السيد
سركيس اغاجان ومزرعة تسمين القطط
د – وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com
بداية
, ليس المقصود بالسطور التالية التقليل من الجوانب الايجابية للجهد الذي يقوم
به السيد سركيس اغاجان لصالح شعبنا الكلداني السرياني الاشوري كما لاتستهدف
هذه السطور تلك الطبقات العديمة او المتدنية الدخل او المسحوقة التي تتلقى
دعما اقتصاديا من خلال برامج الرعاية الاجتماعية التي بادر السيد اغاجان
بانشائها , والحال نفسه ينطبق على اؤلئك الابطال الميامين الذين يقومون بواجب
الحراسات في مدننا وقرانا وهم على استعداد كامل لتقديم انفسهم فداء لاهلهم
فنراهم جاهزين على الدوام لاحباط اية محاولة دنيئة تستهدف تلك القرى والمدن
الامنة ولذلك فهم يستحقون تحية التقدير والثناء على دورهم البطولي هذا ,
فهؤلاء جميعا اي المشمولين بالرعاية الاجتماعية والعاملين في الحراسات يصف
نصيبهم احد الاصدقاء فيقول ان مايصلهم من ( قالب الثلج لايتعدى كوب الماء ) ,
لكن المقصود هو يقينا تلك الحلقات الوسطى والمتقدمة والنافذة المشرفة على
الادارة والصرف في برنامج السيد سركيس اغاجان اضافة الى اصحاب الدرجات الخاصة
فيه من رجال الدين والعلمانيين حيث تشير الاحاديث القادمة من الوطن ان
الرائحة قد باتت تزكم الانوف وان صيحات ( مْياو) التي تطلقها بعض القطط التي
لبرنامج السيد اغاجان الفضل في تسمينها قد اصبح يُسمع في الافاق وبات صداه
يرنَُ في الاذان , حتى في اوربا!
ما الفائدة
في ان تُجهد قناة عشتار نفسها بتقديم برامج جميلة للاطفال تغرز فيهم قيم
المحبة والعفة والصدق والوفاء ليعود البعض منهم الى بيته ويسمع ( خلسة او
علانية) الى ابيه او اخيه او قريبه وهو يحكي عن قصة ( شطارته و فهلوته او
شطارة الاخرين وفهلوتهم ) في اقتناص الفرصة , وما قيمة الفرح من تبليط شارع
او بناء مركز او قرية او حتى كنيسة عندما يكون الثمن في كل هذا خسارة نفر
معين كنتيجة لخسارته لنفسه! اي إحباط هذا عندما ترى البعض يُخطئ في تلاوة
ايات الكتاب المقدس في الوقت الذي تراه بارعا في الحديث عن اسعار البورصة
والبزنس ! ربما يقول قائل كفاك مزايدة فالعراق من شماله الى جنوبه ومن شرقه
الى غربه قد اصبح سوقا مجانية( للتسوق ) لمن تصل يداه او قدمه من كل البلدان
والاقوام والاجناس , ولكننا نحن ( الكلدان السريان الاشوريون ) ملح العراق
واذا فسد الملح فبماذا يُملَح ؟ لاتوجد اطلاقا فرصة جدية لبناء وطن على اسس
سليمة طالما ان شعار( الدنيا لمن غلب ) و دعوة الاخر في ان ( لايصير زوج
عندما تحين الفرصة ) بمعنى ان يلتهم من المال العام و ينخر في جسم الدولة ما
استطاع الى ذلك سبيلا هي الفلسفة الشائعة بين ابنائه لانه وبببساطة لايمكن ان
توجد قمة وسط بحر من الرذيلة. ثم لماذا يُسمى دخل الدولة وثروات الوطن
بالمال العام ؟ , أليس لانه ملك الجميع ! ربما يعاتب البعض الاخر محاولا
اتهامنا بقطع ارزاق الناس والرغبة في المشاغبة ولكن المراقبة الذاتية ثم
الاجتماعية ان غابت الاولى هي حجر الاساس في بناء مجتمع متحضر, فاذا كنت مثلا
تسوق سيارتك في السويد وكان احد اطفالك يلهو في السيارة بما يشير انه
لايستخدم حزام الامان فلا يدفعك الغرور للاعتقاد بخلو الشارع من مفرزة الشرطة
فتتجنب العقوبة لان هنالك احتمال كبير جدا ان يلجأ سائق السيارة التي بجانبك
او خلفك الى جهاز هاتفه الخلوي ويتصل بالشرطة للابلاغ عنك . وقفت في احدى
محطات تعبئة البنزين ولاحظت ان زجاجة السيارة الامامية ونوافذها بحاجة الى
رشة ماء لتحسين الرؤية ثم اصابني الطمع قليلا فرغبت في ان اسكب المتبقي في
سطل الماء على احد جوانب السيارة ولاحظني احد المارة فقال بعصبية ان هنالك
محلات خاصة لغسل السيارات يمكنك التوجه اليها, فاجبته بعصبية ايضا متسائلا عن
الضرر الذي الحقته به جراء رمي جانب السيارة بقليل من الماء , فقال لي انك لم
تُلحق بي اذى شخصي ولكنك تؤذي البيئة وانا جزء من هذه البيئة. هنالك دراسة
اقصادية تشير الى ان الدولار الواحد يمكن ان يربح ستة وثلاثين دولارا في
السنة اذا حالف صاحبه الحظ خلال تلك السنة فدخل في كل عملياته التجارية وخرج
منها رابحا, هذا في حالة الاستثمار والمخاطرة برأسمال ما في الفروع
الاقتصادية المختلفة , اما اذا كان الانسان لم يستثمر شيئا بمعنى لم يخاطر
بدرهم واحد من ماله الخاص ويشارك فقط بافكاره وادارته لبرامج معينة فان حاله
يشبه حال الموظف الذي يعمل بدخل معين يصبح من السهولة تحديد وضعه الاقتصادي
بدقة كبيرة. اما اذا كانت هدايا التكريم لبعض المبدعين واصحاب الدرجات الخاصة
تعبيرا عن التقدير لاعمالهم وتثمينا لنشاطاتهم قد اتجهت في بلادنا لتاخذ منحى
الهدايا المادية عوضا عن الهدايا العينية فان تلك الهدايا لايمكن ان تكون
دخلا يوميا او شهريا او حتى موسميا بل هي حالة استثنائية مرتبطة بفعل وظرف ما
ربما لاتتكرر في الحياة وان حدث وتكررت لمرات عديدة فسيكون لها حينئذ وصف
اخر. اثناء عملي مع احدى الشركات السويدية الكبيرة في عقد لفترة محدودة ولكون
مدير تلك الشركة من المهتمين بالبرامج النووية التسليحية والتطورات السياسية
في الشرق الاوسط , بالرغم من ان عمل الشركة لايمت بصلة الى الفيزياء النووية
, فقد تكونت بيننا علاقة وثيقة حيث كان في اوقات الفراغ وعندما نلتقي يطرح
بعض التساؤلات حول هذه المواضيع كما كنت اهدي له نسخا مما انشره باللغة
السويدية , وعندما حان موعد انتهاء العقد جاء يودعني مبتسما وبيده باقة ورد
ومجسَم صغير لاحدى منتجات الشركة. لقد اعتقد يقينا انه بباقة الورد تلك وذلك
المجسَم قد ادى واجب التكريم على احسن مايكون ولا اعتقد انه خطر في ذهنه اي
نوع من الهدايا المادية بل يقينا لايملك الجرأة لفعل ذلك لانه ببساطة يؤمن
انه بفعل ذلك يوجه اهانة كبيرة للمقابل.لا ادعي التميز او أهدف الدعاية من
خلال هذه الامثلة الشخصية لانني اؤمن ان مايشابهها يحدث يوميا مع الالاف في
بلدان ومناطق مختلفة . المعضلة الكبرى في مشكل الفساد الاداري في العراق انه
انتقل الى مرحلة متطورة جدا فلايحتاج الفرد ليستجمع قواه وجرأته بما يُتيح له
عرض ( هديته ) على صاحب الشأن لان هذا يطالب بها ويفاوض عليها جهرا بل و
يُريح المواطن في اغلب الاحيان فيخصمها من المبلغ الكلي مقدما ويستلم المواطن
حقوقه صافية ( مُرفقة بقبلة )!.
نعود مرة
اخرى الى التأكيد على الجوانب الايجابية لكثير من الانجازات التي تتحقق بفعل
الجهد الذي يقوم به السيد سركيس اغاجان ولكن هذا لايتناقض مع الدعوة الى وضع
الية اكثر دقة في التحكم بصنابير( حنفيات الاسالة ) حماية للبعض من انتفاخ
المعدة مما يعرض اصحابها الى حالة عدم التوازن , إن لم يكن الى انفجارها ,
اما اذا كان الاعتقاد ان التغاضي عن بعض الممارسات يدخل في باب هامش الخطأ في
عمل او تجربة ما, فان حبة زوان واحدة في سلة من الحنطة كافية لتسجل على تلك
السلة حكما قاسيا لاتستحقه. كما اثبتت التجربة ان الشراء المادي للولاء او
الاقتناع بنهج ما لايمكن التعويل عليه لمجابهة تحديات القادم من الايام , لان
ذلك يُدخل الشاري في مأزق كبير عندما تدق ساعة الحسم ويجد ان بضاعته قد
اصبحت جزءا من سوق النخاسة تتجه بوصلتها باتجاه من يدفع اكثر ومن تعتقد انه
باق في الساحة.
ان دقات
الناقوس وصيحات الأذان تُنبِه فقط الى موعد الصلاة وتدعو الناس الى فعل ذلك
ويبقى القرار مرهونا برغبة من يشاء.
أعرف انني قد
رميت نفسي مرة اخرى في حقل غزير بالالغام وأدرك ان البعض سيحدَُ اسنانه بعد
قرائته لهذه السطور لانه يعتقد انني قد ضربت الاشارة الحمراء وانتهكت قانون
المسافة مع بعض المحرمات والحجارة السوداء لكن الحق حقَُ رضي الناس أم غضبوا. |