اقرأ المزيد...

سعيد علم الدين

 كاتب لبناني. برلين

 

نعزي اهلنا أقباط مصر

 2010.01.09

تحية حارة الى أهلنا أقباط مصر، كيف لا وهم الأصل والأصالة، والطيبة والحضارة، والنقاء والطهارة، والصفاء والنضارة.

ورغم الالم الذي يعتصر قلب كل عربي حر شريف ومسلم سوي معتدل لوقوع هذه الجريمة المأساوية في عشية عيد الميلاد المجيد، عيد المحبة والسلام، الا انني اقول:

كل عام وانتم ومصر الغالية بالف بخير!

فمصابكم هو مصابنا يا اهلنا وشهداؤكم هم شهداؤنا، بل وازيد بالقول:

شهداؤكم لن تذهب دماؤهم هدرا فهم شعلة من شعلات حرية الشرق القادمة حتما عندما تؤجج نيرانها المقدسة الدماء الطاهرة الزكية.

وسنبقى على العهد، نحمي بعض، انتم نحن ونحن انتم، ومهما حاول المتطرفون المجرمون وجميع حركات الإسلام السياسي الإرهابية العنفية المنفلتة الهوجاء التفريق بيننا.

فهذه الحركات وفي مقدمتها حركة الاخوان المسلمين الأم، هي من زرعت ثقافة الحقد والكره والتكفير والفتنة، وسفك الدماء البريئة كشربة الماء، والانعزال والتقوقع والاغتيال والجهل والتحجر والغباء، ورفض الآخر وتكفيره وقتله بدم بارد في مصر وباقي الدول والمجتمعات العربية.

ولا عجب ان نحصد اليوم ما زرعه هؤلاء بالأمس وما زالوا يزرعونه اليوم في شطط تاريخي صبياني أهوج سيدمر كل الدول والشعوب العربية اذا لم تصحو الدولة المصرية وتخرج من دوامة هؤلاء.

فمنذ 80 سنة والدولة المصرية مشغولة بدوامة:

الإخوان .. الاخوان .. الاخوان .... وما هم في الحقيقة بإخوان!

وما هي نتيجة هذا العبث الفكري العقائدي الاستبدادي الظلامي التخبطي؟

انها معرقلة لتقدم الدولة العصرية المدنية، ومدمرة لمسيرة التنوع والحرية والديمقراطية، ومفسدة لتطور المجتمع والعيش المشترك بين الأديان، ومحبة الإنسان لأخيه الإنسان.

ولهذا فعيب ومشين ومخزي ووصمة عار تاريخية لن تمحى بسهولة عن جبين أم الدنيا لما يحدث هذه الأيام الكأداء بحق مسيحييها بين فترة وأخرى. فمصر هي مهد الحضارات والديانات وعبق التاريخ يخرج من كنائس أقباطها منذ آلاف السنين، مما يزيد توهجها امام العالم اجمع:

مجدا ورونقا وبهاء وحضارة وبهجة قل نظيرها.

أعزي من القلب اهلنا الأقباط بالشهداء الأبرار الذين سقطوا صباح الخميس 1-7-2010 وهم يحتفلون بعيد الميلاد المجيد، مبتهلين لأهلهم الصبر والسلوان وللجرحى الشفاء العاجل.

واندد بشدة بالجريمة البشعة التي حلت بهم على يد هؤلاء المسلحين المجرمين الذين تم القبض عليهم ويجب انزال عقوبة الإعدام بهم، لقتلهم وبدم بارد، وبنذالة وخسة، وعن سابق تصور وتصميم، ودون انذار، ودون سبب وجيه، وبحقد اسود ابناء وطنهم فقط لأنهم من ديانة اخرى.

أين البطولة والمروءة في قتل ابرياء عزل بهذه الطريقة النذلة؟

اين الشهامة الصعيدية في هذا العمل المنكر الذي يعتبر فتنة بين ابناء المجتمع، وزعزعة للسلم الأهلي، وتَعدٍ صارخ على مصر ووحدتها الوطنية.

ومن هنا لا بد من انزال عقوبة الإعدام بحق القتلة، ليكون ذلك عبرة لكل من تسول له نفسه القيام بجريمة نكراء عنصرية بشعة كهذه.

الي متي ستستمر هذه الاعمال الارهابية الدموية المرفوضة ضد المسيحيين العزل ان كان في العراق او في مصر؟

والى متى سيستمر مسلسل الحقد والكره والتطرف وكراهية الانسان لأخيه بسبب الدين أو المذهب او الفكر او العقيدة ؟

هذا المسلسل سيستمر ما دام هناك اسلام سياسي لا يعرف الله وليس له دين ويريد تدمير العالم العربي ودوله للهيمنة عليه والعودة به 1400 سنة الى الوراء على طريقة غلمان طالبان وملالي ايران وصبيان الصومال.

ولا يكفي هنا ابدا ان نختبئ وراء اصابعنا ونقول الاسلام بريء، وكل حركات الاسلام السياسي الدموية تستغل بعض الآيات القرآنية مدعومة بفتاوى المشايخ الجهلة التي تدعو الى سفك الدماء وجز الرقاب ومحاربة الاخر وقتل المشرك وثقفه أينما وجد.

وكما جاء في سورة التوبة " فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم"(5)

ولا عجب ان يصرخ هؤلاء المجرمون بعبارة الله واكبر ، وهم يقتلون الابرياء أمام الكنيسة أو في الطائرات المدنية المليئة بالركاب المدنيين الابرياء كما اراد ان يفعلها النيجيري المغفل المسلم والموجه من تنظيم القاعدة الحاقد وغيرها من الاف العمليات الإرهابية وفي كل مكان.

ولا يكفي أبدا أن نردد قائلين عند وقوع أي جريمة بشعة يركبها مسلمون بحق الابرياء ان الإسلام دين محبة وسلام وممارسات بعض اتباعه تؤكد العكس تماما.

ولن ينفعنا التبرير بل سيزيد طين المستقبل القاتم بلة!

واذا كان المسلم يردد يوميا عشرات المرات جملة بسم الله الرحمن الرحيم. فكيف اذن باسم الرحمن الرحيم يتم قتل الابرياء باشع واخس واحقر الطرق والاساليب الدموية الشيطانية التي لا يحركها الا الشيطان الرجيم.

ما هو المطلوب؟

المطلوب من المشايخ المستنيرين ورجال الدين الأجلاء المعتدلين التركيز فقط على الآيات التي تدعو الى الاعتدال وهي كثيرة في القرآن! والدعوة الى المحبة والرحمة والاخوة والسلام لكل الناس لا فرق بين بوذي وهندوسي، ولا كافر ولا ملحد، ولا بين مسيحي ويهودي.

واذا كان الله حسب القران خلق الناس جميعا وجعلهم شعوبا وقبائل وحاليا دول ومجتمعات ليتعارفوا ويتمازجوا ويتزاوجوا ويعمروا الارض فباي حق يتم قتلهم واعلان الحرب على المشركين والكافرين تحت شعار نظرية الفسطاطين وتقسيم العالم الى فسطاط ارض الاسلام والسلام وفسطاط ارض الكفر والحروب.

ويا للعجب العجاب والتناقض الرهيب في هذه النظرية القرقوشية التي اذا انزلناها من برجها العاجي الى ارض الواقع، فلن نرى الحروب البشعة مستمرة ومستعرة ومشتعلة الا ما لا نهاية، الا في فسطاط ديار الاسلام والسلام.

المطلوب ايضا من الدولة المصرية وباقي الدول العربية والاسلامية الغاء قانون الحسبة وغيره من القوانين العقيمة الخانقة للحرية التي تعاقب الانسان على فكره وابداعه وعطائه وانطلاقه، وبالتالي اصدار قوانين صارمة تحرم التكفير وتعاقب كل من يتهم الآخر بالكفر والشرك والزندقة والتخوين وما الى ذلك من اتهامات مبتذلة ومبنية على الأوهام.

فالمشرك والكافر والملحد ذنبه على جنبه ونقطة على السطر!

فلماذا توجعون رأسكم ورأس البشرية؟

عدا ان الحقيقة الكونية المطلقة ليست ملك احد. وبالتاكيد ليست ملك الإسلام وحده!

ومن يعتقد انه يملك الحقيقة المطلقة فليبرهنها ابيض على اسود، وليس موسيقى على غناء، وشعر على نثر، وغيم على ضباب ويحاول فرضها على العالم بالإكراه والعنف الدموي والإرهاب.

وسيبقى عاجزا!

ولن يستطيع برهنتها الا في اضغاث الاحلام وتبريرات الاوهام والتخبط في برهنته الى ما نهاية في الهوائيات والضبابيات والماورائيات والغيبيات وسراديب الظلام.

وإلا فإلى دولة الفقر والفاقة والإجرام، والتخبط بسرور في الظلام حتى الوقوع وكسر العظام!

والى دولة التعمشق بحبل الهواء لعله يُخرجُ الزير من البير، وسيبقى الزير في البير، وسنستجدي الدواء والغذاء والسلام من الآخرين!

والى سياسة العهر والقهر والقمع والتعتيم والتزوير، ورفض الحق والحقيقة والتنوير، ومحاربة شمس الديمقراطية ليتلذذ بعض الجهلة أكثر في العتمة العقائدية!

والى نشر ثقافة الاستبداد بالاستعباد، وتقديس الشهوات وحب الدنيويات، وعشق القبور قبل الممات، وتكفير الآخر والرقص على أشلاء الحوريات.

ومن هو الآخر؟

الذي في حقيقة الأمر هو هؤلاء، هذا اذا كان لهم عينان اثنان يرون بهما الامور بنور، وليس عين واحد تبقيهم متخبطين في سراديب العتمة والديجور.

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها