اقرأ المزيد...

سعيد علم الدين

 كاتب لبناني. برلين

 2010.07.05

رسالة السيدة ثورة الثانية: وأئد الروح! (2)

هل قسوة محمد تجاه المرأة وغلاظته الى حد احتقارها قادم من فقدانه لحنان الأم؟

حيث تربى صغيرا على يد جده عبد المطلب ومن ثم عمه ابي طالب!

هل تربيته بين هؤلاء الرجال الغلاظ القلوب زرعت في شخصيته وفكره فيما بعد تلك النظرة الرجولية الاستعلائية القاسية على المرأة والتي حولت مجتمعاتنا عبر قرآنه الى مجتمع ذكوري ما زالت المسلمة تعاني من تداعياته.

ليس فقط، هي حتى في بلاد الغربة الغربية لم تسلم من شروره، فيتم تعليب الصغيرات في حقائب السفر وإكراههن على الزواج مخالفة للقوانين.

معاناة المرأة المسلمة في مجتمع اسلامي سنطلع عليها من فم السيدة ثورة. 

تقول السيدة ثورة

" لطالما كنت اعاني من الخجل والحياء الْمَرضي، ولكن مع الزمن اشتد عودي وتغيرت نوعا ما. ولكني رغم ذلك لا زلت اشعر بالخجل والحياء من الآخر. أرد ذلك الى تربيتي الإسلامية المحافظة!

ولهذا افضل وارتاح ان اكون في عزلة عن الآخرين، وحيدة مع خواطري وأشعاري، وعالمي الصغير ودنيا افكاري، مؤودة الروح في مجتمع اسلامي عربي كرس الأنثى عبر قرآنه كجسد بلا روح، وأداة طيعة للطبخ والمتعة.

وبشهادة سورة النساء" فانكحوا ما طاب لكم من النساء"(3)

وإلا ماذا تعني كلمة طاب غير طيبة المتعة والجنس للرجل بالطبع!

حتى ان عبارة " بيت الطاعة" في إشارة الى الزوجة المطيعة للرجل لاتحتاج الى تفسير، وفيها اهانة ضمنية لروح المرأة!

ولماذا لم يسمها الفكر الاسلامي" بيت الزوجية"؟ لان القرآن يطلب اطاعة الزوج. الهدف هو اذلال المرأة لكي تقول للرجل نعم طول العمر.

حتى أن مهر المرأة في الإسلام هو إهانة لها، لأنه لا يعني قوانين تحفظ حقوقها كما هو سائد في بلاد العالم المتحضر، انما يعني وبالمطلق ثمن يساومون به على رأسها يدفع لها أي ثمنها.

ممكن من خلال هذا الثمن ان يشتري الكهل الثمانيني ابنة العشر سنوات مقتديا حسب السنة الشريفة بنبيِّه محمد وزواجه من الطفلة عائشة.

وممكن ايضا ان يدفع الرجل لزوجته مهرها ويلفظها ساعة يشاء.  وماذا اذا هبط سعر العملة الى الحضيض؟

عندها لن يبقى للمطلقة المظلومة بالثلاث، سوى الحسرة والبكاء على الأطلال!  

صدقني لو كنت امامي، لما استطعت النطق بكلمه واحدة، مما اشعر به. لذلك تجدني في الغالب صامتة، أميل للعزلة وقلة الكلام والاستماع الى الحديث، لأني إذا أردت المشاركة فستتحول مشاركتي الى ثورة غضب عارمة لن تحمد عقباها، ولهذا فإنني آثر السلامة والسكوت.

عملا بالمثل القائل "اذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب"!

ان مسألة البعد مهمة جدا هنا، لإفراغ ما في الداخل المكتوم من عذابات، وبما انه لم يتح لي سابقا ذلك، ولم اكن حتى مهيأة له، ألا وهو الحديث من القلب عن آذى الروح والنفس المتألمة.

 وكأني أُحدث نفسي! أكتب الى نفسي! وهذا ما افترضته في الكتابة اليك، لكوني اشعر بكوننا في الهموم سواء، بمعنى خلاصة التفكير الواحد المشترك. ويحلو الحديث مع الذات، فيكون هكذا على السليقة بلا مواربة وبدون مقدمات، وبلا رقابة ذاتية وتفكير بالمفردات.

ما ساقوله هي الحقيقة المجردة تجرد نفسها من ذاتها، ممتشقة سلاح الكلمة للتعبير عن حالها. 

وهكذا فكلامي المخزون بداخلي العمر كله، 49 سنة. أفرغه لاول مره بحياتي امام شخص هو انت، وبصراحة تامة.

تاكد! وبعد سلسله تعديلات وتشطيبات طويلة عريضة. واكرر لو كنت امامي لما نطقت به والتزمت الصمت كعادتي حياء وخجلا منك ومن رجالات مجتمع خير امة أخرجت للناس.

ألست أنا ابنة هذا المجتمع العربي الإسلامي الذي تشربته حتى الثمالة وعانت روحي منه وسابقى اعاني روحيا وجسديا ما حييت به؟

انه مجتمع القمع والقهر:

قمع المرأة قرآنيا، وقهرها اجتماعيا، والاستخاف بآدميتها إنسانيا.

ماذا يبقى من آدمية المرأة وانسانيتها عندما تسير في الشارع شبحا منقبا كالخيمة السوداء؟  

أهل هذا منظر بهي تقدمة الديانة الاسلامية والحضارة العربية للعالم في هذا العصر المنير بنور العلوم والمعارف؟

أم هو التصحر العقلي والظلام الفكري يريد غزو العالم؟

انه مجتمع التكفير والرفض: تكفير كلمة الحق والكتَّاب والشعراء والادباء واحتقار الآخر وسفك دمه بلا اسباب، ورفض الديمقراطية وحقوق الإنسان.

ولهذا وهذا جدا مهم! فالحدة التي تستشعُرها احيانا في كلماتي هي ليست من طبعي البتة، بل انا هشه الجسد، لينه القلب، جياشة العواطف، مرهفة الأحاسيس واعاني من أحاسيسي التي تؤذيني كثيرا في بعض الأحيان فأنسحب بصمت وبسرعة إلى الزاوية لأعانق دمعتي في وحدتي.

انه صوت الأذى الداخلي المعبأ بالروح المتعبة لسنين. هو من يتحدث ويصرخ ولست انا!  

فعندما تعيش وتعرف جيدا انك انسان صالح ومواطن محب لشعبك معطاء لوطنك تسعى للخير وتعمل بكثرة ونشاط وبجد، صادق مخلص امين تسعى بكل نوايا صافيه لإضفاء الهناء لمن حولك.

وعندما في الوقت نفسه تُنتقَدُ وتُلام دائما لا لخطئ ارتكبته ولا لمخالفة قمت بها لا لشيء فقط لأنك بدون حجاب وتوجُهك غير ديني رغم صَمتك. ماذا سيكون موقفك؟

ان النقد الغير عادل والانتقاد الدائم الغاشم الذي تسمعه بأذنيك وتقرأه بالعيون قبل الشفاه في هذا الجو العدائي السلبي نحوك، لهو مؤذٍ جدا لروح المرأة خصوصا اذا كانت مثقفة محبة مخلصة واعية مدركة رقيقة المشاعر، حساسة جدا، شفافة الروح والنفس.

استمرارية هذا الوضع الشاذ في مجتمعنا العربي مع الزمن يُطفيء الشمعةُ المضيئةُ بداخلك، ويُذبل الوردة الجميلة فيك!

بماذا يصيبك ايضا؟

انه يجعلك معطوب الروح كئيب النفس، منطفيء منغلق حزين متألم، الدمعةُ حاضرةٌ بقلبك قبل عينيك، كالكأس الممتليء، ليس باستطاعتك أن تتحمل اكثر ولا حتى نقطة واحدة.

ان الذي يده بالماء البارد ليس كمن يده بالنار المشتعلة!

وهذا ما يفسر سبب كون قلة نادرة من الرجال من يتناول موضوع المرأه المثقفه العلمانيه ومعاناتها في المجتمعات العربية الإسلامية.

ولطالما كنت أحلم بالجمال واريد ان اكون سعيدة فرحة منطلقة، ولكن التكبيل الاجتماعي الرهيب ومن سيء الى أسوأ حولني الى حزينة متألمة ذابلة معطوبة القلب، منكسرة الجناح، موؤدة الروح.

اسعى لأعيش وحدي بغرفه صغيره مستقبلا حتى لا اسمع غير الصمت المطبق ولا ارى بشرا ينظر لي منتقدا، فقط فراغ المكان هو اكثر رحمةً ورأفة بكياني الطري".

يتلعثم قلمي من هول ما تعانية المرأة العربية، ولقد عبرت عنه السيدة ثورة اروع تعبير وبصراحة عفوية وباعمق المشاعر.

عندما نسحق المرأة برحى آياتنا ومجتمعنا الاسلامي المتخلف، انما نسحق أنفسنا ولا بد ان نتخلف!

الكوتا النسائية وترقيع الوزرات بالنساء لن يفيد ولن يحل المشكلة. المطلوب نقد الدين بحرية ليفك قبضته الحديدة عن المجتمع، ويعود راضيا مرضيا الى الجامع والحسينية، كما عادت المسيحية الى الكنيسة، ولتنتصر ثقافة التنوير وتستيقظ مجتمعاتنا من هذه الكوابيس الرهيبة.

 

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها