عجز
"حزب الله" يدفعه إلى التخوين وحرق الدواليب
حق النقد
هو إحدى القيم الديمقراطية التي يجب أن نعمل على ترسيخها في لبنان
والعالم العربي بحزم ودون إبطاء، لكي نستطيع معالجة الأمراض المستعصية
الكامنة في داخلنا.
عجز
الأنظمة العربية وبالأخص الانقلابية ومنذ الخمسينيات عن تقبل النقد، بل
ومحاربته حربا شعواء، دل ومنذ البداية على إفلاسها الفكري، الذي أوصلها
إلى الحضيض وأوصلنا إلى الاحتلال البغيض وإلى هذا التخبط الذي نرى فصوله
الدامية بعين باكية.
العجز في
احترام حق النقد هو مشكلتنا وتعبر عن تخلفنا وليس مشكلة الآخرين. اتهام
الآخرين والاستعمار والغرب من خلال نظرية المؤامرة والغرف المغلقة بأنهم
هم السبب في تفاقم مشاكلنا لن يحل مشكلة واحدة من مشاكل العالم العربي.
اتهام حسن
نصر الله لحكومة السنيورة بأنها حكومة "فيلتمان" السفير الأمريكي أدى إلى
انهيار صورته في لبنان والعالم العربي.
لأن الناس
ليست بالعوام وقد خرجت من مخلفات القرن الماضي الثورجية أكثر وعيا ولم
تعد تصدق اتهامات صبيانية كهذه، حتى ولو قالها شيخ معمم ومحنك ملهم، أكثر
ما يقال فيها أنها ترهات وأضغاث أحلام. الظاهر أن الشيخ حسن ما زال يعيش
في خضم ستينيات القرن الماضي.
حتى أن كل
اتهاماته مع أتباع المحور الإيراني السوري لحكومة السنيورة الدستورية
ارتدت عليهم.
عجزوا عن
انتقادها فصاروا يتهمونها!
ومن هنا
فإن عجز حزب الله عن انتقاد الحكومة دفعه إلى أن يتهم ويشتم ويخون ويحرض
ويعتصم ويقطع الطرق ويحرق الدواليب ويكسر صور الرئيس الشهيد رفيق الحريري
وزجاج السيارات والممتلكات العامة والخاصة بطريقة هستيرية بلطجية غير
ديمقراطية.
عيب بعد
ذلك أن يقول البعض بأن "المعارضة" حضارية! كما قالها منذ أيام رئيس "أمل"
نبيه بري.
جماعة 8
آذار ليس لها تأثير دون "حزب الله" حتى أن "أمل" أثبتت بأنها تابع "لحزب
الله" ومتبوع. هو تابع للمرشد الإيراني بخشوع.
الأدلة
على ذلك أكثر من كثيرة، مثلاً: إن اعتكف وزراء حزب الله أو استقالوا
اعتكف وزراء أمل واستقالوا وإن مالَ مالوا!
وإن قال
المرشد خامنئي كلمة صارت في لبنان منزَّلةً.
ما يدعو
إلى السخرية هنا قول ميشال عون العاجز عن الانتقاد: بأنه ضد ورقة الحكومة
الإصلاحية إن قرأها وإن لم يقرأها.
هذا دليل
إفلاس سياسي فكري سيدفع ثمنه صاحبة من رصيده الشعبي غاليا جدا.
نكرر
الناس ليست عوام وهي أوعى بكثير من الحكام.
وليس كل
من انتخبه الشعب وأوصله إلى البرلمان، صار من حقه قلب الحقائق والاشتغال
بتجارة الكذب والعهر وحرق الدواليب والبهتان.
نستطيع
ليل نهار أن نندب بأن وعد بلفور المشؤوم هو سبب ضياع فلسطين. ونستطيع أن
نتذكر كل سنة هذا الوعد المرفوض جملة وتفصيلا وبكرة وأصيلاً، إلا أن ذلك
لن يعيدها.
وفي
الأساس ضياع فلسطين ليس بسبب وعد بلفور وإنما بسبب انهيار الدولة
العثمانية. وسبب انهيارها هو ترهلها ومرضها وتخلفها العلمي والحضاري عن
الأمم المتقدمة. أحد أسباب تخلفها هو حربها على حق النقد لمواطنيها
وتعليقهم على المشانق في بيروت ودمشق في السادس من أيار عام 1916 بدل
الحوار معهم، مما عجل في قيام الثورة العربية الكبرى بقيادة الشريف حسين
التي ساهمت مساهمة كبيرة في تسريع انهيارها أمام الحلفاء.
النقد
الحر هنا ودون مجاملات هو المحرك الأول لبعث الحضارات أو إعادة إحياء
الميتة منها وإخراجها من القبور أو المغاور أو الكهوف أو الأزقة أو
الساحات أو الأنفاق أو المربعات والمسدسات الأمنية.
متى سنقتنع
نحن اللبنانيون ومعنا كل العرب من المحيط المأزوم إلى الخليج المضطرب، بأَن
النقد
هو حق الفرد أو الجماعة على الدولة والمجتمع على السياسة والدين، لكي
يروا أنفسَهم في المرآة دون هالات. وهو ليس منةً من حاكم أو عطية من أحد،
بل هو حق.
النقد
بحد ذاته
هو
قدرة خلاقة
شعورية متأججة إبداعية عند المنتقِد تفرض عليه التعبير بطريقة ما: إما
بأغنية أو مسرحية، لوحة أو منحوتة، قصيدة أو فكرة، قصة أو خاطرة، حكاية
أو أسطورة، مقالة في صحيفة أو مقابلة في فضائية، خطاب جماهيري صادق وليس
كذاب، كتاب مفتوح أو رسالة عتاب، خطبة أو حديث، أي عدم السكوت عما يراه
المنتقد من أخطاء.
وكيف
سيسكت
من
تشبعت روحه
المبدعة بقيم
ديمقراطية أخلاقية
عليا،
صار
الدفاع عنها
هو الدفاع عن ذاته الإنسانية المعانية توجعا، وهو يراها فريسة سهلة
تمزقها الأكاذيب ببراثنها وتنهشها الأضاليل بأنيابها وتفتك بها أساطين
السياسة والدين والفساد والتخوين. وعدم السكوت فيه خطورة وخطوط حمراء
وحلال وحرام ومقدس ومصان. ومن هنا يأتي أشهر مثل عربي عرفه العالم ولم
يأخذ به إلا العرب وهو أكبر قاتل لحق النقد " لسانك حصانك إن صنته صانك"
ولهذا فحب التعبير عما يجول في القلب والضمير كان ثمنه غاليا جدا في
عالمنا العربي الإسلامي الأمثلة لا تحصى وللأسف ما يزال ساريا حتى اليوم
ومن سيء إلى أسوء.
وفي أكثر
الأحيان دفع صاحبه ثمنه من راحته: ملاحقةً وسجنا وعقابا وهجرة واغترابا،
ومن حياته: إعداما أو قتلا أو اغتيالا أو إذابة بالأسيد. والتسامح في هذا
الأمر من قبل الحاكم، إذا حدث كان عبارة عن منة أو عطية. والأمثلة كثيرة
عبر التاريخ. فالفيلسوف اليوناني سقراط خيروه بين السكوت عن انتقاداته أو
شرب السم ففضل شرب السم. اما فلاسفة العرب فاتخذوا مبدأ التقية ومنهم من
صلب كالحلاج. إلا أن سقراط صار أمثولة في التاريخ الإنساني يثبت للأجيال
المتعاقبة عبر العصور أن النقد حق يجب أن ينتزعه الفرد من الدولة
والمجتمع حتى ولو قدم الروح صارخة كسليم اللوزي، أو صامتة كرياض طه، أو
مزقزقة كسمير قصير، أو مغردة كجبران تويني في سبيل ذلك. فتقديم الروح هنا
في سبيل قضية مشروعة وسامية جدا هو قمة في العطاء، لانتصارها.
وهكذا
ينتزع الفرد حقه من المجتمع بقطرات دمه المشتعلة لهداية الأجيال القادمة.
النقد هو
ميزة النبهاء من البشر.
وكلُّ الدول الحديثة المستقرة المزدهرة الشبعانة الديمقراطية المتطورةِ
المتأَلقةِ المعطاء،
القادرةِ على حل مشاكلِها والانطلاقِ بِمجتمعِها حثيثاً إلى الأَمام،
وليسَ الرجوع إلى الوراء،
مبنيةٌ على حق النقد.
هذا الحقُ
هو حبٌ
إلهيٌّ لعمل
الخير الشديد ولصالح المجتمع المتخلف الغافي البليد. حب
من نوع آخر.
هو
التسامي والارتفاعُ إلى أعلى درجاتِ الحب.
هو الملحُ في الطعام. يا سادةَ يا كرام!
ومن لا يقتنع بهذا الكلام
،
فالتَّجربةُ أكبر برهان. وليجرب مرةً واحدةً الأَكل بدون ملح.
وكما أَن
الأَكلَ
هو
عمادُ
الحياةِ الأَساسيِّ الْمُسِر،
أيضا
فإن النقدَ الحر هو عمادُ النظامِ السياسيِّ المستقر. وليس من مصلحَةِ
الحكمِ
، أن
يشتريَ المعارضةَ، يقضي عليها، يَمنعَها من التعبيرِ،
ويقولَ لها إلى
الوراء أو
إلى
الأَمام سر، فإنه
سيصبحُ
عندها
حكمُ
أَصنامٍ ودمىً ذي ظلٍّ مُمِل.
ونصبحُ
على شَرٍّ
في دولةِ
أَشباحٍ بلا قَمر، شعارُها المستترُ .. ومهما برَّرَت ونَظَّرَت في
الأَمر، "اركب على الشعب وجُر".
وما يحدث
في لبنان هو العكس تماما فإن أتباع المحور الإيراني السوري ومن أطلقوا
على أنفسهم كلمة "معارضة" شططا شعارهم: سنركبُ على الشعب ونجر وإن لم
ينجر فسنحرق الدوليب خرابا ونقطع الطرق ارهابا ونكسر الزجاج ونقبع الصور.
والمنتقدُ
الجريءُ الأَغر،
هو كاشفٌ عارفٌ للأُمور مُحب والمُحبْ يغار. ومن يغارْ ينتقد.
والغيرةُ
هي
ملحُ
الحبِّ وفلفلهِ
وبهاراتهِ.
وفقط الحمارُ
لا يغار،
وعليهِ يركبُ الكبارُ والصغار. ومن دون المعارضةِ الحرةِ وحقِ النقد،
فلا يمكن أَن نَبنيَ
أوطانَ
المستَقبلَ والغد،
ولا يمكنُ أَن نخرجَ من الورطة العربية الخانِقَةِ على كلِّ الصُّعُد،
وللمستقبلِ القادمِ نستعِد.
والحاكم
الذي
يخشى
النقدَ
كبشار الأسد
ويزج
المفكرين والكتاب في السجن،
فأيامُ حكمِهِ ومهما طالَ الأَمد،
على الأَصابعِ تُعد.
ومن يريد
أن يفهمَ
بعمق
حق النقد،
فعليه أن يفكرَ ملياً، بسرِ معانقَةِ الشوكِ للورد. |