الفلوس ( تْجيبْ ) العروس وتعمي العقول والعيون
المشهد
الاول
يقينا , تابع الكثيرون مثلي , وأغلبهم من باب الفضول , فعاليات الجلسة
الافتتاحية لمؤتمر القمة العربية المنعقد في الكويت , حيث توفر مثل هذه
المناسبات فرصة ذهبية للمتلقي في ان يرى من يمتلك عنوان القيادة في بلدان
المنطقة , ايا كان الطريق والاسلوب الذي اوصله اليه , وهو يستعرض قدراته
من خلال طرحه , في الاسلوب والمعنى , بل وتتيح هذه اللقاءات فرصة عقد
المقارنات بين تلك العناوين , حتى اصبحت القمم العربية بمثابة مسرحيات
حقيقية تترك لدى الجمهور انطباعا عن قدرة الممثلين فيها على تجسيد
ادوارهم , فيعود كل منهم الى بلده وهو يحمل شهادته التقديرية سلبا او
ايجابا او بين هذا وذاك . لقد كانت صدمة حقيقية حقا ان نشاهد العاهل
السعودي , ابن نجد والحجاز , وهو يلقي كلمته فتشعر انك تسمع لتلميذ انهى
, توا , مرحلة تعلم الحروف الابجدية , حيث انتحرت على شفاه جلالته كل
قواعد اللغة , الى الحد الذي تعتقد فيه ان ( سيبويه ) قد انتفض من قبره
وراحت روحه تحوم في قاعة المؤتمر تشكو لله وللحضور وللسامعين هذا الغبن
والاجحاف بحق اللغة واصولها و قواعدها. لم يقرأ العاهل السعودي جملة
صحيحة بدون اخطاء , بل غالبا ما راح يرتكب في الجملة الواحدة كماً غزيرا
منها , وان الانسان ليصاب بالذهول كيف يفتقر مثل هذا العنوان الى القدرة
اللغوية في لغة الاب و الام والتمكن فيها بمهارة وهو الذي منح نفسه , او
منحه الاخرين , تخويلا ليكون الناطق الرسمي باسم الامة التي ترى في هذه
اللغة سمة مميزة رئيسية لها ! ربما يعاتبنا البعض بالقول ان التمكن في
اللغة , بما في ذلك لغة اهل البلد الاصلية , ليست شرطا جازما لاستحقاق
العنوان السياسي , فنقول لهؤلاء انكم في هذا تجانبون الحقيقة لان أمضى
اسلحة السياسي , في عالم اليوم , والركن الاساسي في الكاريزما التي
يمتلكها , يكمن في قدرته على اجتذاب الجمهور ومداعبة مشاعره وإقناع
المتلقي , وهذا لايتحقق اطلاقا بالرفع و النصب والتأتأة على طريقة (الحجي
راضي في تحت موس الحلاق) ! يشهد خصوم ( اوباما ) قبل مناصريه على ان
قدرته الخطابية الفذة كانت احد العوامل الرئيسية في جذب الجمهور اليه وفي
الكاريزما التي حققها لشخصه . في اوربا, مثلا , العلاقة بين الفوز في
الانتخابات ودرجة ملل الجمهور من الاستماع لقائد الحزب السياسي هي علاقة
عكسية حادة , فكلما كانت درجة الملل كبيرة واضحة , كلما تضائلت فرص الفوز
ووصلت الى حدودها الدنيا , ثم ان الذين يعيبون على عراق اليوم كون رئيسه
كردي , فالحق يُقال ان هذا الرئيس الكردي يجيد اللغة العربية بمستوى يفوق
غيره باضعاف مضاعفة , فاذا كان العاهل السعودي , مثلا , يكتب في سيرته
الذاتية , ولو انه ليس بحاجة الى سيرة ذاتية لانه حصل على الوظيفة دون ان
يقدًم اليها او ينافسه احد فيها وليس في نيته التقديم مجددا لوظيفة اخرى
غيرها , ولكن من باب المجاز نقول لو كان العاهل السعودي يكتب في سيرته
الذاتية انه يتكلم العربية الفصحى بطلاقة , فمن حق الرئيس الطالباني ,
أنئذ , ان يسجل في سيرته الذاتية انه , لغويا , سليل الفراهيدي.
ما
أن انتهى العاهل السعودي من إلقاء كلمته حتى دوًت القاعة بالتصفيق الحاد
, مسكين الرئيس السوداني يقرأ كلمته , ماشاءالله , وكأنه مذيع تلفزيوني
على شاشة الجزيرة , بحماس وبدون اخطاء وينال في النهاية موجة متواضعة من
التصفيق! ناهيكم اذا كان المصفقون وغير المصفقون , اساسا , قد انصتوا
اليه!. وهكذا ذهب المحللون والسياسيون على المحطات الفضائية , وعلى الفور
, يكيلون المديح , دون رحمة , على كلمة الملك السعودي , فهذا يقول انها
أبلغ خطاب سمعه , وذاك يدعو الى الوقوف امام كل جملة , بل كل كلمة تفوه
بها العاهل السعودي , وهلم جرا , من زمرة طويلة عريضة من المنافقين
وابطال الرياء , وصدقا , يغتاظ المرء من نفاق هؤلاء اكثر بكثير من
الاخطاء اللغوية للعاهل السعودي . تُرى لماذا صفًق المصفقون ونثر
الناثرون كل اشكال ورود المديح ؟! انه الدولار اللعين الذي يقلب الموازين
, ويعكس الالوان , ويجعل القاع قمة والقمة قاع ! الكثيرون من اؤلئك
المصفقين والمادحين ليست له علاقة بما يقوله العاهل السعودي وكيف يقوله ,
لان عقولهم وعيونهم شاخصة الى جيوبه , الى أباره , الى مكرماته . حاشا ان
يكون هذا انتقاصا من دور العاهل السعودي وفعله ولكن المتلقي يطمع دائما
في صورة يتحقق فيها القدر المفترض والمطلوب والمتوقع من الكمال والشمول.
المشهد
الثاني
ايام
معدودة ويتوجه ابناء شعبنا العراقي في الداخل الى صناديق الاقتراع
لانتخاب ممثليهم في مجالس المحافظات , فما أحوج بلدنا الى الكفاءة
النزيهة الوطنية الخالصة , واية مسؤولية كبيرة تقع على الناخب تدعوه الى
الفرز بين القمح والزوان , بين الدائم المتجذر والطارئ الدخيل , بين (
كروش ) الحصار والاحتلال وبين عيدان وشموع الوطن الحقيقية , ايا كان
لونها واصلها وفصلها ومذهبها ودينها وانحدارها العرقي والقومي , بين
الجالسين في مركب شعبهم وبين فرسان الموجات والصفقات , بين من يحاول خداع
الناخب بقطعة من الحلوى او (المصقول) لايُعرف في اي معمل تم تصنيعها
وتعليبها , فقد جاء ليقدمها قبل الانتخابات املا في ان تكون له جسرا الى
الشحوم , وبين من يقاسمون شعبهم كسرة الخبز ولايعدون بقصور من الرمل
ولايجلسون في ندواتهم يحاولون تنويم المستمع عن طريق حقنه بجرعة من احلام
الظهيرة . بين اؤلئك الذين يحرصون على ارتداء الفرو الفاخر وجلد النمر و
يوصون الاخرين ان يقتدوا بنصائح ( جبران ) فيفرشون الارض ويلتحفون الفضاء
, وبين اؤلئك الذين يعتقدون ان خسارة النفس لايعادلها ربح العالم . بين
اؤلئك الذين اختاروا , او وجدوا , لانفسهم شهادات لايفقهون فيها حتى
عناوينها , فبدت عليهم غريبة مقززة كربطات عنقهم الصارخة , وبين غيرهم
الذين تتزيًن شهاداتهم بهم . يا لبؤس من يرضى ان يكون له عنوانا قياديا
من هو ليس جديرا بذلك . من اقسى عقوبات الحياة ان يغدر بك الزمن فتكون
مروؤسا لمن يمتلك ( وزن الريشة ) في صفات القيادة . هلاً ادركت يا عزيزي
وابن شعبي ان صوتك يعكس شخصيتك , فحرام عليك ان تسترخصه , او تهديه , او
تبيعه , او تهبه بدافع الخجل او لخاطر فلان او علاًن من زمرة الرياء
والمطبلين , لمن هو ليس أهلا له , إكسر القاعدة الخطأ , ولاتمنح الفرصة (
للفلوس ) ان تأتي بالعروس ( عضوية مجلس المحافظة ) . فتش وافحص في
القوائم مليا و ضع اشارة الصح على الصحيح , والصحيح يقول لك ها انا هنا ,
فالشمس لايحجبها غربال . . .
|