اقرأ المزيد...
سعيد علم الدين
كاتب
لبناني. برلين
هل سيبتلِعُ الخريفُ
الإسلاميُّ الربيعَ العربي؟
وهل ممكن للظلام ابتلاع النور؟
ولو قدر
للظلام ابتلاع النور .. لبقي الانسان بعقله محدودا يعيش في المغاور المظلمة
والصخور .. وعلى ضفاف البحيرات والأنهار والبحور .. ولما استطاع بعقله
الجبار .. اختراع الأدوات وقدح النار .. ومن ثم انجاز
أهم اختراع
على الاطلاق، ألا وهو معجزة الكهرباء، التي بدلت وسهلت وطورت أنماط الحياة،
وفتحت له كل الآفاق، وحولت مدنه وبلداته وقراه الى حلل بديعة ساحرة تبدد
عتمة الليل مشعشعةً بالأنوار.
وهل ممكن
للشر أن يبتلع الخير؟
لا شك أن
هناك صراعا محتدما دائم الوجود، ومستمرا استمرار الحياة بين الخير والشر،
ولن يتوقف أبدا لعلاقته العضوية الوراثية الجينية بطبيعة الانسان الحيوانية
الأصل الوحشية الجذر.
ولو قدر
للشر ابتلاع الخير .. لما
قامت للإنسانية
قائمة،
ولما نهضت
حضارةً
ولا مدنية ولا مجتمعات مزدهرة، ولا دولا متفوقة داست أرجل روادها على سطح
القمر .. ولسيطرت على الكرة الأرضية مجموعات آكلي لحوم البشر .. كوحوش
هائمة على وجوهها من بقايا عصر الحجر .. تعيش في الكهوف بخوف من الآتي وحذر
.. وتقفز كالقرود فوق أغصان الشجر.
وهل هناك
فرق كبير بين من يأكل لحوم البشر، وثان يغتال الأحرار خسة بالطعن في الظهر
.. وثالث يفجر نفسه وبالأبرياء ينفجر .. ورابع شبيح أسدي يقتل ويذبح ويدمر
ويهجر في خدمة نظام متوحش قذر .. وخامس مجرم داعشي فاقد البصيرة والبصر
يذبح الانسان ويفتخر؟
حيث
يتحول المذبوح بين يديه المتوحشتين وعقله الخالي من المشاعر والأحاسيس قبل
الذبح بالسكين الى جثة هامدة تتنفس طلوع الروح بصمت رهيب.
ورب قائل
يقول متهكما وهو قاعد على قفاه:
لقد
انتهت الملهاة .. وابتلع الخريف الاسلامي بعواصفه الدموية الهوجاء الربيع
العربي وانتهى الأمرُ كما بدأناه
.. وعدنا
الى المربع الأول في القرن الأول الهجري .. ونحن يله يله على غير هدى الى
الهاوية السحيقة على أقفيتنا المحملة بمخلفات الموروث الديني الثقيل نجري.
فلماذا
تتعب نفسك بسؤال جوابه عند أعتى وأشرس وأخبث وأنجس الطغاة:
كالإخوان
وميليشيات المالكي وطالبان وبوكو حرام، وأنصار بيت المقدس وشبيحة بشار
اللئام، وداعش وحالش والحوثيين والوهابيين وأنصار الشريعة المريعة والقاعدة
وفجر ليبيا، وحركة الشباب وملالي ايران البغاة.
لماذا
تتعب نفسك بالسؤال ونحن وإسلاماه .. على صراخ شيوخ التكفير السني الشيعي
التلفزيوني وزعيقهم الهستيري، نهرول من فتنة إلى مأساة .. ومن حرب إلى
هزيمة نكراء تتساقط على رؤوسنا كأوراق الخريف الذابلة
وتَسقطُ شبابُنا رخيصةً على قارعة الحياة.
لماذا
تتعب نفسك بسؤال يذكرنا بنكبة ابن رشد قبل 800 عام ، وقتل فرج فودة على
أيدي هؤلاء الجهلة المستبدين المتزمتين المتطرفين الطغاة، الذين لا يتعلمون
من دروس التاريخ ويعيدوننا في كل مرة الى نقطة الصفر، بل ونحن هابطون معهم
بنشاط وحيوية ودموية الى القعر:
من
استبداد القذافي الى استبداد القاعدة والاخوان، ومن استبداد صدام وطالبان
الى استبداد الحوثيين وملالي ايران، بل والى تحت الصفر وقعر القعر وعلى
صيحات الله أكبر .. الى استبداد واستعباد الناس كما تفعل عصابة داعش من
ممارسات تقشعر من وحشيتها الأبدان، في عودة الى مربع نظري .. بحلم وردي ..
وفكر صنمي .. ودين وثني .. وعقل شيطاني، وحورية تستلقي عارية على سريرها
اللؤلؤي .. بجسد غض شهي .. لتمارس الجنس الناري .. مع منتحر همجي .. متوحش
دموي .. وشريعة بالية مدمرة للحضارة والقانون، واسلام سياسي سني شيعي متخلف
غبي .. ليس له علاقة البتة بهذا الزمان، حيث الديمقراطية بفكرها البهي
وحقوق الانسان هي التي ستسود، وليس خليفة ملتح عفن مقرف من هنا، وولي فقيه
حاقد مفتن خَرِفٍ من هناك.
جل ما
سيشتهران به: قطع اليد وجز الرأس والقمع والسحل .. والنهب والسَّبي والقتل
.. ونشر الرعب والخوف والجهل .. والتفخيخ والتفجير وتهجير السكان وإعدام
الرجال ورجم النسوان وصلب الأبرياء في الساحات في انتصار لثقافة الموت على
ثقافة الحياة.
ورب آخر
يتساءل وبحق: وماذا بقي من ربيع اشتعل نارا واحترق؟
شباب
احترقوا لكرامتهم .. وآخرون استشهدوا لحريتهم .. يحلمون بربيع قادم بمستقبل
زاهر وعيش كريم .. ومجتمع حر ديمقراطي عصري سليم، انقلب رأسا على عقب ..
إلى شتاء اسلامي ولهب.. عاصفٍ بدمار .. وصيف حارق حار .. أحرق الأخضر
واليابس وأشعل النار .. بحروب دموية وصراعات مذهبية وممارسات وحشية وهجرات
مأساوية عبر البحار.
هنا لا
بد من التوضيح، بأن الاسلام المقصود به هنا، هو الاسلام السياسي وليس
الديني.
والفرق
شاسع جدا بينهما. بين الانسان المسلم المتدين المؤمن العاقل الطيب المعتدل
الخلوق الصادق المسالم السوي التفكير الذي لا يؤذي أحدا، ويحترم الاختلاف
بين الناس ولا يهمه البتة خصوصيات الآخرين ان كانوا مسلمين أو كافرين،
مؤمنين او لا دينيين. انطلاقا من قناعته الدينية، لكم دينكم ولي دين، ويريد
ان يعبد ربه ويمارس شعائر دينه بحرية وزهد ايمانا منه بالقول القرآني "إن
اللَّهَ
يَحْكُمُ
بَيْنَهُمْ فِي مَا
هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ"،
ودون فرض نفسه ووصايته بقوة العنف والقتل والارهاب على المجتمعات لفرض
عقيدته عليها.
كما حصل
في مجازر الجزائر المأساوية على يد الإسلاميين. أو كما يحصل اليوم في بعض
البلاد من خراب ترتكبه جماعات الاسلام السياسي السني الشيعي في محاولة
يائسة منهم لفرض مشروع اسلامي تآمري انتحاري فاشل سلفا.
بالنسبة
لي رغم احترامي الكامل للمسلم المتدين، والذي هو ابي وامي وخالي وعمي وأخي
وأختي، إلا انه لن أسمح لأحد بحجة عدم نقد المقدس أن يكمم فمي ويمنعني من
أن أتنفس تعبيرا عن آرائي بحريتي المطلقة.
ومن هنا
أحتفظ بحقي الكامل في انتقاد المقدس، أي القرآن وكل ما يمت إلى الفكر
الاسلامي بصلة، خاصة وأن الخلل والعلة وتراكم الأخطاء أراها كامنة في كتب
الدين وليس في المسلمين.
فالإصلاح
الديني لا يمكن ان يحدث دون الكشف عن الخلل.
خاصة وأن
الفكر الديني يمر هذه الأيام في مرحلة تشدد وتزمت وتطرف وعنف تعبر عنها
دمويةً ووحشية وارهابا وغرورا كل حركات الاسلام السياسي. التي تعتقد
بامتلاكها للحقيقة المطلقة والتي لا تملك منها حسب رؤيتي الا الهراء.
فانتقاد
المقدس بعلم ومنطق ومعرفة وادراك هو ضرب لأسس الاسلام السياسي الذي يعتمد
على هذا المقدس في التغرير بالشباب للموت من أجل أكذوبة الحوريات. فبدل ان
يعمل الشاب في هذه الحياة من اجل المستقبل يموت من اجل نكاح حوريات بالجملة
.. ستقضي على حياته ذاهبا فرق عملة، قيمتها لا تساوي قشرة بصلة. حتى النمل
يعمل من اجل الحياة والمستقبل بجد ونشاط فيبني ويعمر بيوته. اما الانتحاري
فهو يدمر حياته وحياة الاخرين على أمل مزعوم قيمته وحل قبل الموت وبعد
الموت خزي وتراب وطين.
ومما لا
شك فيه أن المخاض الدموي العنيف الذي يحدث في منطقتنا الشرق أوسطية
وبالتحديد العربية وامتداداتها الاسلامية هو صراع:
بين
الماضي والمستقبل، بين الحق والباطل، بين الحداثة والرثاثة، بين الحضارة
والقذارة، بين العلم والجهل، بين الخير والشر، بين التقدم والتخلف، بين
الكلمة والرصاصة، بين الحرية الفكرية والشمولية الاسلامية، بين الحرية
والعبودية، بين الربيع العربي حاملا راية ثقافة الحياة والديمقراطية
والعلمانية والمدنية والخريف الاسلامي محمولا على نعش ثقافة الموت
والشمولية الاستبدادية الظالمة المظلمة.
ان
الحكم لرجال الدين او باسم الدين هو حكم فاشل جاهل ومغفل ومنتهي الصلاحية
وغير قادر البتة على النهوض بالمجتمع وبناء دولة عصرية ناجحة، كيف لا وهو
في مستنقع الحاضر غريق .. يتعلق بحبال الهواء .. ويتخبط بشراسة لعودة الزمن
العتيق .. من ماضٍ غابر سحيق .. لا يمكن ان يعود من جديد. وهذه ايران تحت
حكم رجال الدين تتخبط في مشاكلها ليس فيها لا خير ولا بركة: لا لشعبها ولا
لجيرانها على العكس هي تصدر فقط الشر والفتن والسلاح والارهاب.
وهذه
دولة طالبان الأفغانية تحت حكم رجال الدين لم تُصَدِّرْ للعالم لا السيارات
ولا الطائرات ولا الالكترونيات سوى الشر وابن لادن والعنف والقمع والموت
والمخدرات.
ورغم أن
الخريف الاسلامي ما زال بضجيجه الاعلامي ومجاهديه وإرهابيه وإنتحارييه
ودوله وحركاته ودعاته وشيوخه وصبيانه وآياته العظمى والصغرى وأحزابه وكافة
قواه العاملة وخلاياه النائمة والفاعلة ممسكا بعنق الربيع العربي بكلتا
قبضتيه الدمويتين يريد خنقه والقضاء عليه، إلا أن هذا الربيع بدأ يتنفس
الصعداء بعد انكسار شوكة الاسلام السياسي في مصر معززةً بانكسارها في تونس
الحرية والديمقراطية والعلمانية.
ورغم
ضبابية الصورة، ومأساوية ما يحدث من
فظائع
همجية
على ايدي
نجسة في قلب هذا العصر الراقي المتحضر، إلا اني لم أشك ولو للحظة واحدة بأن
الثورة السورية ستنتصر على الممانعة الايرانية الاسدية الهمجية، وأن الربيع
العربي الحالم بالحرية والديمقراطية سينتصر على الخريف الاسلامي القاتم
بالعبودية والشمولية.
فالناس
ليسوا أغبياء وكفانا رفع شعارات كلها هراء وبناء قصور احلام في الهواء:
كدولة خلافة من هنا كلها غباء واستحمار وسفك دم واجرام وبلاء، او ولاية
فقيه من هناك كلها استغباء واستكبار وتخلف ودمار وفتن وحروب وشقاء.
جميع
الحركات الاسلامية الشمولية تسير عكس مسيرة الزمن، وستتقهقر مهزومة رغم ما
تحدثه من مآس وآلام ومحن!
سعيد ب.
علم الدين |