ربيع باراك اوباما وشتاء الاقليات في
العراق
اؤمن جازما ,
ان كثيرين لم يتمكنوا من حبس دموع فرحهم وهم يشاهدون الرئيس الامريكي
المنتخب باراك اوباما يلقي خطبة النصر من احدى ساحات شيكاغو . ويقينا ان
اصحاب الدموع هؤلاء ليسوا جميعا فقط من المعجبين بالرجل وبصفاته
الكاريزمية او من المحبين له والمناصرين له لدوافع شخصية اوحزبية , بل
بينهم الملايين الذين اطلقوا العنان لدموعهم لانهم وجدوا انها اللحظة
التاريخية التي يعيشها الانسان المؤمن بالشراكة مع اخيه , ايا كان جنسه
او لونه اوعرقه او دينه , فهي فرصة ينبغي استثمارها للانتصار للمبادئ
التي يؤمن بها , او على الاقل جاء نصر اوباما ليكون بعض الضماد لجراحات
المبادئ على مدى الايام . كما ان الملايين ايضا في هذه المعمورة من الذين
يشكون ويعانون من الاستخدام الغير العادل ( لجوكر ) العِرق واللون والدين
( كورقة الفيتو ) في وجه حقوقهم و طموحاتهم المشروعة قد وجدوا في فوز
اوباما بصيصا من الامل في نهاية النفق الذي تم وضعهم ظلما فيه . نعم لقد
كان انتصار اوباما لحظةً , استلمت فيها ( لامانة ) التي تركها مارتن لوثر
كينغ ( لديً حلم ) جرعة منعشة للحياة في نفس كل عاشق للانسانية والتعايش
والمساواة .
في العراق
الذي يعاني من احتلال البلد الذي حقق فيه اوباما معجزته ديموقراطيا , كم
حريُ بنا ان نستفيد من الاحتلال بعلاًته ودروسه , فنتعلم منه ومن تجاربه
, فنتحرر من قيودنا الذاتية وقيود الاحتلال في أن واحد . باراك اوباما
المتميز في اللون , المفتقر الى الحسب والنسب , كونه ابن الصدفة , وليس
إبن المكان الاصيل والزمن العريق , المنحدر من اصول وعروق وثقافات مختلفة
, عمقه التاريخي في بلده لايتجاوز بضعة عقود , يدعوه الامريكيون اليوم
وبصوت جهوري ليضع كل ما تقدم وغيره في سلًة المهملات ويقودهم الى
المستقبل , في بلد اثبت وبجدارة ان الكفاءة والوطنية هما بطاقة الدخول
الحاسمة الى كرسي البيت الابيض . بينما نحن في العراق لازلنا , ويبدو
اننا سنبقى الى اجل غير مسمى , نعاني من هذه الازدواجية المعيبة في
الشخصية , فنشدًُ الربطات الانيقة لنخرج بها على وسائل الاعلام ونحن نردد
كالببغاء عبارات المساواة وتكافؤ الفرص والشراكة , لننحر في الوقت نفسه
محتوى تلك العبارات في تصرفنا وإدائنا . ترى الى متى يبقى بعض السياسيين
يجاهرون , رياءً , بتدليل ( البنت ) امام الاخرين والإدعاء في انها تعادل
( ألف ولد ) , بينما هم يتمنون في سرٍهم وأدها , بل تمنعهم الفضيحة من
خنقها بأيديهم !. يخرج البرلماني والسياسي العراقي على الفضائيات ليخدع ,
لا ادري نفسه او المتلقي , بالقول ان شعبنا ( المسيحي ) هو مكوٍن اصيل من
مكونات الشعب العراقي , يمتد تاريخه الى الاف السنين , تواجد على هذه
الارض قبل غيره , مشهود له بالغيرة الوطنية والكفاءة والنزاهة والخ ,
ليذهب بعدها الى قبة البرلمان فيتلًطف على هذا الشعب بمقعد يتيم بائس من
عشرات المقاعد ! اذا كان البعض يؤمن ان من حق باراك حسين اوباما ان يحصل
على فرصته الكاملة , او يفتخر بنجاح اوباما , فمن باب اولى ان يمنح هذا
البعض الحق ايضا الى ( فادي ونينوس وسنحاريب وبولص وغيرهم ) في العراق
فيساعدهم ويعاضدهم ويناصرهم على اجتياز ( حائط برلين ) الذي تمثله الاية
التي توصي بعدم جعل اهل الكتاب اولياء , طالما ان اهل الكتاب هؤلاء
مؤهلون في جدارتهم وصادقون في وطنيتهم ! . ربما ينبري البعض من اعضاء
الكتل السياسية التي ساهمت في امرار مادة الكوتا بشكلها المقزز المهين
الى المحاججة بضرورات الصراع القومي ومستقبله كاساس لموقفها في التصويت
وليس النظرة الدينية المتطرفة والمتزمتة , لكن هذه الكتل كان يجب ان تضع
في الحسبان ان فعلتها هذه وان الربح السياسي الذي حققته قد سبب في الجانب
الاخر شرخا اخلاقيا واجتماعيا كبيرا , فلايجوز اعتبار نبذ او اقصاء مكوٍن
اجتماعي اصيل حاجة من حاجات شوط لعبة الصراع السياسي في تخيلات البعض
لصفحاته القومية , ناهيكم عن فقدان المصداقية كون الإرث القاسي المتراكم
عبر مئات السنين لايسمح لهذه المكونات ان تستثني تلك النظرة الدينية كسبب
في موقفها السلبي . ان إبن سهل نينوى الذي صوًت في الانتخابات السابقة
لمرشحي القائمة العراقية اعتقادا منه بانهم اكثر جدارة , حتى من ابناء
جلدته وقائمة شعبه , يمتلك نفس الحق في المطالبة بالتصويت له , عندما
تتوفر ذات الشروط , ولمطالب شعبه العادلة .
لقد كانت
تلك المرأة السوداء في امريكا عظيمة حقا عندما امتنعت قبل عشرات السنين
ان تعطي مكانها للابيض في الحافلة , كما جرت العادة , وصرخت قائلة ( لن
امنح مكاني فقد سئمت هذا ) , ففتح ذلك الفعل , الطريق واسعا ليأتي يوم
اوباما . فما احوجنا اليوم , كشعب, الى ذات الصرخة الرافضة للكوتا
الهزيلة التي شرًعها مجلس النواب , فنمارس حقنا في الاستغناء عنها وشكر
من تكرًم بها , بل ان الواجب يدعونا اليوم اكثر من اي وقت مضى الى اعادة
ترتيب بيتنا وتوحيد جهدنا وتنسيق خطابنا . ان من العلامات الايجابية التي
جناها شعبنا خلال هذه الفترة , بعد الغاء المادة الخمسين واحداث الموصل
واقرار الكوتا المهينة , هو ازدياد عرض قاعدة القواسم المشتركة بين ممثلي
شعبنا في البرلمان , الاستاذين الفاضلين يونادم كنا وابلحد افرام , ان
الظرف يتطلب وبإلحاح خطوات اكثر فاعلية لتوحيد الجهد وتنسيقه بين الحركة
الديموقراطية الاشورية والاتحاد الديموقراطي الكلداني , وجميع القوى
والشخصيات التي تشترك في النظرة الواقعية الى المشهد السياسي وحركته ,
خدمة لاهداف شعبنا .
ان مؤسساتنا
الدينية والسياسية والاجتماعية مدعوة الى موقف موحًد , يرفض ان يكون
عرًابا لتهميشنا وإقصائنا , بل الى اكثر من ذلك , فتُصدر هذه المؤسسات
تحريما دينيا وسياسيا واجتماعيا على كل من يقبل لنفسه ان يكون قنينة عطور
صغيرة في مجالس المحافظات القادمة فيمنع ان يفوح منها روائحها الساكنة
فيها . ليست هذه دعوة الى اللجوء للعنف او للعصيان , بل ممارسة للحقوق
تحت مظلة الدستور والقانون , فهذا يعني ان نمضي بالعملية الديموقراطية
بكامل اصولها , فلاداعٍ لتمثيلنا بالكوتا , بعد ان جاءت بهذا الشكل , اذا
لم نكن قادرين على تمثيل شعبنا , معتمدين على قدراتنا الذاتية وعن طريق
صناديق الاقتراع كونها هي التي تقرر تمثيلنا من عدمه .
إما ان يكون تمثيلنا ( كامل الدسم ) مُشرفا , يتناسب مع
وجودنا , وعطائنا , ودورنا , وقدراتنا , او أن لا نكون في مجالس
المحافظات , فذلك افضل من ان نُصبح فقط ( مزهريات ) في غرف يُراد لها ان
تظهر أنيقة |