادات من يعايشه تعيد المتلقي الى الاصطدام بالحقيقة المأساة وهي ان صفقة جهنمية قد تم ابرامها بين اطراف خبيثة بحق وطن كامل. عاد احد الاصدقاء الى السويد بعد سفرة الىالوطن حيث التقى باهله بعد فراق امتد الى عقد ونصف. انتظرت عودته بفارغ الصبر لانني اعرفه متفائلا مبتسما للحياة ولذلك فقد اعتقدت بانه سياتي ليحكي لي عن مدينة الالف ليلة وليلة في صورة اقل سوداوية من صور الفضائيات, ولكن يالبشاعة ماروى. كان النظام السابق في البرنامج اليومي لفضائيته يتعمَد فيبث يوميا تقريبا اغنية سعدون جابر ( اللي مضَيِعْ وطن وين الوطن يلكاه) رغبة في اثارة مشاعر واحاسيس اهل الغربة على اعتبار ان جميعهم او قسما كبيرا منهم هو ( مرتد ) على وطنه في عرف النظام. اما الان فقد تساوى علنا اهل الداخل مع اهل الخارج حيث اصبح هذا المقطع يمزق قلوب اهل الداخل والخارج معا, بل اهل الداخل اولا وهم يشاهدون بأمِ اعينهم وطنهم شمعة تذوب وسلعة يتم توزيع قسم منها على حصص والقاء القرعة على الباقي. يتكلم الدكتور الجعفري عن البناء في بلد اصبحت فيه ( قنينة الغاز السائل ) هدية غالية يهديها عزيز لعزيز, أي بناء هذا واصبح خبر اكتشاف الجثث في الشوارع خبرا عاديا كخبر اكتشاف الاثار في بلد عريق بدأ فيه التنقيب عن حضارته وتاريخه للتو, أي بناء يمكن ان يكون في بلد لاتعرف من يحكم المدينة والحي والزقاق فيه, أي بناء هذا في بلد يُجري فيه يوميا رب الاسرة التعداد المسائي على افراد عائلته فيطمئن على عودة من خرج منهم سالما ويحمد الله على ذلك, أي بناء هذا والدكتور الجعفري نفسه يجلس مع نظيره التركي ليخبره هذا الاخيربأن بغداد قد قررت ( توجيه عقوبة التوبيخ مع قطع الراتب ) له طيلة ايام تواجده في انقرة , ترى اية هيبة يمكن ان تكون لدولة يجلس رئيس وزرائها يتباحث مع مضيفه الاجنبي ورئيس جمهوريته يعلن من العاصمة ان الدولة ليست ملزمة بما تتمخض عنه المباحثات!

ايها الكرسي اللعين , أنصف مع شعبي ولو مرة واحدة وكن بردا وسلاما لمن يستحق ان يتربع عليك ولاتتوانى عن ان تكون جمرة نار لمن هو ليس اهلا فيبتعد عنك بعيدا فيرتاح ويُريح.

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها