كُتًابنا وحب الاخوة الاكراد والسياسة
080516
أنْ يُحب أحدنا شخصا او فريقا او مجموعة او شعبا, فذلك حقَُ
تكفله كل شرائع السماء واغلب لوائح وقوانين اهل الارض , ومن حق
المُحب ان يختار كيف يهيم في حبه , وصفا وفعلا, سِرا وعلنا,
زمانا ومكانا. ولكن عندما يتعلق الامر بمعالجة موقف سياسي فان
المحلل المحايد العادل غالبا ما يتيه في غابة السياسة عندما يترك
حبل العاطفة مفتوحا بلا حدود إرضاءً لغريزة الحب الجارف التي
ألمًت به في ربيع العمر الثاني. وهكذا , اعتقد , و ريما يوافقني
في الرأي الكثيرون , ان العاطفة لوحدها, كرها او حبا, لاتصلح
لوحدها ان تكون بوصلة حركة القائد السياسي, تقوده الى هذه المحطة
او تلك, كما انها, اي العاطفة , لا تؤدي بنا الى معلومة رصينة
متوازنة عندما تُصبح لوحدها الانامل التي تُمسك بقلم من يتعاطى
السياسة كتابة, فتذهب بقلمه الى مرافئ تُصادر فيها كل بضاعته ,
بل وفوق ذلك يجد نفسه مُجبرا على دفع الغرامات , ناهيكم عن الضرر
الفادح الذي يُصيب المحبوب . كثيرون, وربما يكون حال كاتب هذه
السطور كذلك , وجدوا ويجدون انفسهم يُصنفون في خانة اعداء هذا
او ذاك, هذه المجموعة او تلك, ليس لانهم يقفون بالضد من اهدافه
او اهدافها و تطلعاته اوتطلعاتها , بل لانهم لايستطيعون ان
يهضموا ما تذهب اليه الحاشية والابواق, حيث يصبح حينذاك السكوت
عسيرا على كل من يوجد في احد فكًيه سِنًا اضافيا.
مناسبة السطور اعلاه مقال جديد نُشر على بعض المواقع للكاتب
العزيز الاستاذ الفاضل حبيب تومي يتساءل فيه (هل من اشكالية في
وجود علاقة بين اقليم كردستان واسرائيل). وكأني ارى ان الاستاذ
الفاضل قد كان في عجالة من امره , فوجد نفسه يخلط وصفته بسرعة,
ليقدم وجبة يحرص على تقديمها في موعدها المحدد كجزء من الروتين.
حيث ان المقال يهدف الى شرعنة العلاقة بين اقليم كردستان
واسرائيل في الوقت الذي لازال اغلب الساسة الكرد يعون حساسية هذه
العلاقة ويحرصون على نفيها او تهميشها اوعدم الافتخار بها , بل
اعتقد جازما ان بعض القيادات الكردية التي تناولت بالاشارة هذه
العلاقة او اطلقت التصريحات بشأنها , انما فعلت وتفعل ذلك
بالاساس كرد فعل للاستفزازات العنيفة التي يقوم بها البعض عندما
يضع الحركة الكردية في دائرة الاتهام بما يعتقده خيانة للمصالح
الوطنية والقومية في الحديث عن هذه العلاقة. لان الاكراد ادركوا
قبل غيرهم ان اسرائيل لاتقدم لهم العون والمساعدة من اجل عيون
قضية الشعب الكردي , بل من اجل مصالحها الذاتية وهذا مايؤكده
الاقتباس الذي جاء به مقال الاستاذ تومي من كتاب الاستاذ مسعود
البارزاني, حيث يشير البارزاني الى ان غاية اسرائيل كانت هي
إلهاء الجيش العراقي عن ساحات القتال في الصراع العربي
الاسرائيلي . لا ادري إن كانت محض صدفة , أم قدرا مقصودا , حيث
ما ان انتهيت من قراءة مقال الاستاذ تومي , وتركت الحاسوب من اجل
فنجان من القهوة وإذا على التلفاز, وتحديدا على الفضائية
البغدادية , حوار للتاريخ , مع الاديب الكردي المعروف (فلك الدين
كاكائي) وهو وزير الثقافة الحالي في اقليم كردستان واحدى
الشخصيات التاريخية التي عاصرت عن قرب الحركة الكردية ومن اعمدة
المنظرين فيها وواضعي استراتيجيتها الاعلامية , حيث كان التساؤل
عن العلاقة بين الحركة واسرائيل احدى محطات هذا الحوار وقد
استغربت حقا عندما لم يبدي السيد كاكائي اهتماما يُذكر بهذا
الموضوع بل حاول التقليل من شأنه , بل و حتى نفيه و أشار الى
محاولة بعض الجهات الى تضخيمه او استغلاله للاساءة الى الحركة
الكردية , ولم يعلن , بصراحة المواطن الكردي التي نعرفها, عن اي
موقف لحكومة الاقليم ينظر الى العلاقة مع اسرائيل كمسألة طبيعية
لاغرابة فيها او ليؤكد بعض خيوطها. انه لمن الصعوبة ان نفهم حرص
القادة الاكراد على تجنب الخوض في موضوع كهذا, في الوقت الذي
يتطوع كاتب , كلداني سرياني اشوري , يعكس بصورة او باخرى , شاء
بعضنا او تحفظً او أبى , نفس الشارع الكلداني السرياني الاشوري
فيسوٍق لعلاقة ليس طرفا فيها او جانيا لمنافعها , بل ان تطوعه
هذا يشابه تماما مثلما يضرب , سائق شاحنة , كفه على صدره , معلنا
عن استعداده لنقل شحنة من المخدرات في طريق ملغًم بنقاط الفتيش
والكمارك, هكذا لوجه الله , دون ان يكون له سهم فيها. لا اعتقد
ان الملاحظة التنبيهية التي استهًل بها الاستاذ حبيب تومي مقاله
المذكور ستساعد الى حد كبير في الفصل بين كاتب المقال و خلفيته
الدينية والقومية. ان العلاقة مع اسرائيل هي شأن كردي بحت وتقع
على عاتق الاخوة الاكراد مهمة الترويج والتسويق لها اذا كانوا
يرون في ذلك مصلحة لهم , وهم قادرون حقا على تحديد الزمن الملائم
لذلك والذي يحقق اعلى نسبة من الارباح باقل الخسائر , اما
الاخرون الذين يجدون في طرح هذا الموضوع سبقا اعلاميا يحقق
الشهرة فهم يقدمون تضحيات مجانية لا أكثر, وهنا نؤكد ايضا على
النظرة الى كل العلاقات مع جميع الدول والكيانات بشفافية ونفس
مستعد للحوار مع الاخر طالما توفرت الاسس والظروف والنوايا
والثقة المتبادلة لحوار بنًاء يحقق الصالح المشتركة.
ثم قبل كل ما تقدم, لا اعرف حقا كيف غاب عن بال كاتبنا العزيز ان
يُسند مقاله على مسوغات قانونية لاتتعارض مع الفكرة السياسية ,
حيث جميعنا يعرف ويفهم ان النظام الفدرالي الذي يتكلم عنه اطراف
العملية السياسية , يشتمل على ان تكون السياسة الخارجية والدفاع
من مهام ومسؤوليات الحكومة الاتحادية المركزية , وهذا ما متعارف
به في جميع دول العالم التي تعتمد الفدرالية نظاما لها, فلم نسمع
مثلا عن ولاية امريكية تفكر في نسج علاقات مستقلة مع ايران او
ليبيا او كوريا الشمالية. وهكذا يجب ان تكون الاتصالات الخارجية
التي تُجريها الاقاليم مع الدول والمنظمات الدولية منسجمة تماما
مع الخط العام لوزارة الخارجية الاتحادية وتتناغم مع ذلك الخط
تبعا لتغيراته. هذا إذا كنا نتحدث عن دولة مؤسسات لعراق فدرالي
ديموقراطي واحد موحد , اما اذا كان الاستاذ حبيب تومي قد قرر من
جانبه, وبدافع الحب العارم , اعلان استقلال اقليم كردستان رسميا
, قبل ان تعلن ذلك القيادة الكردية, فذلك شأن اخر.
الغالبية العظمى من شعبنا , الخالية من العقد , تحب اشقائنا
الاكراد , شركائنا في الوطن , و تحترمهم وتفخر بالتاريخ الطويل
من العيش المشترك معهم , بكل ما يحفل ذلك التاريخ من حالات
السراء والضراء , باحداثه المريرة والبهية, وهذا هو الحال مع كل
مكونات شعبنا العراقي الاخرى , ونكون حقا غير صادقين مع هذه
المكونات اذا حاولنا ان نُظهر لاحدها اننا نحبه اكثر من انفسنا ,
في وقت اصبح القانون السائد في الحياة السياسية العراقية ,
افرادا واحزابا ومكونات , يكمن في حرص هؤلاء, كل من جانبه على
تجميع ما امكن من كتلة النار تحت عجينة الخبز الخاصة به . أضف
الى ذلك ان الحب في العلاقات الاجتماعية الضيقة والحب في السياسة
ليسا سيًان , ففي السياسة يكون المرء ربما اكثر صدقا في علاقاته
وبالتالي اكثر فائدة في عواقب تلك العلاقات عندما يكون صريحا مع
الطرف الاخر وحريصا عليه.
ان من اختار لنفسه ان يحمل قضية شعبه القومية والمصيرية, عليه
ان يُسًخر كل, كلمة وجملة ومقال, ليكون كل ذلك , بشكل من الاشكال
, في خدمة هدفه الاسمى ويربح لقضية شعبه على كل حال حالا. |