الكلدان الآشوريون السريان شعب واحد  يسمى بالشعب الآرامي

 

اقرأ المزيد...

 

 

الدكتور وديع بتي حنا

wadeebatti@hotmail.com


الولاء المطلق والمعارضة المطلقة – المرض القاتل

 

هل اخطأ الحَجاج في وصفنا نحن اهل العراق ؟ هل كان قاسيا لا بل فضا في تعريفنا ؟ يستشيط العراقي غضبا احيانا عندما يحاول من ليس عراقيا ان يعيد الى ذهنه ما قاله الحجاج باجداده قبل مئات السنين لكن العراقي الغاضب لايتوانى عن الاستشهاد بما قاله الحجاج في جلسات المصارحة التي يعقدها مع نفسه او أقرب الناس اليه. قبل عامين من هذا التاريخ شهدت بغداد وتحديدا في التاسع من نيسان مشهدين مختلفين , ففي ساحة الفردوس حيث كانت قد وصلت القوات الامريكية بدأت الجموع الاحتفال بالحرية الوليدة ورأت في تحطيم التمثال او الصنم حجرا اساس للحرية المنشودة واشارة لبداية صباح جديد تستطيع فيه الشمس ان تشع بنورها وضيائها على كل الربوع بعد ان ارتاح صدرها من ثقل الصنم الجاثم عليه لعقود خلت . في الجهة الاخرى وفي الاعظمية وفي مشهد اخر يختلف تماما عن الذي سبقه كان الرئيس المخلوع يواصل ظهوره الاخير ببزته العسكرية وكانت الجموع لازالت تعزف على ال! نوطة القديمة وتواصل هتافها العتيد – بالروح بالدم – وكأن هذا الهتاف اصبح نشيدا وطنيا تستقبل فيه الجموع القادمين وتودع الراحلين وتلك هي سنة الحياة . هل العراقي الذي تواجد في ساحة الفردوس لايمت بصلة بالعراقي الذي شوهد في الاعظمية ؟ ماذا كان سيحدث لو تم تبادل الادوار فدخلت الدبابات الامريكية من جهة الاعظمية وظهر الرئيس المخلوع في ساحة الفردوس ؟ لايظن احدا ان القصد بهذا الكلام هو الدفاع عن النظام السابق او التحسر عليه لان الرغبة في زوال ذالك النظام كانت امنية العراقيين التي لايختلف عليها اثنان. لايستطيع الدكتاتور ان يصنع ويشيع شخصيته الاستبدادية بنفسه بل تلعب ( ازدواجية الموقف ) لدى شريحة كبيرة من ابناء الشعب دورا كبيرا في صنع الدكتاتور وتسويقه . اذكر اني كنت مرة اشكو الوضع العراقي ومصير شعب العراق في احدى المناقشات التي كانت تحدث مع الاصدقاء الروس اثناء العمل في مختبر الدراسات العليا . كان ذالك بعد مغامرة الدخول الى الكويت فلم يكن بمقدور كائن من كان يملك ادنى درجات الوعي والحس السياسي إلا ان يصاب بالصدمة من هول النتائج الكارثية التي كان يؤمن ان تلك المغامرة أتية بها . شعرت حينها بال! حزن وانا اسمع صديقي الروسي يقول لي ان لهم مثلا شهيرا يقول إن الله يسَلٍط على الشعب القيصر الذي يستحقه . هل كان ( ازدواجية الموقف ) احد الاسباب الرئيسية في مصائبنا على مر التاريخ؟ هل كانت الخسائر ستكون اكثر مما عليه الان لو كان اغلبنا قد نزع عنه ذالك القناع الواقي وانطلق الجميع في هبة شعبية تقول للفرعون كفاك تفَرْعُنا.

 

لقد حاول الكثيرون من علماء النفس والاجتماع دراسة الشخصية العراقية وتحليلها الى عواملها الاولية ولأن احداث التاريخ ولمئات بل ألاف السنين حافلة بالكثير من القصص والروايات التي تشير الى بروز حالة ازدواجية الموقف في الشخصية العراقية فان المجال يبقى فسيحا لدراسة الاثر الجيني و الوراثي كسبب كامن في ازدواجية الموقف هذا تعمل على تحفيزه وتنشيطه الظروف البيئية الانية . لقد اصبحت ثقافة ازدواجية الموقف احدى الثقافات الرائجة ومنذ زمن بعيد فيعَلٍم الاب ابنه ان يكون ( شاطرا) ولايسير ضد التيار بل مع الموجة والريح انى تميلُ يميلُ , في الوقت الذي يؤكد احد الامثال السويدية مثلا على انه لن يكون بامكانك الوصول الى النبع اذا لم تسبح ضد التيار!. لقد تعلمنا ونحن اطفال صغار على ازدواجية الموقف هذا في سفراتنا المدرسية يوم كنا في الدراسة المتوسطة فنستقل الحافلات ونبدأ بالغناء فنلقي التحية على شتى المطربين والمطربات وبينما نحن ! نشدو ونغني ( الليلة حلوة او يردلي او الدنيا ربيع ) وإذا باحدنا ممن يجلسون في مقدمة الحافلة ينبهنا الى اقترابنا من نقطة التفتيش ( السيطرة ) فيتحول الجميع بقدرة قادر وكانهم ( ريمونت كنترول ) من تلك الاغاني الى الهتافات ( بالروح وبالدم ) ويعلو الصوت على اشده عند الوقوف في نقطة التفتيش فيعتقد العسكري او الشرطي الواقف اننا في طريقنا الى القدس وليس الى احد الاماكن السياحية  او الاثرية فيسمح لنا سريعا بالمرور وما ان نتجاوز نقطة التفتيش بعدة امتار حتى يعود جهاز التحكم الى نفس القناة السابقة فيصبح الجميع العندليب الاسمر عبد الحليم حافظ ويغني ( زي الهوى ) كما نحس جميعا اننا كنا ( شطارا الى اقصى الحدود ) وانجزنا مهمة وطنية كبيرة

 

من حقنا جميعا ان نتعذر ببطش النظام السابق واستعداده اللامحدود على سحق  اية فكرة تبدو معارضة لسياسته كسبب يدعو الى اظهار ازدواجية في الموقف تساعد على المحافظة على الحياة وتمنع تركها فريسة لسياسة التعذيب والتغييب التي كان ضحيتها الكثيرون من ابناء شعبنا, ولكن بعد سقوط النظام وبداية عهد جديد تُمثًُل الديموقراطية احدى ابرز سماته يجب ان نعيد جميعا النظر كافراد وكمجتمع ودولة ومؤسسات حزبية فنمتنع كافراد عن اظهار ازدواجية في الموقف متمثلا في ولاء مطلق فوري لايلبث ان يتحول سريعا الى معارضة مطلقة لان المناخ الديموقراطي يكفل للجميع حرية الرأي , كما يجب على مؤسسات الدولة والهيئات الحزبية صاحبة النفوذ الابتعاد عن استخدام نفس الوسائل السابقة وحشر المواطن في الزاوية الضيقة التي تستند على شعار ( إن لم تطبٍل وترقص في فرحي فانت راغب في ان ترى مأتمي ) . لقد عانينا كثيرا من الش! عار البائس ( ان كنت لست معي فانت عدوي ) فلايوجد اثنان في الحياة يتشابهان ويتفقان في كل شئ , حتى في التوأم يترك الخالق سبحانه وتعالى شيئا ما يساعد على التمييز بينهما كما ان الرجل يختلف مع زوجته في نقاط عديدة إلا ان ذالك لايمنع عملهما معا من اجل ديمومة العائلة وتربية الاطفال . ان الانتقاد وعرض الراي الاخر في نقاط معينة يمثل حاجة ضرورية لصاحب السلطة قبل كل شئ فقد يرشده ذالك للانتباه الى حالة قد فاته اعطائها ما تستحق من الاهتمام . لعل الجميع يتفق في ان النظام السابق قد دفع ودفع بسببه العراق هذا الثمن الباهض نتيجة دفنه لاي راي اخر. كما ان النقد يكون في اغلب الاحيان مخلصا بناء اذا حدث في مكانه و زمانه. ما دفعني الى كتابة هذه السطور هي ظواهر معينة لفتت انتباهي كان اولها الجلسة الرابعة للجمعية الوطنية العراقية حيث شهدت تلك الجلسة اتهامات واضحة للحكومة العراقية المستقيلة بسوء التصرف وقد بدا البعض  من مطلقي تلك الاتهامات كانه يتمنى بل يعبد الطريق لارسال الدكتور اياد علاوي الى احدى الزنزانات في سجن مطار بغداد ليجاور فيها من سبقه من قيادة النظام ! السابق في الوقت الذي كان الكثيرون قبل عشرة اشهر يرحبون اجمل ترحيب بمقدم السيد علاوي على رأس الحكومة الانتقالية!. لست هنا في معرض الدفاع عن الدكتور اياد علاوي بل كتبت قبل عدة اشهر مقالا طرح كل ما اختلف معه من نقاط لاني اصبحت أومن ان العراق الجديد الديموقراطي يكفل للجميع حرية ابداء الرأي في اية قضية وبدون تأجيل وقد ان الاوان لنتجاوز الاسلوب القديم الذي يجعلنا نمدح ونمدح بالمسؤول طالما هو في موقع المسؤولية ونجَمٍع غسيله في الخفاء حتى اذا اصبح خارج المسؤولية بدأنا بنشر ذالك الغسيل دفعة واحدة. لقد كان الدكتور برهم صالح منصفا حقا حين رفض وبشدة  وضع حكومة علاوي في دائرة الاتهام بعد استقالتها معترفا في الوقت ذاته ان الحكومة تلك قد اصابت في نقاط معينة وأخفقت في نقاط اخرى وقد ارسى بذالك اسسا ديموقراطية سليمة لكي لايتكرر المشهد ذاته بعد عدة اشهر وتاتي الجمعية الجديدة لتضع الطالباني والجعفري في دائرة الاتهام بعد انتهاء مهمتهما

 

اما الظاهرة الثانية  فتتمثل في محاولة غير متحضرة لازعاج ومضايقة بعض الكتاب و اصحاب المواقع الالكترونية بسبب الخط السياسي الذي اختاره أولئك الكتاب و تلك المواقع  حيث احدث الاعتداء الاخير على الاعلامي العراقي اللامع سرمد عبد الكريم مدير وصاحب موقع ( العراق للجميع ) صدمة لكل من اعتقد ان هذه الاساليب قد اصبحت من التاريخ وقُبرت كما قُبر اصحابها.

متى يفهم البعض ان ابداء الراي في قضية تخص  مثلا  السياسة الكويتية او الايرانية او السورية تجاه العراق او اعطاء رأي مخالف لراي القيادة الكردية او بعض القيادات العراقية الاخرى تجاه بعض القضايا الداخلية كالعلم والنشيد والمحاصصة , كل ذالك لايبيح  باي حال من الاحوال اطلاق سيل من الاتهامات على صاحب الراي ذاك ونعته بالشوفينية ومعاداة الديموقراطية والحنين الى الدكتاتورية ما دام الجميع قد امن بدوره في بناء العراق الجديد , اما اذا كان البعض يعتقد ان تلك المهمة اي بناء العراق الجديد هي حكر له وحده  فيجب ان يقول ذالك صراحة فيعرف الاخرون انهم قد عاشوا حلما وينبغي ان يعودوا من جديد الى الارشيف

ان الديموقراطية الحقة لاتشترط الولاء المطلق كما انها لاتعني المعارضة المطلقة , كلاهما مرض قاتل ولذالك فانني اعتقد وربما يتفق معي الكثيرون ان عبد الرحمن الراشد وعبد الباري عطوان مثلا يمثلان  في ان واحد ظاهرتين سلبيتين في الساحة السياسية والاعلامية العربية , لا نقصد الاساءة والتهجم على هاتين الشخصيتين البارزتين بل نسوق ذالك مثالا صارخا يظهر في مواقفهما ومعالجاتهما للقضايا الراهنة  كقطبين بارزين  لحالتي الولاء الطلق والمعارضة المطلقة.

اعرف انني قد دخلت حقلا كبيرا للالغام ولن اخرج منه سالما إلا اذا تجرد القارئ العزيز من كل عقد الماضي وضغائنه وعرف ان ملايين مثله تتمنى باخلاص رؤية عراق جديد اساسه المحبة والصراحة  , و لكن" يبقى الحق حق رضيَ الناس أم غضبوا "

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها