اقرأ المزيد...
الدكتور وديع بتي
حنا
wadeebatti@hotmail.com
كل الوزارات ومن ضِمنها البيئة " سيادية "
مازال , حتى
كتابة هذه السطور , السباق الماراثوني مستمرا بين الفائزين بكعكة
الانتخابات العراقية, فبعد ان تمكنوا وبشق الانفس من تقسيم المناصب
الرئاسية العليا بعد مباحثات ومداولات استمرت اكثر من شهرين تركت المواطن
العراقي يفقد الاحساس بقيمة الجهد الوطني الكبير الذي بذله في الانتخابات
وأصبح مصابا بالاحباط بعد ان كان قد علًق عليها امالا كبار كونها
ستنقل العراق الى مرحلة اخرى متقدمة في المسار الديموقراطي, هاهم
المتسابقون امام معظلة اخرى تتلخص في اختلافهم حول تقسيم المناصب الوزارية
حيث اصبحت (المودة الشائعة) هي المطالبة بما اصبح متعارفا على تسميتها
بالوزارات السيادية وكأن تلك الوزارات قد اصبحت مفتاحا للضغط على الحكومة
بالكامل وكسر ذراعها عند الرغبة. كان المسؤول او الوزير في النظام السابق
لايملك هامشا كبيرا من المناورة في اختيار او رفض الموقع الذي يشغله بل
كان! قطعة من قطع الشطرنج التي تتحرك بمشيئة اخر وليس بمشيئتها , اما الان
وفي زمن الحرية والديموقراطية صار الجميع يعلن انه جاهز لخدمة الوطن في اي
موقع من عناوين الدولة ولكن عندما تأخذ الامور منحىً جديا فانه
( يُفَصًُل)
لنفسه ويطالب ويصر على الموقع الذي يتناسب مع طوله وعرضه وارتفاعه ووزنه
لعلنا نتفق في
ان الحديث عن وزارات سيادية في بلد يتواجد فيه اكثر من مئة الف جندي من
القوات المتعددة الجنسيات امر فيه شئ من المبالغة فالجميع يعلم بنوع
العلاقة التي تربط الحكومة العراقية وهذه القوات ومن يملك سلطة القرار
منهما حتى ان الدكتور حاجم الحسني كان واضحا وصريحا في احدى جلسات الجمعية
الوطنية العراقية حيث كان بعض الاعظاء يشكون من معاملة وسلوك بعض افراد
الشرطة العراقية والحرس الوطني والقوات المتعددة الجنسيات معهم في بعض نقاط
التفتيش . حينها علًق الدكتور الحسني قائلا (إحنا على الاقل نِكدر على
جماعتنا). على هذا الاساس نكون واقعيين اكثر لو سمعنا البعض يطلق على هذه
الوزارات بالوزارات المهمة او (الكَشخة او الأبًهة) اكثر مما يطلق عليها
الوزارات السيادية.
لقد تعرضت
البنية التحتية للدولة الى التدمير التام إثر الحرب الامريكية على العراق
وماتبعها من سقوط النظام السابق ناهيكم عن الخلل الكبير الذي كان يعصف بتلك
البنية اساسا كتحصيل حاصل للسياسات الخاطئة المتبعة لفترة طويلة . كل ذلك
يجعل العمل في اي من مرافق الدولة عملا مُهمَا ينبغي ان يتنافس عليه كل
اطراف اللعبة السياسية التي وضعت بناء العراق الجديد هدفا لها ولذالك كان
جديرا بتلك الاطراف ان تتبارى في وضع برامج فعالة لحل المعضلات التي
تجابهها وزارات الدولة عموما اكثر من ان تتنافس على اقتناص مسميات معينة.
ان الاستقتال على مواقع معينة من قبل بعض الاحزاب والقوائم يضع علامة
استفهام كبيرة حول النية الصادقة لتلك الاطراف في خدمة العراق وحل المعضلات
التي تجابهها تلك المواقع أم ان ذلك يندرج بالاساس كخطوة من قبل تلك
الاحزاب والقوائم لاستغلال بعض الامتيازات التي توفرها تلك المواقع لتحقيق
مكاسب حزبية ضيقة في جولات اللعبة القادمة
ان المواطن
العراقي المسكين يعاني من الكهرباء والماء والتعليم والصحة والسكن بل من كل
شئ ولذلك فان كل الوزارات المعنية بهذه المعضلات هي وزارات سيادية ومهمة
و(كشخة وأُبًهة وتشريف) لكل من يعمل على وضع حلول لمعاناة المواطن العراقي
منها. وهنا تبرز وزارة البيئة كمثال على ذلك نرغب في التوقف عنده قليلا.
اننا نعتقد ان
وزارة البيئة لا تثير فضول وانتباه أي من الاطراف المتخاصمة على الحقائب
الوزارية بل على الارجح ان هذه الوزارة تضاف الى حصة احد الاطراف
(كهدية ما بعد البيع) (فوق الشَرْوة) او ترمى في سلة احد الاطراف الممتعضة
التي ترى نفسها انها مظلومة في التوزيع فتكون وزارة البيئة وسيلة (لتطييب
خاطرها) في الوقت الذي يحتوي فيه ملف تلوث البيئة في العراق على مخاطر جدية
تستهدف حياة شعب العراق بكامله . لو كانت تلك المخاطر قائمة في احد البلدان
المتحضرة لكان ذلك كفيلا باسقاط الحكومات فيها ولاصبح عمل ونشاطات
وزارة البيئة في تلك الدول هو الفيصل في اصوات الناخبين ونتائج صناديق
الاقتراع. لقد تألمت حقا وانا اسمع احد اعضاء الجمعية الوطنية العراقية وهو
يطرح باسلوب لايخلو من السخرية الممزوجة باقصى درجات الالم والحزن حال
الملاي! ين من ابناء مدينة الصدر (الثورة سابقا) في بغداد الذين ليس لديهم
اي خيار اخر سوى استخدام المياه الملوثة او ما اطلق عليه عضو الجمعية تهكما
بالماء المطعًم بالمياه الثقيلة مما سبًب ويسبب تزايدا رهيبا في حالات
الاصابة بالتهاب الكبد والامراض الفتاكة الاخرى . لقد كان السيد رئيس
الجمعية (مُدهشا) حقا حين قاطع عضو الجمعية مُنبِها اياه بإن الجمعية تناقش
المسائل والقضايا الساخنة وما يطرحه لايمثٍل باعتقاده قضية ساخنة !
ان تلوث
البيئة وعناصرها الرئيسة في العراق , في نتائجها و اثارها التدميرية
لايختلف باي حال من الاحوال عن الفعل التدميري الي يقوم به الارهاب والعنف
بوسائله المعروفة بل ان تلوث البيئة هو عبارة عن سيل هائل من السيارات
المفخخة التي تنفجر بدون صوت في كافة ارجاء العراق وفي كل لحظة مخلفة
الكثير من الضحايا الذين لايثيروا لعاب الفضائيات كما ان اغلب الاطراف
السياسية لا ترى فيهم ورقة جدية في اللعبة يمكن ان تعطي نتائج ملموسة . ان
نتائج الدراسات والبحوث تشير الى وجود اكثر من 300 موقع ملوث بيئيا في
العراق من بينها خمسة مواقع صُنفت على انها من اخطر المواقع تلوثا اضف الى
ذلك ان العراق ينام على وسادة كبيرة من اليورانيوم المنضب حيث كانت حرب
الخليج الاولى قد أهدت العراق 300 طن من اليورانيوم المنضب وهو ما يعادل
سبعة قنابل من شاكلة القنابل التي أُلقيت على هيروشيما وناكازاكي يضاف الى
ذلك ما تركته حرب الخليج الاخيرة من اثار بيئية جديدة متمثلة في استخدام كم
جديد من الاسلحة المحرمة وعبث وتسرب كبير في مواد اشعاعية وكيميائية خطرة
من المنشات الحكومية المعنية بعد سقوط النظام لا زال مصير قسم مهم
منها مجهولا . كل ذلك الى جانب المشاكل البيئية الاخرى والتي يوصف بعضها
بالمزمنة سبًب ويسبِب نتائج كارثية للملايين من الشعب العراقي حيث
الدراسات الاخيرة تشير الى! ارقام مرعبة رهيبة في نسبة التشوهات الخلقية او
المصابين بالامراض المزمنة والخبيثة حتى بات العراقيون يتندرون في وصف
السرطان (بالانفلونزا الجديدة). ألا يعني هذا الوضع المأساوي ان العراق
وشعبه امام خطر جدي يستهدف وجوده, سيادته , حاضره ومستقبله. أليست البيئة
واستنادا الى هذا الوصف جديرة حالها حال الدفاع والنفط والخارجية في ان
يُشمٍر كل اطراف اللعبة السياسية عن سواعدهم من اجلها ويستعرضوا (عضلاتهم)
في تحسين الوضع البيئي في العراق وانقاذ الملايين من مقصلة هذه الابادة
الجماعية
ابها الاخوة
والاخوات , كل الوزارات ابتداءّ بالبيئة وانتهاء بالدفاع (سيادية), وكلها
من الدرجة الاولى و(كشخة وأُبَهة) وتحتاج الى فرسان يصولون ويجولون.
إستعجلوا وشدوا الاحزمة لان الملايين تنتظر بفارغ الصبر(تشكيلتكم) العتيدة
. |