هل حقا
خُلِقَ الإِنسَانُ مِن مّآءٍ
دَافِقٍ؟(1)
قبل الخوض
في خضم هذه الآية القرآنية:
تأملا
وتفكيرا، تقييما وتحليلا، بحثا وتدقيقا، شرحا ونقدا، التفسير تركناه
لجهابذة التأويل والتفاسير والذي ما هو سوى تبرير بتبرير،
لا بد من
مقدمة تمهيدية توضيحية لهذا الأمر الفكري الخطير الذي يتحاشاه الكثيرون
الكثيرون والمقدس في عيون الكثيرين الكثيرين.
ولماذا
انا كعربي ومسلم أي واحد من لحم وعظم ودم وروح هذه الأمة بدل ان احمل
لواء الاسلام عاليا، وادافع عن فكره وقرآنه المنزل من السماء حسب
الادعاء، تراني انبري وبكل قوة لتنوير الناس ونقد الفكر الديني الشمولي
من خلال كتاباتي وقناعاتي، وحقيقة ما اراه بعيني او ما انكشف لبصيرتي وما
يرفض ضميري السكوت عنه.
السبب هو
غيرتي ومحبتي وشعوري الإنساني العميق بحق هؤلاء المعذبين.
ان الغيرة
الكبيرة جدا على دين الاسلام ونصوص القرآن وباي ثمن ومهما غلا، وتحت أي
ظرف ومهما صعب، يدفع ثمنها وللاسف ليس الدين الكامل وفكره الشامل ونصوصه
المقدسة، وانما هذا الانسان المسلم المعذب. يدفعها باهظة جدا من دمه
وعرقه وتعبه وروحه وحياته ومجتمعه.
هذه الروح
التي تتلظى!
وهذه
الحياة التي تتشظى!
وهذه
المجتمعات العربية والاسلامية التي تتخبط بمئات ملايينها على غير هدي حتى
الحاكم والملك والرئيس والسلطان والأمير تراه يضع رأسه بين الرؤوس ويقول
للفكر الديني يا قطاع الرؤوس.
والحاكم
الوحيد في التاريخ الاسلامي الذي فهم الحقيقة واستطاع، رغم الصعوبات
الهائلة وما تمثله دولة الخلافة للمسلمين قاطبة من هالة، الخروج من هذه
الشرنقة الخانقة والسير بشعبه على الطريق العلماني الديمقراطي السليم هو
الرئيس التركي العظيم كمال اتاتورك.
مع اننا
لا نوافقه على بطشه بالدين والطريقة الحادة التي اتبعها في فرض العلمانية
على المجتمع.
المطلوب
هو قناعة رجل الدين لكي يقنع المسلمين، بان العلمانية والديمقراطية هما
المحافظتان الحقيقيتان على الحرية الدينية والمنسجمتان مع روح الاسلام،
وليس الدكتاتورية التي تستغل الدين خدمة لسياسة الدكتاتور. وكما يمارسها
حاليا ملالي ايران.
مشكلتنا
الكبرى مع الاسلام هو رفضه الحاد للآخر والغائه، وادعائه امتلاك الحقيقة
الكاملة الشاملة بالقوة والتي يتم من خلالها سلب ارادة الانسان وشَلِّهِ
فكريا، والهيمنة على المجتمع في شمولية تؤدي في نهاية المطاف الى
الانهيار. تماما كما انهارت كل الامبرطوريات والدول الاسلامية واخرها
الخلافة العثمانية التي كانت اخر امبراطورية اسلامية عظيمة امتدت من
افريقيا الى اسيا واوروبا.
نحن لا
نلهو، ولا نعبث، ولا نتسلى، عندما نكتب حول هذه القضية الحساسة جدا،
والعاطفية جدا، والخطرة جدا جدا في المجتمعات العربية والاسلامية. فهي من
المحرمات والمقدسات التي من يقترب من خطوطها الحمراء او يتعرض لها
بانتقاد يصبح كالفدائي الحامل دمه على كفه.
لا يعرف
من سيطلق فتوى هدر الدم وبكل بساطة ضده. كما تم هدر دماء الكثيرين من
المفكرين المسلمين عبر التاريخ وحتى هذا اليوم.
ولكن هل
يجب ان تحرمنا المحرمات من قول كلمة الحق؟
بالطبع
لا! والا فهي على باطل وفي ضلال قاتل!
فالهدف
السامي في الاصلاح، هو الذي يفرض نفسه علينا لهداية الناس الى الطريق
المستقيم في بناء الأمم ونهضة المجتمعات، كما فرض نفسه على من سبقنا ومن
يناضل معنا ويقارع بالفكر الحر والقلم المجد، وليس بالمسدس القاتل
والخنجر الذابح والحزام الناسف.
ولا يوجد
استبداد بالاقتناع والقلم والفكر، وانما فقط بالارهاب والمخابرات وادوات
القتل.
الاصلاح
الحقيقي يتم بالدخول الى جوهر الامور وتسمية الأشياء بأسمائها وليس باللف
والدوران حولها، كالقطة تدور بلسانها حول صحن الحساء الساخن!
الاسلام
كدين هو فكر وعقيدة وايمان بالغيب مبني على القرآن المنزل من السماء
كآيات إلهية لهداية البشرية بشتى الوسائل ومنها العسكرية الجهادية كما هو
معروف ومنذ انطلاقته في الجزيرة العربية وحروب الردة اكبر شاهد، ومن ثم
للدول والشعوب المجاورة.
أي ما سمي
بالفتوحات الاسلامية.
ومن
الاسئلة التي ستطرح نفسها علينا ايضا في هذه الحالة :
هل حقا
القرآن منزل من السماء ككلام مقدس من الله لا يعتريه الشك والباطل وصالح
لكل زمان ومكان حسب الادعاء؟
ورسالة
الهية سماوية موجه الى العالم اجمع لأسلمته تدعي امتلاك الحقيقة الكاملة
الشاملة يحمل شعلتها المسلمون منذ 14 قرنا.
والنتيجة
ظاهرة للعيان في شعوب غارقة في الجهل والتخلف والتاخر والتناحر والتمزق.
لماذا اذن
نكون نحن العرب والمسلمون حملة شعلة هذه الرسالة الإلهية، وخير امة اخرجت
للناس حسب القرآن، في مؤخرة شعوب الكرة الأرضية؟
ومن يتحمل
هنا المسؤولية؟
الله
المتفرج ام الانسان المنفلج!
واين دور
صاحب الرسالة من كل ما يجري؟
هل يجب ان
نسعد بواقعنا المزري لا تبارينا فيه تأخرا وتخلفا وشرذمة وتقهقرا وحروبا
الا بعض شعوب ودول القارة الافريقية البائسة.
حتى ان
الشعب الكوري، مع احترامنا له، الذي لم يكن له دور يذكر في التاريخ. اين
نحن اصحاب الأمجاد والفتوحات التاريخية منه اليوم؟
الا يوجد
سبب جوهري لتأخرنا؟ بالتأكيد!
ما الحكمة
في ان نَهْجُرَ اوطاننا بالملايين، ونقتلع من جذورنا، ونصبح نحن شذاذ
الآفاق، ونحلم بالعيش في الدول التي اعتبرناها تاريخيا ودينيا وتقليديا:
كافرة ومشركة واستعمارية وامبريالية وعدوانية وحاقدة وزارعة وداعمة
للصهيونية في الاستيلاء على فلسطين؟
هل هذا
مدعاة للفخر!
الا يوجد
سببب جوهري لهجرتنا وما آلت اليه اوضاعنا اليائسة في بلادنا؟ بالتاكيد!
وهذا ما
نحن بصدده في هذه المقالة التي نحاول من خلالها القاء الضوء على العنوان
المرتبط بنصوص وآيات قرآنية.
الآيات
والنصوص يا صديقي:
لا تجوع
ولا تعطش ولا تهاجر ولا تعاني ولا تهان، انما الانسان هو الذي يجوع ويعطش
ويعاني ويهاجر ويهان!
فما نفع
الآيات إذن اذا كانت عاجزة عن اشباع الانسان واسعاده لكي لا يهاجر من
وطنه ويبقى في بلاده.
وعندما
ارى المشكلة في الفكر الديني المهيمن بطريقة خانقة على المجتمعات العربية
والاسلامية منذ الولادة وحتى الممات، فلا بد تاليا ان يتحمل الفكر الديني
المسؤولية بالذات.
ليس الهدف
ابدا الغاء الفكر الديني والذي استطاع من خلال متطرفيه الغاء الشهيد
المصري فرج فودة وذبح الصحفي السوداني محمد طه، وتفجير السيدة بنازير
بوتو، ومحاولة اغتيال نجيب محفوظ والكثيرين غيرهم، انما الهدف نقد هذا
الفكر لكي يكتشف اخطائه، ويعود عن غروره، ويعرف حدوده، ويعترف صامتا بانه
لا يملك الحقيقة الكاملة والمطلقة. وبالتالي لا يحق له الهيمنة على
المجتمع وخنقه.
ولو لم
تتحرر اوروبا عبر الفلاسفة والمفكرين ورجال السياسة المستنيرين من الفكر
الكنسي البابوي المطلق، لما زالت تتخبط في ظلام القرون الوسطى.
وتحرر
اوروبا من الهيمنة الدينية المسيحية لم يلغ الدين ابدا، بل ساهم بتقدم
المجتمعات وازدهارها ورخائها وفي افادة كبيرة جدا للكنيسة التي تتمتع
الان باختراعات العلماء التي سجنتهم في السابق او نفتهم او قتلتهم.
المطلوب
تحرير المجتمعات العربية من هيمنة الفكر الاسلامي ووصايته عليها، لإصلاحه
وليس لإلغائه ابدا!
فالانسان
بحاجة للدين كحاجته للخبز.
ولكن هذا
يتم من خلال الحرية وليس بقمع الانسان واستعباده بالنصوص الدينية.
الانسان
يحصل على حقوقه من خلال العمل الفكري التنويري الشجاع وليس من خلال القمع
والتحريم والتجريم والإلغاء.
وعن ماذا
يكتب الإنسان عندما يرى الجهالة قد غمرت مئات الملايين بالأطنان؟
ايكتب عن
الحب والهيام، والوان العشق والحنان، والغرق مع الملايين العزيزة في
الغرام الذي تحول الى ادمان ما بعده الا الطوفان؟
ام يهب
كما الفرسان لنزع الغشاوة التي اعمت الابصار، وأهامت الأرواح، وسلبت
القلوب، وغيبت العقول، واصمت الآذان. يتبع! |