اقرأ المزيد...
الدكتور وديع بتي
حنا
wadeebatti@hotmail.com
هل كان حقا أَشبهُ بصراع الضراير؟
هل
سجًل القادة الاكراد صدام حسين ( سرا) في قائمة ابطال الحركة التحررية
الكردية؟ هل الالتزام الاخلاقي تجاه وعد قطعه امام نفسه والاخرين هو فقط
مايمنع الرئيس العراقي جلال الطالباني من توقيع عقوبة الاعدام على صدام حسين
في وقت اصبح فيه هامش المرونة في التنصل عن الوعود والالتزامات اكبر من اي
وقت مضى في عالم السياسة هذه الايام !. هل ان العامل الانساني هو وحده الذي
حدا بالرئيس الطالباني والدكتور الجعفري الى الدعوة لنقل رئيس المخابرات
العراقية السابق من السجن الى العلاج؟ ام هل ان تلك الرسالة القصيرة التي
ارسلها الرئيس العراقي السابق الى الرئيس العراقي الحالي من سجنه عن طريق
محاميه العراقي يدعوه فيها للكف عن الاساءة اليه تمثل دعوة خجولة من موقع
الضعف للطالباني وغيره من الزعماء الاكراد وتذكيرا لهم بان ماهم عليه الان لم
يكن ليتحقق بدون صدام !.
ان
مام جلال الذي عجن السياسة كما عجنته عبر عقود من السنين شهدت تغييرا في
وسادته السياسية عشرات المرات الى الحد الذي اصبح فيه تغيير تلك الوسادة
يُحسب ذكاء له وليس عيبا فيه, لم يكن ليرى بصراحته المعهودة اي حرج في ان
يعلل او يمرٍر بمزحة من مزحاته التنصل من توقيعه على رفض عقوبة الاعدام امام
احدى منظمات المجتمع المدني , ولكنه ربما يشعر بوخزة ضمير تدعوه لتقدير الدور
الذي لعبه صدام حسين في مصير الحركة الكردية حين اقتصر وبدون مبالغة خمسون
عاما او اكثر من الزمن المحسوب لها لتصل الى بعض اهدافها. هكذا بدا مزهوا مام
جلال قبل ايام وهويتحدث لبعض من انصاره فيؤكد ان الدولة الكردية هي حقيقة
واقعة لاينقصها إلا الاعلان الرسمي. لابل ان في مقوماتها كدولة تتفوق على
السلطة الفلسطينية مثلا بدرجة كبيرة .
لا
احد ينكر ان الاكراد قد ناضلوا في سبيل نيل حقوقهم وقدموا التضحيات السخية
على ذلك الطريق ولكن الكثيرين يعتقدون انه لم يدر بخلد الزعامات السياسية
الكردية ان يتحقق ما قد تحقق خلال هذه الفترة , ليس استكثارا على الاكراد ما
حصلوا عليه ولكن التحليل الواقعي لمجريات الاحداث السياسية تؤكد ان النظام
السابق قد لعب دور (مُعجٍل نووي ) رهيب في تحقيق الاهداف القصوى للحركة
الكردية وربما لولاه لبقيت تلك الاهداف في اطارها العام مقتصرة على بعض
الحقوق الثقافية والقومية البسيطة والمشاركة الصورية في بعض قرارات المركز من
خلال بعض المناصب الشرفية كمنصب نائب رئيس الجمهورية وعدد ممن يحملون لقب (
وزير دولة ) تقتصر مهمتهم على مطالعة الصحف والمجلات في مكاتبهم وحضور
المناسبات الرسمية . ثم من كان من الحكام السابقين لصدام اكثر رحمة منه تجاه
الاكراد واكثر استعدادا لتنفيذ مطالبهم . ان الاكراد انفسهم اعتادوا على
تسمية ثورتهم بانها ثورة ضد اضطهاد الحكومة العراقية غير مبالين باختلاف
اسماء من تعاقب على تحمل موقع المسؤولية الاولى في تلك الحكومة كما ان هذه
الاخيرة باسمائها الاولى على اختلاف مراحل حكمهم , عبد الكريم وعبد السلام
واخاه والبكر واخيرا صدام درجوا جميعا على الحديث عن ( تمرد كردي ) يجب
القضاء عليه.
ربما يتساءل البعض ما الغرابة في ان تُظهر الزعامات السياسية العراقية انها
قادرة على ممارسة اللعبة السياسية باسلوب حضاري يتجلى بافضل صوره في اظهار
العفو عند المقدرة او ربما يكون البعض غافلا فاته ان يعرف ان صلاح الدين قد
تم استنساخه بنسخ عديدة وها هي هذه النسخ تعيد نفس التصرف وتأبى ان تنازل
خصما مريضا فيرسل كل منها طبيبه الخاص لمعالجته لتواصل النزال بعد حين! وقد
يكون بعض السياسيين العراقيين قد شعروا بالضجر من الفنان ( رضا العبد الله )
وهو يعاتب ويشكو بالحاح في ان ( الملح والزاد ما فاد) فقرروا ان يُطيحوا
باغنيته بالضربة القاضية ويبرهنوا له ان الملح والزاد قد فاد كما يجب ان يكون
!.
ترى هل كان ذلك الصراع اشبه بصراع الضراير في البيت الواحد, اللائي قد تضرب
احداهن الاخرى بطناجر الطبخ وتتمكن الاولى من جرٍ شعر الثانية و تشتعل معارك
الكلام والصياح الى اقصاها ثم ما يلبث ان يعود كل شئ الى هدوئه بفعل نظرة
غاضبة من سيد الدار او حال سماع وقع خطواته فيجلس الجميع الى المائدة (
حبايب على اربع وعشرين حبة ), و كل واحدة منهن تعلم جيدا ان نتيجة إلحاحها في
المشاكسة ليست إلا ثلاث طلقات بالوجه في الهواء تكتب نهاية ماساوية لوجودها
في الدار!. أم هل كان ذلك اشبه بعراك الجزارين في سوق اللحم الذين اعتادوا ان
يرفعوا سكاكينهم على بعضهم البعض ليعودوا بعد دقائق الى شرب الشاي ( المهيًل
) سوية يضحكون ويمزحون كانهم ابناء بطن واحدة.
ليس هناك من يعارض ان يستعرض زعمائنا السياسييون مشاعرهم الانسانية قولا
وفعلا و يمارسوا لعبتهم السياسية باسلوب حضاري جميل ولكن الثمن الذي دفعه
الوطن والملايين من ابنائه في ادوار تلك اللعبة يجعل هضم تلك المشاعر
الانسانية صعبا الى حد ما !, مع ان الكثيرين يعتقدون ان افضل عقوبة لرموز
النظام السابق تكمن في ان يعيشوا عراقا ديموقراطيا مزدهرا سعيدا ويعلمون جيدا
في الوقت نفسه ان اي عقوبة اخرى ( اعدام او مؤبد او افراج او تغييب ) ليست
قرارا عراقيا خالصا.
اذا كان الرئيس الطالباني والدكتور الجعفري وغيرهما يؤمنون ان إكرام الميت في
دفنه فكم بالحري بهم رعاية الحي لانه الابقى , وفي هذا السياق يبدو التساؤل
مشروعا حول المواقف الباردة او السلبية لهذه الاطراف او تلك من مشاريع
المصالحة الوطنية المطروحة . لقد تم امتصاص نداء المصالحة الوطنية الشجاع
الذي طرحه منذ وقت مبكر الرئيس مسعود البارزاني , كما تنظر بعض الاطراف (
الممتلئة بالاحاسيس الانسانية ) بريبة واضحة لمشروع المصالحة الوطنية الذي
يدعو اليه الدكتور اياد علاوي, اما السيد مشعان الجبوري فقد قُصف و يُقصف
يوميا بسيل من التهم الباطلة التي يُطلقها مرضى السياسة العراقية بل اصبحت
تهمة الحنين الى النظام السابق جاهزة لكي تشهر بوجه كل من يدعو الى المصالحة
الوطنية. ان كل ذنب مشعان الجبوري وغيره يتلخص في انه يعي جيدا انه احدى
ضحايا النظام السابق ويؤمن في الوقت نفسه ان هنالك عشرات الالاف من العراقيين
الذين حُكم عليهم بالاقصاء واياديهم هي أنظف بالتاكيد من ايادي رموز النظام
السابق وايادي بعض وزراء حكومات بعد الاحتلال على السواء. لقد استطاع مشعان
الجبوري وغيره ان يجدوا تلك الموازنة الضرورية بين معارضة النظام والايادي
المسؤولة فيه وبين ضرورة حماية عشرات الالاف بل مئات الالاف من الذين اصبحوا
هدفا لمن تمنعه مشاعر الانتقام من رؤية اهدافه الحقيقية. ان اولئك الذين
يدعون الى سياسة الاقصاء والاجتثاث ويصرون عليها انما يفعلون الشئ ذاته الذي
تفعله القوات الامريكية حين تفتح النار وبشكل عشوائي بقصد حماية النفس فتصيب
من الابرياء اضعاف العدد الذي تصيبه ممن تسميهم بالارهابيين.
من
حق كائن من كان ان يترك بصماته وهو يشارك في الحكم على الماضي ولكن يبقى
الحاضر والمستقبل يمثلان الاهم. ومن حق العناوين السياسية ان تلعب وتلهو
وتقذف باللعبة ذات اليمين وذات الشمال, تتخاصم وتتصالح وتفعل ذلك سرا وعلنا
ولكن ليس من العدل ان يحدث كل هذا ويدفع الثمن فقط الوطن والابرياء |