الكلدان الآشوريون السريان شعب واحد  يسمى بالشعب الآرامي

 

سعيد علم الديناقرأ المزيد...

سعيد علم الدين

كاتب لبناني. برلين


 

الرؤساءُ القَتَلَةُ

 07.03.10

إن أسوأ ما يتعرض له شعب هو أن يكون الرؤساء المؤتمنون على الشرعية المستمدة من الدستور قتلةً ولصوصا يدوسون على البنود والقيم الإنسانية والنصوص، لا يردعهم رادع عن غيهم وفجورهم سوى تهديد مجلس الأمن باستعمال الفصل السابع. 

وهكذا كان، وكان لا بد لمجلس الأمن كأعلى سلطة دولية على الإطلاق من التدخل في لبنان كما تدخل في دول كثيرة أخرى لإعادة الأمور إلى نصابها، وردع الحكام بعد أن انفلتوا كالوحوش الكاسرة من عقالهم يدوسون بالعنف الدموي والإرهاب المنظم على الدولة وحقوق الناس وكرامة المجتمع اغتيالاً وتفجيراً ومؤامرات وتدميراً. خاصة بعد أن حول الاحتلال المخابراتي البعثي لبنان الديمقراطي إلى غابة للجريمة وبؤرة للفساد وتركيب الملفات والتجارة بالشعارات القومية والمخدرات وتبيض العملات  ، ترتع فيه كل أنواع الوحوش الضارية بالأنياب الحادة ومن كل الأصناف من حاجب إلى نائب إلى وزير إلى بواب وصولا إلى رئيس البلاد وحتى موظف بلدية صغير. المستوى واحد فكلهم عملاء مخبرين مثل ناصر قنديل كتبة تقارير.

ومن هنا فأزمة لبنان الكبرى حاليا هي في تعامل الحكومة الهادئ مع مخلفات هذا النظام الأسدي المفلس أخلاقيا وروحيا وإنسانيا ومنذ انقلاب حافظ الأسد على الدستور السوري بالعنف الدموي وتوريثه لغة الطوارئ لبشار الذي أجاد اللعبة في لبنان متفوقا على أبيه في هذا المضمار. وسار أذنابه من "حزب الله" المختار على خطاه منقلبين على العقد الدستوري الذي ارتضاه اللبنانيون جميعا بعد اتفاق الطائف.

ولهذا فلا عجب أن يفتعل "حزب الله" مع توابعه من المخطوف بري إلى المشبوه لحود إلى الانتهازي عون إلى المتهم القومي السوري ومعه البعثي إلى المردة إلى الأرسلاني إلى القتلة المطلوبين من جماعة على عيد إلى زعران كرامي وغيرهم، ظلما وعدوانا هذه الهجمة المسعورة على الشعب والحكومة إهدارا لدم الشهداء الأبرار وإكراما للقاتل في الانتصار على العدالة ووقف تشكيل المحكمة وليس عرقلتها فقط ومن ورائهم جميعا المحور المقدس. الاجتماع الأخير بين الزعيم الوطني سعد الحريري ورئيس "أمل" نبيه بري ما كان ليتم دون الضوء الأخضر من خامنئي ووكيله الشرعي في لبنان نصر الله.

الانقلاب على الشرعية اللبنانية بدأ بعد اتفاق الطائف الذي لم يطبق منه إلا ما سمح بتطبيقه انتقائياً نظام الوصاية. وتحول الحزب الإلهي تحت المظلة البعثية وبدعم سخي من إيران الصفوية وبحجة المقاومة إلى دولة شمولية فوق الدولة الشرعية آخذا معه قرار الحرب في لبنان المغلوب على أمره وليس قرار السلم. حيث لا يوجد قرار سلم في قاموس الحزب الإلهي الذي يعيش قادته ووزرائه ونوابه في فسطاس الحرب في مواجهة الحكومة الفليتمانية !

وهكذا يأخذ الحزب البلد إلى الحرب ويتسبب بدماره، كلما أمرته إيران، والشعب اللبناني يدفع الثمن وحكومته الشرعية يجب أن تجمع أشلاء الضحايا وتعمر ما دمرته إسرائيل وفجره عملاء المخابرات السورية.

هذا الوضع استفحل بعد التمديد الإكراهي للحود مؤديا كما نرى اليوم إلى شل مجلس النواب: قلب البلاد النابض بالكلمة الحرة النافذة والنقاش ومحاربة الفساد ومواجه الحكومة بالانتقاد وليس على طريقة ميشال عون في محاربة الفساد بفقاقيع التصاريح الساذجة على شاكلته وانتقاد سياسة الحكومة على طريقة العنتر أبو أنطون الأسمر بالتهديد بترحيل السنيورة بشاحنة "حزب الله" وحرق سوليدير بالبنزين، وقطع الطرق بالسلاح الأبيض واشعال الدواليب والاعتصام في خيم الضلال السياسي والاجتماعي والانحلال الوطني والخلقي والظلام.

أدى هذا الوضع الذي نعاني منه حاليا ونطلب لمعالجته الترياق من الشقيقة السعودية مشكورة إلى شلِّ مجلس النواب ومعه الأكثرية المنتخبة شرعيا وقبله إلى شغور مركز رئاسة الجمهورية لبنانيا وامتلائها بعثياً والتي أصبحت مفقودة وطنيا وليس لها أي تأثير إيجابي على حياة اللبنانيين ومستقبلهم بل على العكس سلبي جداً وعدائي عدواني لإثبات التمديد على عيون الأمريكاني بقوة الإرهاب السوري الإيراني.

وكان غبطة البطريرك صفير في حديثه إلى "السفير" قبل أكثر من عام قد أعتبر الرئاسة شاغرة أي فارغة أي خالية أي فاقدة الرمزية الجامعة على الصعيد الوطني، وطالب صراحة بإسقاط لحود بالوسائل القانونية الدستورية، وذلك لمعرفته الدقيقة بالقوى الإرهابية التي تقف وراءه ولخوفه على سلامة البلد. أكدت الأحداث المتلاحقة دون أدنى شك بأن البطريرك كان على حق، ولحود مدعوم من قوى بلطجية لا تقيم وزنا للقيم الدينية والديمقراطية، ولا للأخلاق والآداب والعادات واللياقات والتقاليد اللبنانية. والأمثلة كثيرة لا تحصى من جماعة 8 آذار ومنها ما يدعو حقا إلى الخجل بعد أن وصل إلى مستوى منحط في التخاطب السياسي. فمثلا وزير "حزب الله" الغائب بإرادته عن حضور الجلسات الحكومية طراد حمادة يقول "جريمة وجودنا خارج الحكومة تساوي اغتيال الحريري" دون أن يخجل من زميله الوزير الشهيد بيار الجميل الذي أخرجوه ظلما وعدواناً من الحكومة إلى الأبد. ودون أن يخجل من عائلة الشهيد رفيق الحريري وكل عوائل شهداء الاغتيالات ودون أن يخجل من الشعب اللبناني، في وصفه المنحط أخلاقياً إلى درجة اللاشعور بما يقول. حتى أن المقارنة هنا لا تستقيم نهائيا وفيها إغراق في الغرور القاتل والنرجسية وجرح للمشاعر الوطنية.كيف لا وهو يستطيع العودة إلى الحكومة في أي لحظة إن أراد أو أمرته إيران بالطبع. ومن طردك من الحكومة يا طراد! لتقول هذا الكلام الفاقد الإحساس ! وكأن من يتكلم ليس معالي وزير لبناني وإنما رجل ربوت آلي مبرمج أو قرص سوري إيراني مدمج!

وشتان ثم شتان بين التمديد رغم أنف النواب، وبين مطالبة البطريرك بالإسقاط القانوني الدستوري للحود بإرادتهم!

وبعد ذلك يأتي رئيس التمديد الإكراهي لحود المشبوه بعملية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري - تنفيذا لأوامر الحاقد على الحريري بشار الأسد - مع أركان نظامه الأمني الأربع القابعين في السجن لهذا السبب، ليعتبر أن حكومة السنيورة الشرعية غير موجودة وباطلة وكأنه الحاكم بأمره على البلاد أو دكتاتور على الدستور. والأخطر من ذلك تسهيله لعمليات الاغتيال والقتل للنواب والوزراء الأحرار، من خلال قوله انه "اصبح في حل تام من اية مهل او اصول او اجراءات يلزمه الدستور بها". وهذا ما حصل فعلا، بعدم قيامه بواجباته الدستورية ودعوة الشعب لانتخاب البديل عن مركز النائب الشاغر  الشهيد بيار الجميل. وكأن لحود يُزَجِّلُ قائلا:

"أنا القاتل ومعي حزب الله وعون وبشار والثورة الإلهية         وروحوا بلطوا البحر يا كل اللبنانيي" 

أما بشار فهو في تناقض ولا يعرف على أي خازوق سيقعد فيما يختص بالمحكمة: فمرة يقول أنه ليس ضد المحكمة، بل وسيحاكم بتهمة الخيانة العظمى كل سوري متورط في اغتيال الحريري، ومرة ثانية لا يعترف بالمحكمة ونظامه غير معني بها، وثالثة هو مع ما يقرره اللبنانيون ويعمل المستحيل لكي لا يتفقوا على القرار، ومرة رابعة يحرد فيقول بلسان وزير خارجيته وليد المعلم بعد لقائه وزير الخارجية البلجيكي كاريل دو غوخت رافضا المحكمة نهائياً "نحن لم نكن طرفا في المداولات القانونية التي جرت لوضع النظام الاساسي لهذه المحكمة لان الامم المتحدة اعتبرت هذا الموضوع يخص اللبنانيين انفسهم وانها تقوم على القانون اللبناني الاساسي" وكأن جريمة 14 شباط الرهيبة حصلت في دمشق ولم تحصل في بيروت، وكأن المغدور رفيق الحريري هو رئيس وزراء سوريا وليس رئيس وزراء لبنان، وكأن لبنان جزءاً من سوريا وعليه يسري القانون القراقوشي البعثي الذي يعتقل الأحرار من السوريين وغيرهم لأتفه الأسباب. ويظل الإنسان في سجونهم ومعتقلاتهم 30سنة دون محاكمة، وإذا حصلت فتكون على مواد وبنود غوار الطوشي مع احترامنا للأستاذ دريد لحام. وكأن المعلم يقول نحن متورطون في اغتيال الحريري ولن يخلصنا من هذه الورطة إلا محكمة دولية تبنى على القانون السوري.

كله لعب أطفال مكشوف للعالم أجمع هدفه وقف قرار تشكيل المحكمة. بدأ على طاولة مجلس الوزراء اللبناني استنكافا وما زال جماعة الحلف الإلهي يتخبطون هلعاً واستخفافا. مع أن المحكمة لن تشكل إلا بعد انتهاء التحقيق. والصراع الحالي هو فقط للحصول على قرار الموافقة على تشكيلها.

ثم ما هذا التفكير السفسطائي المرفوض: فمنذ متى في تاريخ المحاكم حصل أن أحد المشتبه بهم يشكل محكمة يمكن أن تنتهي إلى مقاضاته؟ وهل يجب أن تقوم المحكمة على النزاهة والعدالة أم يتم تفصيلها حسب قانون المجرم ليفلت من العقاب.

إنها حماقات صدام حسين مع مجلس الأمن يكررها بشار الأسد وبفظاظة ورعونة!

ولماذا يخاف بشار ويرتعد من كلمة محكمة، اذا كان حقا بريئا ولم يكن له ضلوع في الاغتيالات؟ المعارضة الشديدة من الحلف الإلهي للموافقة على تشكيل المحكمة الدولية هي أقوى إثبات لمجلس الأمن ومستند حقيقي بيد براميرتس، بأن الشهيد رفيق الحريري اغتالته أيدي الرؤساء القتلة وليس المرؤوسين المأمورين!

 

 

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها