الكلدان الآشوريون السريان شعب واحد  يسمى بالشعب الآرامي

 

سعيد علم الديناقرأ المزيد...

 

 

 

سعيد علم الدين

كاتب لبناني. برلين


خمس مئة يوم مرت، والجريمة لن تمر دون عقاب

خمسمئة يوم مرت على الجريمة الإرهابية النكراء التي ضربت بيروت في قلبها الخافق أملا. أرادوا قتل أمل بيروت ليركع شعب لبنان تحت نيرهم وفي يأسه يخنع. 

نزف قلبها الحنون دما في 14 شباط، ودمعت عين المريسة وناح لبنان شملا وجنوبا، ساحلا وجبلا، بقاعا وهضابا، مقيما ومغتربا، وتألم الكثيرون من الأشقاء المحبين، وتأثر الكثيرون من الأصدقاء الغيورين.

خمسمئة يوم مرت وكأننا ما زلنا في اليوم الأول. الأرض ما زالت تزلزل زلزالها تحت أقدام القتلة، والسماء ما زالت تبرق وترعد فوق رؤوسهم إلى أن تشرق شمس الحقيقة ويلقى المجرمون عقابهم الذي يستحقونه.

لن تسكن الأرض ولن تهدأ السماء إلا بإظهار الحقيقة فصراخ الشعب المكلوم بخيرة أبنائه قد وصل إلى كل الأرجاء وأبكى الأرض والسماء. أما أهل الخيانة العظمى والغدر واختصاصيي مهنة الاغتيال وأسيادهم فقد ذهلوا وما زالوا في ذهول. فهم اعتقدوا خطأً من خلال حساباتهم الصبيانية بأن الأمور ستنتهي كالعادة كما انتهت بعد كل عملية اغتال: صراخ ونواح وهمهمات، وبضع مقالات وتحليلات، وبكاء وزرف دموع وانتهى الموضوع، وأخيرا كالعادة إقفال الملف وتوجيه التهمة إلى مجهول. ولهذا وبعد خمسمئة يوم ما زالت الكوابيس تلاحقهم وما زالوا في حالة يرثى لها من البلبلة والقلق والتخبط والرعب والترقب والتخمين، ومن علامات قلقهم شحوب وجوههم واصفرارها رغم ابتساماتهم المصطنعة الباهتة. خاصة وأن تخريب مسرح الجريمة لتضييع الأدلة أوقعهم في الحفرة، "من حفر حفرة لأخيه وقع فيها". وأضرتهم جدا تركيبة شريط أبو عدس الذي سيلتف حول أعناقهم، بل أن تركيبة أبو عدس تعبر عن صبيانيتهم أفضل تعبير. ولم تفدهم بشيء لعبة هسام هسام وأكاذيبه في مؤتمره الصحفي الذي سينقلب عليهم وبالا في المحكمة، ولم تخدمهم محاولتهم البائسة في عرقلة التحقيق. بالمماطلة أحينا وأحيانا بالهروب إلى الأمام ، ثم الرجوع إلى الأوكار. المحكمة الدولية قادمة دون تأخير، وستخرجهم من أوكارهم جميعا: من حرض وتآمر، من كتب التقارير الكاذبة وخابر،  من خطط وراقب ودبر، ومن شَوَّش على أجهزته الالكترونية ونفذ وفجر وأمر. ذهب ميليس المثير بعد أن كتب التقرير، فهاجوا عليه وماجوا واتهموه بالتسييس، وجاءهم دون جلبة وضوضاء براميرتس، الهادئ الخبير ليختم بحقهم كل التقارير.

خمسمئة يوم مرت على الوطن الصغير، فيها الكثير من رياح التغيير، هبات باردة وأخرى ساخنة، وعواصفَ فكريةٍ وزوابع ثورية حقيقية وأعاصير، ثورة الأرز والحرية أكبرُ من حجم لبنان الصغير بكثير. ولن تظل ضمن حدوده، بل ستتعداها إلى الدول الشقيقة قريبُها والبعيد وسيكون لها على الشعوب المسحوقة بأنظمتها، والناس المظلومة بلقمة عيشها، والمثقفين الأحرار الشجعان، وعشاق الحرية وناشطي حقوق الإنسان، ورافضي سياسة الاستبداد والقمع والهوان، صدى إيجابي بعيد المدى وتأثير. نحن ما زلنا في الخمسمئة يوم الأولى. سيتفاعل ذلك بمفعولٍ متواصلٍ، وسيقلقُ في الوقت نفسه مضاجع الحكام الخانعين. المجددين لعهودهم منذ أمدٍ طويل، المتربعين على كراسيهم وراثةً أو القابضين عليها بلطجةً إلى أن يقبضَ عليهم عزرائيل، ويريح شعوبهم منهم ومن صورهم المرفوعة وشعاراتهم والتماثيل،  ويأخذهم مكبلي الأيادي والأرجلِ إلى مثواهم الأخير ، حيث تنتظرهم على بترحاب جهنم الحمراء وبئس المصير، وما فيها من شررٍ مستطير، وزنزانات منفردة وغرف مؤبدة يتلظى من يدخلها بنيران السعير، وإلى أبد الآبدين.

خمسمئة يوم مرت والجرحُ ما زال طرياً. وأنا شخصياً ما زلتُ لهولِ ما حدثَ محزون وفي القلبِ موجوع. ولن أنسى الشهداءَ الأبرياء وأفُكَّ حزني وتَهدأَ روحي وأعرفَ الراحَةَ النفسيةَ، إلا بعد أن تنكشفَ هذه الجريمة على حقيقتها وتأخذَ العدالةُ مجراها، ويلقى هؤلاء المنحطين القصاص، كائنا من كانوا، ونراهم قريباً في الأقفاص. لكي ينتهي عصر الاغتيال واحتقار كرامة الإنسان وروحه في العالم العربي. ولكي  نرتاح جميعاً، بدل أن نتهم فلان وفلتان، وما أكثر الفلتانين، هذه الأيام! خفافيشَ الظلامِ المتفوقين شروراً على الشياطين، هؤلاء المجرمين المتخفين من وراء الستائر المتسللين تحت جنح الظلام، الظاهرين بأقنعتهم علناً والمعروفين بمناشير الفتنة التي وزعت في بيروت قبيل عملية الاغتيال، تتهم الحريري وشرفاءَ المعارضة الوطنية اللبنانية بالصهيونية والأمركة والعمالة، ومنهم السياسيين المستفيدين بلسانهم التخريبي الفالت، هؤلاء الذين باعوا ضمائرهم في انتخابات التزوير، ليحصلوا بمساعدة مخابرات النظام العربي السوري على لقب نائب أو وزير، وكل ذلك على حساب الشعب المغلوب على أمره الساكت، ومنهم طوابير الهتافين المنبطحين، والأنصار المهرجين، والأغبياء المتحزبين، والعملاء المنتفعين، والأشرار الحاقدين، الذين يرتكبون السبعة وذمتها ولا يهابون من ارتكاب الثمانية وعمتها، يبررون فعلتهم كما يحلو لهم ولا يسألون أنفسهم عما يفعلون. باعوا الضمير تماماً كجماعات الإرهاب الإسلامي الذين يتهمون الناس بالتكفير لتبرير قتلهم. ويتهمون الإنسان بالعمالة ليهدروا دمه ويفجروا موكبه في عز الظهيرة!

فكر سليط يتخبط فيه العالم العربي في إسكات الفكر الآخر أو قتلِهِ. فمن يقول لهم: "لا"، يصبح عدواً دمه مباح؛ ومن يقول لهم: "نعم"، يركبون على ظهره بمخابراتهم ويمصون دمه ويسحقونه ببساطيرهم.

تظهر هذه المصيبةُ بوضوحٍ اليوم في العراق بتلاحم الإرهاب الهائج الإسلامي مع الإرهاب السائب القومجي، لقتل روح العراق الفتية الديمقراطية، وبدل أن يهاجموا الجندي الأمريكي، تراهم يشعلون الفتن بين أبناء الشعب الواحد، ويفجرون أنفسهم بقذارةٍ ما بعدها قذارة في بيوت الله ومساجده وبين الأبرياء.

فنحن نعيش في عصر هو أكبر شاهد على إفلاس هذه الجماعات التي ستنقرضُ حتماً. وهم نتيجة واضحة للعفن الذي ساهم بتنشئته ثورجيي الأمة وإسلمجييها. فالاتهام المبني على الإشاعات هو أسهلُ طريقةٍ عندهم لتصفية الوطنيين الأحرار.فهم يقتلون القتيل في الليل، ويمشون في جنازته في النهار مطأطئي الرؤوس حزناً عليه، وكأن على رؤوسهم الطير. وعند التعزية يتجهمون نفاقاً ويمارسون عهراً عادة التقبيل. وإذا كان ولا بد: انهمرت دموعهم، ومزقوا ثيابهم، وشدوا شعورَهُم، ولطموا خدودَهُم وعفروا الترابَ على وجوههِم كذباً وتدجيلا. المشكلة هي مشكلة المجتمع العربي الغارق حتى قمة رأسه في تفاهاته. عندما سئل وزير الخارجية السوري السابق فاروق الشرع عن القرار الأممي 1559، الذي يطالب بانسحاب النظام السوري ومخابراته  من لبنان. أجاب وبعنجهية: "قرار تافه". ولم تمر أسابيع على كلامِهِ حتى وافق السيد بشار الأسد على الانسحاب الكامل وتطبيق القرار التافه. فلو حدث هذا في أي دولة تحترمُ نفسها يستقيل فوراً الوزير، بل ويحاكم لارتكابه هذا الخطأ الفادح، لأنه ضلل الدولة عن عدم اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب. على العكس تم تعليته إلى منصب نائب رئيس الجمهورية. رد عليه يومها السيد وليد جنبلاط، قائلاً: "وقرار التمديد للحود أيضاً تافه". ومن تافه إلى أتفه ذُبِحَ في الجزائر 150 ألف إنسان جزائري، لا ذنب لهم إلا أنهم ولدوا في تفاهات المجتمعات العفنة إلى حد التقيؤ. ومن تافه إلى أتفه دمرنا السودان الكبير وشرذمناه بأفكارنا التافهة. وهناك خوف من تقسيمه إلى دويلات. ومن تافه إلى أتفه دمرنا العراق العظيم بالعنجهية الصدامية، وما زلنا نرقص رقصات العار البدائية على أنقاض القادسية. ومن تافه إلى أتفه أكلت الحروب لبنان وذهب ضحيتها أكثر من 150 ألف إنسان. ومن تافه إلى أتفه نهدرُ طاقاتِنا، نظلمُ أجيالَنا، ندمر بلادنا، نشوهُ حضارتِنا، نهجر عقولَنا، ونعربدُ على الفضائل بالنقائص، نقطع ما بيننا من وصائل، نقدس أخطاءنا ونرتكبها بجدارة ثانية وثالثة دون طائل، وندفع الأثمان انهزاماً وتتفاقم على رؤوسنا المشاكل. وساعد الله شعب فلسطين، الذي خسر بسبب بعض التائهين الصديق المخلص والسند المعين!  

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها