اقرأ المزيد...
الدكتور وديع بتي
حنا
wadeebatti@hotmail.com
انشقاق خدام
- لحظة تسامي أم طرح فضلات
تقول الاخبار
الواردة من الاخرة ان الرئيس السوري الراحل حافظ الاسد قد قدًم وفور سماعه
تصريحات نائبه السابق عبد الحليم خدًام طلبا للحصول على اجازة زمنية لمدة
اربع وعشرون ساعة تكفي لاكمال حساباته مع نائبه السابق, وقد وعده مدير شؤون
الافراد في الاخرة خيرا بتلبية طلبه حال عودة البعض ممًن سبقوه وتمت الموافقة
على اجازاتهم بمناسبة اعياد رأس السنة للمحافظة على توازن للموجود. هذا وقد
اشتكى الرئيس السوري ا! لراحل من النظام المتبع لتسيير امور الافراد في
الاخرة حيث لايتقدم الاهم على المهم والكل سواسية كاسنان المشط لانهم جميعا (
اولاد تسعة ) ويتم فقط اعتماد الاسبقية في تاريخ تقديم الطلبات في معالجتها.
و لكن عندما شاهد الرئيس الراحل وبعض من زملائه الاخرين من السياسيين العرب
المتواجدين في الاخرة فيلما بمناسبة اعياد رأس السنة اشرف على عرضه مكتب
الثقافة والاعلام هناك يتناول الطريقة التي يتعامل بها الامريكان مع
المعتقلين من اركان النظام العراقي السابق وجانبا من محاكمتهم حمدوا الله
وشكروه جلً جلاله بكرة واصيلا على نعمته الجزيلة عليهم.
يرى البعض من
معارضي وكارهي النظام السوري ان القيادي المخضرم في هذا النظام واحد اركانه
السابقين عبد الحليم خدًام قد اصابته نوبة من التسامي تركته يغادر الحالة
الصلبة التي بقي عليها عقودا من السنين وهكذا ومن ان اجل ان يُكفِر عن كل
الذنوب المتراكمة على مدى تلك العقود فقد قرر ان يتحول مباشرة الى غاز وليس
الى سائل في لحظة التسامي تلك لكي يضمن انتشارا كبيرا قادرا على الوصول في
رائحته الى اكبر مساحة وجماعة ممكنة.
بينما يرى
المؤيدون والمناصرون لهذا النظام ان انشقاق خدًام ليس إلا نتيجة عرضية لدورة
طبيعية من دورات وقود هذا النظام التي تطرح من مدخنتها كل الفضلات الضارة,
دون ان ينكروا ان بعض دورات الوقود هذه قد تفرز فضلات نوعية من حيث الكم
والرائحة وقد حدث هذا في الماضي ويحدث الان في الحاضر مع خدًام وسيحدث في
المستقبل مع اخرين.
ليس هنالك من شك
في ان الديموقراطية و النظام السوري - حاله حال شقيقه النظام العراقي السابق
– جبلان لايلتقيان وفي هذا لاياتي خدًام بجديد عندما يشكو من التفرد
والاستبداد في القرار وانعدام القيم الديموقراطية بل ان العتب كلً العتب عليه
كونه كان جزءا رئيسيا من اللعبة وفي قلب معمعة هذا النظام كل هذه السنوات
الطويلة وجاء جهره بهذه الحقيقة متأخرا جدا , بل من حق البعض ان تنتابه
الشكوك والظنون حول النوايا الحقيقية للمسؤول السوري السابق وهو يجلس امام
مراسل الع! ربية في جلسة اعتراف تاريخية.
لقد مثًل هروب
حسين كامل صهر الرئيس العراقي السابق في منتصف التسعينات احد بسامير الزاوية
في نعش النظام العراقي السابق كونه شكًل فضيحة معنوية كبيرة للنظام لان اداة
الفضيحة قد اعطى لنفسه صفة الشاهد في الوقت الذي لايمكن للكثيرين تبرئة ساحته
كمتهم ومشارك فعال في الحدث. وهكذا ولان النظام العراقي السابق والنظام
السوري الحالي شحنتان متشابهتان إنطبقت عليهما على الدوام قوانين الكهربائية
في تنافر الشحنات المتشابهة فان دورة حياة كل منهما ومصيرهما متماثل على
مايبدو ومن خلال نفس السيناريو. ول! ذلك فاذا كانت شحنة النظام العراقي
السابق قد تم تفريغها وبشكل كلي في نيسان 2003 فان السنة الجديدة ستشهد على
الارجح تفريغا كليا للشحنة السورية. اذا كانت الادارة الامريكية قد احتاجت
لاكثر من سبع سنوات لتفريغ الشحنة العراقية هي الفترة الواقعة بين تاريخ هروب
حسين كامل مرورا بعودته ( وتنفيذ حكم العشيرة فيه ) وانتهاء بسقوط النظام فان
الخبرة المتراكمة من هذه التجربة والحاجة الاقليمية والدولية ستترك الادارة
الامريكية تختصر الزمن اللازم لتفريغ الشحنة السورية ولذلك فان خدًام لم يكن
يعطي بتصريحاته للعربية إلا ابعاد ومقاييس نعشه ونعش النظام معا.
بعيدا عن السياسة
وأ! لاعيبها ومن زاوية العلاقات الانسانية البحتة ومعاييرها الاخلاقية فانه
كان منظرا يبعث على التقزز ان ترى احدهم يخون الوعد الذي قطعه لرفيق عمره
عندما وجه وغرزسهامه في ظهر نجله ولذلك فان الكثيرين وخاصة في سوريا لاينظرون
بعين الاعجاب لتصريحات خدًام بل ان اي مراقب بسيط لايجد صعوبة في تحليل ما
حدث على انه ضربة لئيمة لسياسي قرر ان يُحرق نفسه ونظامه عندما وجد حصته في
ميراث هذا النظام لم تعد بالمستوى الذي يليق به كونه احد اقطاعييه القدامى .
وهنا يظهر زيف وكذب الكثيرين من السياسيين العرب الذين يتاجرون باسم الوطن
ويركبون حصان اختياره ويؤجلون العدو حتى تحين تلك اللحظة ( التايخية ) عندما
تتعارض مصالحهم الشخصية مع مصالح شركائهم. لقد كان اولى بخدًام ان يمسك برأس
الخيط ويسترسل فيه حتى نهايته فيحكي حلقات ذلك المسلسل المكسيكي الطويل الذي
يروي قصته في السلطة من الايام الاولى يوم كان الرئيس الحالي لازال طفلا
صغيرا يلهو في حدائق القصر مرورا بمراهقته ومقتبل شبابه وانتهاء بمرحلة حكمه
حيث جميع الانتهاكات في كل المراحل تنتهي بنتيجة واحدة كما ان الموت واحد
سواء طال هذا الموت رئيس وزراء لبنان او مواطن بسط في ا! ية قرية سورية او
اية بقعة اخرى من العالم.
لقد اظهرت
تصريحات خدًام من جديد الحاجة الماسة الى نظام مؤسساتي نظيف لايملك
السياسيون فيه الفرصة لخلط الاوراق الى الحد الذي اصبح صعبا على المواطن
البسيط التمييز بين الفضيلة والرذيلة مادام هؤلاء يدخرون لانفسهم شخصيتين في
ان واحد فكل منهم هو الرفيق المناضل وهو الخائن العميل وكلاهما وجهان لعملة
واحدة.
|