لا
إصلاح ديني إلا بانتصار ثقافة التنوير!
نعيش في العالم العربي ومنذ مئة عام تقريبا وحتى هذه اللحظة حالة حرب
فكرية حقيقة شرسة جدا، أخذت وللأسف الشديد في العقدين الأخيرين منحىً
دمويا مأساويا اجراميا بشعا جدا.
فاق في بشاعته كل الحروب ضراوة وخسة ونذالة وقذارةً وحقدا لا يوصف على
الإنسان. ووصلت الأمور وبلا مبالاة عند المتطرفين والإرهابيين من
الإسلاميين والأنظمة المجرمة الداعمة لهم الى حد ارتكاب المجازر
الرهيبة المخجلة الفظيعة: الجزائر، السعودية، الأردن، العراق،
تانزانيا، نيويورك، اسبانيا، المغرب الصومال وغيرها.
والاغتيالات المنكرة والتفجيرات البشعة: مصر، لبنان، العراق، ايران،
باكستان، السودان، وغيرها من الممارسات الوحشية.
هي حربٌ نهدر فيها طاقاتنا البشرية والمادية والمعنوية الكبيرة جدا
سدى، ولن يصح في نهايتها الا الصحيح، حتى ولو استمرت مئة عام اخرى.
وهذه الحرب ومن خلال تجارب التاريخ لا يمكن ان تنتهي الا بانتصار:
النورُ على الظلام والانفتاحُ على الانغلاق،
العقل على الجهل والعلم على التأخر،
التقدم على التخلف والحقيقة على الزيف،
النباهة على الغفلة والمعرفةُ على الضلالة،
الحاضر على الغائب والواضح على الغامض،
الحق على الباطل والصائب على المخطئ،
الحرية على العبودية والديمقراطية على الدكتاتورية.
والأهم من كل ذلك هو انها ستنتهي بانتصار ثقافة الحياة الإنسانية
الحاضرة بربيع الأرض وازهارها وعطرها ورحيقها وفراشاتها وألوانها
وثمارها وخضارها وتنوعها وقيامها واستقامتها،
على ثقافة الموت الخرافية الغائبة بخريف الأرض واشواكها وعفنها
وغربانها وسوادها وسمومها وأمراضها ونفاقها وأسقامها وعقمها ويباسِها
واندثارها وضلالها.
هي حرب لا مثيل لها بين باقي الأمم، خاصة في هذا العصر الحديث الكاشف
ذو العينين الثاقبتين لاسرار الكون والكائنات.
حرب ضارية بين فريقين:
الفريق الاول هو فريق الفكر التنويري الحداثي الرائد، وحملة مصابيح
النور والفكر الحر والعلم والتقدم والاختراع، ومشاعل الحرية
والديمقراطية والحداثة والفن والابداع من نساء فاضلات شامخات بهمم
عالية ورجال أفاضل شجعان ينطلقون في حملاتهم بلواء الكلمة الجريئة
والقلم الحر والمنطق السليم والعقل الناضج والفكر المتفتح والاقناع
والإفهام والتفهم والسلام والسلم.
والفريق الثاني هو فريق الفكر الديني التبريري التكراري الاجتراري
التراجعي الرجعي بضجيجه الإعلامي الهلامي، منطلقا في حربه الشعواء من
آفات التخلف والهزيمة والجهل والتزمت الديني والتعصب المذهبي وفي تقديس
ثقافة الموت والأموات الى حد الموت الرخيص انتحارا.
مستعملا كل الوسائل المتاحة له من المدفع الى الخنجر الى الحزام الناسف
في محاولاته الكأداء بالعودة بالمجتمع الى الوراء والحفاظ على القديم
البالي الصنمي وبأي ثمن حتى ولو أدى هذا الثمن إلى أن نصبح غجر الكرة
الأرضية ونعود قبائل رحل كما كنا في الأصل، ولكن هذه المرة ليس طلبا
للماء والكلأ، وإنما طلبا للرزق والعيش بكرامة وحرية تحت ظلال أمريكا
وفرنسا والسويد وبريطانيا وألمانيا وغيرها من دول القانون وحقوق
الإنسان والديمقراطية حتى ولو كانت هذه الدولة تحت حكم امرأة
كالمستشارة الألمانية السيدة انجيليكا ميركل.
وفي الحقيقة أن التنوير لن يكون ذا تأثير، اذا لم يؤد إلى كشف الزيف
المتأصل منذ قرون، وزلزلة جبال الأضاليل التي ينوء تحت ركامها المجتمع
العربي والمسلم مستسلما لأقداره المقدرة من فوق بيد الزعيم السياسي
والشيخ الجليل لا حول له ولا قوة في مجابهتها جيلا بعد جيل.
التنوير يجب ان يعيد الامور الى نصابها، والمجتمع الى توازنه، والحرية
الى أهلها، والحق الى اصحابه.
ولكي ينتصر التنوير فهو بحاجة ماسة في هذا العصر المستنير الى انتفاضة
فكرية ثقافية جبارة يشارك فيها دفعة واحدة اكبر عدد من المفكرين تعيد
للإنسان العربي والمسلم المسلوب الحرية والارادة باسم الدين، حريته
وارادته ليصبح سيدا حرا مستقلا صاحب قراره في حياته وليس عبدا تابعا
ذليلا مكبلا متكلا خانعا طائعا مستسلما مكسور الخاطر يعيش حياته في مهب
ريح ثقافة الموت ومهزلة الفتاوي.
لا بد من نبذ الهرطقة والجهل، وإعلاء كلمة المنطق والعقل، إظهاراً
للحقيقة من خلال وضع الإصبع على الجرح والنقاط على الحروف دون وجل او
خوف.
فمرضنا العقيم في بلاد الشرق هو هذه السيطرة الدينية الإسلامية الغير
مبررة دينا ودنيا والتي تسلطت على المجتمع تسلطا قمعيا في البداية بحد
السيف وحروب الردة تشهد شهادة تاريخية ساطعة على سيفها وقمعها
واستبدادها وارهابها للقبائل العربية التي عارضتها، وتعلقها المادي
الدنيوي المشبوه جملة وتفصيلا بالسلطة وكرسي الحكم.
أنا لا أدري، ولا استطيع أن افهم أو أتفهم:
كيف أن خلفاء محمد وهم رجال دين يخافون عقاب الله، وفي الوقت نفسه
يتركون لسيوفهم العنان ذبحا ونحرا وطعنا ببعضهم كرمى لعيون الكرسي
وكأنها جنتهم الفردوسية.
وما زال هذا التعلق صفة ملاصقة للإسلاميين والإسلام كماركة مسجلة ومهما
أريق من دماء في سبيل الكرسي وحكم القوي يكسر أضلاع الخصم باسم جاء
الحق وزهق الباطل!
انقلابات عسكر العصر الحديث في العالم العربي تؤكد ذلك.
حيث اصبح الدين مطيتهم المحببة والمطيعة والطيعة للاستيلاء على الكرسي
وقمع المجتمع وتحقير الإنسان واستعباده وعدم الاعتراف بحقوقه. وخاصة
المرأة التي صارت في نظرهم وبدائيتهم وفكرهم وعاداتهم وتراثهم
وذكوريتهم القوامة على النساء عنوانا لكل ما هو فاسد وانحلالي وشيطاني
اذا لم تخنع لمطبخهم وتنقاد ذليلة مطيعة تحقيقا لمآربهم.
ويا للغرابة وكأن الرجل هنا هو المنزه والفاضل والشريف والمستقيم
والصالح والكامل والآدمي.
كيف لا، وآدمُ لولا حواء حسب الأسطورة، لما زال يسكن رغدا الجنة!
ثقافة التنوير يجب ان لا تساوم على كلمة الحق، بل يجب ان تنير عليها
الأضواء بجرأة وصدق.
فالكلمة الحرة الجريئة الثابتة الصارخة المنيرة ستنير بالتاكيد طريق
الإصلاح لمن أضاع الطريق وهو يهوي فرحا مسرورا واحيانا مغرورا الى
الحضيض.
وإلى متى هذا التمسك بتلابيب التخلف الديني الذي اوصلكم الى الحضيض
اليقيني؟
أوليس هذا هو البرهان الأكبر على هذا اليقين، كيف أصبحتم في هذا العصر
الانساني المتألق، في مصاف آخر الأمم، وليس خير أمة أخرجت للناس؟!
وما هو الخير الذي تقدمونه للناس؟
سوى أنكم في بلادكم تلهثون وراء الرغيف، وفي العالم عالة على المجتمعات
المتقدمة، مهاجرون مشردون في كل بقاع الأرض تحملون معكم تخلفكم وعنوانه
الكبير:
انواع الثياب من الجلباب الى الحجاب الى النقاب.
ولأنه دون انتصار ثقافة التنوير، فسنتابع الدوران في الحلقات المفرغة
والفارغة من أي تفكير، التي تحاكي ابداعات أفانين التبرير، ولن يحدث
التغيير، ولن نستطيع الخروج من هذا المأزق التاريخي المرير!
|