اقرأ المزيد...

سعيد علم الدين

 كاتب لبناني. برلين

2010.09.15  

بان كي موني: المحكمة مستمرة!

وكان لا بد من كلمة فصل في موضوع المحكمة الدولية لمن يستحقها بجدارة من بعض ساسةِ لبنانَ الثَّمانِ آذاريين:

المرعدين المزمجرين بجبروت العظمة والغرور وصوت القوة والفجور وقرقعة السلاح الإيراني المكين،

المرعِبين المهددين من وراء الشاشات بين الحين والحين بوجه القمطرير ورفع سبابة اليد اليمين ،

الساخطين المنذرين بضرب الاستقرار وفشكلة الازدهار واشعال وسط بيروت بالنار ومعه سوليدر بالكاز والبنزين،

الملوحين فرحين مهللين منبطحين مصفقين لعودة الشقيقة الكبرى الى ديار الأرز والتين لاستطلاع خفايا مغارة جعيتا واحتلال قمم جبل صنين،

المثرثرين بغزارة الرشاش من وراء المنابر بعد قبض المعاش بالقبض بالجملة والمفرق على الآذاريين المتأمركين، ووضعهم في أكياسِ الطحين،  او صناديق السيارات او الأقفاص والزنانزين وزجهم في المعتقلات أجمعين، او تسفيرهم بالشخاتير بلا سراويل وفساتين الى بلاد الصين، او رميهم بالمقابر الجماعية والصلاة على ارواحهم آمين،

المستعجلين في عقد المؤتمرات الصحفية على وقع الأغاني الحماسية وقرع الطبول البرتقالية، والمارشات العسكرية وكلمة السر الثورجية والأوامر الماوراء حدودية،

المتوعدين بالويل والثبور وعظائم الأمور وخلق الشرور وفتح الملفات بسفور ومنها ملف شهود الزور الذي اصبح له في لبنان المغدور افضلية المرور ليحقق لهم المغانم والمكاسب والأحلام على الثكالى والأرامل والأيتام، ويجلب لهم الغبطة والقهقهة والسرور بصفقة العصر للخروج من الجارور.

والجارور وما ادراك ما الجارور؟

انه قرارٌ ظنيٌّ في المحكمة مُنْتَظَرِ الظهور.

الحالمين بإلغاء المحكمة الدولية، وكأنها طفلة شقية بنت عهر او لعبة كواليس خفية لعبتها القوى الإفرنجية على طاولة الروليت الروسية في ليلة ظلماء بالطرق الملتوية ليزجوا بها لبنان الصغير صاحب مشروع الشرق الاوسط الكبير في الفتنة المذهبية، والتخبط والفوضى والشقاء والتعتير، والقعود الى الابد حافي القدمين على الحصير.

فمرشد الجمهورية القائد الملهم العظيم وقاهر التنين، او قل هنيبعل القرن الواحد والعشرين له الطلة تلو الطلات ليهاجم المحكمة الدولية ويشن عليها الحملات عبر الشاشات متهما إياها دون دليل بفبركة الملفات وتوجيه فوهات منجنيقها الورقي الى صدور المقاومين الشرفاء خدمة لمشاريع أمريكا وتنفيذا لمخططات اسرائيل، وفي حقيبته السوداء شرائط وصور وتسجيلات جهزت بأبرع الطرق وأحدث المعدات ومجلدات من النعوت والأوصاف الجاهزة لاسكات كل من يطالب بكشف الحقيقة على ما طبخ للبنان من مؤامرات وما حل به من مآس وويلات وانفجارات واغتيالات.

والنائب محمد رعد حمل ملف شهود الزور تحت ابطه أي تأبطه زورا يريد من خلاله تزوير المحكمة بالذات وتحويلها الى ملهاة.

اما جميل السيد اللواء السابق الذي كان في عهد الوصاية البعثية سيد الأسياد، والذي كان اول المضللين بارساله شريط ابو  عدس الى قناة القرضاوي،  فقد اقسم بشرفة الذي سيراق على جوانبه الدم اذا سعد الحريري لم يستسلم ويرفع الراية البيضاء، ويدفع تعويضا له 15 مليون دولار من دولارات الشرق الاوسط الكبير ويلغي المحكمة دون تأخير، فإنه قد أنذر  ومعه منكر ونكير بأن سعد الحريري عرضة في أي لحظة للتسفير.

وما ان صرح الشيخ سعد الحريري عن اسقاط الاتهام السياسي عن النظام السوري حتى ارتفعت الأصوات واشرأبت الأعناق وانفرجت الأسارير مطالبة بالمزيد من التنازلات والغاء المحكمة الدولية بالتحديد.

وهنا كان لا بد من تدخل صاحب الكلمة الفصل في حقيقة هذا الأمر  الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الذي اكد الاثنين 13 أيلول 2010، بأن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان:

"ينبغي أن تواصل عملها". وأضاف في مؤتمر صحافي رداً على سؤال حول ما اذا كان مصير المحكمة على المحكّ بعد اعلان الرئيس سعد الحريري أخيرًا ان اتهام سوريا باغتيال والده كان "خطأ"، بالقول:

"أنا لا أتفق مع أي توصيف بأن مستقبل هذه المحكمة على المحك أو في خطر".

مؤكدا استمرارية المحكمة خذلا لكل ابطال الطلات التلفزيونية وزعماء التصريحات الصاروخية وعقد المؤتمرات الغوغائية واثارة النعرات الطائفية بالقول بأن:

"المحكمة الخاصة تعمل وتحرز تقدّماً، حيث انها تقع في اطار عملية قضائية مستقلة لذلك لا ينبغي أن تكون مرتبطة بأيّ تصريحات سياسية أياّ كان قائلها". غامزا في الوقت نفسه من قناة صاحب الطلات المتكررة في النيل من صدقية المحكمة بالقول:

"ومهما قيل من أي شخص يجب أن تواصل المحكمة عملها حسب التكليف الصادر عن مجلس الأمن"

ولو يا معلم بان كي مون!

وهل مرشد الجمهورية أي شخص؟

وهل برتقالي لبنان أي شخص؟

وهل قنديل لبنان أي شخص؟

وهل وئام الفلتان أي شخص؟  

بان لم يتأثر بهؤلاء الشخوص الشاخصة لافتا نظر الثَّمانِ آذارِيين المستنفرين:

بأن العملية جد الجد وليست مزاح ولعب وان:

"الدول الأعضاء في الامم المتحدة قد قرروا بالفعل التحقيق في عملية الاغتيال تلك، وجاء انشاء المحكمة من قبل مجلس الأمن حيث استثمر فيها الكثير من الوقت والطاقة والموارد لذلك يجب ان تحدد تلك المحكمة موقفها في هذا الشأن".

أي بعد صرف كل هذا الوقت والموارد الجهد والتضحيات، ماذا يريد صاحب الطلات التلفزيونية المتكررة؟

يريد إلغاءها حفاظا على السلم العالمي وتحويلها الى مسخرة للأحياء ومقبرة جماعية للشهداء، أي محكمة لبنانية عضومية يركِّبُ فيها جميل السيد كما كان يفعل سابقا الملفات دون جهد وعناء. كيف لا وله في هذا المضمار خبرة طويلة والف باع.

وتأكيدا على استقلالية المحكمة وعدم قدرته في التاثير عليها اجاب بان، رداً على سؤال آخر:

"إنني لست في وضع يمكنني من قول أي شيء حول الموضوع الذي يقع الآن قيد التحقيق، لذلك فانني لن أدلي بأي تعليق ازاء ذلك".

 وكانت قوى 8 آذار قد قدمت طلبا رسميا الى الامم المتحدة بإلغاء المحكمة الدولية وتحويلها الى محكمة قرقوشية عضومية لبنانية. كلام بان يعتبر رفضا غير مباشر لطلبهم الذي لن يؤخذ من مجلس الأمن بعين الاعتبار لهزليته ومعرفة دوافعه وعدم واقعيته وفقدان مصداقيته.

وما كان من النائب البعثي الثامن آذاري مروان فارس الى أن امتطى جواد الكلمة قائلا:

"أن القضاء اللبناني معني بكشف هذا الملف لأن جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري حصلت على الاراضي اللبنانية."

مؤكدا: "لسنا متحمسين كثيراً للمحكمة الدولية، فليقم القضاء اللبناني بدوره، ويجب أن تزول المحكمة الدولية، لانها عبء على لبنان، وليكن الامر بيد القضاء اللبناني".

الانفجارات والاغتيالات وتعطيل البلد اكثر من سنة ونصف وقبلهم حرب تموز الكارثية وبعدهم احتلال بيروت الأبية كل ذلك الذي كلف عشرات المليارات من الخسائر دون ان تستطيع الدولة اللبنانية محاكمة احدا من المجرمين، لم يكن بنظر النائب الثامن اذاري عبأً على البلد. اما كشف الحقيقة عبر المحكمة الدولية النزيهة والمستقلة والتي لن تكلف لبنان سوى بضعة ملايين صارت حصرما بعين النائب وعلقما في حلقه.

المحكمة الدولية صوتها الخافت الهادئ هو الفاعل وصراخكم وعويلكم وضجيجكم هو الزائل.

الحقيقة ان كل الثمان آذاريين لا يريدون المحكمة لان منهم المتورطون!

 

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها