اقرأ المزيد...

سعيد علم الدين

 كاتب لبناني. برلين

 2010.08.13

قرائن نصر الله ستورطه أكثر(2) الأخير

موضوع الاغتيال:

كما اسلفنا في الجزء الأول من هذا المقال، فإن نصرالله في مؤتمرة قد كشف عن واقعة مهمة ذي دلالات مفيدة لكشف الحقيقة، ربما المحكمة الدولية سهت عنها لقدم تاريخها ولم تاخذها بعين الاعتبار، الا ان  نصرلله قد ايقظها من سباتها، ولهذا ستتلقفها المحكمة الآن بالفحص والتمحيص والربط مع مجرى الأحداث، بعد ان جاءت على لسانه في سياق عملية اغتيال الحريري.

حيث كشف لنا ابو الثارات عن ثأر قديم يعتمل في صدره حقدا ضد الشهيد الحريري تحديداً بسبب حادثة 13 أيلول 1993 التى أُطلق فيها النار على متظاهرين تابعين للحزب وسقط منهم البعض، وقد كانت الحكومة برئاسة الرئيس رفيق الحريري.

ويتابع نصر الله " ما أدى إلى خلاف سياسي وشخصي مع الرئيس الحريري الكل يعرفه".  

هذا الخلاف القديم عام 93 أسس لخلاف استراتيجي جديد عام 2004 بين الحريري الذي وقف ضد التمديد مع قرنة شهوان وآخرين وبين سوريا وحزب الله ومن ورائهما إيران في فرض التمديد للحود.

المشكلة هنا ان الحريري تحت ضغط رئيس النظام السوري وافق على التمديد. ولكن وفي نفس الوقت ودعما لموقف الحريري من وراء الستار بدأت فرنسا وامريكا في التحضير للقرار 1559 الذي اخرج الجيش السوري من لبنان وطالب بنزع سلاح كل الميليشيات ومنها حزب الله وفرض سيادة السلطة اللبنانية على كافة اراضيها.

وهنا اريد لفت الانتباه الى مقارنة مهمة جدا لعبت دورا اساسيا في تسهيل عملية الاغتيال. وهي التالي:

بعد حادثة 93 التي ذكرها نصرالله والتي خرجت يومها رائحة اغتيال رفيق الحريري ثأرا للقتلى من جماعة الحزب وظهر فيها اسم عماد مغنية كمدبر للعملية، ( ومن يأكل ثوم بتطلع ريحتو) كان يومها الحريري محصنا بمظلة أمان من قبل حافظ الاسد وممثله في لبنان اللواء غازي كنعان. أي انه من المستحيل ان يقدم حزب الله على عملية متهورة كهذه يقف فيها وجها لوجه في معاداة النظام السوري، الذي يستطيع سحقه وقطع شريانه في أي لحظة وحتى اليوم.

ولهذا فلقد نام نصرالله على ثأره منتظرا الوقت المناسب.

هذا الوقت المناسب جاءه في خريف عام 2004 على طبق القرار الاممي 1559 متهما بصياغته الوزير مروان حمادة واصداره لرفيق الحريري عبر صديقه الرئيس الفرنسي السابق شيراك مدعوما من الرئيس الامريكي السابق جورج بوش. ولا عجب بعد اصدار القرار بشهر ان يتعرض الشهيد الحي مروان حمادة الى عملية اغتيال نجا منها باعجوبة تبعتها عملية الاغتيال الحاقدة الكبرى الذي ذهب ضحيتها رفيق الحريري ورفاقه. لماذا؟

لان رفيق الحريري في عهد بشار الاسد فقد مظلة الأمان التي كان يتمتع بها حافظ الاب وما زيارة وليد المعلم ورستم غزالي للحريري قبل ايام من اغتياله الا زيارات تمويهية تاكيدا على ان حزب الله قد حصل على الضوء الأخضر ليشفي غليله من زعيم كبير يقف شامخا في وجه المد الإيراني في لبنان والمنطقة.

وفي سياق هذا الموضوع تم اغتيال غازي كنعان في مكتبه في دمشق وتم اغتيال عماد مغنية في سيارته في دمشق.

هذا كله تحليل سياسي الا انه ينسجم مع تطورات الاحداث.

الثاني: موضوع طحن العظام

التي مارسته المخابرات السورية وقد اشار له نصر الله معترفا بذلك.

واذا كانت المخابرات السورية تطحن عظام اللبنانيين، فلماذا تهدي للطحان رستم غزالي بندقية المقاومة يا شيخ المقاومين؟

هل لأنه غض النظر او ربما شارك معك في اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري؟

جميل ان يعترف هنا نصرالله بان المخابرات السورية تطحن العظام. هذا تطور مهم جدا للبننته ولبننة حزبه الإيراني.

ولكن عجبا اذا كان الشيخ المقاومجي ابو هادي يعرف ان النظام السوري طحن عظام اللبنانين ومنهم القيادي في "حزب الله" علي ديب، فلماذا شكره في مظاهرة 8 اذار 2005 الرعناء ودم شهداء مجزرة الاغتيال الوحشية في حفرة عين المريسة التي هزت العالم لم يجف بعدا؟

لو عند المقاومجي حسن نصرالله مثقال ذرة من الكرامة الوطنية اللبنانية والعربية لما دعى الى مظاهرة شكرا سوريا الاسد. على ماذا تشكر؟ على طحن المخابرات السورية لعظام  اللبنانيين والفلسطينيين والسوريين والعراقيين والأردنيين وغيرهم من شعوب امة عربية واحدة ذات رسالة بعثية فاسدة؟

ومنذ خروج الجيش السوري يعاني الشعب اللبناني من تعديات واستفزازات وارهاب وانفجارات واغتيالات ليستطيع حزب الله الاستيلاء على القرار اللبناني وبالتالي رفض المحكمة الدولية.

وجماعة سوريا وايران يهددون علنا بذلك.

امام كل هذه الاحداث العظام والمدمرة للكيان والمهجرة للاحبة والقاتلة للابرياء ودون ادنى شعور من جماعة النظام السوري وعملاء ايران، بمعاناة اللبنانيين لا بد وان يرتمي البعض في احضان العدو في سبيل خلاص لبنان من هذا السرطان السوري الايراني.

اكرر هذا تحليل سياسي وانا ارفض رفضا قاطعا ما قام به هؤلاء العملاء وتحت أي ذريعة. اريد ان اذكر هنا انني كنت في منتصف الثمانينات مع شيخ لبناني مسلم ملتح في جلسة مع بعض الالمان من منظمة العفو الدولية. وكان هذا الشخص قد خطفته المخابرات السورية واحتجزته اكثر من سنة. وانا كنت اترجم لهم قصة خطفه. ومما قاله ان اسرائيل افضل من سوريا. لقد صدمت من قوله هذا. وبعدها تناقشنا بحدة حول هذه النقطة وهو يحاول اقناعي بان اسرائيل افضل من سوريا التي خطفته من بيته واحتجزته اكثر من سنة وكل ذلك بسبب لحيته وهو اللبناني ولا علاقة له لا بالخوان المسلمين ولا بالمعارضة السورية. وعندما قلت له هذا لا يسمح لك بان تقول اسرائيل افضل من سوريا. فكان رده لي : هل خطفتك المخابرات السورية؟ هل وقعت تحت تعذيبها؟ فكان صمتي هو الجواب.

من خلال هذه القصة افهم ايضا موقف الكاتب والصديق الفلسطيني د. احمد ابو مطر الذي شاهد بام العين معاناة الفلسطيني واللبناني في مركز فرع فلسطين للمخابرات السورية. وكأنهم في هذا الفرع موجودون لخدمة العدو الاسرائيلي، حيث ان كل من يدخل هذا الفرع اذا خرج حيا سيكفر بتحرير فلسطين.

معلومات نصر الله وقرائنه لا تعدو عن كونها فرقعة اعلامية لذر الرماد في عيون السذج والعامة، وللتشويش مجددا على المحكمة الدولية واشغالها بتوافه الامور المفبركة من اجل تاخير اصدار القرار الظني، ولرمي القرائن الساقطة في طريقها لتعطيلها تماما كما كان يرمي جثث شهداء ثورة الأرز في طريقها لتعطيلها. وسقط الشهداء ومعهم عشرات الأبرياء الواحد تلو الآخر من سمير قصير الى جورج حاوي وجبران تويني ووليد عيدو وبيار الجميل وانطوان غانم وفرنسوا الحاج ووسام عيدو عدا الشهداء الأحياء مي شدياق وسمير شحادة وعشرات الانفجارات المدمرة التي هزت مناطق قوى 14 اذار. وكل ذلك لتعطيل المحكمة الدولية. والمحكمة تابعت طريقها رغم هذه الحرب الدموية الهمجية البربرية المتوحشة على شرفاء اللبنانيين.

واليوم ما زال نصر الله منهمكا على نفس الطريق بقرائن وصور وتخمينات واتهامات وتخريفات وتحويرات ومنارورات وهرطقات ورميها في طريق المحكمة لإرباكها وتأخير صدور قرارها الظني.

المحكمة وعلى لسان بلمار طلبت من السلطات اللبنانية تزويدها

بالأشرطة المصورة التي عرضها نصرالله في مؤتمره الصحافي الأخير بالإضافة إلى أي مواد أخرى من شأنها أن تساعد المدعي العام في كشف الحقيقة"، حسبما جاء في بيان صادر عن مكتب بلمار أمس أكد فيه أنه يتابع تحقيقاته "بعيدًا عن الأضواء وفقًا لأرقى معايير العدالة الدولية وبطريقة حيادية وموضوعية"، مشدّداً على أنه يهتدي في سعيه للحقيقة "بالأدلة دون سواها".

لقد اوقع نصرالله نفسه في ورطة لان كل ما سيقدمه من صور ومعلومات سيخضع لعمل الخبراء والحقوقيين والاختصاصيين وعندها سنكتشف مدى صحة قرائنه او قدرتها على اتهام اسرائيل.

ولكننا نعتقد ان المعلومات التي ابرزها في المؤتمر اضعفت موقف نصر الله وباعترافه شخصيا، بانها قرائن ومؤشرات يبنى عليها وليست أدلة دامغة. وهي موجه الى العامة الذين يصدقون كل شيء وليس الى المحكمه الدوليه التي ستدقق عبر خبرائها بكل شيء.

قرائن نصرالله ساقطة لسببين جوهريين:

الأول: ان المحكمة الدولية كانت طوال اربع سنوات موجودة في بيروت تحت حراسة قوات الأمن اللبنانية لجمع الأدلة والحقائق والقرائن، وبدل نصرالله من ان يقدم معلوماته الذهبية لها ويتعاون معها لإدانة اسرائيل واثبات ارتكابها لجريمة العصر. ماذا فعل؟

اعلن الحرب على المحكمة من خلال تسببه في حرب تموز، واعتكف وزراؤه عن العمل بسبب المحكمة، ومن ثم استقالوا لعدم اقرارها الى ان وصلنا الى حرب نصر الله المفتوحة على حكومة السنيورة بسبب المحكمة واحتلاله لبيروت بسبب المحكمة.

الثاني: لقد طلبت المحكمة الدولية في بداية عملها من الجميع تقديم ملاحظاتهم حول دستورها، وكان حزب الله قد اعلن انه سيقدم ملاحظاته، الا انه لم يقدم شيئا، ولم يتعاون معها، بل اعلن الحرب عليها وكان في كل خطاب له يهاجمها على انها مسيسة.

ماذا يعني هذا سوى" من  تحت إبطه مسلة تنعره"!

هو يهرب الى الامام. ولكن الى اين؟ الى الوقوع في الحفرة التي حفرها لأخيه!

 

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها