الكلدان الآشوريون السريان شعب واحد  يسمى بالشعب الآرامي

 

اقرأ المزيد...

 

 

الدكتور وديع بتي حنا

wadeebatti@hotmail.com


مسيحيَون حتى النخاع ونحترم الاخرين حتى النخاع

لا يوجد من ينكر ان الغرب  استطاع القيام بطفرات علمية كبيرة في القرون الاخيرة ساهمت و تساهم في تقدم الحضارة الانسانية وقد استفاد الشرق حاله حال باقي الاصقاع من هذه الانجازات العلمية لكن الحقيقة الاكيدة تبقى كامنة في ان هذا الشرق ( المتخلف علميا ) كان على الدوام مصدرا ثرا ومعلما كبيرا للغرب في كل مايخص التعامل الاخلاقي بين البشر وفي المقدمة من ذلك اصول احترام معتقدات ومقدسات وتقاليد الغير. ان الانسان الغربي بتطرفه في اسباغ صفة ( العملية ) على شخصيته يفشل بل يرتكب خطأ جسيما احيانا في التعامل مع الغيرعندما يتوهم في الاعتقاد ان هذا الغير وعلى وجه الخصوص الانسان الشرقي قد وضع كلَ احاسيسه ومشاعره في صندوق التبريد لاتستفزَه الصغائر والكبائر. وعلى هذا الاساس شعر الغرب بالحاجة الى اختراع ما اُطلق على تسميته بحوار الحضارات عسى ان يهديه هذا الحوار السبل الكفيلة في التعامل مع الغير بعدما اتقن وبنجاح التعامل مع بعضه البعض.

وفي هذا الاطار تاتي ازمة الرسوم الكارتونية لتسجلَ فشلا كبيرا للغرب في جهوده خلال السنوات الماضية من اجل تثبيت دعائم حوار الحضارات فكان نشر تلك الرسوم اشبه بفعل تلك البقرة التي استمرت تُحلب لسنين ثم مالبثت ان ضربت برجلها اناء الحليب وذهبت الجهود سدى . ليست المرة الاولى التي يتجاوزفيها بعض الغربيين على تقاليد ومقدسات الاخرين بل هنالك دائما من يظهر في الغرب فيركب حصان الانانية لينطلق به دون حدود لايعير اهتماما لمشاعر هذا وذاك. ألم يصل الغرور بخطيب الثورة الفرنسية فولتير الى حالة مرضية سمحت له ان يقف امام تمثال السيد المسيح ويتجاسر بوقاحة ليقول عبارته المقززة ( لقد هزمناك ) فسقط فولتير على إثرها سقوطا رهيبا واصبح في نظر الكثيرين وفي المقدمة منهم من كان معجبا به ليس إلا صوت منكر وبوق مشؤوم .

ان المسيحيين الشرقيين يمثلون مثلا ناصعا لحوار الحضارات في شكل من اشكاله عندما استطاعوا وعبر الاف السنين من ايجاد تلك العلاقة الانسانية الرفيعة مع غيرهم من المسلمين وغير المسلمين فتمكن الجميع من فسح المجال لتناغم وانسجام حضاري في ارقى مستوياته تظهر سماته في اغلب الاحيان لتعطي ابهى صور الاحترام والتقدير, كلَ لمشاعر ومعتقدات غيره ويظهرالاستنكار والاشمئزاز على اي تصرف مشين يقوم به كائن من كان تجاه المقابل حيث من السهولة ان تلاحظ علامات الاشمئزاز على تلك التصرفات واضحة على من يُحسب صاحب ذلك التصرف جزءا منها قبل ان تُلاحظها على المقابل.

لقد كنت ( وهنالك كثيرون مثلي ) نتجنب مثلا تناول الطعام بحضور زملائنا واخوتنا من المسلمين اثناء شهر رمضان عندما نعرف انهم صيام , ليس خوفا فلم نكن نفعل هذا فقط في العراق بل كان هذا تصرفنا اثناء الدراسة في بلاد الغربة ذات الاغلبية المسيحية والبعيدة عن العراق بمسافات شاسعة. لم يكن الهدف محاباة احد او التملق له بل شعورا صميميا بجمال احترام مشاعر الغير. كثيرة هي المواقف التي تحكي عن احترام المسلم لمشاعر اخيه المسيحي عندما يتواجد هذا المسيحي في بيت اخيه المسلم ويُعرض على التلفاز برنامجا يتضمن عادات اوطقوس دينية مسيحية كما يفعل المسيحي الشئ ذاته عندما يحدث العكس فلايتوانى عن توفير مناخ الصلاة لاخيه المسلم عندما يحين موعد الصلاة والاخير ضيف في بيته. لايحدث هذا بين المسلمين والمسيحيين فقط بل ومع غيرهم من اصحاب المعتقدات فلازلت وبحكم قرب منطقتنا من المناطق التي يسكنها الاخوة اليزيديون اتذكر كيف كان الجميع يتجنب ذكر مفردات معينة قد تُسبب جرحا لمشاعر ومعتقدات اخواننا من اليزيديين الذين نلتقي بهم مع العلم ان عددهم اقل بكثير من اعداد المسلمين والمسيحيين. بل الاكثر من هذا هو وجود مسلمون يمتلكون علاقات واسعة ووطيدة مع زملائهم او جيرانهم من المسيحيين يفتخرون بها امام اقربائهم ومعارفهم من المسلمين والعكس ايضا صحيح حيث اقربائي على سبيل المثال وعندما حانت ساعة مغادرتهم للوطن قرروا توكيل اخ وزميل عزيز مسلم وشيعي المذهب على كل املاكهم وممتلكاتهم في وكالة عامة , له مطلق الحرية في التصرف بتلك الاملاك والممتلكات واسمعهم دائما يقولون ان دعواتهم لاتنقطع وهي تطلب من الباري عز وجل ان يحفظه ويحميه ويفتح له طرق الخير العميم. ربما تكون هذه الامثلة في نظر البعض سلوكا طبيعيا لايستوجب الاشارة ولكنني اؤمن يقينا ان شعورا بالرضى عن النفس يغمرنا في اللحظة التي نعيشها ونتلذذ بمعانيها الانسانية السامية.

ان المسيحيين الشرقيين الذين عاشوا السراء والضراء مع الاخرين وفي المقدمة منهم اخوانهم وجيرانهم المسلمون يشعرون بغصة في القلب وهم يلمسون ان بعض اخوانهم وجيرانهم يُحمِلونهم تبعات كل التصرفات الهوجاء التي يرتكبها بعض من يسكن الغرب او ادارات وجكومات تلك البلدان. ان تصور البعض واعتقاده ان المسيحيين الشرقيين هم ( طابورا خامسا ) للغرب والولايات المتحدة هو ظلم وجور بحقهم بعد ان قدموا ولازالوا كل هذه التضحيات الزكية وامتزجت دمائهم مع دماء الاخرين وهي تراق على مذبح الوطن ناهيكم عن انهم ابناء الوطن الاصليين وليسوا جالية زرعها الغرب في تلك البلاد. ان الذين قرروا استهداف الكنائس والمسيحيين في العراق كرد فعل للتصرف الاهوج المتمثل في نشر الرسوم الكارتونية المسيئة الى الاسلام في بعض الدول الغربية انما اختاروا الهدف الخطأ و البرئ خاصة وان المسيحيين انفسهم قد اعلنوا استنكارهم لهذا الفعل المشين و يشعرون بحرقة في القلب وهم يشاهدون يوميا تبعاته على شاشات التلفازحيث علامة الصليب المقدسة لديهم والمرسومة على بعض اعلام الدول الغربية وهي تداس تحت الاقدام كردِ فعل لذلك التصرف الاحمق واللامسؤول الذي قامت به بعض وسائل الاعلام الغربية.

هاهي ساعة الامتحان تأتي من جديد ويقع على الشرق واهله حلَُ المعضلة فيه لانه مصدر الشعاع فيمنح بعض المرضى في الغرب تلك الصورة المشرقة للتعايش الحضاري القائم على المحبة والسلام واحترام الغيرلاقوام  اتقنت التضحية والفداء ونكران الذات وامتصاص ومعالجة الفعل السئ بحكمة سليمان اكثرمن اتقانها صنع الشرائح الالكترونية.

هاهو الغرب يطلب من جديد أية. ضمِد جراحك ايها الشرق ولو قليلا وترفَعْ  فليس غيرك اهلً لهذه المهمة.

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها