إنه القاضي الأرجنتيني "أوكامبو".. الرعد القاصف للمجرمين
في كل أنحاء العالم.
"أوكا" – كما يسمونه في الأرجنتين – هو الناقوس الجديد
بعد نابليون وبوش.. الذي يدفش العرب، ويوقظهم من نومهم
الطويل في العسل.
"أوكا"، الملعون باللعنة العربية كما لُعن نابليون وبوش..
لأنه أزعجنا وأيقظنا من نومنا العميق الهانئ.
"أوكا"، الذي ولد قبل 56 سنة، وتخرج من جامعة بونس آيرس
في القانون، ثم أصبح أستاذاً في الجامعة نفسها، وعمره أقل من
30 سنة.
"أوكا"، الذي أصبح بعد عامين من تخرجه، أستاذاً زائراً في
جامعتي ستانفورد وهارفارد (أعظم الجامعات في العالم، وأرقاها،
وأهمها).
"أوكا"، الذي تم َّ اختياره رئيساً لفرع منظمة حقوق
الإنسان في أمريكا الجنوبية.
"أوكا"، الذي تمَّ تعيينه قاضياً اتحادياً استراتيجياً في
قضايا يشملها قانون الجزاء الدولي. فشمل نشاطه حقوق الإنسان،
ومكافحة الرشوة، والفساد.
"أوكا"، الذي يعمل على تحقيق إصدار قانون دولي يُلزم
الحكومات بحماية الصحافيين، بل ويأتي الى المحكمة الجنائية
الدولية بكل من يضطهدهم، أو يعمل على قتلهم، لأنه يعشق مهنة
الصحافة والعاملين فيها.
"أوكا"، المحقق الرئيسي في تسعينيات القرن الماضي بقضية من
سماهم "الزمرة العسكرية" في الأرجنتين، ممن قاموا بالفظائع
خلال الحكومات العسكرية من 1976 إلى 1980. فجاء بالمتهمين من
الداخل والخارج الى المحاكم في بونس آيرس، وزج بهم جميعاً
وراء القضبان.
"أوكا"، الذي استدعته حكومة التشيلي، وقام بالشيء نفسه ضد
من كانوا على رأس مخابراتها، وقاموا بعمليات تعذيب في حق
الآلاف من المواطنين، فزجّتهم تحقيقاته في السجون.
"أوكا"، يقوم اليوم بمطاردة الديكتاتور البشير، ونأمل أن
يُطارد، ويُلقي القبض على كل الدكتاتوريين العرب، واحداً بعد
الآخر.
-2-
هاج العالم العربي وماج بقرار المدعي العام مورينو
أوكامبو، إلقاء القبض على الرئيس السوداني عمر حسن البشير،
للتحقيق معه، ومع عصابته في ثبوت جرائمه البشعة في دارفور.
وكان الحزن والحيرة والدهشة، التي تلبّست البعض من أصحاب
الضمير الحي، تتلخص في هذا الهيجان والميجان، الذي ظهر في
العالم العربي، في حين التزم معظم العرب من حكام، وأحزاب
سياسية ودينية، ونقابات، وهيئات، واتحادات، وروابط، بما فيها
نقابة العاهرات، ورابطة بائعي ومروجي المخدرات، واتحاد
المفسدين العرب، وجمعيات الحشاشين، وأصحاب ميثاق الدعارة
الإعلامي، وغيرها من الهيئات العربية.. كل هؤلاء التزموا
الصمت التام المطبق، وأغلقوا أفواههم بقفول ضخمة، ومنهم من
قطع لسانه، ورماه للكلاب، خوفاً على حياته – ومنهم أنا الذي
يتفلسف اليوم، ويتكلم لأول مرة عن مأساة دارفور وجرائم
البشير، وكذلك كل الذين يكتبون اليوم عن مأساة دارفور لأول
مرة، حتى لا تفوتهم زفة الزول البشير - كل هؤلاء التزموا
الصمت، حيال ما كان يجري يومياً من مذابح في دارفور المنكوبة،
كما التزموا الصمت ذاته، على ما كان يجري كردستان وجنوب
العراق أيام صدام، وما كان يجري في البوسنة والهرسك، ومناطق
منكوبة أخرى من العالم، بينما كان ضمير العالم يتحرك ويصرخ،
ويحاسب ويعاقب، وإن كان حتى الآن لم يحاسب ويعاقب جميع
المجرمين في العالم.
فلكل ساعته، ولكل ميقاته.
-3-
وعمر البشير، الذي يتباكي عليه الزعماء العرب المزعومون
اليوم، كما تتباكى عليه مجموعة من الإعلاميين، من بائعي فجل
الكلام في سوق الخضار العربي، وتتباكي عليه بعض الفضائيات
التي تتبنى الإرهاب في العالم العربي بكل أشكاله وألوانه
باسم المقاومة الشريفة، سواء في دارفور، أو في العراق، أو في
أفغانستان، أو في أي مكان أخر من العالم العربي.. هذا البشير
هو الجلاد الأحمق، الذي لم يرعوِ، ولم يرتدع، لا من تحذير
الشرعية الدولية، ولا من الرأي العام العالمي، الذي كان ينظر
إلى مذابح دارفور كأكبر الكوارث الإنسانية التي حلت
بالإنسانية، بعد الكوارث النازية والفاشية.
والبشير، هو من حوّل الفرد السوداني الوديع، والطيب،
والرقيق، والبسيط، والنبيل، إلى مجرم ووحش وكاسر، في صورة
شيطان، يسرق، وينهب، ويقتل، ويغتصب نساء دارفور، دون خوف أو
خشية، من وعد أو وعيد، أو من حساب وعقاب.
-4-
واليوم، تأتي الجامعة العربية ونادلها عمرو موسى، ليكون
حلاّل العُقد، والساحر الماهر، أبو البيضة والحجر، وحمامة
السلام بين المجرم والقاضي، وبين العدالة والإجرام.
واليوم، يتفتّق العقل السياسي العربي، في الجامعة العربية،
عن اقتراح مَخرج، لتهريب عمر البشير من قبضة العدالة، بدل أن
يعمل على تسليمه للعدالة.. ليثبت العرب للعالم بأنهم أمة
فاضلة، ونبيلة، ومحبة للسلام والعدالة.
والمضحك المبكي، أن أكثر السياسيين المتحمسين لخطة هروب
البشير من قبضة العدالة، هم الذي يمثلون حكومات طاغية،
ومستبدة، ومجرمة كحكومة البشير.
فهؤلاء يخشون على رؤسائهم من مصير تعيس كمصير البشير. كما
خشوا في السابق على مصير تعيس كمصير صدام حسين، فحاربوا
العراق وشعب العراق بشتى الوسائل، وأرسلوا له قوافل الإرهاب.
ولكن العدالة قادمة، وإن كانت تأتي بطيئة، وتتأخر بعض
الوقت، حتى ليحسب المجرمون، أنها لن تطالهم، وهم كاذبون
وواهمون.
-5-
لو كان في العالم العربي شرفٌ، وذمةٌ، وفضيلةٌ، وعدالةٌ،
وكل قيم الخير والمحبة والسلام، لبادر هذا العالم إلى محاكمة
البشير في "محكمة العدل العربية العليا"، التي نحلم بها منذ
سنوات، على جرائمه في دارفور، بدل هذه الفضيحة المدوية
والبهدلة الدولية. ولحاكم العرب آخرين على جرائمهم في لوكربي،
وفي السجون السورية، والعراقية، وفي كل السجون العربية
المليئة بالمعارضة، وأصحاب الرأي والرأي الآخر. ولما كنا
بحاجة إلى قاض كمورينو أوكامبو.
أما وقد خلا العالم العربي من العدل والعادلين، ومن الحق
وأهله، ومن الشجاعة والشجعان، وامتلأ بالجبناء، والمزورين
للحقيقة، فمن حق المحاكم الجنائية الشرعية الدولية وقضاتها،
أن يتحركوا، ويضعوا نهاية لإلحاق الموت والكوارث بالبشر
والبشرية، ونحن نتفرج عليهم، ولا نملك غير تهريب، وتغييب،
وتبرئة المجرمين من جرائمهم، كما حصل في السابق لصدام حسين،
والقذافي، والأسد الغائب، والأسد الحاضر، وغيرهم من أصحاب
فضائل الإجرام في العرب الأغنام.
ولكن سيظل بيننا أحرار، وألسنة صادقة، تقول لضمير العالم
الحر:
خذوهم.. فغلّوهم.. وفي الجحيم ألقوهم.
السلام عليكم.