الكلدان الآشوريون السريان شعب واحد  يسمى بالشعب الآرامي

 

سعيد علم الديناقرأ المزيد...

 

 

 

سعيد علم الدين

كاتب لبناني. برلين


الذي يلعب مع القط عليه بتحمل خراميشه

سعيد علم الدين.

برلين 06.08.24

الأمثال الشعبية خزائن الأمم الثقافية المفتوحة الأبواب للعامة قبل المثقفين وموجودة عند كل الشعوب. لكل مثل حكاية، ولكل حكاية مخاض فكري خاص نابع من رحم المجتمع وخبرته الطويلة مع الأيام. مليء بالمعاني والدروس والرموز. عميق عمق تاريخ الأمة، عريقة عرق حضارتها، معبر عن تجربتها، ويحمل عصارة حكمتها وطريقة تفكيرها في معالجة مشاكل الحياة. إنه حكم، ونصائح، وتحذيرات مسكوبة باختصار في جمل مفيدة الكلمات تتناقلها الأجيال وترددها من جيل إلى جيل مؤكدة صحتها في أحاديثها، للتدليل والتذكير، أو للتنبيه والتحذير، أو للفت النظر لكي لا يقع الإنسان في أمر خطير.

فالمثل الذي يقول "الذي يلعب مع القط عليه بتحمل خراميشه" يعرفه ويردده اللبنانيون ومنذ أجيال من الجنوب إلى الشمال ومن الساحل إلى قرى أعالي الجبال. والمثل يقال عندما يريد الإنسان الحديث عن مشكلة وقعت كان من الممكن تجنبها إلا أن أحدهم أوقع نفسه بها تهورا لدرجة أنها تحولت إلى ورطة من الصعب التخلص منها وعلى المتمشكل الآن أن يتحمل مسؤولية عواقبها، خاصة إذا كانت مع شخص قوي، ذي نفوذ، التمشكل معه ليس بالأمر السهل!

فالقط هنا هو رمز للإنسان القوي القادر على إيذاء من يتحداه أو يتحرش به دون رحمة. كما أسلفنا فهذا المثل لم يأت من فراغ وإنما من تراكم التجارب التي دفع ثمنها أصحابها دما عندما لاعبوا قطهم أو بالأحرى تحرشوا بمن يملك القدرة على جرحهم.

فكيف إذا كان هذا القط دولة جارحة كإسرائيل؟

قطة مستنمرة لا تعرف اللعب، متأهبة دائما للقفز والضرب، مستنفرة لرد أي اعتداء بالدمار المزلزل والحرب.

ولهذا ذكرني هذا المثل في هذه الأيام العصيبة التي يمر بها لبنان بالمأزق الصعب والدامي جدا رغم المكابرات وهوبرات النصر التي لا تجدي نفعا، ولا تعمر بيتا، ولا تطعم جائعا، ولا تكسي عريانا، ولا تعمر بيتا ب 12 ألف د. وزعها حزب الله على المنكوبين من اللبنانيين. مع العلم أن المبلغ المطلوب تعويضا للدمار الذي تسبب به بسبب إشعاله هذه الحرب يفوق 15 مليار د. وأكثر، حسب الأمم المتحدة.

هذا المأزق أوصل إليه نفسه حزب الله بمشاريعه القاتلة في المقاتلة، وفي فتحه صراعا ضد إسرائيل لمصلحة سوريا ومشاريع إيران الكبرى على حساب دماء ومستقبل وآلام شعب لبنان. جارّا معه إلى هذه المآساة المدمرة لبنان وبقية أبناء الوطن دون إرادتهم، بل غصبا عنهم، متهما أكثريتهم النيابية الممثلة لقرارهم والتي حازت بجدارة ومن خلال انتخابات ديمقراطية نزيهة حرة وباعتراف المراقبين الدوليين المحايدين على أكثر من 70 نائبا من أصل 120، متهما إياها بالأكثرية الوهمية على لسان الشيخ نصر الله وذلك ترديدا لما قاله بشار بالأكثرية العابرة، ولحود بالغابرة، وعون بالفاجرة. أما عون فقد أعلن في بداية الحرب بان السيد حسن نصر الله قد أبلغه بعد حدوث العملية ان "سقفها تبادل الأسرى مع اسرائيل". وكأن اللعب مع القط مضمون العواقب. ولو انه كذلك لما قيل "الذي يلعب مع القط عليه بتحمل خراميشه". "وليس كل مرة بتسلم الجرة". يعرف العماد عون قبل غيره بأن للحروب أسبابا مباشرة وأخرى غير مباشرة. ودائما الأسباب الغير مباشرة هي أهم بكثير من المباشرة وهي أساس اندلاع الحروب حقيقة. أخطاء حزب الله في فرض نفسه كدولة ضمن الدولة، ورفضه انتشار الجيش اللبناني على الحدود مع إسرائيل، وعدوانيته الشرسة ضد القرار الأممي 1559 الذي يطالب وبكل بساطة باحترام السيادة اللبنانية وفرض سلطة الدولة اللبنانية " وليست الإسرائيلية" على كامل أراضي لبنان. ورفضه تسليم سلاحه وسلاح باقي الميليشيات الفلسطينية الى الدولة، وحربه من أجل مسمار شبعا والأسرى، رغم أن ذلك كان ممكن معالجته سلميا بواسطة الطرق الدبلوماسية.

لقد كاد كل زعماء لبنان الكبار ومن كل الطوائف في جلسات الحوار الوطني تقبيل يدي حسن نصر الله قبل وجنتيه ليوفر على لبنان هذه المأساة المدمرة. وقدموا له كل العروض الممكنة لكي يكون قرار الحرب والسلم وما يخص مزارع شبعا والأسرى وكل القضايا الأخرى بيد الدولة. لأنهم كانوا يدركون تماما خطورة الخطابات الحماسية والشعارات الثورجية وتحدي الشرعية الدولية والتصرفات العسكرية المتكررة التي كان يمارسها حزب الله ضد إسرائيل. إلا أنه كان يلعب على الوقت، يناور بدل أن يحاور، يبتسم بدل أن يعبس، يقبِّل الآخرين بسرور ويرفض كل عروضهم. ولم يترك للصلح مطرحا، خاصة عندما اعتبر السلاح مقدسا. انتهى الحوار!

وهل يستطيع أحد في بلاد الشرق الاقتراب من المقدس؟   

وببساطة لقد فرض حزب الله على لبنان حربا شعواء، وصراعا شرسا، غير متكافئ مع دولة معسكرة اجتماعيا، صناعية، قادرة، معبئة دوما، ومدعومة من القوى العظمى وخاصة القطب الأوحد أمريكا، وعدوانية بتفوق. مجهزة بأحدث المعدات الحربية برا وبحرا وجوا لخوض الحروب التي أثبتت فيها باعها وبراعتها بجدارة لافتة لنظر العالم أجمع ومدججة ليس فقط حتى الأسنان بأحدث المخالب وأقوى الأنياب بل أيضا بسلاح العلم القوي وسلاح الديمقراطية الأقوى وخاصة حرية الصحافة والإعلام والتعبير والمحاسبة والفكر والنقد الحر، الذي هو القوة الحقيقية لمجتمعها قبل صواريخها وبوارجها. وهو السبب الأول لتحالف أمريكا معها. وهل ممكن أن تتحالف أمريكا مع إسرائيل هذا التحالف العضوي لو كانت إسرائيل دولة الحزب الواحد، والدكتاتور القائد، والصنم الجامد، والرئيس الرائد، والولد المعاند، والخاحام المجاهد، والفكر السائد، والنظام العائلي الفاسد ككوبا كاسترو أو كوريا سونغ أو سوريا بشار مثلا؟ بالتأكيد لا!

عشرة أيام مرت على قرار وقف إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل، وما زالت إسرائيل تحتل أراضي في الجنوب وتحاصر لبنان المنكوب، براً وبحراً وجواً، وتقوم بانتهاك الأجواء ساعة تشاء فوق معظم المناطق والقرى. نحن اليوم بفضل استراتيجية حزب الله الدفاعية بحاجة إلى إذن من إسرائيل لتحط طائرة في مطار رفيق الحريري الدولي أو لتقترب سفينة من المرفأ. العالم اليوم عبر الأمم المتحدة ومعه العرب المعتدلون يرجون إسرائيل حتى الانبطاح وتقبيل اليدين لفك الحصار.

وأخيرا اعلن رئيس كتلة حزب الله النيابية النائب محمد رعد اليوم لصحيفة "البلد" "ان حزب الله لن يخرق الهدنة مع اسرائيل لكنه سيرد على "انتهاكات" الدولة العبرية اذا ما قررت الحكومة اللبنانية ذلك. وتابع" بقرار سياسي من الحكومة"

جميل جدا هذا الكلام، لكن لقد كان الثمن غاليا جدا جدا لنصل إلى هذه القناعات المنطقية السليمة. وبهذه القناعات المنطقية السليمة يستطيع لبنان القوي بديمقراطيته وحريته وأحراره وأحزابه ودبلوماسييه وصحافييه وجيشه وشعبه ومقاومته الوطنية تحويل القطة المستنمرة إلى قطة وديعة.

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها