المسيحيون والسندان الكردي والمطرقة
العربية
في
الوقت الذي يتقدم فيه السيد سركيس اغاجان , وهو الاب الروحي لمشروع الحكم
الذاتي لشعبنا المسيحي، بخطوات هادئة ومحسوبة في ماراثون تحقيق هذا الهدف
, نرى البعض من هواة لعبة البريد, التي هي احدى الالعاب المشهورة في
العاب الساحة والميدان , يطالبون بالحاح بحث الخطى والسير بعيون مقفلة
باقصى سرعة , فهم يعتقدون بضرورة اقتناص الفرصة وربح الزمن , متهمين من
لايشاطرهم ( شطارتهم ) بما تمكن خيالهم من اكتشافه من اتهامات , فهؤلاء
في نظرهم ( زوعاويون مشاغبون مرتدون) او ( كلدانا متطرفون ) او ( كوادرا
هي من بقايا النظام السابق لازالت تؤمن بنظام الحزب الواحد ) او (
مستقلون محافظون خائفون ) وغير ذلك من التصنيفات , كلُ ومايناسبه ,
فيضعون جميع هؤلاء على اقل تقدير في خانة العابثين بالمصلحة القومية , إن
لم يكن بعضهم قد نال من اؤلئك (الوطنيين) بطاقة سفرته مجانا الى مستنقع
الخيانة ! .
انها لمن السذاجة بمكان ان يعتقد هواة السياسة ومحترفيها ان اقتناص
الفرصة في السياسة في عالم اليوم اشبه بتمكن قطة ما من الاستحواذ على اية
قطعة لحم معروضة فتهرب وتتلذذ بها في احدى الزوايا, ان السياسة في عالم
اليوم ليست معادلة خطية بسيطة يرى اي مبتدئ ان حلها لايتطلب حهدا كبيرا,
وربما يكون هذا هو احد الاسباب الرئيسية في كثير من المطبات التي وقع
ويقع فيها السياسيون في العراق ممِن اعتقدوا ويعتقدون انهم بحاجة فقط الى
التفكير في الاوراق المكشوفة على الطاولة فتباغتهم العاصفة من المخفي
تحتها . ان السياسي الناجح يجب ان ينظر الى السياسة كونها معادلة معقدة ,
بل يضع في باله ان يحسب حسابا لمتغيرات يرى غير السياسي امكانية اهمالها.
هذا طبعا اذا كان هذا السياسي جزءا اصيلا من شعبه نذر نفسه من اجل مصلحته
, يتذكر على الدوام ان دفة القيادة هي امانة في عنقه كونها تعني مصير
الاف وملايين . اما من يعتقد ان دوره السياسي لايتعدى كونه وسيطا بين
طرفين في اية صفقة (شروة او بيعة) له نصيب مقرر فيها فهو محق في التصارع
مع الزمن لضمان نصيبه! انه لجدير بالاعتراف هنا في ان السيد سركيس اغاجان
قد اظهر دراية مشهودة في ظروف وتعقيدات اللعبة , ويعي تماما ان المسير
فوق حبل مشدود يتطلب اقصى درجات الموازنة , ولذلك نراه يتقدم بخطوات
مدروسة حذرة وتشير النتائج الى انها كانت موفقة , حيث اننا لم نسمع لحد
الان تصريحا رسميا شخصيا من السيد اغاجان يدعو فيه الى ضم سهل نينوى الى
اقليم كردستان مع العلم ان الجميع يعترف في ان السيد اغاجان له وجوده
وثقله الجماهيري في سهل نينوى , بينما ينبري سياسيون اخرون غير معروفين
في سهل نينوى ولاتملك احزابهم خمسة اشخاص فيه الى اعلان استراتيجية
احزابهم الرامية الى ضم السهل الى الاقليم , بل يقررون مصير السهل في
ندواتهم خارج العراق ولايجهدون انفسهم بعرض ارائهم وافكارهم اواعلانها
في لقاءات مشتركة مع سكان الارض.
لا اعتقد ان هنالك مواطنا سويا يرفض او يقف عائقا امام طريق شعبه في نيل
حقوقه ويرى في ان يتولى ابناء شعبه ادارة شؤونهم وتقرير مصيرهم في اي شكل
من اشكال الحكم الذاتي هي ظاهرة سلبية! , بل ان من ينادي باحترام حقوق
الانسان واشاعة مبدأ تكافؤ الفرص بما يضمن لاي مواطن فرصة قيادة او
المشاركة في قيادة اية مجموعة او شعب طالما يمتلك تلك المؤهلات يكون
كتحصيل حاصل غير مقتنع بتسليم مصيره في حاضره ومستقبله بقيادة لم يتم
اختيارها على تلك الاسس والمعايير, ولذلك نعتقد ان على البعض ان يكف في
مزايداته على الاخرين في مسالة الحرص على قضية شعبنا من خلال اختصار
الموقف من الحكم الذاتي بسؤال تتحدد الاجابة عليه ( بنعم او كلا ) . ان
تجارب الحياة تؤكد ان القرارات المصيرية لايمكن ان تبنى على اساس تبويس
اللحى او جبر الخواطر او ترك الامور للزمن , ولذلك نلاحظ في تنظيرات
البعض لموضوعة الحكم الذاتي انه يلقي جانبا بكمٍ هائل من المسائل
والقضايا الشائكة في اليات تنفيذه ليقررها الزمن مستقبلا وكل الذي يهمه
هو الاستعجال ولملمة الامور للوصول باقصى سرعة الى حفل الاعلان الرسمي .
لقد قلنا سابقا ونهمس ثانية في اذان هؤلاء االيوم في ان حفل اكليل الزواج
ليس نهاية الزواج بل حجر البداية في اساسه وبنائه , وعلى كل المخلصين
تقع مسؤولية توفيركل مقوماته وركائزه السليمة اولا, اما من يعتقد ان
بطاقة الدعوة الموجهة له هي فقط فرصة للترويح عن النفس وبضعة اقداح
(ومِزًات) , فذلك شأن اخر. وهاهي اثار التجربة نعيشها اليوم حيث نرى
الفوضى والمأسي في الشارع العراقي منذ اكثر من اربع اعوام والتي يمثل احد
اسبابها الرئيسية وصول ( لملوم ) مما كان يسمى سابقا بالمعارضة العراقية
الى التمثيل الرسمي للسلطة , حيث كانت اطراف هذا اللملوم يوحدها هدف واحد
هو معاداة واسقاط النظام وتختلف على كل ما هوغيره , او اضطر بعضها تحت
ظرف ما الى اعطاء وعود او محاكاة اطراف اخرى في ملفات معينة ليعود الان
محاولا التملص منها !
من جانب اخر فان العرب تقول ( رحم الله امرءٍ عرف قدر نفسه ) وعلى هذا
الاساس اعتقد ان وضع شعبنا المسيحي الراهن في العراق , وبالاخذ بنظر
الاعتبار الظروف الذاتية والموضوعية التي يعيشها والتي تُحيط به , لايسمح
كل ذلك بان يزايد احدنا بالقول والادعاء بان شعبنا يمثل احد اللاعبين
الرئيسيين في الخارطة السياسية العراقية الحالية , لانقول ذلك تبجحا او
شماتة بالنفس او إحباطا للمتحمسين بل اقرارا بحقائق مرة ملموسة على الارض
, فبيننا وبين ( المطبخ السياسي الاعلى ) مسافة نوعية , بل يتميز شعبنا
في الخارطة السياسية العراقية انه يتشابه مع الايزيديين والصابئة والشبك
في ان هذه الاقليات في العراق هي الوحيدة التي تفتقر الى ( مخدة او راعِ
) دولي , باستثناء بعض الصيحات التي تنطلق بين فترة واخرى من الفاتيكان
تطالب بايقاف الاعتداءات عليهم وضمان حقوقهم في المواطنة والحياة , على
عكس الاطياف القومية والمذهبية الاخرى حيث يتكأ كل منها على مخدته ,
ايرانية كانت ام امريكية ام عربية ام تركية . ان الامر يبدو اكثر مرارة
بما يسمح بدرجة اعلى من التوجس عندما تعجز هذه الاقليات وفي المقدمة منها
شعبنا المسيحي عن ممارسة دورها حتى كلاعب ثانوي في اللعبة السياسية
الوطنية لتصبح ورقة ضغط او مساومة لهذا الطرف او ذاك , وعندذلك تبدو
المخاوف كبيرة لان التواجد كرقم في سجلات ومحاضر المساومة والصفقات
السياسية يعني ضبابية اكثر كثافة في واقع و مستقبل ضبابي اصلا. ان
تفجيرات قره قوش ( بغديدي ) الاخيرة يجب ان يستنبط منها القائمون على
امور شعبنا دروسا اضافية اكثر من كونها حلقات اعتيادية في حلقات سسلسلة
العنف والارهاب التي يعيشها العراق في مختلف مدنه , كما ان فجوة الخلاف
تتسع يوما بعد يوم بين حكومة الاقليم والحكومة المركزية والدروس والنتائج
المستخلصة من تجارب التوافق والمساومات بين الحيتان الوطنية والدولية
الكبيرة تترك في النفس مخاوف جدية تجعلها لا تضع في البطن ( بطيخة صيفي )
كما يقول الاخوان المصريون , بالرغم من ان القيادة الكردية قد برهنت طوال
الفترة الماضية على مهارتها في الامساك بمفاتيح اللعبة , تحسب الحقل
والبيدر جيدا وتتجنب تقديم خسائر جوهرية , و ان القيادة الكردية التي
ابدت وتبدي حرصا مسؤولا تجاه شعبها ستكون بالتأكيد اكثر ترفعا في هذه
الظروف المعقدة والتي اكتسبت , شئنا ام ابينا مسمياتها ,من ان ترضى بوضع
الاخرين في السندان الكردي ليكونوا تحت مرمى المطرقة العربية , وعلى هذا
الاساس يسود الاعتقاد في ان القيادة الكردية تتعمد في اعطاء الاذن الصماء
للدعوات الحماسية التي يطلقها البعض بين الحين والاخر في المطالبة
بالاسراع في تنفيذ ضم سهل نينوى الى الاقليم , بل نكاد نجزم في ان هنالك
تناغما غير مقصود في الرؤى وتوافقا في النظرة الى الواقع وتطابقا في
تقييمه يُجمع عليه ويشترك حوله القيادة الكردية وسكان سهل نينوى على حد
سواء .
وفي كل الاحوال يبقى اهل شهداء قره قوش وذويهم وجيرانهم واهل ضحايا
وشهداء المناطق الاخرى في سهل نينوى , او بمعنى اخر سكنة السهل اليوم ,
هم اصحاب الكلمة الفصل في تقرير مصيرهم ومستقبلهم و كلمتهم الفصل هذه
ينبغي ان تخرج من قره قوش وتلكيف والقوش وبرطلة وتللسقف وغيرها وليس من
استوكهولم او باريس او اوسلو او ديترويت او غيرها , وخير مانفعله لهم هو
مناصرتهم ومساندتهم في اي قرار يتخذونه وان نكون صوتهم حيث لايصل صوتهم
او يكون مبحوحا , وعلى هذا الاساس ارى مع الاستاذ الفاضل جميل روفائيل ان
المجلس الشعبي الكلداني السرياني الاشوري الذي تاسس على نتائج مؤتمر
عنكاوة هو خطوة ايجابية , بالرغم من كل المأخذ عليها , خاصة بعد انضمام
بعض التشكيلات السياسية الصغيرة في شعبنا تحت لوائه فيكون اشبه ( بسوبر
ماركت ) عصري يمكن ان يكون عونا لشعبنا بتقديمه خطابا موحدا مبرمجا ,
فيختزل الى حد ما بعض اثار التشتت والتبعثر في الخطاب السياسي الذي
تسسببه بعض دكاكيننا واكشاكنا السياسية التي يسحب غالبا احدها بالطول
والاخر بالعرض.
الرحمة وجنات الخلد لشهداء قره قوش ( بغديدي ) ولكل ضحايا الفوضى والعنف
والارهاب في شعبنا و وطننا الجريح . اللهم إحم اهلنا من كل سوء وامنحنا
الفرصة لنكون عونا وسندا حقيقيا لهم , وإنهرنا عندما نزيغ عن الطريق
ونقيم انفسنا اوصياء عليهم . |