بَين إبلحد ويونادَم
راحَتْ فْلوسَكْ يا صابر
في أحد الكتب
الوثائقية عن حرب الخليج الاولى عام 1991 يسرد المؤلف نص الحوار الذي دار بين
دي كويلار الامين العام السابق للامم المتحدة وصدام حسين حيث كان دي كويلار قد
توجه الى بغداد قبل انطلاق عاصفة الصحراء لينقل تحذير الولايات المتحدة بإسم
المجتمع الدولي الى النظام العراقي السابق بضرورة إتخاذ قرار سريع بالانسحاب من
الكويت وبدون شروط مسبقة. مايثير الانتباه في نص الحوار هو رد صدام حسين على
حديث دي كويلار الصريح والدبلوماسي معه حول عواقب عدم الانسحاب واختلال ميزان
القوى بين الاطراف المتصارعة والمقصود بها العراق من جهة والولايات المتحدة
التي تقود تحالفا يضم اكثر من ثلاثين دولة ويتمتع بتأييد الغالبية العظمى من
دول العالم من جهة اخرى. حينها قال صدام حسين لضيفه انه يعرف ان الولايات
المتحدة تحاول استدراجه الى معركة غير متكافئة ويدرك انه سيخسرها لكنه مُجبر
على دخول هذه المعركة. وهذا ما اكده ايضا رئيس الوزراء اليمني السابق حين روى
احداث اللقاء الذي جمعه بصدام حسين في تلك الفترة ايضا ولنفس الغرض اعلاه فيقول
انه ادرك ان العراق مُقبل على الكارثة عندما عرف ان صدام حسين يؤمن بان قاموسه
السياسي لايحتوي على مفردة - التراجع - التي ظهر جليا انها تحتل
مساحة متميزة في كل صفحات ذلك القاموس إلا انه اعتاد على استخدامها –
وبِِصَلْيات – بعد فوات الاوان.
ان الواقع يؤكد
ان الاستنساخ السياسي قد سبق الاستنساخ الوراثي بسنوات طويلة واذا كان استنساخ
النعجة – دولي – قد استلزم نقلا جينيا من النعجة الام تطلبت تقنية بايلوجية
متقدمة فان الاستنساخ السياسي لايتطلب كل ذلك بل يكتفي برغبة السياسي وبترجمة
سلوكية في ان يكون نسخة لاخر. ان الكثير من السياسيين الكبار و الصغار في الوطن
العربي بصورة عامة وفي العراق بصورة خاصة من الذين يُصنِفون انفسهم او يُصَنفون
من قبل الاخرين على انهم خصوم لصدام حسين يخالفون الحقيقة عندما يرفضون
الاعتراف بانهم جميعا قد نهلوا من مدرسة صدام حسين السياسية و يحرصون كل الحرص
على تطبيق شعارات تلك المدرسة وقوانينها حرفيا على غرار ( القائد اولا والشعب
اخيرا ) و ( الكل فداء للقائد ) و ( الشعب هو الوسيلة والثمن لحلٍ خلافات
وثأرات القائد ) و ( الشعب من الشمال الى الجنوب ومصيره في كفة وكلام القائد في
الكفة الاخرى) وإلخ من القوانين والاعراف التي نعرفها جميعا , وغالبا يستخدمون
نفس الاساليب وإن كانت بنسخ محسنة في قيادة معاركهم السياسية للاقصاء او لكسر
الخشم او الظهر مع غرمائهم السياسيين. ان المواطن البسيط في العراق وعندما
يشاهد بعضا من السياسيين العراقيين الحاليين في مقابلاتهم وتصريحاتهم ويراقب
حركاتهم واقوالهم ويعرف بفضائحهم يسارع لاإراديا الى اطلاق استفساره بتعجب رهيب
قائلا – بماذا يختلف هؤلاء عن فلان ؟ -
اذا رغبنا تأكيد
هذا القول بامثلة واقعية فان الحديث يطول في شواهد عاشها شعب العراق لعقود
طويلة حيث كان عناد الحاكم واصراره على حل عقده الشخصية مع هذا او ذاك على حساب
شعبه ثمنا لضياع شعبه ووطنه على السواء , ولكننا نترك تلك الامثلة على اعتبار
انها اصبحت تاريخا ونكتفي بمثال صغير وطازج نعيشه حاليا ويتمثل في ذلك الصراع
الشخصي الذي لايخفى على اي مراقب بسيط بين اصحاب بعض الدكاكين السياسية الصغيرة
والمقصود بها هنا الحركة الاشورية ممثلة في شخص سكرتيرها السيد يونادم كنة
والحزب الديموقراطي الكلداني ممثلا في شخص سكرتيره السيد ابلحد افرام . ان
قراءة بسيطة لتصريحاتهما ولقاءاتهما تُظهر على العلن حجم العقد الشخصية التي
يحتفظ بها احدهما تجاه الاخر والرغبة العارمة لكليهما في إقصاء الاخر او كسر
خشمه على اقل تقدير. ان مايؤسف له ان المعارك المستندة على الاسباب الشخصية
تتخذ من دور شعبنا المسيحي في العراق ومصيره سلاحا يستخدمه الطرفان سيؤدي في
عواقبه الى القضاء على اي امل لهذا الشعب في ممارسة الدور الذي ينبغي ان يلعبه
في الحياة السياسية الجديدة في العراق. انه لمن سخرية القدر ان الاخرين لازالوا
ينظرون الينا كشعب واحد في الوقت الذي بدأ من يمثلنا سياسيا يطالبهم وبالحاح
تقسيمنا وتفريقنا الى مكونات عديدة.
ان بعض الكتاب
الذين يشاركون – بوعي او بدونه – في تغذية هذا الصراع من خلال كتاباتهم التي
تلعب دور - البهارات والتوابل - فتزيد من حرارة الصراع , اضف اليهم بعض اصحاب
النفوس المتعصبة المتطرفة الذين لازالوا يعيشون عقلية الماضي ويرفضون مغادرة
شعارات ( بالروح بالدم و ياقائدنا سير سير احنا جنودك للتحرير ) فنراهم ما ان
يُنشر حديث او لقاء مع احدى الشخصيتين المذكورتين حتى يسارعوا في تسطير الردود
البهلوانية النارية. ان هؤلاء جميعا يتحملون مسؤولية اخلاقية لانهم يمثلون احد
الاسباب الغير المباشرة في الهاوية التي ننحدر اليها. لا بارك الله في اقلام
تدعو الى التناحر والفرقة والشقاق .
ربما لا تُعجب
هذه ( الفلسفة ) بعضا ممًن ادمنوا مهنة الاصطياد في المياه العكرة ولكن عندما
سيصبح الدستور حقيقة قائمة بعد الاستفتاء عليه ويدخل الجميع في لحظة حساب مع
النفس لإدائهم في هذه المرحلة سيكتشفون بوخزة ضمير بسيطة ابعاد وعواقب دورهم
السلبي المتمثل حقا في صراع بعض اصحاب الدكاكين والبسطات السياسية المسيحية على
المواقع الامامية و الذي لبس زيفا برقع الحفاظ على الهوية القومية وهو منها
برئ براءة الذئب من دم يوسف. وهكذا وكما في اغلب مأسي العراق فان يونادم كنة
وابلحد افرام - وجريا على سياسة صدام حسين – سوف لن يضع احدهما يده بيد الاخر
قبل ان يكون الفأس قد و قع في الرأس. |