-1-
الدهاء السياسي الذي امتاز به اللاعبون الإقليميون
والدوليون، فيما أُطلق عليه "الاجتياح الإلهي" لبيروت والجبل
تمَّ، وشرب المقلب "حزب الله" والمعارضة اللبنانية. وكانت
الموالاة اللبنانية هي التي لعبت "الضرب" (الضرب هنا بمعنى "المقلب"
في العامية اللبنانية) والمعارضة أكلته.
فالرأي يقول، أن الموالاة منذ عام 2005، ومنذ صدور قرار
مجلس الأمن 1559 بضرورة تسليم جميع أسلحة المليشيات إلى
الجيش اللبناني، وهي تفكر، وتدبر، وترفع، وتنزل، وتشيل، وتحط،
لكي تبحث عن مقلب أو ضرب، تستطيع من خلاله أن تثبت بالبرهان
القاطع الدامغ، أن سلاح "حزب الله" ليس سلاحاً مقاوماً فقط،
ولكنه سلاح يمكن استخدامه في الداخل، وضد الطرف السياسي
الآخر، على عكس ما كان يقول "حزب الله"، ويردد ليلاً نهاراً،
لكي يدرأ عنه شُبهة استخدام هذا السلاح في الأغراض السياسية،
والقيام بمهاجمة الفريق الآخر. فيقابل القرار السياسي بقرار
عسكري مسلح.
-2-
وتفتق ذكاء الموالاة عن التحرش بحزب الله تحرشاً يثيره
ويستفزّه، ويُغلي الدم في عروقه، ويدفعه إلى رد فعل عسكري
عنيف. وهكذا كان. فتمّ صدور قرارين. الأول، بنقل مدير أمن
المطار الشيعي إلى الجيش لسكوته على نصب كاميرات تلفزيونية
في المدرج 17 المخصص لطائرات كبار الزوار. والثاني إلغاء
نظام الاتصالات الذي أقامه "حزب الله" في مناطقه، التي أصبحت
دولة داخل دولة، وجمهورية إسلامية فقيهية داخل جمهورية
علمانية مدنية. ولكن "حزب الله" برعونة شديدة، وبشبق سياسي
هائج، وقف بشخص زعيمه نصر الله في اليوم التالي، وأعلن في
مؤتمر صحافي بوجوب إلغاء هذين القرارين وإلا فالمعركة. فرحبت
الحكومة والموالاة بالمعركة، وبالمعركة من طرف واحد خفيةً؛
أي أن تقوم المعارضة وعلى رأسها "حزب الله" و"حركة أمل"
بمعركة دونكشوتية، تحارب فيها طواحين الهواء. ولكي تبلغ
الموالاة حدا كبيراً في الدهاء والذكاء، أصرت على هذين
القرارين، وهي ترى نصر الله في اليوم التالي يُرغي، ويزبّد،
ويُكشّر عن أنيابه استعداداً لشرب دماء فرائسه. وصدرت
الأوامر العليا من القيادات لكافة فصائل الموالاة بعدم الرد
على قوات "حزب الله"، والظهور بمظهر المستعضفين، العُزَّل،
المسالمين، لكي يغروا قوات "حزب الله" و"حركة أمل" بمزيد من
سفك الدماء، والظهور بمظهر القوة العسكرية الشرسة، الغالبة،
الوحيدة في لبنان، وهو ما هدفت إليه الموالاة، التي ظهرت
عناصرها بمظهر القطط العمياء أمام الفهود والذئاب الكاسحة.
وشاهد اللبنانيون والعرب والعالم كله على شاشات التلفزيون،
سلاح "حزب الله" المقدس والإلهي، وهو يقتل المواطنين
اللبنانيين ويعتدي على المراكز الإعلامية، ويُسكت الكلمة
بقوة السلاح، وهو ما كانت تريد وتتمنى الموالاة أن يراه
الشعب اللبناني والشعب العربي والعالم كله بالصوت والصورة.
-3-
ومن شدة غباء
المعارضة اللبنانية، أن الحكومة اللبنانية، كانت تعلم منذ
تمَّ اغتيال الحريري، وانسحاب سوريا من لبنان، أن هناك
كاميرات منصوبة على المدرج 17 بالمطار، وأن هناك شبكة
اتصالات خاصة لحزب الله. ولكنها قبضت على هذين المظهرين
المخالفين للشريعة وللدولة اللبنانية من قبل حزب الله للحظة
المناسبة. وكانت اللحظة المناسبة هي الخميس الماضي 8/5/2008.
-4-
ماذا بعد هذا كله؟
الموالاة ربحت المعركة بامتياز، وهي الرابح الأكبر في ظني،
على عكس ما يقوله بعض البلهاء من المعلقين الذين أكلوا
الضرب(المقلب) أيضاً، الذي أكلته المعارضة اللبنانية،
و(تحالوا) كما (تتحالى) الصلعاء بشعر جارتها.
وخرجت المعارضة، و"حزب الله"، و"حركة" أمل" من هذه المعركة
خاسرين خسارة أبدية، لا تعوّض بكل مال إيران، ومخابرات سوريا،
ودهائها السياسي المعروف.
واللاعبون الإقليميون المتبنيين للموالاة، ربحوا هذه المعركة،
ليس بقوة السلاح ولكن بالحنكة، وبقوة الدهاء السياسي. وكذلك
ربحت معهم القوى الدولية، وعلى رأسها أمريكا، وفرنسا، وباقي
الدول الأوروبية المؤيدة لهم.
والخاسرون هم سوريا، وإيران، وباقي الدول العربية المؤيدة
لهم.
وغداً ستقف أمريكا والدول الأوروبية، وتطلب من مجلس الأمن
قراراً جديداً، على ضوء ما حدث مؤخراً في لبنان بنزع "حزب
الله" أو تفويضها بهذا النزع بالقوة. فقد انبلج الصبح، وبانت
الحقيقة، ووقف "حزب الله" عارياً أمام العرب والعالم، ولن
ينفعه جملة نصر الله السفسطائية "إن السلاح استخدم لصون سلاح
المقاومة".
وقبل هؤلاء، سيطالب الشعب اللبناني والعربي من ورائه، لأن
يُسلّم حزب الله سلاحه للجيش اللبناني، هو وبقية المليشيات
الأخرى، حتى لا يتحوّل لبنان إلى جحيم آخر، ويتحوّل الجميع
إلى سياسيين فقط، ويكون الجيش اللبناني هو الوحيد المكلف
بالدفاع عن الوطن.
أما أن يكون في لبنان جيش آخر سياسي، إذا اختلف مع أي حزب
سياسي آخر رفع السلاح في وجهه، فهذا ما لا يقبله اللبنانيون،
والعرب، والشرعية الدولية، التي تقف حارسه ومتصيّدة لمثل هذه
الحالات.
وكل مقلب والجميع بخير.
وصحتين على من أكلوه وشربوه.
السلام عليكم.