مسيرة أكيتو وحفل فيشخابور
هل نكتفي بالتعادل
قال ديستوفسكي ذات مرة ان المعاناة العظيمة تُنتج ناتجا عظيما,
وهكذا وجد الكثير من ابناء شعبنا فسحة من الأمل في ان المعاناة
العظيمة , التي يعانيها شعبنا , والتي بانت تباشير ذروتها بتسلق
رموزه الدينية الى خشبة الصليب , يمكن ان تقود الى ناتج عظيم من
الفعل , يتناسب وحجم تلك المعاناة. كم هو مخيب للامال حقا ان نرى
اصوات التشتت والتشرذم تعود بإيقاع صارخ وهي التي دفنت رؤوسها في
الرمال اثناء مراسم العزاء بالشهيد المطران الجليل بولص فرج رحو
حيث كانت امام خيارين لاثالث لهما , إما ان تستمر في العزف على
نفس النوتة فتبدو صوتا نشازا بامتياز , او ان تُجبر نفسها مُكرهة
على مسايرة مشاعر شعبنا ريثما تهدأ فتعود سريعا الى ذات العزف
متوهمة انه قد يُصبح انذاك اكثر قبولا. لقد كانت تلك الاصوات
النشاز تنتظر على احر من الجمر هدوء مشاعر العزاء بالمطران
الشهيد لتعود سريعا الى عمل أتقنته بمهارة , حتى انها إعتبرت
حادثة اغتيال الشهيد الاب يوسف عادل عبودي في بغداد حادثة عرضية
لاتستحق وقفة جدية اخرى لجلد الذات , بل ان بعضهم وجد نفسه عاجزا
عن كتابة مقال رثاء , بينما ذهب البعض الاخر الى الاشارة بسطرين
مقتبسين من مقال اخر وهو الذي نعرف قلمه سيالا في الكتابة عن
الاخرين!.
ثم جاءت مسيرة أكيتو التي نظمتها الحركة الديموقراطية الاشورية
في مدينة دهوك لتكون القشة التي قصمت ظهر بعير اقلام التشتت
والتشرذم والاصطياد في المياة العكرة , حين دفعت هذه الاقلام
بالوقود لتراشق عنيف في الكتابات على المواقع الالكترونية ,
فينشرح صدرها وهي ترى هدفها يتحقق في مزيد من التخندق والتحزب
والتقوقع الاعمى يصيب قوى شعبنا ويفقد الفرصة التاريخية من جديد
في البناء الوحدوي على دماء الشهداء الزكية , فصدق في شعبنا
المسكين المثل المصري القائل ( جاءت اليتيمة تفرح فلم تجد لها
مطرح ). ان خطورة تلك الكتابات تكمن في النفس الخبيث الذي يحاول
اصحابها تفريقه بين اوساط شعبنا والمتمثل بالمحاولة بكل الوسائل
الى تأسيس جبل من نار بين الحركة الاشورية من جهة والمجلس الشعبي
الكلداني السرياني الاشوري والذي يقف خلفه , كما هو معلوم ,
السيد سركيس اغاجان من جهة اخرى , وذلك من خلال بركتين من المياة
الغير النقية , الاولى قريبة من زوعا والثانية من المجلس الشعبي
, فيعسكر كلًُ امام البركة التي تناسبه , يجلس يغني على ليلاه
ويطمع في صيد جيد , فهذا يشيع ان نشاطات زوعا ومنها مسيرة أكيتو
انما كان هدفها محصورا في استعراض لعضلات زوعا امام المجلس
الشعبي في عقر داره . وذاك في الجانب الاخر وجد ( عِلكته ) في
الفرصة الذهبية التي اتاحتها قناة عشتار الفضائية والمجلس الشعبي
من خلال اقدام الاولى على تجاهل المسيرة كليا وتصرف الثاني مع
بعض مستخدميه الذين شاركوا في المسيرة. ألا لابارك الله في زوعا
إن كان كل هدفه من مسيرة دهوك هو ( فلفلة ) المجلس الشعبي , وألا
لا بارك الله في المجلس الشعبي إذا كان مبتغاه وهدفه الاول
والرئيسي هو كيفية محاصرة زوعا و ربط الخناق حول رقبته.
لقد قلنا سابقا ونكررها اليوم , ان الواقعية السياسية و
التعامل مع حقائق الارض هي الطريق الوحيد لبناء جهد منظم يتفق
على المتوفر من القواسم ويدفع بحركة المجموع الى الافضل . لقد
وجد الزعماء الروحيون المتنورون في العالم , وبعد ألفي سنة , ان
صراع الاديان والحضارات الهادف الى اقصاء الضد هي عملية عبثية
واستنزاف للطاقات وانتهاك صارخ للمبادئ الشخصية فوصلوا الى قناعة
العمل لتأسيس قاعدة عامة لحوار الحضارات والاديان المبنية على
قبول الاخر والتعايش معه . تُرى هل ينبغي على شعبنا ان ينتظر
الفي سنة ليصل الى ذات الاكتشاف ويقتنع ان زوعا والمجلس الشعبي ,
بغض النظر عن كل اخطاء التاريخ وظروف التأسيس ونوايا الافراد ,
هما حقيقتان تُبصرهما اية عين سليمة , وقد اثبتت تجربة السنين
السابقة ما تقول به حكمة الحياة البسيطة في ان تصفيق اي من
الكفتين بمفردهما لايمكن ان يدوي , مهما كانت الجهود عظيمة , كما
يمكن ان يكون في حالة التقاء الكفتين معا.
ان القيادات السياسية في شعبنا تتحمل المسؤولية الاخلاقية
الاولى في تكميم هذه الاقلام المريضة , ليس هذا دعوة لممارسة
الارهاب الفكري بحقها وملاحقتها , بل من خلال فعل يرتقي الى
مستوى المسؤولية في هذه الظروف التاريخية , ومن حق شعبنا ان
يعتبر كل عجز عن الارتقاء الى ذلك الفعل مشاركة غير مباشرة في
عواقب تلك الاقلام او رعاية لها اوعلى الاقل تلذذا بما تقوم به
. ان تحشيد قناة عشتار لجهودها وامكانياتها وذهابها الى فيشخابور
مُسلًحة بالصاروخ العابر للقارات ( جنان ساوة ) كان رسالة واضحة
افتهمها الجميع على انها جاءت ردا لمسيرة أكيتو في دهوك .
هل يعي اصحاب الامر فينا خطورة عواقب اللعبة , فيستجمعوا كل
مقومات الشجاعة الكامنة فيهم وينفخوا بصافراتهم معلنين انتهاء
هذه المبارات بالتعادل والخروج ( حبايب 1-1 ) أم ان اصحاب اقلام
التشتت والتشرذم والاصطياد في المياة العكرة سيفلحون ايضا في
الذهاب بنا الى ركلات الجزاء الترجيحية الحاسمة , حيث يُتوًج
فيها الغالب مغلوبا مع شقيقه المغلوب الاخر . |