فرقد ملكو وحسن فاشل وحديث المشاكل
كلما خرجت الاعلامية فرقد ملكو باطلالتها البهية وصوتها
المتميز , من على شاشة عشتار , اعادت بنا الذاكرة الى سنوات
سابقة , يوم كانت عوائل كثيرة تجتمع على ( صينية دولمة يوم
الجمعة ) وبرنامج ( رسالة نينوى الاسبوعية ) الذي كانت تقدمه
بنجاح السيدة ملكو , وكانت الفقرة المتميزة جدا في ذلك البرنامج
هي تلك اللقطة الكوميدية الساخرة التي تعالج احدى القضايا
الاجتماعية ويبدع في تمثيلها مجموعة من فناني الحدباء. لازلت
اتذكر احداها عندما يجلس اثنان في المقهى ويلعبان لعبة (الطاولي
) ويكون الممثل المبدع ( حسن فاشل ) حاضرا يتفرج على سير اللعبة
, ويأبى ان يبقى ساكتا لايتدخل في مجرياتها, وعندما يعرض عليه
احدهم مفتاح السيارة ثمنا لسكوته وجلوسه بهدوء نجده بعد برهة
ينفجر ( بعد ان انفقعت مرارته من اعتقاده ان اخطاء فادحة تُرتكب
في اللعبة ) فيرمي بمفتاح السيارة على الطاولة ويقول ما يعتقده
ويرتاح . منذ ايام وفكرة هذا المقال تدور في مخيلتي مثل جهاز
الرادار , ولكنني اتذكر معها عبارات العديد من الاصدقاء والمعارف
, ودعوتهم للكف عن البحث عن المشاكل , والاقتداء بالاخرين الذين
يبحثون عن الكتف في كل فج عميق فيتلذذوا بنهمه , و ركوب الموجة
والتمتع بنسائمها , ولكن ماذا ينفع الانسان لو ربح كتفا و خسر
نفسه!
سرد الكاتب العراقي حسن العلوي في احد لقاءاته التيلفزيونية قصة
استدعائه , و مجموعة اخرى من الاعلاميين , من قبل الرئيس الراحل
صدام حسين لتغطية سفرته الى الاهوار في نهاية السبعينات قبل ان
يتولى موقع الرئاسة بزمن قصير. يقول العلوي انهم سافروا بالقطار
واثناء الرحلة تبادلا الحديث ,فقال له الرئيس السابق , ان
بامكانه من الان وصاعدا , اي العلوي ,منح قلمه الحرية الكافية
ليعطي كلاً واستحقاقه , كما كان العلوي يطالب مرارا سابقا ويجابه
بالتريث. يضيف العلوي انه لم يجد صعوبة في فهم الرسالة فتلقفها
على الفور , وكتب بعد عودته الى بغداد في مجلة (ألف باء) التي
كان يرأس تحريرها وبالمانشيت قصة الساعات ( التي لااذكر عددها )
في الاهوار مع صدام حسين. يتبجح العلوي فيعتبر نفسه بفعل ذلك
التقرير انه اول من دشًن عملية تسويق الرئيس الراحل صدام حسين
لمنصب الرئاسة والموقع الرسمي الاول. ثم توالت التقارير والكتب
وكان احد ابرزها كتاب امير اسكندر ( صدام حسين – مناضلا ومفكرا
وانسانا ). ان نظرة ثاقبة فاحصة في الاجزاء الاربعة من المقابلة
التي اجراها الاستاذ الاعلامي وسام كاكو مع السيد سركيس اغاجان
تعيد للذاكرة ان هذه الاجزاء في اسلوبها المنهجي هي خميرة مركزة
من الكتاب المذكور. نرجو ان يرحمنا هواة الاصطياد في المياة
العكرة , والبارعون في اختيار وساداتهم ( على المودة) , بعدم
اللجوء الى تحريف غاية هذه السطور , حيث ليست الغاية اطلاقا وضع
الشخصيتين المذكورتين , اي الرئيس السابق والسيد اغاجان في ميزان
المقارنة , بل تكمن الغاية في الوصول الى اجابة حاسمة وعادلة
لتساؤل مشروع يتلخص في الاتي : هل ان قضية شعبنا بحاجة الى رمز
اوحد ؟ هل ان عملية التأليه تجعل شعبنا اقرب الى اهدافه , وتحمي
( بطريركنا السياسي) من الاحتراق ؟ مَن يقف خلف عملية التسويق و
التأليه هذه ؟ هل استلم هؤلاء الاشارة الخضراء كما استلم حسن
العلوي , أم انهم يتصرفون بدافع شخصي ينبع من حسن نية البعض منهم
واقتناعه بضرورته , خدمة لمسيرة واهداف شعبنا , بينما يمثل هذا
الدافع للبعض الاخرغايات في نفس يعقوب ادركها او يُمنًي النفس في
ادراكها !. شاهدت ,يوما ما , حوارا اجرته احدى فضائياتنا مع احد
رجالاتنا الدينية , وعندما هبً مقدم البرنامج بالتعريف بذلك
الضيف مستخدما كلمات ( الحبر الجليل العلامة المتبحر الخ) انتقده
وقاطعه الحبر الضيف قائلا ( , مهلا , على كيفك , اننا نحن
الشرقيون عاطفيون جدا وسريعون في إسباغ الصفات والدرجات ) , وذلك
تواضع مبعث فخر وتقدير, لكننا نتمنى ايضا على احبارنا وابائنا
الاجلاء ان يكيلوا بنفس المكيال , ويتقشًفوا قليلا في استخدامهم
لخزينهم الضخم من مستودع الاطراء وموهبتهم البارعة في وصف
الاخرين , ليس بخلا بالموصوف او حتى ,في اغلب الاحيان, اعتقادا
بعدم تناسق الصفة مع الموصوف , ولكن حماية للموصوف وحرصا على
استمرار دوره. حتى الرسل بشخص بطرس لم يقولوا للمسيح , له المجد
, وهم معه على الجبل ( سنصنع خيمة واحدة لك ) بل تمنوا ثلاث
خيمات , واحدة له وثانية لإيليا و اخرى لموسى على السواء.
مما لاشك فيه ان نتائج مادية ملموسة تفرض نفسها كحقائق على
الارض , باتت احدى السمات الايجابية للجهد الذي يشرف عليه السيد
اغاجان , ومن الطبيعي ان يرى الكثيرون في تلك النتائج الايجابية
دافعا عادلا لوصف المسبب فيها بما يستحق من صفات , وغالبا ما
يظهر هذا الوصف على شكل شعورعفوي يسقط تلقائيا من افواه وقلوب
البسطاء من الذين اصابتهم تلك النتائج الايجابية . اعتقد ,
باجتهاد اتمنى ان اكون مصيبا فيه , ان السمات البارزة في كاريزما
السيد اغاجان , المتمثلة في حرصه على الابتعادعن الاضواء
والكاميرا , والحرج حتى الاحمرار الواضح على وجهه كرد فعل لما
تسمع اذناه احيانا من عبارات, اضف الى ذلك , درايته السياسية
بشروط اللعبة وقوانينها ومساحة الحركة المسموحة في الملعب وتعدد
المنافسين والمراقبين و(العلاًسين ) والغيورين فيه , كل هذا
متزامنا في السياق نفسه مع الحرص الى ضرورة المحافظة على هذا
الجهد وتعزيزه وقطف افضل واكثر النتائج منه لمصلحة شعبنا واماله
واهدافه , جميع ماتقدم يترك السيد اغاجان يرى في مشاعر البسطاء
العفوية هذه تقديرا كافيا عرفانا بما يقوم به . انني اعتقد في
الوقت نفسه , وهو اجتهاد ايضا , ان اية محاولة من قبل الحاشية او
الماكنة الاعلامية في بلورة هذه المشاعر العفوية واعادة برمجتها
واستغلالها , تحت هذه الظروف , في صناعة الرمزستلحق الضرر بالرمز
والقضية على حد سواء , وفي التاريخ , ومنه لم ينشف بعد حبر
اوراقه , سلسلة من الشواهد تؤكد ذلك . ناهيكم عن ان كثيرين يرون
, في الدعوة الى توحيد الخطاب والجهد متزامنة وممزوجة مع صناعة
الرمز واختصار الاخرين , وجبة عسيرة الهظم .
ان الجهد الذي يقوم به السيد اغاجان اليوم ليس كما كان في
بداياته , بل انتقل الى مراحل متقدمة و حرجة , ليس ذلك بفعل
افرازات ادائه فقط , بل بفعل الظروف المحلية والوطنية المحيطة به
وتطوراتها . واذا كان هذا الجهد , ولحد الان , وبالرغم من
الشوائب الطافية فيه , يصب في محصلته ونتيجته العامة لصالح
شعبنا, فان المسؤولية تقع على الجميع في مؤازرة ومساندة هذا
الجهد حيثما يجد نقاط التلاقي معه , كما في التنبيه , راحة
للضمير على اقل تقدير, عندما يجد ان هذا الجهد , ربما بفعل مصالح
شخصية , يختار نقاط رخوة في هذه المناطق الحرجة ليضع قدمه , مما
سيؤدي الى نتائج كارثية على الجميع بدون استثناء. ان تقديم السيد
اغاجان , مع عدم نكران دوره وثقله وجهده,
على انه رمز اوحد يعني وضعه شخصيا وشعبنا في تلك النقطة الرخوة.
ان
الواقع والظرف لايسمحان ان نكرر قصة بَرَكة ابينا اسحق ليعقوب
وعيسو , بل على كل من يملك ان يمنح البركات في شعبنا ان يعلم ,
انه اذا كان يعقوب قد حازعلى بركته , باستحقاقه او بدهائه , فان
عليه ان يسبغ بركاته ايضا على عيسو واخوة عيسو الاخرين , فهو
عندما يفعل ذلك انما يصنع خيرا بيعقوب اولا ويحميه ويحمي شعبه ,
الذي هو شعب يعقوب وعيسو وجميع اخوتهم , ثانيا , وكتحصيل حاصل ,
يضع لبنة جوهرية في جدار وحدة شعبنا كهدف اسمى ...
|