اقرأ المزيد...

 

wadeebatti@hotmail.com

 

الدكتور وديع بتي حنا


هذا لاعبنا السياسي مِن المأسي جابْ فرخة

080427

 في السويد , ومع العدو باتجاه فصل الصيف , حيث تبدأ درجات الحرارة بالارتفاع ويطول النهار وتقل ساعات الظلام, يجد الاطفال سعادتهم الحقيقية في وقت اضافي بعد انتهاء الدوام في مدارسهم ,للخروج الى الساحات والمتنزهات والملاعب, وقضاء سويعات  يستنشقون الهواء الطازج . وهكذا عاد طفلي , البالغ من العمر تسع سنوات , الى برنامجه اليومي في الخروج مع اصدقائه ليعود قبل الظلام , منتشيا مرتفع المعنويات , يعرف تفاصيل مهماته بعد  عودته , و المتضمنة حمًام ساخن ومراجعة مواد اليوم الدراسي التالي بانتظار العشاء ثم مشاهدة التلفزيون قليلا والنوم .

 الحمام , بالنسبة له , ذو طقوس خاصة حيث يشمل سماع سمفونية متعددة الاجزاء , ففي البداية يبدأ بتلاوة الصلوات التي اعتاد على تلاوتها في قداس الاحد باعتباره شماسا في الكنيسة , ثم ينتقل الى بعض المقاطع من الاغاني الاثورية والبرطلاوية التي يحفظها , ولانه وصل الى السويد وعمره ثلاث سنوات , فلم تسنح له الفرصة في تعلم العربية , بل بدأ في تعلمها هنا في السويد قبل فترة وجيزة , ولذلك فهو الان في مرحلة تعلم الحروف وبعض الكلمات البسيطة , لكنه انسجم كثيرا مع اغنية فرحة العراق ( لحسام الرسام ), التي لاقت شهرة كبيرة بعد فوز المنتخب العراقي بكرة القدم , وحفظها من كثر تكرارها دون ان يعي قسما من معاني كلماتها . لقد كان حقا ملفتا للنظر ان اسمع , بينما كنت اشاهد نشرة الاخبار , صوتا قادما من الحمام يغني بصوت جهوري ( هذا لاعبنا العراقي من المأسي جاب فرخة ) , فذهبت وقلت له منبها ان الصحيح هي ( فرحة بالحاء وليس فرخة بالخاء ) فأجابني وهو ينتشي بالماء الحار ( وهل هنالك فرق بين الحاء والخاء سوى نقطة واحدة , أمن أجل هذه النقطة اتعبت حالك وجئت الى الحمام ! ) . عُدت مبتسما الى متابعة اخبار الوطن ووجدت ان طفلي العزيز ربما كان يقصد لاعبنا السياسي , وليس لاعب منتخبنا الرياضي , وهو الذي يأتي لنا على الدوام بفراخ اقل ما توصف به انها ( كفراخ الجمعية ) لدى اخواننا المصريين, حتى ان هؤلاء اللاعبين السياسيين قد أرغمونا , من فرط خيبة الامل فيهم , الى ان نقتصر كل امانينا وطموحاتنا في فرخة يجتمع عليها الاحبة , وهكذا , لم يُخطئ إبني الصغير , فقد أصبحت فرختنا فرحة وفرحتنا فرخة !

 لا أحد يشك في عدالة الخالق , تبارك وتعالى , فيما اصاب و يصيب خليقته , افرادا وجماعات , من نِعم وتجارب . ففي الوقت الذي شاءت حكمته , جلً جلاله , ان تبتلي قبائل وشعوب بمخاطر ثورة البراكين التي تسكن تلك الشعوب والقبائل بالقرب من افواهها , كما أُبتليت شعوب اخرى بوقوعها تحت الخط الزلزالي , واخرى بالمجاعة والفقر وهكذا هلم جرا , كان نصيب العراق تجربة وبلوى من طراز خاص تتمثل في نخبته السياسية التي تتولى امور و شؤون ادارته وقيادته . ربما حسدنا البعض عندما راح يقارن بلواه وتجربته مع تجربة وبلوى العراق , ولكنه يقينا اعاد التفكير في نظرة الحسد , بل ربما انقلبت تلك الى شعور بالشفقة , عندما رأى و يرى اي ثمن دفعه ويدفعه العراق استحقاقا ليلوى النخبة السياسية التي أُبتليَ بها . فلقد بدأت بالظهور جليا اعراض هذه البلوى مع سقوط النظام الملكي وقيام النظام الجمهوري , وليس من الحياد والانصاف قط ان يحاول كائن من كان , بدافع العقد الشخصية في اغلب الاحوال , تلميع صورة اي من هذه العهود لان التالي هو وليد , بشكل من الاشكال , لمن سبقه , دون ان يعني هذا اننا لانتفق جميعا في ان صورة كل مرحلة من تلك المراحل قد تتباين في اسودادها وجرائمها واثارها وعواقبها عندما تدخل ساحة المقارنة النسبية مع شقيقاتها من تلك المراحل .

 ربما يكون من السذاجة ان يأمل المواطن خيرا من احتلال بلده , ومع ذلك , وفي لحظة غمرها الشعور العارم بالرغبة والامل في ان يتخلص الوطن من بلوى النخبة السياسية كرد فعل غاضب على الثمن الباهض المقدم على مدى عقود وعقود, اعتقد البعض , في تلك اللحظة , ان الاحتلال المتخم بالمساوئ ربما ستكون له ( حسنة ) واحدة وعلى افتراض حسن النية بحظوظها الضعيفة , في ان النخبة التي جاءت مع دباباته وهمراته والتي امضى معظم رموزها في دول الغرب فترة طويلة سمحت لهم بان يغرفوا , لو شائوا , من السمات الايجابية للعقلية السياسية الغربية , و التي تجعل من الشعور الوطني الفيصل في العمل السياسي , سيعرضون حقا نماذج من التصرف السياسي تعكس  ,كما يتوقع المنطق , الصورة التي تتناسب مع الاطار التي اتخذوه لانفسهم كشخصيات يدعي معظمها انها تملك شهادات عالية وخبرة كبيرة بالاضافة الى المعايشة والاحتكاك الدولي المشار اليه سابقا. نحن هنا كما قلنا نفترض حسن النية لدى الجميع في حوار هادئ ونُسقط جانبا كل حديث عن الخيانة والعمالة والتعاون مع الاجنبي على اساس ايجاد حل بسيط للمعادلة على اساس التثبيت الاني للمتغيرات الاخرى . لكن المتابع اليومي لاداء معظم العناوين السياسية العراقية التي برزت بعد الاحتلال يُصاب بخيبة امل كبيرة حيث لايرى مع هذه العناوين بصيصا شاحبا من الامل في نهاية النفق المظلم .

  فاذا اعتمدنا , مُكرهين , نظام المحاصصة المقيت , نرى ان التمثيل الشيعي لم يتمكن على الاطلاق تقمص دور السلطة الوطنية التي لايحوم حولها شبهات التبعية للاجنبي . يظهر في اغلب الاحيان عناوين هذا التمثيل وكأنهم (تُجار الفرصة ) الذين وجدوا انفسهم فجأة في السوق يتحكمون فيه ويدركون ان وجودهم فيه فرصة وقتية ينبغي عليهم استثمارها والاستعداد الدائم لمغادرة هذا السوق . لقد تمكنت العناوين الشيعية , وبنجاح كبير, ان تؤكد الانطباع لدى جمهور كبير من الشعب العراقي في ان دور المعارضة هو القدر الأسلم والأصوب لها وللاخرين.  اما التمثيل السني فهو يعيش تخبطا كبيرا, حيث انه ولحد الان لم يصحو من اثر الصدمة التي حلًت عليه كالصاعقة عندما وجد نفسه في موقع المعارضة , لقد لعب التمثيل السني العاجز دورا كبيرا في الاساءة لهذه الشريحة المهمة كونه قد ألصق بها الفشل في لعب دور المعارضة ليضاف الى تهمة الفشل في الحكم سابقا . لسنا هنا في معرض الحديث عن بعض العناوين في التمثيلين الشيعي والسني والتي تعمل تحت الخيمة العراقية الواحدة بعيدا عن روح المحاصصة لكنها  , اي هذه العناوين , وللأسف ليست جزءا رئيسيا في القرار التنفيذي او التشريعي الرسمي . اما التمثيل الكردي فليس من ينكر ان الافق السياسي واضح المعالم في اغلب العناوين السياسية الكردية التي اظهرت وتًظهر دهاء وشفافية في ممارسة اللعبة السياسية , إلا ان هذا الافق السياسي بقي على الدوام يعاني من تهمة النظرة اليه على انه افق تحدده المصالح القومية على حساب المصالح الوطنية , وهكذا يرى الكثيرون في بعض العناوين السياسية الكردية كالدكتور( برهم صالح ) مثلا على انه ( نوري السعيد ) المنحدر من اصول كردية. يبقى تمثيل شعبنا الذي يعاني كون البيئة السياسية التي انجبها الاحتلال ليست مناخا منعشا له , بل على العكس خانقا لفرصه , ناهيكم عن المستنقعات الداخلية التي وجد, او أدخل , نفسه بها بعد الاحتلال مما جعل ( فرخته السياسية ) تشكو من الهزال مع مرور الايام .

 و افترضنا جدلا تحقق احدى قصص الخيال المحكية , حيث يجمع الخالق , جلًت قدرته , الشعوب والقبائل ليلقي كل منها ( بلواه وهمومه ) على سجادة يجتمعون حولها , ثم يأمر كل منهم ان يختار ما يراه مناسبا وخفيفا فقرر في النهاية كل منهم ان يرضى ببلواه وهمٍه . بعد هذه التجارب المريرة والمأسي في العراق , ألا يذهب شعب العراق الى التخلي دون رجعة عن بلوى الابتلاء بالقادة ومقايضتها بالفقر وانعدام النفط , بل حتى ربما بالزلازل والبراكين , مَن يدري , ربما عند ذاك ستكون فرحتنا اكثر من مجرد فرخة , لكن المعضلة الرئيسية تبقى في مَن سيقبل ان يقايض وهو يرى ما حلً بالعراق !.

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها