هل حقا
خُلِقَ الإِنسَانُ مِن مّآءٍ
دَافِقٍ؟(2)
انا لا
أكتب هذه المقالة لأستفز أحدا، فانا الحيط الحيط يا رب اوصل على البيت.
ولكن هل
يجب ان يكون الحائط عائقا او صنما يقف في وجه الحقيقة؟
واذا كل
مفكر وعارف، وعالم وكاشف، ومستنير ومنير، ومستبصر وبصير، وعليم وحكيم،
وشريف وغيور، وحر وناقد، وصادق ومخلص ومحب من العقل والمنطق قبل القلب
والعاطفة:
لأهله
وأبناء مجتمعه تجنبا للمواجهة الفكرية التنويرية مع آل ابي جهل قال:
الحيط الحيط يا رب اوصل على البيت.
ماذا يبقى
لنا عندها من الحقيقة المظلومة؟ لا شيء!
ونتيجة
نكران الحقيقة تدفعنا وكما هو حال مجتمعاتنا الآن الى التخبط الأعمى في
الضلالة. اي الى التخلف والتأخر والتشرد وغزو اعلى قمم الجهالة والتربع
هناك على عرشها العسلي غرورا وتيها، وغيا واختيالا، دون خجل.
ولماذا
تُظلم الحقيقة دائما في بلاد العرب والاسلام!
ولماذا
يجب ان تداس على رأسها بالأرجل والأقدام؟
ولماذا
يتعرض قائلها الى السب والشتم بابشع الكلام؟
ويتم
تخوينه ويكال له وبكل بساطة الاتهام تلو الاتهام!
هذا اذا
لم يتم اسكاته بوسائل العنف والقمع والإجرام.
هل لكي
تنتصر الكذبة والضلالة والفساد ويعم الظلام؟!
هذا هو
الظاهر للعيان!
حتى انه
عندما هب الشعب اللبناني عام 2005 مطالبا بالحقيقة بعد اغتيال المظلوم
رفيق الحريري ومعه 22 بريئا ومئات الجرحى بجريمة نكراء بشعة جدا تهز
الضمائر، قامت قيامة البعض في لبنان فاعتكفوا عن العمل الحكومي اعتراضا،
وعطلوا البلد لقمع الحقيقة، واغلقوا البرلمان في وجه المحكمة الدولية،
واحتلوا بيروت لإرهاب من يطالب بالحقيقة.
والمصيبة
الكبرى وطامتها الأكبر ان من فعل تلك الممارسات الشنيعة لقمع الحقيقة
وباعذار أقبح من قبيحة هم جماعة حزب الله اصحاب العمائم واللحى الممشطة
المليحة من مشايخ وأسياد وحجاج رافعوا الآيات القرآنية على اعلامهم
والعقيدة الاسلامية دستورا لحزبهم.
هم يحللون
ويحرمون ويهدرون دم الإنسان كما يحلوا لهم.
الدين
وآياته هي ايدلوجيتهم العقائدية المريحة، وأدواتهم الإلهية الطيعة في
اقناع الأتباع، وفرض الطاعة العمياء على غلمانهم المطيعة.
الى متى
يجب ان تسود في بلاد العرب والاسلام: الكذبة على الحقيقة، وحكم الغابة
على حكم القانون، والمجرم على المظلوم، والجريمة على العدالة؟
الحقيقة
يجب ان تُعرف. والحقيقة لا يقف في وجه معرفتها الصادق والمخلص والشريف
والنزيه والبريء والسوي، وانما المذنب والآثم والمرتعب والخائف والضعيف
والجاهل والمغرور والشرير.
والحقيقة
عندما نظلمها ولا نقولها، ستطل برأسها يوما ما، ولكن بعد فوات الأوان
ونكون هكذا قد خسرناها، وخسرنا بخسارتها الثانية كما القرن بطرفة عين،
تتبعها السنة والدقيقة.
وهكذا
ننام مخدوعين مخدرين سعداء في كهف الوقت الذي يمر علينا مرور الكرام،
غائبون نحن بلهاء، والاخرون مستيقظون نجباء، مخترعون علماء، مكتشفون بقوة
العلم اسرار الكائنات وتكوين الإنسان واعماق الأرض وابراج السماء.
وبانتصار
الكذبة على الحقيقة ينتصر العم ابو جهل محولا المجتمع الى لا شيء، وعالة
على باقي الامم التي بيدها كل شيء.
فالمجتمع
الذي يحارب نور الحقيقة سيغرق حتما في ظلام الكذبة!
والحقيقة
لا بد وان يكون لها فرسان لا تهاب الموت، لكي ينتصر الحق على الباطل،
والعاقل على الجاهل، والاعتدال والتسامح على التطرف والإرهاب.
ولولا
السير على درب الحقيقة لما استطاع الانسان الغربي بناء الدول الديمقراطية
الراقية المتحضرة والمجتمعات القوية المستقرة والتي اهدت البشرية غزو
الفضاء وفلق الذرة وتحقيق هذا الكم الهائل من الانجازات العلمية المفيدة
للانسان.
يجب ان لا
ننسى هنا ايضا النجاحات الباهرة لشعوب سارت على درب الحقيقة كالشعبين
الصيني والياباني.
فالحقيقة
شمس تضيء الظلام، وتنير العقول، وتخترق الحيطان، وتهد الاصنام، وتشرق على
الشجعان التي ترفع راياتها كالفرسان في الميدان غير مرتعدة من غوائل
الأيام.
ومن لا
يريد رؤية الحقيقة ويفضل البقاء مرعوبا خلف الحائط، متربعا على قمة
الكذبة، فلا عجب ان تتقاذفه باقي الأمم كالكرة بين الأقدام.
الحقيقة
ومهما طال غيابها لا بد وأن تفرض نفسها على المجتمع، لأن حبل الكذب ومهما
طال حضوره فهو قصير وقصير جدا!
ومن يرفض
التعامل مع الحقيقة او نكران وجودها او محاربتها فسيدفع ثمن ذلك الرفض من
ذاته وكيانه اليوم قبل الغد. وان سكت احد عن البوح بها لسبب من الاسباب،
فسيقولها اخر بجرأة وشجاعة وصلابة وعِناد.
فالحقيقة
لا تعرف السكون والرقاد. وان سكنت لفترة وباتت تحت تراكم الأكاذيب عادت
اليها الروح واشرقت برونقها من جديد.
فهي شمس
لا تعرف المغيب!
وانا لا
أكتب هذه المقالة لاستثير احدا، فالثورة تحولت هذه الايام بفعل ثوار او
مجاهدي اخر زمان وما جلبوه من ذل ومهان الى عورة من عورات التاريخ العربي
والاسلامي الحديث.
وانا لا
اكتب لأتعرض لمشاعر احد، فانا احترم مشاعر الناس كل الناس وبالاخص اخوتي
المسلمين المؤمنين. ومن خلال احترامي العميق لهم اكتب، لأنني لا اتعرض
لهم شخصيا، وانما لفكر ديني هو مسيطر عليهم غيبيا.
وان فهم
البعض العكس فهذه مشكلته مع فكره وليس معي. فليقدم لي فكرا مقنعا لكي
اصفق له واقتنع. وصراحتي هذه في الكتابة وصدقي تاتي بالدرجة الأولى من
خلال تربيتي الاسلامية السليمة التي تعلمت من خلالها رفض الغش والكذب
وقول كلمة الحق ولو على نفسي!
بالتاكيد
ان افق تربيتي الفكري المحدود في صغري، لا يمكن مقارنته بافق تفكيري
الحالي.
فالانسان
يولد صغيرا ليكبر، ويكبر افق تفكيره، وليس ليكبر، ويبقى افق تفكيره
صغيرا!
وانا لا
اكتب هذه المقالة لاتعرض لكرامة احد، فكرامة الاخرين من كرامتي. وحفاظا
على كرامتي لا بد من ان احترام كرامتهم واجلالها ايضا، وحتى تقديسها.
انا احترم
كرامتهم واقدسها، ولكن لا يمكن ان احترم الباطل، واقدس اصنام الحاضر.
فكرامة
الانسان يجب ان تكون مقدسة. والدستور الالماني في اعلائه لشأن الانسان
وحفاظا على كرامته ينص في بنده الاول على ان: كرامة الانسان لا تمس!
لاحظ:
كرامة الانسان وليست كرامة الالماني فقط. هكذا تتحضر الأمم وتتأنسن ولا
تتوحشن!
وهذا
الكلام يطبق فعلا لا قولا وكتابة من قبل السلطة بحق الشعب. حتى اللص
والمجرم يقول له الشرطي تفضل يا سيد. فالاحترام هنا ليس للص وانما
للانسان. وهذه قمة في التحضر الانساني حتى ان اللص عندها يخجل من فعلته
بدل ان نقطع يده. بالتاكيد هو سيحاكم حسب القانون الذي سيردعه دون ان
يحرمه من يده. فقطع اليد لا يمكن ان يحمي المجتمع من السرقة، وانما سيخلق
له مشاكل اكبر بكثير من السرقة. هو سيشوه روح الانسان في المجتمع اكثر
بكثير من تشويهه لقطع يده.
فالانسان
يولد صغيرا ليكبر، ويكبر افق تفكيره معه، وليس ليكبر، ويبقى افق تفكيره
صغيرا! وعندما كنت صغيرا وكانت والدتي تشير الى السماء وتقول الله بيخنقك
اذا فعلت كذا او كذا كنت اصدقها مطيعا مقتنعا بان الله سينزل من السماء
ليخنقني او يرسل عزرائيل ليقبض روحي.
المشكلة
الكبرى هي عندما يكبر الأطفال ويصبحون نساء ورجالا، ولكن بعقول صغيرة
ومغلقة ومحدودة الآفاق.
ان ما
يدفعني بالدرجة الأولى لنقد الفكر الديني وكتابة هذه المقالة هو احساسي
العميق بآلامكم واوجاعكم وتخبطكم وضياعكم وهزائمكم التي تلاحقكم وانتم
تركضون ورائها هرولة بل وتسعون اليها في ظاهرة تاريخية تلعب فيها العاطفة
الدينية والسلطة الدينية والفكر الديني اللاعب الاكبر والاساسي والوحيد
في هذا المجال. خاصة عندما يصبح الانسان اسيرا لفكر غيبي مغلوط ومبني على
ثوابت لا اساس لها من الصحة.
في
المقال الثالث سأدخل في صميم الأية "
خُلِقَ الإِنسَانُ مِن مّآءٍ
دَافِقٍ"
شرحا وتفنيدا وتحليلا لإشكالياتها. يتبع |