اقرأ المزيد...

سعيد علم الدين

 كاتب لبناني. برلين

 2010.05.04

تعقيبا على: هل من حقنا انتقاد الآيات؟  

علق احد الإخوة الأعزاء على مقالي " هل من حقنا انتقاد الآيات؟  بالتالي:

"ما دمت سلفا قد قررت ان القرآن مؤلف وليس وحيا سماويا الى نبي من انبياء الله المكرمين فلماذا نتناقش وهل من حقك حقا ان تنتقد الايات القرآنية الكريمة.

لقد اصدرت حكما ناجزا ثم تطلب بعد ذلك المناقشة ؟

هذا لا يصح ياصديقي عليك احترام الاديان والانبياء والكتب واتباع الرسل المكرمين والمؤمنين بالله ان كنت تريد حقا المناقشة".

اشكرك يا اخي على هذا التعليق القيم شكرا جزيلا، الا انه وللأسف ليس منطقيا وينهي الحوار قبل أن يبدأ.

والذي أشبهه بمن يضع العربة امام الحصان!

فهل ممكن ان ينطلق الحصان بالعربة يا صديقي؟

ام انه سيبقى عاجزا يراوح مكانه او يعود الى الوراء القهقرى بدل الانطلاق بقوة الى الأمام. وهذا ما حدث بالضبط لمجتمعاتنا العربية والاسلامية التي تراوح مكانها بعد ان وضعت العربة بكل تراكمات اثقالها امام حصان: الفكر والفلسفة والكلمة الحرة والاجتهاد والتنوير، ليس هذا فحسب، بل وتحلم بالعودة الى العهد الاسلامي الذهبي قبل اكثر من الف عام. هي ربما تعود الى كهف ابن لادن، اما العصر الذهبي فلقد انقضى ولن يعود!  

اولا، انت بكلامك هذا تريد وبكل بساطة اسكاتي، أي انت تخالف بهذا التعليق روح النقاش، ليس هذا فحسب، بل وتريد فرض الايمان بالله وكتبه وانبيائه عليَّ على عماها دون تفكير، لكي يحق لي النقاش بها.

وثانيا يا صديقي، اذا امنت بالله ورسله وكتبه كما انت تريد، فلماذا اصلا انتقد؟

واذا كنت انا وانت متفقين في الرأي على هذا الموضوع الغيبي الشائك، فعلى ماذا سنتناقش اذن؟

الانسان يتناقش ويتحاور مع من يخالفه الرأي. والا فإننا نلف وندور  حول انفسنا.

ويا اخي انا اصلا ابن بيئة اسلامية محافظة جدا. وكنت مؤمنا جدا جدا وتربيت على الايمان المطلق جدا، ولكن تفتحت بصيرتي على امور كان الايمان الغيبي المطلق قد حجبها عني.

والايمان الغيبي المطلق هو جدار في وجه العقل. شعوبنا امام جدار لا تستطيع اختراقه، ولهذا تدور حول نفسها وتتفاخر وتتباهى مع حجة الاسلام زغلول النجار، ولن تستطيع اختراق الجدار الا بالفكر المستنير.

وصدقني يجب ان نشكر كل من يرفع الرأس وينتقد الرئيس والملك والسلطان والشيخ والمفتي والدين والمجتمع. فالنقد لا ياتي من فراغ، وانما لاصلاح الاخطاء. وهذا ما فعله الأنبياء والمصلحون والفلاسفة خلال التاريخ. انهم كلهم منتقدون لمجتمعاتهم ومنهم محمد الذي انتقد دين الاباء والاجداد مكسرا الاصنام ليشرق زمن عربي جديد.

واشرق! ولكن بسبب جمودنا وتحجرنا خلال القرون وعدم مراعاتنا لتطور الزمن ورفضنا للتغيير أفلَتِ تلك الشمس التي اشرقت يوما. والنقاب والحجاب ليسا السبيل الأمثل لاشراق شمس الاسلام من جديد على العكس تماما. والاخلاق لا تقاس بقطعة قماش. انما بما يملكه الانسان داخل الرأس من القيم العليا والمثل الانسانية السامية.

والتقدم والرقي والرخاء الاجتماعي لا يتحقق بان نملك سلاحا نوويا. وهذه باكستان عندها سلاح نووي. وهل اصبحت دولة راقية ومتحضرة وتحترم حقوق انسانها كفرنسا او السويد. على العكس فهي اليوم دولة يتآكلها التخلف والفوضى والفقر والحرمان والخلافات المذهبية وتعبث بامنها واستقرارها وارواح ابنائها جماعات الإرهاب من غلمان القاعدة وصبيان طالبان.   

المشكلة اليوم ان الاصنام التي كسرها محمد قبل اكثر من 1400 سنة عادت من جديد على عروشها بأشكال وأفكار أخرى تتربع.

هذا يفرض علينا ان لا نتقبل كل شيء وكانه الذهب الخالص.

والعالم الغربي المتألق الناجح ومعه الياباني والصيني لم ينجحوا في بناء مجتمعاتهم الا بعد ان انتقد فلاسفتهم الآلهة والكنيسة والدين.

ليس العيب في الانتقاد انما العيب الحقيقي ان نتحول الى احزمة ناسفة، ومشاريع انتحارية، وفتات على موائد الامم.

مشكلتنا الكبرى مع الدين هو هيمنته الغيبية على المجتمع على ايدي مشايخ ورجال دين تحولوا الى وكلاء الله على الارض استبدادا بالناس واستعبادا لهم، ان كان في ايران او في دولة طالبان او حتى في كل تواجد اسلامي منغلق في فرنسا او المانيا او امريكا او أي مكان اخر.

الله يخاطب محمد في سورة الزمر قائلا:

" إِنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ" 41  

فحوى هذا الكلام يعني ان الدين يجب ان لا يهيمن على المجتمع. الله لم يرسل وكلاء يحكمون باسمه. لا بابا روما ولا لويس الرابع عشر ولا ولا الولي الفقيه الإيراني ولا الملا عمر الأفغاني ولا غيرهم. الله قال لمحمد حسب الآية لا تكن وكيلا عليهم.

للناس الحرية في الحياة ومن اهتدى لنفسه ومن ضل ضل عليها.

ولماذا نحن المسلمون نمسك السلم بالعرض ونعمل على فرض الإيمان الغيبي على المجتمع بالقوة والاكراه. الله حسب الآية لا يطالب بذلك! وفرض الإيمان بالعنف والارهاب عاد علينا بالتخلف والنفاق والجهل واستعباد الحكام ورجال الدين لنا وكانهم وكلاء الله على الارض. 

واريد ان اتساءل هنا:

اليس من الأسلم والاصلح والانجح والأسهل لنا ولكل البشر بدل ان يُنَزِّلَ الله كتبه السماوية ورسله لاصلاح البشرية، ان يَنْزِلَ هو جل جلاله ويحكم هذه الارض البائسة ويعيد لها السلام المفقود؟

وما الذي يمنع الله من النزول؟ وهو الخالق لهذا الكون حسب القرآن!  انا لا اختلف معك ان يكون هناك خالق لهذا الكون ولكن القرآن وباقي الأديان هي من صنع الانسان لاستعباد أخيه الإنسان.

والاخطاء المخالفة للعلم في القرآن تؤكد ذلك. وهي كثيرة!

نحن بحاجة فقط لعين ثاقبة تثقب الجدار وترى الاخطاء. وانا لا اقدس الاخطاء! والدين هو عملية اقتناع عقلي هادئ قبل ان يكون ايمان غيبي متطرف. ومن يريد ان يؤمن على عماها فلا مانع عندي والف مبروك عليه بشرط ان يتركني اعبر عن رأيي بحرية. وان اقول كلمة الحق التي ستنير الطريق حتما ولو بعد حين. والاجيال القادمة ستكون لي من الشاكرين!  

انا انتقد لان هدفي هو التنوير . والتنوير لا يمكن ان يتحقق بالمجاملات، واللف والدوران، واظهار عكس ما نبطن، والضحك على الذقون، وانما بالكلمة الحرة تنير الظلام وتثقب الجدار.

انا احترمك شخصيا واحترم ايمانك، وبالتالي يجب ان تحترم حقي بالتعبير عن رأيي. انا عندما انتقد القرآن انتقد فكرا ولا انتقد شخصا او أمة ولا انتقد المليار مسلم. انا انتقد فكرا يدعي امتلاك الحقيقة. وانا اكتشفت انه لا يمتلك الحقيقة التي يدعيها بل ويتخبط في اخطاء قاتلة اوصلت المجتمعات العربية والاسلامية الى هذه الحالة من الضياع .

ارجوك! لا تطلب مني تقديس الاخطاء التي اراها، والايمان بالغيبيات  على عماها دون بحث وتدقيق. ولماذا نملك العقل اذن؟ هل لكي لا نفكر، ونتقبل كل ما يسرد علينا ويقال!

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها